ابتسم حافظ الأسد ابتسامة راضية، وهو يستمع إلى المترجم الروسي ينقل له كلمات يوري أندروبوف الحاسمة: «تأكد، يا سيادة الرئيس، أننا لن نخذلك. ولن نتركك تجابه أعداءك وحيداً». صمت الزعيم السوفياتي قليلاً، قبل أن يضيف، بنبرة ودودة، وهو يتطلع من خلف نظارته الطبية في وجه ضيفه السوري، ومرافقيه: «سيادة الرئيس، يسعدنا أن نخبركم بأننا نوافق على مطلبكم. وسنعمل على تزويد القوات المسلحة السورية بكل ما ينقصها، ويلزمها من المنظومات الدفاعية». سكت أندروبوف، من جديد، ليترك للمترجم فرصة نقل عباراته إلى الضيوف السوريين، ثم أردف قائلاً: «وكذلك، فإننا سنعمل على تجهيز الجيش السوري، في القريب العاجل، بهذه المعدات القتالية الحديثة، وبالخبرات اللازمة لتشغيلها، وإدارتها، وصيانتها». فجأة، ارتسم شيء من الضيق على وجه وزير الدفاع السوفياتي ديمتري أوستينوف، وبدا عليه تململ من اندفاع زعيمه الجديد أندروبوف. وقال أوستينوف، وهو يرسم على شفتيه ابتسامة باردة: «أعتقد أن تزويد الأصدقاء السوريين بما طلبوه، يحتاج إلى مقدار وافٍ من الوقت. وأنا أعرف أنّ الرئيس الأسد لا يعوزه الصبر والتفهّم لما يحتاج إليه نقل هذه المعدات الجديدة إلى سوريا من عوائق فنية ولوجستية». ظهر تجهّم على وجه الرئيس حافظ الأسد، وقال لوزير الدفاع السوفياتي: «من سوء الحظ، يا مارشال أوستينوف، أنّ جنود الجيش العربي السوري وضباطه لم يعد باستطاعتهم الانتظار أو التحلي بفضيلة الصبر، بعد كل ما تعرّضوا له من عدوان إسرائيلي غاشم استهدف أرواحهم، وسلاحهم، وكرامتهم». أجاب أوستينوف بفتور: «لكن، يا سيادة الرئيس، يجب أن تتفهموا أنّ كثيراً من منظومات الدفاع الجوي التي تطلبونها ليست متوافرة حالياً، ونحن نحتاج إلى وقت كاف من أجل صناعتها وإرسالها». حسم أندروبوف الجدل الدائر بين الرئيس السوري ووزير الدفاع السوفياتي، فقال للأخير بنبرة حادة: «إذا لم يكن هناك فائض كافٍ من السلاح الذي تطلبه سوريا، فاذهب وخذه من مخازن الجيش الأحمر، وأرسله، إلى دمشق، فوراً». وأضاف أندروبوف، وسط دهشة كل من استمع إلى كلماته القاطعة، في مساء يوم 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982، في قاعة الاجتماعات الكبرى، في مبنى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي: «إنّنا لن نسمح لأحدٍ بأن يهدد سوريا». كان هذا الموقف العظيم المساند لسوريا بقوّة، أفضل كثيراً مما حلم به حاكم دمشق وتخيّله. شعر الأسد الجريح أنّ الأوان آن لكي يتنفس بعض الصعداء، بعد عَنَتِ السنوات العجاف الخوالي، ومهانتها، ومراراتها.
