أعادت المبادرة الروسية حول عودة النازحين واللاجئين السوريين إلى بلدهم الدفع بهذه القضية إلى واجهة التطورات والأحداث. ولعل جانباً كبيراً من الاهتمام بها ينبع من رغبة عدد من الدول المضيفة في التخلص من جملة الأعباء التي رتبها النزوح السوري عليها. ومن الطبيعي أن تتحرك قضية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين لجأوا شأن إخوتهم السوريين، إلى دول مجاورة وأخرى بعيدة، علماً بأن عددهم قليل بالقياس إلى أعداد السوريين، ونسبتهم كبيرة بالنظر إلى العدد الإجمالي لفلسطينيي سوريا.تعاطى لبنان إيجابياً مع المبادرة الروسية، وطُرح ملف عودة النازحين الفلسطينيين والسوريين إلى سوريا، فكلفت الدولة اللبنانية فريق عمل يهتم بإحصاء العدد ومتابعة تطورات ملف النازحين الراغبين في العودة. تريد روسيا ببذل الجهود لعودة اللاجئين والنازحين بالتنسيق مع الدولة السورية تحقيق أكثر من هدف. أولاً سحب قضية اللاجئين من التوظيف السياسي والاستغلال الاقتصادي. فهذا العدد الكبير من النازحين يُستخدم كورقة ضد الدولة السورية، أو ما يسمى «الاستخدام المعنوي» في المفاوضات السياسية. وفي الوقت نفسه، تكسب روسيا حضوراً على مستوى مساهمتها الإنسانية في إقفال هذا الملف. وثانياً، ترغب روسيا في أن تعيد تواصل الدول الحاضنة مع الدولة السورية.
لبنان الرسمي معني بالتواصل مع سوريا في هذا الملف، لكن فريقاً في لبنان يعتبر التواصل شكلاً من أشكال التطبيع السياسي، ويقدم موقفاً سلبياً ينعكس على الجهود الروسية والسورية واللبنانية في إيجاد نهاية مريحة لقضية صعبة لها أبعاد سياسية واقتصادية وإنسانية في الوقت عينه.
تسببت الأزمة السورية في نزوح 200 ألف لاجئ فلسطيني


يبدو ملف فلسطينيي سوريا، الذين نزحوا إلى لبنان أو غيره، كتفصيل في قضية النزوح واللجوء الكبيرة، لكنه تفصيل على درجة عالية من الأهمية، فالفلسطينيون لاجئون في الأساس كونهم اقتلعوا من بلادهم منذ سبعين عاماً، وترى غالبيتهم العظمى في العودة إلى سوريا خطوة على الطريق نحو عودتهم الكبرى إلى وطنهم الأم.
بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا قبل الأزمة نحو 560 ألف لاجئ كانوا يتوزعون على ست محافظات، لكن الكتلة الأكبر من اللاجئين كانت توجد في دمشق، وتحديداً في مخيم اليرموك الذي كان يحوي حوالى مئتي ألف لاجئ. تسببت الحرب في سوريا في نزوح ولجوء نحو مئتي ألف لاجئ فلسطيني، من المخيمات الفلسطينية في سوريا. غادر منهم نحو 80 ألفاً إلى دول أوروبا، فيما توزع نحو 10 آلاف في تركيا، وعشرة آلاف في الأردن، وحوالى 30 ألفاً في لبنان. ونزح عدد كبير منهم إلى أماكن أخرى داخل الأراضي السورية. ويجري الحديث عمّا يقارب الـ 400 ألف لاجئ فلسطيني سوري سيصار إلى إعادة توزيعهم جغرافياً على أطراف دمشق، وخاصة أن «عاصمة الشتات» (مخيم اليرموك) أضحى أثراً بعد عين جراء المعارك مع تنظيم «داعش» الإرهابي.
كنا في مؤسسة «جفرا» قد وضعنا خطة عمل عاجلة تفضي إلى خطوات عملية على طريق العودة إلى اليرموك، في ظل غياب أي دور حقيقي للفصائل الفلسطينية، ولـ«منظمة التحرير»، وحتى «الأونروا» التي تمارس الشكوى بعد تقليص الدعم الأميركي لها. لكن المبادرة لم تلقَ الترحيب الذي توقعناه حتى الآن، وهو ما أثار لدينا مخاوف كثيرة.

