يفرض انتصار آب على الإرهاب في لبنان، ضرورة الحديث عن دور المقاومة في محاربة التنظيمات الإرهابية، ودورها في حفط الحدود مع سوريا وتالياً حماية العمق اللبناني، فضلاً عن الدور البارز في وقوف «حزب الله» إلى جانب الدولة السورية، التي تعدّ دولة رئيسية في محور المقاومة، بعد أن كان المشروع الأميركي ـ الغربي ـ الخليجي يقوم على إسقاطها، وجعلها من دول التبعية الأميركية.
أولاً: مخطط التنظيمات الإرهابية في لبنان
بداية لا بدّ من الحديث، ولو باختصار عن مخطط التنظيمات الإرهابية في لبنان. لعب العنصر الجغرافي، دوراً رئيسياً في إتاحة الفرصة أمام التنظيمات الإرهابية لدخول لبنان، نتيجة الحدود التّي تربط لبنان وسوريا. هذه الحدود سمحت بتوغّل الإرهابيّين والسيطرة على مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي اللبنانيّة في جرود السلسلة الشرقية. كان الربط بين لبنان وسوريا أحد أهم أهداف الجماعات الإرهابية، ووفق نظرة جيوبوليتكية، كان ذلك ضرورياً لتأمين خط الإمدادت لها من لبنان نحو سوريا.
وبالتالي كان لا بد من دخول المناطق اللبنانية، وهذا ما شكّل خطاً أحمر في المقابل بالنسبة إلى قوى لبنانيةٍ رئيسيةٍ، كان على رأسها «حزب الله» الذي عمل على الدفاع عن المناطق الحدوديّة مع سوريا. ولم تكن صدفةً أن كانت أولى المناطق التي عملت الجماعات الإرهابية على احتلالها، المناطق الحدودية الفاصلة بين لبنان وسوريا. فتمّت السيطرة على حمص، القصير والزبداني، ومن ثمّ المناطق السورية التّي يقطنها لبنانيون مثل زيتا، السماقيات، جرماش وربلة. كل ذلك من أجل فتح معبر الإمداد الرئيسيّ عبر الشمال اللبنانيّ والساحلَين السوريّ واللبنانيّ ما يُشكّل خطراً استراتيجيّاً على العاصمة السوريّة دمشق.

ثانياً: أسباب دخول الحرب
لقد شكّل «حزب الله» أحد أهمّ الداعمين والمساهمين في الحرب ضدّ الإرهاب في لبنان وسوريا والعراق، وقد وقف بكل قواه إلى جانب الرئيس السوري. في بداية عام 2013 ومع تصاعد قوّة المعارضة المسلّحة في سوريا، بدأ «حزب الله» بإعلان موقفه الواضح تجاه سوريا بعد خطاب أمينه العام السّيد حسن نصر الله الذي قال فيه: «إنّ النظام في سوريا لن يسقط»، وتبعها بعد ذلك في شهر نيسان/ أبريل عام 2013 إعلان المشاركة رسمياً في «معركة القصير». كان هذا الدخول لأسبابٍ عدّة، منها أنّ «حزب الله» ينظر إلى سوريا على أنّها الدولة العربيّة الوحيدة الدّاعمة لقضية فلسطين وحركات المقاومة ضدّ العدو الإسرائيليّ، وكانت سوريا أمام تحدٍّ وجوديٍّ، وكان سقوطها يشكّل التّهديد الأخطر على قوى المقاومة، فهدف التّخلص من المقاومة هو مطلبٌ أميركيٌّ إسرائيليٌّ.
لذلك كان لا بد من الوقوف إلى جانب سوريا، وقد أراد «حزب الله» من خلال الدخول إليها حماية عمقه الاستراتيجيّ وعدم خسارة خطوط الإمدادات الإيرانية والسورية. هذا فضلاً عن التهديد الذي شكّلته الجماعات الإرهابيّة وعلى رأسها تنظيما «جبهة النصرة» و«داعش» على الحدود والداخل اللبناني. دخول «حزب الله» إلى سوريا، أدى أيضاً إلى حماية الأضرحة المقدّسة هناك، وعلى رأسها ضريح السّيدة زينب ابنة الإمام علي بن أبي طالب.
