مع نهاية عام 2016، بدأت بوادر انهيار المشروع التكفيري في سوريا، مع المزيد من تفكك ما يسمى «البيئة الحاضنة»، أو ما تعبّر الجماعات هناك عنه بـ«المناخ الجهادي»، انطلاقاً ممّا كتبه المدعو مصطفى الست مريم نصار (أبو مصعب السوري) في كتابه «إدارة تنظيم حرب العصابات»، في عام 1989.وبهدف التغلب على هذه الأزمة الحقيقية التي تعيشها في ما بقي من مناطق تحت سيطرتها في محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب، أعادت الجماعات المسلحة هناك، تنظيم تظاهرات تحمل أسماءً مختلفة، وترفع راياتها، وخصوصاً في مناطق كفر نبل، معرة النعمان، سراقب، مدينة إدلب، أريحا، جسر الشغور، خان شيخون، الدانا، وكفرناها.
حالة الانقسام وغياب المشروع، انسحبت على شعارات التظاهرات. فمنها ما دعا إلى إسقاط الاتفاقيات الدولية حول سوريا، ومنها إلى فتح الجبهات ضد الجيش السوري، ومنها إلى تحكيم الشريعة، تبعاً للفكر الذي يتبعه منظم التظاهرات، لكن المشترك بينها، هو السعي إلى الحصول على «التمثيل الشعبي»، المفقود في تلك المنطقة، التي ينتظر أهاليها قدوم الجيش السوري إليهم، بحسب العديد من التقارير الواردة من هناك.
الغضب الشعبي على ممارسات الجماعات، مرده إلى حالة الفوضى الأمنية التي تشهدها المناطق الخاضعة لسيطرتها، وانتشار حالات السرقة التي تحميها الفصائل، الساعية إلى إيجاد بدائل تمويلية جديدة، بعد المتغيرات السياسية التي طرأت على العديد من الممولين الإقليميين. وبالإضافة إلى السرقات، انتشرت حالات اغتصاب عدة، تورط في إحداها قادة في الجيش السوري في عفرين بريف حلب، (قائد لواء سليمان الشاه «العمشات»، المدعو محمد جاسم أبو عمشة) من دون أن تحاكمه جماعته أو الأجهزة القضائية التي ابتدعها المسلحون، وسط انتشار لظاهرة «الأمني»، وهو الشخص المقنع الذي يصول في المناطق المدنية، من دون أن يتعرف إليه أحد، أو يوجه إليه أي نقد، وهذه الظاهرة مشتركة لدى كل الفصائل دون استثناء.

انهيار التكفير
خلال عام 2018، بدا لافتاً حوادث الاغتيال، التي طاولت عشرات القادة من مختلف الفصائل وناشطين ومدنيين، إذ بلغت منذ مطلع العام، حتى تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، أكثر من 380 محاولة، أي بمعدل حادثة اغتيال كل يوم. وقتل خلال هذه العمليات، التي تفشت وانتشرت كثيراً منذ نيسان/أبريل، ما يقارب 500 شخص، بين مدني ومسلح، وأصيب المئات، بحسب إحصاءات نشرتها تنسيقيات المسلحين. وتنوعت عمليات الاغتيال ما بين تفجير سيارات مفخخة، وعبوات ناسفة، وإطلاق نار وإعدام. كذلك قتل مئات المواطنين خلال الاقتتال الداخلي بين الجماعات، بينهم العشرات من النساء والأطفال والشبان. وتشير التقارير الصادرة من إدلب، إلى أن أسباب هذه الاغتيالات، بالإضافة إلى الفوضى الأمنية، التصفيات بين الجماعات المختلفة، أو حتى داخل الفصيل نفسه، خصوصاً أن اتهامات عدة طاولت زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، بتصفية عدد من منافسيه، خصوصاً الأجانب، ممن يشتبه في مبايعتهم تنظيم «القاعدة» العالمي، وجماعة «حراس الدين» التابعة له في سوريا، أو تنظيم «داعش».
داخل فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» المشكّلة حديثاً، خلال العام الحالي، انتشرت أنباء في إدلب، عن قيام حركتي «نور الدين الزنكي» و«أحرار الشام»، بتصفية قادة داخلهما، من الرافضين لاتفاق سوتشي، ومسار التسوية السياسية للأزمة السورية. وفي شباط/فبراير، اندلعت مواجهات واسعة بين هيئة «تحرير الشام» (جبهة «النصرة» سابقاً) وحلفائها من جهة، ضد ما سمي في حينها «جبهة تحرير سوريا» (التي تشكلت من تحالف حركتي «أحرار الشام» و«نور الدين الزنكي» في شباط/فبراير)، وتجددت المواجهات في شهر نيسان/أبريل.