فلسطينيو سوريا عند «الجار»
تعمل «اللجان الشعبية الفلسطينية» في المخيمات اللبنانية على استكمال إجراءات ملفات وأوراق اللاجئين الفلسطينيين من سوريا الراغبين في العودة الطوعية والآمنة إلى مخيماتهم وأماكن سكنهم في سوريا. وتجري هذه اللجان تسهيلات على صعيد جمع الأوراق الثبوتية لجميع العائلات الفلسطينية السورية التي تم تسجيلها في اللوائح للعودة إلى سوريا وكلّ التسويات القانونية. ويتردد أن السفارة الفلسطينية لدى بيروت، كما الحكومة اللبنانية، تدعمان هذا التوجه، وأن رئيس السلطة خصص منحة قيمتها ألف دولار لكلّ عائلة تريد العودة.
بصرف النظر عن قيمة هذه المنحة، ومدى مساهمتها الفعلية في دعم الأسر الفلسطينية، فإن ما يتطلب الاهتمام أكثر هو معالجة المشكلات المتعلقة بعودة اللاجئين، ذلك أن عدداً كبيراً من اللاجئين قد لا يستطيعون العودة، لوجود ملفات متعلقة بقضايا قانونية كخدمة العلم أو غيرها، أو لانتهاء مدة أوراقهم الثبوتية وتعذر تجديدها، كونهم غير موجودين على الأراضي السورية. ويحتاج هؤلاء إلى ضمانات حقيقية للعودة الكريمة إلى البلد الذي احتضنهم طويلاً وشكل فعلاً لا قولاً وطنهم الثاني.

في أوروبا
لم تسجل السنوات الأخيرة أي تطور إيجابي على حياة الفلسطيني النازح من سوريا إلى أوروبا، باستثناء الحصول على ضروريات العيش بالمستوى الإنساني، بعيداً عن سقف الحقوق الذي نصت عليه اتفاقية جنيف للاجئين أو شرعنته المنظمات الدولية أو أقرته المعاهدات الدولية. كثيرون من الفلسطينيين تحولوا بفعل الحرب السورية من لاجئين إلى «مشردين»، رغم امتياز أنهم أصحاب حق بالعودة إلى بلدهم فلسطين، وأن مسلسل اللجوء لديهم أصيل، في الوقت الذي يتزايد فيه لديهم إحساس باليتم والترك.

النهايات المفتوحة
أقفل اليرموك المشهد الفلسطيني السوري على مخيمات منكوبة، النكبة تبدو صفة ملازمة للفلسطيني. لعله يضع بديلاً لما هو مفقود. وطن محتل وبديله منفى. وعيش مهدد وبديله ترقب للإحساس بالأمن والاستقرار. ومخيم ثابت وبديله «مخيم في الريح». «الأونروا» بوصفها ضرورة وبديلها... إلى نهاية الشوط والمفردات والأوصاف وبدائلها.
إذاً، ما هي الإمكانات المتاحة أمام عودة النازحين الفلسطينيين إلى سوريا، وتحديداً إلى «اليرموك»، فيما يحكى عن تقليص مساحته، ما يعني تقليل أعداد العائدين، في حال توافر شروط العودة الإنسانية واللوجستية؟
ثمة حقيقة يجب الالتفات إليها: إن عودة فلسطينيي سوريا إليها هي أكثر من حاجة باتجاهات عدة. فهم لفلسطين ولسوريا جزء من بنية الممانعة والمقاومة، وسوريا للفلسطيني اللاجئ مكان لطالما كان الخيار الأفضل، في ظل واقع عربي يجاهر بحب فلسطين ويكتم كرهاً مرضياً لشعبها اليتيم.
*مدير «مؤسسة جفرا للإغاثة والتنمية الشبابية»