تُذكّر حكومة حسّان دياب بحكومات سابقة في تاريخ لبنان: يوم تمنَّعَ أقطاب في نادي رؤساء الحكومات (في مرحلة ما قبل الحرب) عن تأليف الحكومة، لعلمهم بأنّ أيادي غير خفيّة تحتاج إلى الاستعانة بوجوه من طائفة أخرى لتمرير مخطّطات لا توافق عليها أكثريّة في تلك الطائفة. في عام ١٩٧٣، بعد انكشاف مخطّط السلطة اللبنانية لضرب المقاومة ــ وبالتزامن مع عدوان إسرائيلي على بيروت ــ رفضَ كل رؤساء الحكومات السابقين عروضاً من سليمان فرنجيّة لتأليف الحكومة: حتى صائب سلام (الموغل في الرجعية والقريب من أنظمة الرجعية العربية بالرغم من استعانته بصور مع عبد الناصر في مواسم الانتخابات النيابية، والمشهور بحبّه لوهج السلطة ومباهجها، وإن أتته من دون نفوذ) استقال من الحكم يومها في عام ١٩٧٣، بعدما انكشف ضعف منصب رئيس الوزراء. عندها، كلّفَ سليمان فرنجية أمين الحافظ (وكان قريباً جدّاً من قادة المقاومة الفلسطينية، لكن المنصب أغراه)، وجوبِهَ هذا التكليف بمقاطعة إسلامية ويسارية شاملة، ما فوّتَ عليه فرصة الحكم. وأدّى قبوله بالتكليف، يومها، إلى مقاطعة رشيد كرامي له مدى الحياة (مع أن الحافظ كان عضواً دائماً في قائمة كرامي الانتخابية في طرابلس). وفي عام ١٩٧٤، كان التحالف بين نظام سليمان فرنجية وأحزاب اليمين قد بات مفضوحاً، وكانت باخرات السلاح تأتي إلى مرفأ جونية من دون سرية مطلقة. عندها، لم يلبِّ أحد من زعماء السنّة عروض فرنجية لتسلّم منصب رئاسة الوزراء (وكان منصباً فخريّاً شكليّاً يومها). وكان كمال جنبلاط من الحلفاء النادرين لسليمان فرنجية (حتى عام ١٩٧٥، وحلول الحرب الأهلية)، فما كان منه إلا أن حثّ حليفَه، رشيد الصلح، على أن يقبل المنصب، وهكذا كان. لكن لم يطل أمد رئاسة الصلح، إذ إنّ مجزرة عين الرمّانة أدّت إلى استقالته، بعد خطاب ناري اتهم فيه حزب «الكتائب» بإشعال الحرب (ولحقه بعد إلقاء الخطاب، أمين الجميّل، شادّاً إيّاه من ياقته، إلى أن تدخّل النائب مرشد الصمد، الذي هدّد بضرب الجميّل. وفي اليوم التالي، وصفت جريدة «العمل» الصلح بـ«عضو الذكورة»). وتكرّر عجز سليمان فرنجية عن تكليف رئيس للحكومة في أيّار ١٩٧٥، عندما ألّف حكومة عسكرية وأوكلَ أمر رئاستها إلى العميد المتقاعد نور الدين رفاعي، الذي لم تستمرّ رئاسته أكثر من ساعات، بعدما جوبِهت برفض شعبي عارم (حتى حياته الشخصية تعرّضت للنقد، فقال «التجمّع الإسلامي» عنه إنه لا يمثّل بيروت «أخلاقيّاً»). بعدها، اكتشف إلياس سركيس، ثم أمين الجميّل، شخص شفيق الوزّان، الذي كان ألعوبة بين أيديهم وبين أيدي «القوّات» (عندما قابلتُ الوزّان في منتصف الثمانينيّات بعد خروجه من الحكم أثناء إعدادي أطروحة الدكتوراه، سألتُه عن تجربته في الحكم وعن مماشاته لسياسات الجميّل نحو إسرائيل، فكان يقول لي: لم يكونوا يطلعوني على شيء ــ لكنه لم يخرج طوعاً من السلطة).حسان دياب هو أمين الحافظ، ورشيد الصلح، عام ٢٠٢٠، مع اختلاف ليس ببسيط: كان أمين الحافظ ورشيد معروفَيْن في الحياة السياسية اللبنانية، وكانت لهما مواقف واضحة ومحدّدة في الكثير من المواضيع، وقد ترأس أمين الحافظ لسنوات لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النوّاب. حسّان دياب كان مجهولاً من اللبنانيّين واللبنانيّات، إلى أن انتقاه نجيب ميقاتي كي يشغل وزارة التربية في آخر حكومة له. ولم يكن سجل دياب مُلفتاً أو جليّاً، ولكنه استطاع في وقت قصير أن يلفتَ النظر باهتمامه الفائق للترويج الذاتي، في بلد يكون فيه ذلك مهارة عادية وضرورية لكل