وظهر هذا العام في الشمال السوري، تشكيل عسكري جديد، أطلق عليه «الجبهة الوطنية للتحرير»، بعد انضمام فصائل عدة، أبرزها «فيلق الشام»، و«صقور الشام»، و«جيش الأحرار» و«جيش إدلب»، إلى جبهة «تحرير سوريا»، في أيار/مايو.
خاض هذا التشكيل الجديد أيضاً مواجهات عدة مع «هيئة تحرير الشام»، في بلدات أرياف حلب الغربي، وإدلب الجنوبي، أعنفها في شهر أيلول/سبتمبر، في دارة عزة، وكفر حلب، في ريف حلب الغربي. ولم تهدأ المواجهات والتوترات بين الطرفين، رغم اتفاقيات وقف إطلاق النار، التي كانت تجري عقب كل مواجهة، في مدن محافظة إدلب وبلداتها، وريف حلب الغربي، وآخرها في كانون الأول/ديسمبر في زردنا، في ريف إدلب الشمالي. وبحسب تقارير إعلامية تابعة للجماعات المسلحة، تسعى «هيئة تحرير الشام» إلى السيطرة الكاملة على الأوتوستراد الدولي، الممتد من حلب إلى حماة، مروراً بريف إدلب، قبل أن يفتتح بعد أسابيع، ضمن اتفاق سوتشي حول إدلب، بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان.
وتؤكد مصادر سورية معارضة هذه التقارير، وتوضح أن الاشتباكات التي حصلت خلال العام الحالي، في مناطق تقع كلها على الطريق الدولي، خصوصاً مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، ودارة عزة وكفرحلب وميزناز في ريف حلب الغربي، المتاخم لريف إدلب الشمالي، فيما تسيطر الهيئة حالياً على أجزاء طويلة من الأوتوستراد (مورك، خان شيخون، سراقب، الزربة خان طومان، خان العسل...). كذلك عمدت الجماعات في إدلب إلى القيام بحملات على من قالت إنها خلايا نائمة لتنظيم «داعش» في سلقين وسرمين وسهل الغاب، ومناطق أخرى من الريف الإدلبي، قُتل على أثرها أكثر من مئة شخص، بعضهم جرت تصفيتهم ميدانياً.
حالة الانقسام وغياب المشروع انسحبت على شعارات التظاهرات


وخلال العام الحالي، تدخلت تركيا مرة جديدة عسكرياً في الأزمة السورية في آذار/مارس، وسيطرت على منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي، في عملية حملت اسم «غصن الزيتون»، بعد مواجهات مع الوحدات الكردية، بالتعاون مع جماعات سورية، أبرزها: لواء السلطان مراد، فرقة الحمزة، فيلق الشام، وحركة نور الدين الزنكي. وخاضت هذه الجماعات، بعد الاستيلاء على المنطقة، قتالاً داخلياً أيضاً، توج بالقضاء على جماعة «لواء شهداء الشرقية» بتهمة الفساد في تشرين الثاني/نوفومبر. لكن اللافت، أن بعض الجماعات التي قاتلت «شهداء الشرقية»، متورطة بحسب العديد من التقارير، بفرض إتاوات على المدنيين، وسرقة ممتلكات زراعية، وخطف وقتل، أبرزها لواء سليمان الشاه «العمشات»، وفرقة السلطان مراد، وفرقة الحمزة.
وشهدت منطقة ما يسمى «درع الفرات»، اقتتالاً بين الفصائل، أبرزها بين «حركة أحرار الشام»، و«لواء الشمال» في مدينة جرابلس في تموز/يوليو، بالإضافة إلى وقوع قتال بين مسلحي «السلطان مراد» فيما بينهم، وبين فصيل أحرار الشرقية العسكري من جهة، وعائلة «آل واكي» من جهة أخرى، في مدينة الباب في أيار/مايو.
ويسود أيضاً توتر بين جماعات ريف حلب الشمالي والشرقي المحلية، والجماعات التي قدمت إلى المنطقة من ريفي دمشق ودرعا، وسط فوضى أمنية وانتشار للسلاح. وشهد العام الحالي، أيضاً، عودة تنظيم «القاعدة» العالمي بصورة رسمية إلى سوريا، تحت مسمى «حراس الدين» و«أنصار التوحيد»، وبعض الجماعات الأخرى، التي تسعى إلى إيجاد حيّز لها في الشمال السوري، رغم العقبات التي تعتري مسيرها، خصوصاً على صعيد العلاقة مع الجماعات الأخرى.