هناك دول عربية أصبحت تكنّ له العداء من ناحية، وتخاف منه من ناحية أخرى


منذ البداية، لم يخفَ المخطط من تلك الحرب، التي شُنّت على سوريا، فقد تعدّت الأمور حدود المطالبة بإصلاحاتٍ أو تغيير مسار الحكومة السوريّة والمطالبة فقط بإزاحة الرئيس الأسد؛ فكان المخطط واضحاً في تقويض محور المقاومة، وتفكيك الجيوش في دول المنطقة، ليصبح تقسيم دول العالم العربيّ أو على الأقل سوريا والعراق إلى دويلات مذهبيّة وعرقيّة أمراً سهلاً. وأمام التهديد الذي كان سيلحق بالمقاومة، والوضع الذي سيكون كارثياً لنتائج سقوط الدولة السّوريّة، كان عليها المبادرة للدّفاع عن نفسها أولاً، ومن ثمّ المشاركة في إسقاط هذا المشروع.
وقد قال الأمين العام لحزب الله في أحد خطاباته في ذكرى «عيد المقاومة والتحرير» بتاريخ 27 أيار/ مايو 2013: «سوريا هي ظهر المقاومة، وهي سند المقاومة، والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي ويُكشَف ظهرها أو يُكسَر سندُها». هنا يظهر أن المقاومة وصلت إلى نتيجةٍ مفادها أنّ المجموعات المسلّحة تزجُّ لبنان بالصراع، فاتّخذت قراراً بمواجهة هذه الجماعات التي دخلت الحدود اللبنانية، من أجل الدفاع عن اللبنانيين، ومنع تحويل لبنان إلى بؤرة أمنيّة مشاركة في استهداف الدولة السّوريّة.
الدّور الآخر الهام الذي لعبه «حزب الله» في سوريا هو الدفاع عن الأقليات الدينيّة، التي عمل «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية على استهدافها، فقد بدأت هذه التنظيمات بالتطهير العرقيّ ضدّ الأقليّات في المناطق التّي دخلت إليها، وفي مقدمتها القرى المسيحيّة في مدينة حمص والقصير والقلمون...

ثالثاً: الدور العابر للحدود
لقد تدرّج دور «حزب الله» في سوريا من العمل الدفاعيّ عن المناطق الحدوديّة، إلى التحول في الأداء من الخبرة الدفاعيّة إلى المشاركة الميدانيّة الهجوميّة إلى جانب الجيش السوريّ، وتحول أداؤه العسكريّ إلى التكتيك الهجوميّ المضاد لحرب العصابات في وجه الجماعات الإرهابية. وقد ظهر ذلك في مدينة القصير في حزيران/ يونيو 2013، حيث دخل «حزب الله» والجيش السوري إلى المدينة، التي سقط معها «حلم وصول العناصر الإرهابية إلى ميناء طرابلس». ومن ثمّ استطاع «حزب الله» الدخول إلى منطقة القلمون السوريّة في 14 نيسان/ أبريل 2014، وبذلك استطاع الوقوف إلى جانب الجيش السوريّ، والعمل على تحرير معظم المناطق السوريّة، بما فيها حمص وحلب وصولاً إلى دير الزور ومنطقة البوكمال. ثمة مسلّمة لم تعد قابلة للنقاش، أن الانتصارات الكبرى التي حققها «حزب الله» في سوريا، جعلته يلعب دوراً إقليمياً عابراً لدوره المحليّ، وجعلته ينطلق من الحماية لمناطقه وعمقه الاستراتيجيّ، إلى ركيزة أساسيّة للدّفاع عن «محور المقاومة»، وتحقيق إنجازات قلبت المعادلة العسّكريّة، وساهمت في إفشال مشروع الشّرق الأوسط الجديد.