«ضربة المعلّم»
اعتبر الرئيس السوري حصيلة زيارته للاتحاد السوفياتي ممتازة جداً، فقادة الكرملن قرّروا، أخيراً، أن ينجدوه بأفضل ما في ترسانتهم من السلاح. ولقد جاء الأسد إلى موسكو، في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982، من أجل حضور مراسم جنازة الزعيم ليونيد بريجنيف، وتقديم واجب العزاء لخليفته. وكان حافظ الأسد يعرف يوري أندروبوف جيداً، فقد التقاه قبل خمسة شهور لقاءً مطوّلاً، يوم طار إلى العاصمة السوفياتية سرّاً، لكي يحُثّ قادتها على إعانة سوريا في المحنة اللبنانية، بعد أن قصف الإسرائيليون منظومات دفاعها الجوي، وأبادوا معظم بطاريات صواريخ «سام 6» التي نشرها السوريون في منطقة البقاع (1). ووصل الأمر بالرئيس السوري إلى حدٍّ جعله يرجو القادة السوفيات أن يستخدموا الخط الساخن (ما يُسمى «الهاتف الأحمر»)، لأجل الضغط على الأميركيين. ويومها، وجد الأسد أنّ أندروبوف رجل متفهم لطروحاته ومطالباته، لكنّ يده بدت أقصر، في ذلك الصيف، من أن تبادر إلى تدخل عسكري أو دبلوماسي، في قضايا الشرق الأوسط الحارقة. وسريعاً ما فهم الأسد أنّ أندروبوف غير جاهز، في ذلك الحين، لمدّ يد العون إليه، من دون تكليف أو توجيه من بريجنيف الذي كان يغرق في احتضار طويل. بيد أنّ الظروف ـــ لحسن حظ الرئيس السوري ـــ ما لبثت أن تغيّرت تغيّراً جذرياً، في الخريف.
أندروبوف لوزير دفاعه: إذا لم يكن هناك فائض من السلاح فاذهب وخذه من المخازن وارسله إلى دمشق


وحينما عاد الأسد إلى دمشق، كان في جعبته كثير من الغنائم. لقد حصل أخيراً على بطاريات صواريخ «سام 5» التي لم يسبق لها، قطُّ، أن نشرت خارج نطاق دول حلف وارسو. وكانت تلك المنظومة الجديدة تتميّز بأنها بعيدة المدى، وفعّالة ضد الأهداف الشديدة الارتفاع (2). ومثّلت صواريخ «سام»، وقتئذ، بأنواعها المتنوعة، وراداراتها، وأجهزة تشويشها، ومعداتها المعقدة للرقابة والسيطرة، عمادَ نظام الدفاع الجوي في الاتحاد السوفياتي كله. ولم يكتفِ حافظ الأسد بصواريخ «سام 5» التي تنقصه، فقد حصل أيضاً على قذائف SS-C-1B Sepal، وكانت هذه صواريخ مضادة للسفن، ذات رؤوس حربية ضخمة مدمرة. ثم إنّ الأسد زاد غلّته، فاستحصل من السوفيات على قذائف OTR-21 Tochka، وكانت، يومها، النسخة الأكثر تطوراً من صواريخ أرض ـــ أرض (3). وأكمل الرئيس السوري مساعيه من أجل ترميم قوات بلاده الجوية، فزوّدها بمقاتلات «ميغ 23». وأما القوات البرية السورية، فقد دعّمها بدبابات «تي 72». وبذلك استطاع أن يعوّض كل خسائر جيشه المادية في حرب لبنان، بل إنه أعاد تسليح قواته بأفضل مما كان لديها. على أنّ «ضربة المعلّم» تمثلت في مسألة أهمّ من جميع أنظمة السلاح، فلقد حصل الأسد على تعهد واضح من أندروبوف، بأن الجيش الأحمر بنفسه سيحمي سوريا إذا ما تعرضت لخطر غزو خارجي. وبذلك أدخل الأسد في معادلة توازنات الشرق الأوسط لاعباً مباشراً من الحجم الثقيل، وأصبح للجيش العربي السوري قوة عالمية عظمى تسند ظهره.

