من منطلق حرصنا على رفاه شعب لبنان، نورد ملاحظاتنا، كأستاذَين جامعيَّين، حول البيان الوزاري لحكومة الأستاذ حسان دياب:يساورنا القلق من الفقرة «ج» في البند الرابع من البيان حول ضبط الدين العام وخدمته. فقد بقيت المعالجة بالعموميات حول التعاون بين وزارة المال ومصرف لبنان والمصارف لخفض الفوائد، بينما المطلوب هو خطوات ملموسة لإعادة جدولة هيكلية الدين، أولاً بتأجيل المستحقّات لتمكين الدولة من استعمال أموالها في حماية المجتمع، وثانياً بخفض الفوائد على السندات كافة، ما ينعكس فوراً انخفاضاً في نفقات الموازنة التي باتت خدمة الدين تبتلع معظمها. ونرى أيضاً ضرورة مفاوضة حاملي السندات المستحقّة لشهر آذار بغية تأجيلها وإطالة أمدها.
نطرح علامة استفهام حول المقصود في الفقرة «ج» من «التشركة» بين القطاع العام والقطاع الخاص في مؤسسات «القطاع العام ذات الطابع التجاري»، ونعتبر ذلك كلاماً موارباً للخصخصة البغيضة وإضاعة ثروة اللبنانيين في ظرف عصيب لا يحقّق العائد العادل، ويضع مرافق حيوية بأيدي حيتان المال المعتادين. كما نطرح علامة استفهام حول الالتزام في البند الثالث بـ«مسار مؤتمر سيدر»، الذي يبشّر بالخصخصة والكلام المبهم حول ورقة الحكومة السابقة في 21 تشرين الأول 2019 والمسمّاة زوراً بـ«الإصلاحيّة» إذ هي تكرّر السياسات التي أوصلت إلى الكارثة.
نرى أنّ البيان استعمل مفردات الانتفاضة الشعبية سواء بتأكيده أنّ الحكومة هي «فريق عمل من أهل الاختصاص» و«مستقلّة عن التجاذب السياسي»، أو بوعده أنّ الحكومة ستجهد لكي لا تطال «أدوات العلاج المؤلمة الطبقات من ذوي الدخل المحدود». إلا أنّ تبعيّة أعضاء الحكومة لزعماء الطوائف معروفة، كما أنّ الخطوات التي وعدت الحكومة باتّخاذها تؤكّد أنّ سياسات الحكومة تصبّ في مصلحة زيادة تركيز الأموال في أيدي المتموّلين وزيادة مستويات الفقر والتهميش من خلال طرحها للخصخصة وإعطائها أولويّة لتسديد الديون.
إنّنا نرفض الخصخصة التي دسّها البيان تحت مسمّى «التشريك»، لأنّها أدّت في تجارب سابقة حول العالم إلى تركيز رؤوس الأموال في أيدي الواحد في المئة الأكثر غنى وتركيز «الألم» في الطبقات الأدنى دخلاً. إنّ المادة الأكاديميّة وفيرة في هذا المجال، ممّا لا يدع مجالاً للشكّ. ورغم الوعد بالعمل على تخفيض معدّلات الفوائد، فإنّ الاتّجاه العام للبيان هو متابعة تسديد الديون ما يعني أن تُخصّص الإيرادات الحالية والمستقبلية من أجلها، وهو ما يشكّل إعلاناً صريحاً بأنّ الأولويّة الفعليّة للحكومة هي للدائنين على حساب طموحات الشعب بمستوى معيشة لائق وبتحقيق العدالة الاجتماعيّة.
نعلن اليوم انطلاق عمليّة تأسيس المنتدى الأكاديمي الكندي اللبناني في كندا للإسهام بالفكر والمعرفة في بناء دولة رعاية مدنية لبنانية


نلاحظ أيضاً خلوّ البيان من خطوات فورية لتصحيح الخلل في بعض الأمور، ومنها التنفيذ الفوري وخلال 48 ساعة لاستعادة الأملاك البحرية وأيّ اعتداء على الملك العام (وعدد ملفاته 700) على أن يسعى المخالفون ــ كما هو معمول به في القانون الجزائي الفرنسي الذي يطبّقه لبنان ــ لدى القضاء لإثبات أيّ حق وليس العكس، فليس شغل الدولة أن تثبت حقها الذي قد يستغرق سنوات.
وإنّنا نعتقد أنّه من الضروري عودة وزارة التصميم Ministère du Plan الخاضعة للمساءلة القانونية والبرلمانية، ويمكن إلحاق مجلس الإنماء والإعمار وهيئة الإغاثة ومجلس الجنوب وصندوق المهجرين وغيرها من الصناديق التي تراكمت وفاقَ عددها السبعين، بهذه الوزارة الجديدة. إنّ إلغاء وزارة التصميم قد حصل في ظرف طارئ عام 1977، عندما قرّرت حكومة تلك الفترة استبدالها بمجلس الإنماء والإعمار بعد حرب السنتين. ولذلك فكلّ الصناديق هي مؤقتة عرفاً وليست دائمة وليست بديلة عن الوزارات.
نؤكّد أنّه يجب على سياسة أيّة حكومة مقبلة أن تُقدّم منفعة المجتمع على تسديد خدمة الدين، وبالتالي تعطي الأولوية لتغطية صحية شاملة مجانيّة تموّل من الضرائب على الأغنياء والتعدّيات على الأملاك البحرية والعامّة، وقد تقدّم أيضاً خدمات غذائية لتأمين شبكة أمان اجتماعيّ تنقذ المواطنين الذين وقعوا في كارثة معيشية مؤخراً وأصابهم الإفقار، وكذلك تُعفي طلاب الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية من الرسوم، وتُفرج فوراً عن الودائع الصغرى، بحيث يقوم مصرف لبنان بتوفير السيولة لهذه الغاية.
وأخيراً، فإنّنا نعلن اليوم انطلاق عمليّة تأسيس المنتدى الأكاديمي الكنديّ اللبنانيّ في كندا للإسهام بالفكر والمعرفة في بناء دولة رعاية مدنيّة لبنانيّة وتقديم أفكار ومقترحات حول الشأن العام اللبناني، وندعو كافة الزميلات والزملاء في كندا من أصل لبناني للتواصل، للمشاركة في عملية التأسيس ([email protected]).

* أكاديميان لبنانيّان