وثمة حقيقة أخرى، أن ما كان يخاف منه العدو الإسرائيلي حصل، فقد استطاع «حزب الله» أن يُنمّي قدراته العسكريّة لمحاكاة أساليب القتال في مختلف الظروف والبيئات الجغرافيّة المحيطة بأيّ معركة، ومن ثمّ قام بتأمين خطوط الدعم الاستراتيجيّة لإدخال السلاح له عبر سوريا، كما استطاع أن يُضاعف شعبيته في لبنان، نتيجة مواجهته للجماعات الإرهابيّة. لكن على المستوى الإقليميّ، وعلى الرغم من أنّ الحزب استطاع أن يحجز دوراً على الساحة الإقليميّة، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن هناك دولاً عربية أصبحت تكنّ له العداء من ناحية، وتخاف منه من ناحية أخرى، وبالتالي تعمل ليل نهار مع واشنطن وتل أبيب لمحاصرته.
أمّا على الصعيد الدوليّ، فقد ساهم دخول «حزب الله» المعركة في سوريا، وتحقيقه الإنجازات إلى جانب سوريا وحلفائها، في قلب المعادلات التي أدّت إلى تغيّر جدول المفاوضات في الأزمة السوريّة، من المطالبة برحيل الرئيس الأسد إلى بقائه وضرورة التعامل مع الحكومة السوريّة.
إذاً لقد شكّل «حزب الله» قوّةً رئيسيًّة مساهمةً في محاربة الجماعات الإرهابية ومشاركةً في حماية العمق السّوريّ، خاصةً أنّ الحزب كان قد أرسل المئات من خيرة مقاتليه وقيادييه للعمل بشكلٍ مباشرٍ في الميدان السّوري. كما تحولت قوّات «حزب الله»، التي اكتسبت خبراتٍ جديدةٍ خلال مشاركتها في سوريا، إلى تهديد استراتيجي «لإسرائيل» عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ نتيجة تمكّنها من العمل في الجنوب السوريّ، ومن محاكاة معارك مختلفة البيئات.
أضف إلى ما تقدم، أن «حزب الله» تمكّن من الحصول على مزيد من السلاح الثقيل وتأمين طريق لنقله إلى لبنان. حيث شكّل عدم سقوط نظام الرئيس السوريّ نصراً استراتيجيّاً لـ«حزب الله»، الذي كان يرى في سقوط هذا النّظام خسارةً كبرى لـ«محور المقاومة». فقد قوي الأخير وتوسع عقب الحرب على الإرهاب، حيث استطاع هذا المحور، إفشال المشروع الأميركي القائم على تحريك التنظيمات الإرهابية، من أجل كسر المحور، وبناء مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي عملت عليه واشنطن منذ عام 2000، وهو لا يزال يفشل حتى اليوم.
* باحث وأكاديمي لبناني

المراجع
1-نضال حمادة، معركة قادش الثالثة ( أسرار حرب القصير)، الطبعة الأولى، بيروت، دار بيسان، 2014.
2- أحمد شبيب مسلماني، حزب الله والجغرافيا السياسية للأقليات (معلولا نموذجاً)، الطبعة الأولى، بيروت، دار بيسان، كانون الثاني 2019.
3-رفعت سيد أحمد، داعش خلافة الدم والنار، الطبعة الأولى، دار الكتاب العربي، القاهرة، 2015.
4-سمير الحسن، الحرب السورية، الطبعة الأولى، بيروت، دار بيسان، 2017.
5-خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله،27 ايار 2013، قناة المنار.
6-خطاب السيد نصر الله في ذكرى قادة حزب الله، موقع العهد، 2019.
7-RICK GLADSTONE and ANNE BARNARDAUG, U.S. Accuses Hezbollah of Aiding Syria’s Crackdown, 10,August,2012, https://www.nytimes.com/2012/08/11/world/middleeast/us-officials-say-hezbollah-helps-syrias-military.html