«وسوى الرومِ، خلف ظهرك رومٌ»
وكان على الأسد، بعد أن عالج في موسكو بعض جراحه النازفة، أن يتأهب للوثوب على أعدائه الذين احتلوا أرض لبنان، ثمّ ظنوا أنّ باستطاعتهم، كذلك، أن يخنقوا سوريا. ولم يكن خافياً على الأسد أنّ أوزان القوة ـــ رغم التعديلات الأخيرة ـــ ما زالت في غير صالحه. فقد كانت جبهته الداخلية غير مؤمّنة تماماً، بسبب الصراع المرير والدامي مع الجماعات الإسلامية المسلحة الذي امتد طوال سبع سنوات كاملة. وعلى الرغم من إجهاز الأسد على جماعات «الإخوان»، في موقعة حماة، فإنّ ذلك لم يكن كافياً لتأليف القلوب، ورصّ الصف الداخلي. وأما في لبنان، حيث أرض الصراع مع الإسرائيليين، فقد كان عملاء العدو يقبضون على مقاليد السلطة، ويحتلون الساحة عمليّاً. وصحيح أنّ الأسد تخلّص من كبيرهم، قبل شهرين، إلاّ أنّ أعوانه ما زالوا في كل مكان. وهم يستقوون عليه، بالقوات المتعددة الجنسيات التي تؤازرهم، وبالعدو الإسرائيلي الذي جلبهم إلى سدّة الحكم، في حمى دباباته. وعلى المقلب الآخر، كان الأسد يرى عدوّه مناحيم بيغن مرتاحاً تماماً، فهو قد حيّد مصر، واستراح من خطر العراق، وابتلع لبنان، وطرد الفلسطينيين، وأدمى أنوف السوريين. وفوق كل ذلك، فإنّ بيغن وجد في ريغان حليفاً لم تأتِ أميركا بشبيه له، من قبل! ولم يبالِ ريغان، منذ انتخابه، قبل عامين، بالعرب عموماً، وبالقضية الفلسطينية خصوصاً، بل إنه عمد إلى إرث سلفه كارتر، فأطاحه. وكان أوّل ما صنعه ريغان وإدارته، هو طيّ مسألة الحكم الذاتي الفلسطيني الذي «بشّر» كارتر العرب به. واستولى على فكر ريغان هاجسان لا ثالث لهما: القضاء على الخطر السوفياتي ووكلائه، والقضاء على ما سمّاه «الإرهاب العالمي». ولقد كان الأسد، بالنسبة إلى الأميركيين، يجمع «الحُسنيين» معاً، فهو «وكيل السوفيات» في الشرق الأوسط، وهو «ناصر الإرهاب» في العالم. وبالتالي، لم يكن أمراً مفاجئاً للأسد أن يسمع ريغان وهو يعلن، في 1 أيلول/ سبتمبر 1982، ما سمّاه «خطته للحل في الشرق الأوسط»، فلا يورد فيها اسم سوريا بالمطلق، ولا يذكر كلمة واحدة عن قضية الجولان المحتل!
ولم تكن مشاكل الأسد مقتصرة على أعدائه الصريحين، ولا على ضرباتهم المباشرة له. فهو إذا تطلع نحو الجنوب رأى حسيْناً، وإذا التفت شرقاً وجد صدّاماً، وإن هو شَخَصَ ببصره نحو الشمال يواجهه الجنرال كنعان إيفرين.
وكل أولئك أوْلى أن يُسمّيهم أعداءً لا أصدقاء! ولقد كان هَمْز هؤلاء الرهط ولمْزهم، يبلغان أحياناً دركاً من السفالة والحقارة غير مسبوق. فصدّام يدّعي أنّ السوريين تحالفوا مع شارون ضد الفلسطينيين، ومبارك يزعم أنّ السوريين اتفقوا مع بيغن لاقتسام لبنان. وحسين ـــ الأردن يقول إنّ هدف السوريين الحقيقي هو تصفية القضية الفلسطينية. وحتى القذافي ـــ وهو صديق قديم ـــ أصبح مستاءً من السوريين لأنهم لا يقاتلون الإسرائيليين حتى آخر جندي منهم! لكنّ أكثر من كان يغيظ الأسد هو ياسر عرفات، فقد ظل هذا الأخير يتشدق بأنه قاتل شارون وحده، وأمّا السوريون فقد فرّوا وتركوه، في الميدان، وحيداً. وكانت تلك الادّعاءات العرفاتية ـــ بالنسبة إلى الأسد ـــ خليطاً من التبجّح، والكذب، والجحود. فالسوريون حاربوا بشجاعة، في لبنان برّاً وجوًاً. بل إنّ لواءً من الجنود السوريين، يقوده العميد محمد حلال، حوصر في بيروت الغربية وتقطّعت به السبل. وحارب أولئك السوريون جنباً إلى جنب مع إخوانهم الفلسطينيين، حتى نهاية المطاف. ولقد كان أشدّ ما يغيظ الأسد من ظلم العرب ـــ «ذوي القربى» ـــ ومزايداتهم، أنّهم يجحدون حتى دماء السوريين التي سالت في أرض المعركة. ولم يكن ما بذله السوريون، في حرب لبنان، قليلاً، فقد سقط لهم ألف ومئتا شهيد، وثلاثة آلاف جريح. ودمِّر لهم أكثر من ثلاثمئة دبابة، ونصف ذلك العدد من ناقلات الجنود المدرعة. وخسروا ستاً وسبعين طائرة حربية، وستّ مروحيات، وفقدوا ستين طيّاراً في المعارك الجوية مع العدو.

