أود اليوم الحديث في مسألة تنبيه السلطات الألمانية المهاجرين واللاجئين الجدد إلى أن قوانين الدولة تمنع فرض الآباء والأمهات الصيام على الأحداث من أبنائهم وبناتهم، وأن أيّ تصرف مخالف لذلك يعني محاكمة المخالفين، علماً بأن عقوبة ذلك غرامة مالية معتبرة إضافة إلى ثلاث سنين سجن.ما إن صدر هذا التنبيه حتى اشتعلت «حمية» كثر من ذوي العلاقة المباشرة، إضافة إلى مجموعة من «المشايخ» الذين لا همّ لهم سوى التحريض، متّهمين السلطات الألمانية بأن قرارها هذا مخالف لحقوق الإنسان ولحقّ المسلمين في ممارسة شعائر دينهم [كذا!]. تلك الاحتجاجات لم تجد آذاناً صاغية لدى السلطات التي أعادت تأكيد ضرورة تطبيق قوانين حماية الأطفال والأحداث وحسناً فعلت، وأضافت القول إنّها بصدد رفع عقوبة المخالفين إلى خمس سنين بدلاً من ثلاث، وأنها تعمل على إصدار تشريع جديد يمنع الأهالي من فرض غطاء الرأس على الفتيات غير البالغات وهو ما يسري في النمسا على سبيل المثال، وليت التشريعين يطبّقان في بلادنا أيضاً، حماية للأطفال والأحداث ومنحهم حق التطور المستقل والاعتراف بهم شخصيات مستقلة وأنهم ليسوا متاع الوالدين يتصرفون بهم كيفما شاؤوا.
ما أودّ التذكير به هنا أنه ما من أحد فرض على أولئك المهاجرين واللاجئين الذين يرفضون الانصياع لقوانين البلاد التي هاجروا إليها والإقامة فيها، أي إنهم يعرفون مسبقاً أنهم ينتقلون إلى دول عِلمانية. المسيحية تعرف الصيام، وإن اختلف عنه في الإسلام، وكذلك ديانات أخرى، لكن المرء لا يسمع باحتجاج قساوسة أو غيرهم على أي قوانين وضعت لحماية الضعفاء. فعلى سبيل المثال، فرضت الحكومة البريطانية في سبعينيات القرن الماضي على راكبي الدراجات النارية لبس خوذة حماية الرأس، ما أثار احتجاج السيخ الذين يضعون عمامة على رؤوسهم الذين قالوا إن خلعها مناف لدينهم، لكن من دون فائدة... ولا شك في أن مَن تورط منهم في حادث سير كان ممتناً للحكومة البريطانية «الكافرة»، لأن تشريعها ذاك منع تفتت جمجمته. وعندما أعلن رئيس الكنيسة الكاثوليكية الألمانية في ثمانينيات القرن الماضي نيته طرح مسألة ديون البلاد في عظة أحد الآحاد، كان رد الأحزاب إجماعياً: من يريد الحديث في السياسة وقوانين الدولة فأمامه البرلمان حيث بإمكانه الترشح ومن ثم طرح آرائه إن فاز بمقعد.
لذلك فليتذكّر المحتجّون على تشريعات منع صيام الأطفال، القائم منذ فترة طويلة ويرتكز إلى آراء علماء التغذية والأطباء ذوي العلاقة، ولم يصدر نكاية بأحد أو لمنع أحد من ممارسة دينه؛ بل نضيف القول إن حقوق المسلمين في ألمانيا، وفي كل الدول الأوروبية العِلمانية أكبر بما لا يقاس بحقوقهم في بلادهم. لذا يكفي مزاودة وجهلاً.
سألت زميلة لجأت إلى ألمانيا في السنين الأخيرة عمّا إذا كان زوجها ووالد طفلهما ما زال يعاقبه بالضرب، فأجابتني حرفياً: لا يجرؤ خوفاً من قيام السلطات هناك بإلغاء حق حضانته من الوالدين. هي مسرورة لتدخل السلطات الألمانية، لكن زوجها لا يزال مصراً على أن الضرب هو الوسيلة الأنجع لتربية الصغار! هذا الشخص وغيره يتجاهل حقيقة أن المواليد في بلادنا وفي المجتمعات المتطورة يولدون متساوين، وهم في حاجة إلى رعاية كاملة ومتواصلة لفترة طويلة. لكن عندما يبلغ الطفل عمر الرابعة يبدأ في تلقّي التربية العلمية والتعلم في الحضانة لسنين ثلاث ومن بعدها إلى المدرسة. تباين فهم طفل الحضانة في بلادنا من ذاك في الدول المتطورة يبدأ حينذاك في الظهور على نحو فاقع، والنتيجة النهائية معروفة ومفجعة في آن، لأن التربية هي الأساس.