في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التونسية يوم15أيلول\سبتمبر 2019 ، نال مرشح «حزب حركة النهضة» الشيخ عبدالفتاح مورو 12,9% من الأصوات، وحل ثالثاً بعد مرشَّحين مستقلَّين غير حزبيَّين، وبالتالي خرج مورو، مرشح حزب هو الفرع المحلّي لحركة «الإخوان المسلمين» من السباق الرئاسي في جولة الإعادة الثانية. كانت ملفتة هذه النتيجة عند الإسلاميين التونسيين، حيث حلّت «النهضة» أولاً في انتخابات «الجمعية التأسيسية» في 23تشرين الأول\أوكتوبر 2011 عبر نيلها 37,04% ثم في المرتبة الثانية في انتخابات «جمعية ممثلي الشعب» التي أجريت في 26تشرين الأول\أوكتوبر 2014، إثر إقرار الدستور عندما نالت 31,79% بعد «حركة نداء تونس» بزعامة الباجي قائد السبسي. وفي الانتخابات البلدية التي أجريت في 6أيار\مايو 2018 فازت «النهضة» بـ 2100 مقعد من مجموع 7112 مقعداً بلدياً في عموم المجالس البلدية في تونس.ليست نتيجة الشيخ مورو متعلّقة بشخصه خاصة وأنه كان مع الشيخ راشد الغنوشي، من مؤسسي «حركة الاتجاه الاسلامي» عام1981 التي غيّرت اسمها إلى «حزب حركة النهضة» عام1989، بل تتعلق بالحركة الإسلامية التونسية عندما كانت «حركة الاتجاه الاسلامي» هي الأقوى بين معارضي نظام الحبيب بورقيبة (أزيح من منصبه في 7تشرين الثاني/نوفمبر1987) ثم ضد نظام زين العابدين بن علي الذي سبق «حركة الاتجاه الإسلامي» بيوم واحد في الانقلاب على بورقيبة، ثم بدأ بملاحقة «النهضة» في شهر أيار\مايو1991. في فترة الثورة على بن علي بين 17كانون الأول\ديسمبر 2010 و14كانون الثاني\يناير 2011 كان مفاجئاً بروز الإسلاميين في صدارة الحراك الجماهيري ضد الدكتاتور بعد عقدين من القمع العنيف لهم، ليتوزعوا في السجون والمنافي والعمل السري، حيث تواطأ الليبراليون والعلمانيون ويساريو «الحزب الشيوعي» و«حزب العمّال الشيوعي» مع بن علي ضدهم باليد واللسان، ثم كان مفاجئاً أكثر فوز «النهضة» بانتخابات 2011 بالمرتبة الأولى، حيث تولّى بعدها سجينان من «النهضة» وهما حمادي الجبالي وعلي العريِض، رئاسة الوزراء.
تُظهر التجربة التونسية أن الحالة الإسلامية ليست بعبعاً يدفع البعض للاستعانة بالعسكر والدكتاتورية


هنا، يمكن للمثال الإسلامي التونسي أن يكون نموذجياً للدراسة في مجال محدد برز إثر انقلاب11كانون الثاني\يناير 1992 في الجزائر، والذي قامت به المؤسسة العسكرية من أجل منع إكمال المسار الانتخابي البرلماني، عندما أظهرت الجولة الأولى من الانتخابات فوز «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بغالبية المقاعد، حيث قام بتأييد الانقلاب العسكري علمانيون وليبراليون وشيوعيون وقوى سياسية من الأقلية الأمازيغية، بدعوى أن الدبابة هي الحل الوحيد أمام الإسلاميين، وأن الأفضل منعهم من دخول العملية الديمقراطية. تكررت هذه الحالة عبر تأييد انقلاب عبدالفتاح السيسي في مصر 3 تموز \يوليو 2013 من قبل ناصريين (محمد حسنين هيكل- حمدين صباحي- حسام عيسى) وليبراليين (محمد البرادعي) وماركسيين (رفعت السعيد- سمير أمين).
في سوريا توجد حالة من «يساريي السلطة السورية» عند شيوعيي «الجبهة الوطنية التقدمية» وعند معارضين سابقين، اعتُبرت منذ اندلاع أزمة2011 حاجزاً أمام الإسلاميين تماماً، كما توجد حالة «يسار جبهة النصرة» عند شيوعيين سابقين أمثال رياض الترك وجورج صبرة وميشيل كيلو الذين شكّلوا حالة ذيلية التحاقية بالإسلاميين بطبيعتهم «الأصولية الإخوانية» و«السلفية الجهادية». في هذا المجال، تظهر تونس، أمام حالة الجزائر ما بعد 11كانون الثاني /يناير 1992 حيث نشبت حرب أهلية لعشر سنوات إثر الانقلاب، ذهب ضحيتها مئة ألف قتيل وحالة ما زالت مستمرة من الحكم العسكري من وراء الستارة المدنية، وأمام الحالة الكارثية التي ولّدها حكم السيسي في مصر، كان خيار صندوق الاقتراع هو الأفضل، وأن الوعاء الديمقراطي يستوعب جميع التعبيرات السياسية التي يفرزها المجتمع، بشرط تقيّد الجميع بقواعد اللعبة الديمقراطية التي تتضمن قبول التعدد الفكري- السياسي- التنظيمي ومبدأ تداول السلطة واحتكار استعمال القوة من قبل الدولة وفق القانون، هو الضمان لنشوء الديمقراطية وتطورها واستمرارها. تُظهر التجربة التونسية أن الحالة الإسلامية ليست بعبعاً لكي يخاف الآخرون منه ويسبب ذعراً يدفع البعض للاستعانة بالعسكر والدكتاتورية لمواجهة الإسلاميين بدلاً من مواجهتهم عبر العملية الديمقراطية. ويمكن أن يساعد على هذا الأمر واقع أن الحركة الإسلامية منذ 3 تموز/يوليو 2013 هي في حالة انحسار عالمي في النطاق الجغرافي الممتد من طنجة إلى جاكرتا، وشمالاً من اسطنبول حتى عدن جنوباً، بعد أن كانت في حالة صعود ومد منذ هزيمة 5 حزيران \يونيو1967، وهي باتت من دون غطاء عالمي مع وجود حالة العداء الغربي الأميركي- الأوروبي للإسلاميين. كما أن وجود عداء للإسلاميين عند الدولة العميقة، ممثلة في المؤسسة العسكرية - الجهاز الإداري - رجال الأعمال- وسائل الإعلام، يجعل الإسلاميين عندما يصلون إلى السلطة غير قادرين على تكرار تجربة الخميني عام 1979 عندما استفرد بالسلطة وأزاح التيارات السياسية الشيوعية والليبرالية التي تحالفت معه في الثورة الإيرانية ضد شاه إيران. وهناك تجربة رجب طيب أردوغان التي تظهر أيضاً عدم استطاعة التيار الإسلامي اغتيال الديمقراطية، وهناك مؤشرات الآن على أن غروب شمس أردوغان البادئة عام 2017 سيتم عبر صندوق الاقتراع وليس عبر الدبابة.
*كاتب سوري