المسؤولين (وبعض الناشطين على المواقع). على الأرجح، سيكون حسّان دياب نسخة ثانية من ميشال سليمان أو نجيب ميقاتي: أي شخص يصل إلى السلطة بدفع من النظام السوري أو حزب الله، ثم ينقلب عليهما عندما يتلقّى إغراءات (مادية في حالة سليمان ومعنوية في حالة ميقاتي). دياب يسعى، اليوم، إلى فتح أبواب الخليج أمامه، وهذه الأبواب لن تُفتح من دون أن يتغيّر مساره ويصبح مجنّداً في حرب دول الخليج ضد حزب الله، كما حصل في حالة الممانع المتطرّف (سابقاً) ميشال سليمان (يبدو الرجل صامتاً في هذه الفترة، ولعلّ ذلك يعود إلى رغبته في عدم فتح العيون مرّة أخرى على سجلّات فساده).
لم يكن تأليف هذه الحكومة لُغزاً من الألغاز. الفريق الباقي في الحكم (أي حركة «أمل» وحزب الله و«التيّار»، وما تبقّى من حلفائهم)، أصرَّ على الحفاظ على السلطة بأي ثمن. لا، الفريق المُتشبّت بالحكم وقع في فخٍّ نصبه له أعداء حزب الله: قرّرَ الحلف السعودي ــ الإسرائيلي ــ الأميركي (لا نستطيع أن نتحدّث عن فريق ١٤ آذار، مع استمراره بوجوه وألوان مختلفة، وبعضها ثوري، لكن إرثه مستمرّ وأجندته توزّعت على قوى عديدة بعضها ينطق باليمين وآخر باليسار) أن يُلصقَ السلطة بحزب الله، كي يحمّله وحده أوزار الحكم في مرحلة لا ثمارَ للحكم فيها. وحزب الله برزَ بمجرّد اندلاع الانتفاضة، كالمُدافع الأوحد والوحيد عن النظام، كأنّ القسط الأكبر من منافع النظام كان يصل إليه بانتظام على مدى عقود. الحزب الذي كان أقلّ انتفاعاً من النظام تحوّل إلى أشرس مُدافع عن النظام.
استغلّ تحالف الثنائي الشيعي مع «التيّار» (كيف نصف حلفاً متكرّرَ التركيب الطائفي؟) الطموح السياسي لحسّان دياب، فأصبح رئيساً للحكومة. وعندما كانت هناك دعوات (بعضها مشبوه ومرتبط بأعداء المقاومة) إلى تأليف حكومة تكنوقراط (كأن التكنوقراطيّين يقطنون كواكب أخرى، ولا يرتبطون بزعامات ومصالح فاسدة) ازداد قلق حزب الله وخوفه من احتمال تأليف حكومة يُستبعد منها. لكن الحزب حقّق إنجازات في مقاومة إسرائيل، وأنجز تحرير الأرض من الاحتلال عندما كان خارج السلطة ــ هل نزيد أن الحزب كان أفعل وأقوى، سياسيّاً، عندما كان خارج السلطة؟ والحزب يعوّلُ كثيراً على مضمون البيان الوزاري، وعلى ضرورة إدراج تعبير أو جملة عن حق مقاومة إسرائيل، كأنّ المقاومة تحتاج إلى تشريع من بيان وزاري، أو كأن غياب «الجملة السحريّة» سيصيب صواريخ حزب الله بصدأ مفاجئ. فقد كانت هناك مقاومة ضد إسرائيل في لبنان، عندما كان البيان الوزاري يتضمّن تشريع التعامل مع الاحتلال ومندرجاته، كما حصل في حكومة شفيق الوزّان في عهد أمين الجميّل. وماذا سيحصل للمقاومة لو أن البيان الوزاري لم يكن يتضمّن تلك الجملة التي وافق عليها أمثال ميشال سليمان (هذا الذي انقلب على المقاومة مقابل... لا شيء ماديّاً). هذا الحرص على البيان الوزاري، أو الخوف من صياغته، يزيد من إصرار الحزب اليوم على المشاركة في الحكومات. وقع الحزب في الفخّ مزهوّاً: سُرَّ الحزب لأنه استطاع تأليف حكومة، بالرغم من محاولات حثيثة من أعدائه (بالتعاون مع فريق من «الثوّار» ــ أبعد الناس عن الثورة في لبنان هم الأصدح في الهتاف لها في الساحات). ظنَّ الحزب أنّ تأليف الحكومة هو نصرٌ له ــ أو أراد أعداء الحزب تصوير تأليفه (بالتعاون مع حلفائه) للحكومة، على أنّه نصرٌ له، فيما أعداء الحزب هم الذين يقرّرون مصير هذه الحكومة، وهنا المفارقة. هم سينتظرون الفرصة المناسبة ــ وهي آتية حتماً بحكم الأزمة الاقتصادية ــ كي ينقضّوا مثل الضواري.
