الأمر الجديد في عام 2019 هو المحاولة الأميركية لتعميم نموذج السيسي من خلال نماذج أحمد قايد صالح وخليفة حفتر وعبد الفتاح البرهان
هنا يلاحَظ منذ 2 نيسان مدى قوة المؤسسة العسكرية الجزائرية وعدم إخفائها لإمساكها بإدارة مرحلة ما بعد بوتفليقة، وهي في الواقع الرقم القوي في الجزائر اليوم بجانب الحراك الاجتماعي في الشارع الذي لم يتوقف، وقد كان أكبر استعراض لقوة المؤسسة العسكرية، متمثلاً باعتقالات يوم5 أيار لقائدَي الاستخبارات الجزائرية السابقين: محمد مدين ــ توفيق وبشير طرطاق (كانا في المنصب بين تشرين الثاني 1990 و26 آذار 2019)، بالترافق مع اعتقال سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق الذي له علاقات واسعة مع دوائر رجال الأعمال، وكان الجنرال قايد صالح علناً قد اتهم الجنرال توفيق بالتآمر، ثم بعد إقالة طرطاق أُتبِعَت الاستخبارات بوزارة الدفاع، ومن تسريبات ما بعد الاعتقال أن التهمة الموجهة إلى الثلاثة هي ترتيب مرحلة انتقالية، كما جرى في إجراءات 11 آذار يستمر بها بوتفليقة برعاية فرنسية. خلال أربعة أسابيع ما بعد الانقلاب السوداني، هناك محاولة مستميتة من المجلس العسكري الانتقالي للحكم رغماً عن قوة وإرادة مضادة في الشارع المنتفض أو لتسيد المشاركة في الحكم مع المدنيين، وهو ما يلاقي دعم واشنطن وأبو ظبي. تعني محاولة حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية، والتأييد الدولي والإقليمي له، أن هناك محاولة لتجاوز حالة النزاع الليبي من خلال ديكتاتور عسكري يمسك بالسلطة في العاصمة.
تشير الحالات الأربع، بدءاً من يوم 3 تموز 2013 في القاهرة، إلى أن هناك رجوعاً عند واشنطن، بحكم مفاعيل الطلاق الأميركي مع الإخوان المسلمين، إلى تبنّي «الدبابة» ضد «العمامة»، وهو ما كان قائماً في صراع حسني مبارك مع الإسلاميين منذ عام 1990 وصراع زين العابدين بن علي مع «حركة النهضة» منذ عام 1991. ترددت واشنطن لثلاث سنوات، بحكم غطاء الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران لانقلاب الجنرال خالد نزار في 11 كانون الثاني 1992 الذي أوقف المسار الانتخابي الذي كانت مؤشرات جولته الأولى تقول بفوز الإسلاميين بالانتخابات البرلمانية الجزائرية، ثم اتجه الأميركان لتأييد العسكر الجزائريين ضد الإسلاميين. كان انتهاء الحرب الباردة بانتصار واشنطن على موسكو عام 1989 قد جعل هناك انتفاءً في حاجة واشنطن للإسلاميين التي كانت قائمة أثناء حربها ضد السوفيات، كما جرى في أفغانستان 1979-1989، وهي قد حسبت أن عسكرياً فرداً يحكم أفضل لمصالحها البعيدة المدى من تنظيم حركي إسلامي تحوي أيديولوجيته عداءً فكرياً للحضارة الغربية، وهو ليس بعيداً عن الخميني الذي راهن بعض الغربيين في عامي 1978و 1979على أنه يمكن أن يتلاقى مع الغرب ضد السوفيات، وهو ما حصل عكسه منذ بدء المواجهة الإيرانية ــ الأميركية منذ يوم 4 تشرين الثاني 1979 مع اقتحام السفارة الأميركية بطهران.
هنا، اضطرت إدارة باراك أوباما مع سقوط زين العابدين ومبارك إلى تغيير سياسة واشنطن، وتلاقت مع الإسلاميين، وأيّدت حكمهما في تونس والقاهرة، وكان هناك رأي في واشنطن إثر (11 أيلول2001) بتعميم نموذج رجب طيب أردوغان نموذجاً أميركياً للعالم الإسلامي، وبأنه نموذج أكثر فعالية في مواجهة أسامة بن لادن من حاكم عسكري فرد، وقد بدأت إرهاصات هذه التوجهات الأميركية منذ عام 2005 عندما ضغطت واشنطن على القاهرة من أجل مشاركة «الإخوان المسلمون» في انتخابات مجلس الشعب المصري. كان دعم إدارة أوباما ثم ترامب لعبد الفتاح السيسي مؤشراً واضحاً على عودة واشنطن إلى سياسات التسعينيات وإلى تخلّيها عن التحالف مع «الإخوان المسلمين» الذي استمر منذ سقوط مبارك إلى سقوط محمد مرسي (11شباط 2011-3 تموز 2013).
الأمر الجديد في عام 2019 هو المحاولة الأميركية لتعميم نموذج السيسي من خلال نماذج أحمد قايد صالح وخليفة حفتر وعبد الفتاح البرهان. في الحرب الباردة اعتمدت واشنطن على العسكر (سوهارتو في إندونيسيا 1965 - عسكر البرازيل 1964 - بينوشيه في تشيلي 1973) لمجابهة المدّ اليساري العالمي، وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة فضّلت العسكر على الإسلاميين في العالم العربي من خلال «نظرية الأقلّ ضرراً». في فترة 2011-2013 اضطرت إلى زواج عجول مع الإسلاميين، ثم تخلت عنه سريعاً. يبدو الآن من خلال دعم واشنطن لتعميم نموذج السيسي، ومن الممكن أن يشمل ذلك بلداناً عربية أخرى غير البلدان الثلاثة، أن المنطقة العربية تجري تهيئتها لتطورات دراماتيكية ليس بعيداً أن يكون عنوانها الرئيسي هو ما يُسمى «صفقة القرن» التي تحوي خططاً من أجل محاولة إنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي.
* كاتب سوري