«فتية آمنوا بربهم»
بيد أنّ خيارات الرئيس السوري وتحالفاته، وإن كانت محدودة ومحصورة، فهي لم تعدم بعض الأصدقاء الحقيقيين. ومثلاً، فإنّ تقاربه مع إيران أخذ يثمر بعض النتائج. ولقد ظلّ هذا التقارب يجلب على الأسد سيولاً لا تنتهي من التشنيع والتشويه والمذمة والازدراء. لكنّ القادة العرب الذين كانوا يستقبحون تقرّب الأسد من الخميني، لم ينجدوه يوم احتاج إلى الدعم في معارك البقاع ضد الإسرائيليين، بأيّ من كتائبهم. وحدَهُ «الحرس الثوري الإيراني» من فعل ذلك؛ فجاء إليه بأفواج من المتطوعين القادمين من جبهات القتال في الأهواز. ويومها، سخر الكثيرون ـــ ومن بينهم بعض قادة الجيش السوري نفسه ـــ من أولئك الفتية الأعاجم الذين عصبوا رؤوسهم بعصائب حمراء كتب عليها «يا حسين»، و«يا زهراء»، وأخذوا يحاولون تنظيم بعض الشبان في بعلبك، وتدريبهم. وقيل للأسد: «ماذا يمكن لهؤلاء الشيعة الإيرانيين واللبنانيين أن يزيدوا أو يُنقصوا؟!». على أنّ «الفتية» سريعاً ما بان بأسهم. وكانت أولى ضرباتهم مدوية حقاً! فقد فجّر شاب يدعى أحمد قصير، لم يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، في صباح يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982، مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي، في مدينة صور، فأوقع مئة وخمسين صهيونياً، من ضباط العدو وجنوده، بين قتيل وجريح. وفتح ذلك الشاب عهد الاستشهاديين. كانت ضربة أحمد قصير أقسى ضربة ينالها الجيش الصهيوني، منذ أن اجتاح لبنان. وبعد خمسة شهور فقط، نال «الفتية» من الأميركيين أنفسهم. فقد فُجِّرَ، في يوم 18 نيسان/ أبريل 1983، مبنى السفارة الأميركية في بيروت. وكان من بين القتلى الثلاثة والستين مدير فرع المخابرات المركزية، ونائبه، وثلّة من كبار ضباط الـ«سي آي إيه»، بينهم روبرت آميس كبير محللي الوكالة لشؤون الشرق الأوسط. ولم تكن تلك العملية آخر مصائب الأميركيين في لبنان. ففي 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1983، تم تفجير مقر وحدات المارينز في بيروت، وسقط 241 من الجنود الأميركيين صرعى. وهذه كانت أكبر ضربة ينالها «اليانكي» منذ موقعة «بيرل هاربور». بعد ذلك مباشرة، انسحب الأميركيون من بيروت، وهم لا يلوون على شيء. يومها، قال وزير خارجيتهم جورج شولتز: «إنّ بيروت هي الطاعون».

لم تكن مشاكل الأسد مقتصرة على أعدائه الصريحين ولا على ضرباتهم المباشرة له


ظلّ حافظ الأسد يراقب ملياً ما يصنعه حلفاؤه الطيبون. لم يكن باستطاعته، بالطبع، أن يؤيد صراحةً أفعالهم، لكنها لم تسؤه على الإطلاق. وبدا واضحاً أنّ الخروج المباشر للأميركيين من المشهد اللبناني يصبّ في مصلحة دمشق، ويضعف من قدرة أعدائها. على أنّ الأسد ـــ وهو من هو في إتقان فنّ الانتظار ـــ لم يكن بمقدوره أن يقف محله ساكناً يراقب الطرائد الشاردة التي انتابها الفزع من دون أن ينقضّ على بعضها، فيفتك بها، أو يستدرج أخرى إلى شراكه. لقد كان همّه، الآن، أن يقلب الطاولة على كل أعدائه. وكذلك أنشأ الأسد حروباً متنوعة على جميع خصومه، في كافة أرجاء لبنان. لقد أراد أن يصفّي حساباته معهم دفعة واحدة. وكان الأسد يعرف نقطة ضعف الإسرائيليين جيداً: ليس لهم طاقة على تحمّل الخسائر البشرية الفادحة. لذا فإنه أسهم في انبثاق مقاومة مسلحة أخذت تطاردهم في كل مكان. وأمّا «القوات اللبنانية» وحلفاؤها، فقد أطلق عليهم حليفه جنبلاط، فلم يلبثوا كثيراً حتى انهزموا في «حرب الجبل».