وانطلاقاً مما سبق، بدا واضحاً خلال عام 2018، فَقْدُ الجماعات المسلحة في سوريا لمشروعيتها أمام بعض فئات الشعب السوري، التي انخدعت بالشعارات التي رُفعت، وباتت تتحين الفرصة للتخلص من هذا الكابوس الأسود، الذي تعيشه منذ سنوات، خصوصاً بعد انهيار المنظومة الأخلاقية و«الشرعية»، التي أسست عليها الجماعات بنيانها، فهي كمن أسس بنيانه على شفا جرف هار، فانهار به، والله لا يهدي القوم الظالمين.

انتصار وانكسار
أما المنظومة العسكرية لتلك الجماعات، فشهدت انكسارات عدة أمام إرادة الجيش السوري. فعلى الصعيد الميداني والمواجهة مع الجيش السوري والحلفاء، افتتحت الجماعات المسلحة في سوريا عام 2018، بهزيمة في ريف إدلب، فيما أطلق عليها معارك شرق السكة، حيث قلصت القوات السورية المساحة التي كانت تسيطر عليها الجماعات، واستعادت السيطرة على أجزاء واسعة من أرياف حماة وإدلب وحلب، أبرزها مطار أبو الظهور العسكري، وذلك في شهر كانون الثاني/يناير.
حاولت الجماعات التكفيرية في تلك المنطقة إخفاء هزيمتها، واتهمت «الجبهة الوطنية للتحرير»، جماعة «هيئة تحرير الشام» وحلفاءها، بتسليم المنطقة من دون قتال، تنفيذاً لـ«إتفاق أستانة». لكن الوقائع الميدانية، تشير إلى أن جُل الجماعات المسلحة قاتلت في تلك المعركة، ولقيت جميعها الهزيمة مجتمعة، كل بقدر مشاركته. وأبرز الجماعات التي لقيت الهزيمة هناك هي: هيئة «تحرير الشام»، الحزب التركستاني (الذي يضم إرهابيين صينيين)، «جيش العزة»، «جيش الأحرار»، حركة «أحرار الشام»، و«نور الدين الزنكي»... وأحدثت تلك المعركة شرخاً كبيراً على صعيد العلاقات بين الجماعات المسلحة في الشمال السوري، تماماً كما أحدثت حلب نهاية الـ 2016 وبداية 2017، انقسامات واسعة داخل الفصائل، وانهيارات ميدانية في جبهات عدة.
ولم يقف تقدم الجيش السوري عند تلك الحدود، فانطلق بعد استعادة مطار أبو الظهور، إلى الغوطة الشرقية لتطهيرها، وفعلاً حصل ذلك. فبعد معارك عنيفة، ألقت تلك الجماعات المسلحة السلاح، وخرجت من المنطقة بالباصات إلى إدلب وجرابلس في ريف حلب الشمالي، وذلك في نيسان/أبريل من عام 2018. والجماعات هناك أبرزها: «جيش الإسلام» في دوما، و«فيلق الرحمن»، و«هيئة تحرير الشام» في عربين وجوبر ومناطق أخرى، وحركة «أحرار الشام» في حرستا. وبعد الغوطة، قام الجيش السوري بعملية عسكرية في الحجر الأسود ومخيم اليرموك جنوب دمشق، ضد إرهابيي «داعش»، ليطردهم من المنطقة، ويؤمن بذلك كامل دمشق وريفها، ويبعد خطر الإرهابيين نهائياً عن العاصمة، في شهر أيار/مايو من العام نفسه.
بالإضافة إلى الإنجاز الميداني، كانت خسارة تلك المنطقة القريبة من دمشق، ضربة مؤلمة للجماعات المسلحة ورعاتها الإقليميين والدوليين، لكن الأكثر إيلاماً بالنسبة إليهم، الالتفاف الجماهيري حول الجيش السوري في تلك المنطقة، الذي ظهر جلياً بالاستقبال الذي حظيت به القوات السورية، في كل مدينة دخلت إليها. كذلك كشف الأهالي عن الفبركات التي قامت بها الجماعات في ما خص استخدام الكيماوي في سنوات سابقة.
عجلة التحرير لم تتوقف، فكانت درعا والجنوب السوري، على موعد مع النصر، إذ تقدمت وحدات الجيش السوري، واستعادت السيطرة على كامل محافظة درعا، ووصلت إلى الحدود الأردنية، وأعادت فتح معبر نصيب المهم مع الأردن، وكانت المعركة هناك مع الجماعات التي تتبع ما يسمى «الجيش الحر»، بالإضافة إلى «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام».
