لم أطّلع للأسف إلا قبل يومين على مقالة ناهض حتر المنشورة في جريدة «الأخبار» اللبنانية بتاريخ 31/1/2014 بعنوان «توقفوا عن الهذيان... تقدموا» تعرّض فيها لمعتقلي «هيئة التنسيق الوطنية» عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، ولسياسات الهيئة بصورة عامة. لقد جاءت مقالة حتر مليئة بالمغالطات التي فضحت سطحية معرفته بهيئة التنسيق الوطنية، وتجنّيه المقصود عليها. بالطبع، من حق حتر أن يدافع عن النظام السوري بالطريقة التي يشاء، وأن يتشبه بمن يختاره من شخصياته، فلا شك أنه سوف يجد كثيرين يشاركونه الطينة ذاتها، لكنه بالتأكيد لن يجد شخصاً واحداً في قيادات الهيئة يشبهه، لسبب بسيط أنهم من طينة الصدق والموضوعية والوطنية.
يبدو لي أنّ تخصيص جريدة «الأخبار» اللبنانية مساحة على صفحاتها تكريماً للدكتور عبد العزيز الخير، رئيس مكتب العلاقات الخارجية في هيئة التنسيق، والأستاذ رجاء الناصر أمين سر المكتب التنفيذي فيها اللذين خطفتهما أجهزة النظام السوري الأمنية، قد أزعج النظام السوري، فتولى حتر كما فعل قبله زميله نزار نيوف تشويه سمعة الهيئة ومناضليها. الحقيقة المتعلقة باختطافهما بالنسبة لحتر هي تلك التي صرح بها فيصل المقداد لقناة «الميادين»، والتي نفى فيها اعتقالهما من قبل السلطات الأمنية السورية. إنّ من لديه علم بطبيعة النظام السوري، وكيفية عمل أجهزته، لا بد من أن يعذر المقداد فهو، مثل جميع المسؤولين المدنيين السوريين، لا يعلم شيئاً عما ترتكبه أجهزة أمن النظام، بل من غير المسموح له أن يعلم، وهو، بالتالي، عندما يتحدث عن مسائل من خارج اختصاصه فإنه يقرأ من ورق، أو من محفوظات الورق. لا تزال حاضرة في الذاكرة قصة إقالة الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي لمجرد أنه «خرج عن النص». وإذا كان فيصل المقداد لا يلام على قراءته من ورق، فهذه طبيعة عمله، إلا أنّ حتر يتحمل كل اللوم عندما يردد ما قاله من يفتخر بالتشبه به دون تبصر.
ويبلغ الحمق مداه لدى حتر عندما يغمز من قناة المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية حسن عبد العظيم، فيتهمه بأنه «يعرف أو يحدس من هم الخاطفون». ثم ما هذه المصادفة الغريبة أن يردد حتر بالضبط ما ردده قبله المدعو نزار نيوف بخصوص عبد العظيم على موقعه المسمى «الحقيقة»، إلا أن يكون تكليفاً من الجهة ذاتها.
الهيئة متأكدة من الجهة التي خطفت كلاً من الخير، وماهر طحان، وإياس عياش، ورجاء الناصر، وفيصل غزاوي وزوجته رحاب السيد علي، وغيرهم من مخطوفي الهيئة، وهي الجهة ذاتها التي اعتقلت يارا فارس، وأمل نصر، وعمر عبيد، ومازن درويش، ومحمد معتوق وخليل معتوق وابنته، وعشرات الآلاف غيرهم من المناضلين السلميين. وإنّ الهيئة لم تتوقف، ولن تتوقف عن المطالبة بإطلاق سراحهم، لكنها في الوقت ذاته تدرك أن النظام الذي يعتقلهم لا معايير سياسية أو قانونية لديه سوى الولاء له. إن من يدبّج مقالة مليئة بالأكاذيب، كما فعل حتر، بل فيها تشفّ من معتقلي الهيئة يصعب تصديق أنه يرفض «اعتقال أي معارض وطني ينبذ العنف»، فكيف التعاون معه لإطلاق سراحهم. وعلى كل حال، وهذا تحدّ لك وللنشطاء أمثالك «المنحازين...». لا أطالبك بالعمل على إطلاق سراح عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، فهذه قضية سياسية كبيرة عجزت عنها دول صديقة للنظام، وأنت لست قدها ولو جمعت حولك كل نشطائك، بل أطالبك بالعمل على إطلاق سراح أمل نصر التي استدعيت إلى الأمن العسكري مع زوجها قبل بضعة أيام فاعتقلت معه، ليتم الاحتفاظ بها، فيما أخلي سبيل زوجها بعد ذلك. هل أمل نصر التي ترأس المكتب النسائي في هيئة التنسيق الوطنية إرهابية يا حتر؟ لا بد أنك تعلم الجواب الجاهز لدى الأمن السوري عند سؤاله عن اعتقال أمثال أمل نصر ويارا فارس وهم كثر؟ الجواب وحيد وهو أنهم خونة أو عملاء! وهو الجواب الجاهز ذاته لدى جميع منحبكجي النظام، عندما يجري الحديث معهم أو أمامهم عن أي معتقل سلمي، إنها ثقافة التخوين التي روّجها النظام. وإذا كانت هذه حالك، وهي كذلك باعتبارك من «المنحازين...»، يصير من العبث مناقشتك في تفضيلاتك، فأنت حر بها، وهي عموماً لا تستحق أي تعليق. لكن عليك أن تنتبه من أن «القطيع» الذي اتهمت الهيئة بأنها «لم تكل ولم تمل من مساعي التفاهم معه» هو ذاته القطيع «من عملاء الاستخبارات الغربية والخليجية» بحسب رأيك، الذي يتفاوض من تشبهت بهم معه. بالطبع نحن نتفهم ذلك، إذ من الطبيعي أن يتفاوض من يتحملون المسؤولية عن تدمير سوريا وتمزيق وحدة شعبها. وبالمناسبة هم لا يتفاوضون من أجل إنقاذ ما تبقى من سوريا وشعبها، بل من أجل توفير الذرائع لاستمرار العنف المدمر. هل علينا أن نصفق مثلك لهذه «المنافسة السياسية» التي يتفوق فيها النظام على خصومه «جميعاً»، بحسب زعمك، بعدما تم تدمير سوريا، وكان بإمكانه أن ينقذها، لو نفذ الإصلاحات التي أعلن عنها في بداية عهده الجديد، أو لو استجاب في بداية الحراك الشعبي السلمي لبعض مطالب الشعب الإصلاحية، بالطبع لن نفعل، بل سوف نظل نحمّله المسؤولية الرئيسية عما جرى لسوريا وشعبها. لقد فشل في إجراء الإصلاحات التي وعد بها، وفشل في حماية البلد من التدخلات الخارجية، وفشل في تلبية مطالب الحراك الشعبي، لكنه نجح بامتياز في تأدية دوره في تدمير سوريا وإرجاعها عقوداً من السنين إلى الوراء.
يطالبنا حتر بالتخلي عن «هذيانات الأمس...» والتقدم «لإحراج النظام السوري بالتوافق على جبهة موحدة... جبهة مؤسسة على المبادئ والثوابت المشتركة للحركة الوطنية السورية: السيادة للجمهورية العلمانية، الشراكة، الديموقراطية، التحرير، التنمية، والعدالة الاجتماعية، والدور القومي والإقليمي لدمشق». بالطبع لم يتساءل حتر ماذا أبقى النظام من كل هذه المبادئ سوى اللفظ، بل إن لفظ بعضها ممنوع في قاموس النظام. ثم ماذا كانت نتيجة الحوار الذي رعاه في حينه نائب رئيس الجمهورية السيد فاروق الشرع؟ لا شيء سوى الإقامة الجبرية للشرع ذاته. ثم من يريد فعلاً أن يلاقوه إلى هذه المبادئ لا يزجّهم في السجن.
لطالما كان الحوار رائد المعارضة السورية منذ بداية العهد الجديد الذي استبشرنا به خيراً في حينه، لما طرحه من أفكار إصلاحية، لكن كان نتيجة ذلك وأد ما سمّي ربيع دمشق وزجّ العديد من نشطائه في السجن أو طردهم من وظائفهم. وباعتبار مخيلته واسعة، ربما بإمكان حتر أن يرشدنا إلى طريقة لمقاومة المشاريع الإمبريالية والصهيونية والتحرير، والتنمية و... و... ببلد مدمر، وشعب ممزق وجائع ومشرد، بلد مستباح... بلد يحتاج إلى أكثر من مئتي مليار دولار وإلى عقود من السنين حتى يعيد بناء ذاته من جديد... حتى نصدقك بأنك لو كنت «مواطناً سورياً لكنت معارضاً»... وإلا فأنت مجرد هاذٍ بامتياز.
* رئيس مكتب الإعلام في «هيئة التنسيق» السورية