وأطلّ عرفات برأسه في البقاع، فأطبق عليه بقادة من حركة «فتح» نفسها، فطردوه. وعاد عرفات من جديد للظهور في طرابلس، فقذفه الأسد خارجها. وحاول الشيخ سعيد شعبان ـــ حليف جماعة «الإخوان المسلمين» القديم ـــ أن يتمرد، فنال العقاب. عندها، دانت الساحة كلها للأسد الصائل. وحاول الإسرائيليون أن يستمسكوا بشيء مما بذلوه في لبنان، فضغطوا على حكومة أمين الجميّل الضعيفة كي توقّع اتفاقية سلام معهم. وبالفعل تمّ لإسرائيل ما أرادته، في 17 أيار/ مايو 1983. بيد أنّ الأسد لم يخضع لهذا الاتفاق الكريه الذي اشترك فيه عرب وصهاينة وأميركيون. ضغط على الأميركيين، فأمكنه أن يخرجهم من الميدان اللبناني. وطارد الإسرائيليين فأجبرهم على الانزواء في رقعة صغيرة من الجنوب.
ثم ما لبث أن قصقص سلطة أمين الجميّل، فأطاحت انتفاضة مسلحة، في 6 شباط 1984، بآخر ما تبقى له من النفوذ، في بيروت. وكذلك انتهى كل شيء! في 29 شباط/ فبراير 1984، جاء أمين الجميّل إلى دمشق يجرّ خيباته، معلناً أنه مستعد فوراً لإلغاء اتفاقه الذليل مع الإسرائيليين. وبعد خمسة أيام، تمّ الإلغاء بشكل رسمي. وكان ذلك إعلاناً ساطعاً بفوز الأسد في الجولة كلها.

الهوامش
(1) منح الاتحاد السوفياتي منظومة صواريخ «سام» للدفاع الجوي، إلى دول عربية عديدة، منذ أوائل عقد السبعينيات من القرن الماضي. ومنها تكوّن، ما سُمّي، في الإعلام المصري، «حائط الصواريخ» الذي دمّر عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية، في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973. غير أنّ السوفيات سرعان ما نالهم جزاء سنمار. فقد بلغ العهر بنظام السادات حدّاً جعله يبيع إلى الأميركيين أحدث ما زوّدته به موسكو ليقاتل «عدوه». وكانت بطاريات «سام 6» هي أحدث ما منح للسادات في مجال الدفاع الجوي. وتمكّن الفنيون الأميركيون (والإسرائيليون) من أن يفحصوا كل مكوّناتها: القذيفة، والرادار، ووحدة التوجيه، ثم ابتكروا أساليب للتشويش على تلك البطاريات. وبعد هذه الخيانة، كان من الطبيعي، أثناء حرب لبنان سنة 1982، أن تستهدف إسرائيل بسهولة فائقة منظومة صواريخ «سام 6» التي نشرها الجيش العربي السوري في البقاع اللبناني، ما أدّى إلى إبادتها.
(2) من حسن الحظ أنّ صواريخ «سام 5» التي اقتناها حافظ الأسد، قبل خمسة وثلاثين عاماّ، لم تَشِخ، وظلّت فعّالة. وفي 10 شباط 2018، انطلق صاروخ سوري من تلك المنظومة، فأسقط طائرة «أف 16» إسرائيلية مطوّرة، فوق هضبة الجولان، وسط ذهول العالم كله.
(3) أمّا عن صواريخ «توشكا»، فحدّث! عرف المعتدون بأسها، وشدة تنكيلها بهم. ولقد أطلق «أنصار الله» أحدها على معسكر «صافر» في محافظة مأرب الذي تمركزت فيه قوات العدوان على اليمن، فقضت على ستين من هؤلاء دفعة واحدة: خمسة وأربعين إماراتياً، وعشرة سعوديين، وخمسة بحرينيين.
* كاتب عربي