وألقت الجماعات هناك السلاح، واستسلمت لإرادة الجيش السوري باستعادة كامل المناطق التي دخلها الإرهاب، والتي توجت أيضاً بطرد إرهابيي «داعش» من منطقة حوض اليرموك بعد معارك عنيفة، أدت إلى مقتل وإصابة المئات من إرهابيي التنظيم.
وحققت الوحدات السورية إنجازاً استراتيجياً، إذ استعادت السيطرة على تل الحارة، في ريف درعا، الذي يشرف على أجزاء من هضبة الجولان المحتلة، وعلى مدينة إربد الأردنية. ووصلت وحدات الجيش السوري خلال العام المنصرم، إلى الحدود مع الجولان المحتل، بعد طرد الإرهابيين من مناطق سيطرتهم في ريف القنيطرة.
ومع نهاية تموز /يوليو وبداية آب/أغسطس من عام 2018، كان الجنوب السوري خالياً من الإرهاب، باستثناء بادية السويداء، التي أنجز الجيش تحريرها، بحلول شهر كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.
ومع نهاية العام الحالي، يواصل الجيش السوري الكشف عن مخازن الإرهابيين في الجنوب السوري، خصوصاً في أرياف درعا والقنيطرة، حيث ضبط العديد من مستودعات الذخيرة، التي حوت كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة، بينها مضادة للطائرات.
وحقق مسار المصالحة الذي عملت عليه الحكومة السورية، إلى جانب المسار العسكري، انتصارات مهمة أيضاً، برز خصوصاً في المنطقة الجنوبية. ففي تموز/يوليو 2018، توصلت الجماعات في قطاعي القنيطرة الأوسط والشمالي، إلى اتفاق مصالحة، انسحبت على أثره من المناطق التي سيطرت عليها. وفي الشهر نفسه أيضاً، انضمت درعا البلد في المدينة، وبلدة طفس، ومدينة نوى في ريف درعا الغربي، والحارة، ونمر، وجاسم، وبرقة، وزمرين وأم العوسج في ريف درعا الشمالي، إلى اتفاق المصالحة الذي أشرف عليه مركز حميميم الروسي.
وبالنسبة إلى «داعش»، وبعد خسارته الكبيرة في المنطقة الشرقية عام 2017، انكفأ ولم تتغير خريطة سيطرته في تلك المنطقة كثيراً خلال العام، باستثناء انسحابه من مدينة هجين على الضفة الشرقية لنهر الفرات، في كانون الأول/ديسمبر، وتسليمها للوحدات الكردية، في مسعى من «التحالف» الأميركي، إلى حصر وجوده في المنطقة الحدودية مع العراق. واختفى زعيم التنظيم، المدعو ابراهيم البدري، الملقب بـ«أبو بكر البغدادي»، إلا من كلمة يتيمة خلال العام الحالي، حملت عنوان «وبشّر الصابرين»، وذلك في شهر آب/أغسطس، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، دعا فيه أتباعه إلى الصمود. وخرج المتحدث باسم التنظيم، المدعو «أبو الحسن المهاجر»، في تسجيلين صوتيين، الأول في شهر نيسان/أبريل، بعنوان «فبهداهم اقتده»، وجه فيه تهديداً إلى العديد من الدول، بمواصلة القتال ضدها، والثاني، بعنوان «صولة الموحدين»، تبنى فيه الاعتداء الذي وقع في مدينة الأهواز الإيرانية، في أيلول/سبتمبر.
وحتى نهاية عام 2018، يسيطر «داعش» على مساحة ضئيلة من البادية السورية، بالإضافة إلى بعض القرى في منطقة شرقي الفرات، على الحدود مع العراق. وفتحت استعادة السيطرة على تلول الصفا في بادية السويداء، وإنهاء الوجود الإرهابي جنوب البلاد، الباب أمام تقدم الجيش السوري، إما إلى منطقة شرقي الفرات، حيث يوجد «داعش» في بعض المناطق، أو إلى محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، لطرد الإرهابيين هناك. لكن الأكيد، أن عجلة التقدم مستمرة، وبتنا قاب قوسين من إعلان الهزيمة النهائية على الإرهاب في سوريا، فهل يكون العام المقبل، عام الهزيمة النهائية للتكفيريين، والانتصار الكبير للجيش السوري والحلفاء ومحور المقاومة؟
* كاتب لبناني