كل الذين يمسكون بمقدّرات إسعاف لبنان في الخارج مصمّمون على تركيع الشعب اللبناني، أملاً في بلورة رأيٍ عام يصبّ جام غضبه على حزب الله


ليس هناك من حلّ خارجي للأزمة اللبنانيّة. كل الذين يمسكون بمقدّرات إسعاف لبنان في الخارج مصمّمون على تركيع الشعب اللبناني، أملاً في بلورة رأيٍ عام يصبّ جام غضبه على حزب الله. ولقد جرت محاولات، منذ بداية الانتفاضة (كما حصل في بداية الانتفاضة الشعبية في سوريا قبل نشوب الحرب) لاستخدام عدد من الأشخاص للهتاف ضد حزب الله، في محاولة مستميتة لتأسيس نقمة ضده. نال مشهد هتاف عدد من العناصر «القواتيّين» ضد حزب الله في جلّ الديب (وكان عددهم يومها أقل من دزّينة) نسبة لا بأس بها من التغطية في الإعلام المحلّي والعربي وحتى الغربي ــ والإعلام الغربي يتسقّط أي همسة تصدر ضد الحزب، لأنّه ينشد ما تصبو إليه الصهيونية الأميركيّة.
لكنّ هذه الحكومة محكومة بالفشل لعدة أسباب:
1) إنّ الاعتماد على الحلول الخارجية، إن من صناديق الدعم والتمويل الغربية، أو من دول الخليج ودول الغرب، يضع مصير الحكومة في أيدي أعداء حزب الله (الذين يُصرّون على أنّ هذه الحكومة هي حكومة حزب الله، وهذا ليس مجافياً للحقيقة بالكامل، مع أنّ الحكومة تخضع كالعادة لمساومات وتنازلات بين الحزب وحلفائه). لم يضع أعداء حزب الله في الخارج (بعد) شرط نزع سلاحه، كثمنٍ مقابل تمويل الدولة، لكن لا يحتاج هذا الشرط إلى المجاهرة به. يمكن إجراء مقارنة كيف هبّت دول الخليج لإسناد نظام السيسي، أو حتى نظام البشير في السودان قبل سقوطه، مقابل التجاهل التام من قبل تلك الدول للأزمة اللبنانية. وقد ظهر هذا الموقف الخليجي، ليس فقط في احتجاز سعد الحريري، بل في إفشال مهمّته في الحصول على تمويل إماراتي، قبل أسابيع فقط من اندلاع الانتفاضة اللبنانية. المساعدات الخليجية للبنان (إن من قطر أو من الثنائي الإماراتي ــ السعودي) ليست قراراً سيادياً يخصّ تلك الدول وحدها، بل هو قرار أميركي في الأساس. أميركا تقرّر متى وكيف تموّل أنظمة الخليج هذا النظام العربي أو ذاك، أو هذه المعارضة أو تلك (حتى في خارج العالم العربي، تمون الحكومة الأميركية على النظام السعودي كي يموّل حركات فاشيّة، مثل الـ«كونترا» في نيكاراغوا في عهد رونالد ريغان). كشفت «نيويورك تايمز»، مبكراً، في الحرب السوريّة، أنّ قطر والسعودية لم تمدّا أطرافاً في الحرب بالمال والسلاح، من دون إذنٍ أميركي. وكان جيفري فيلتمان صريحاً في حديثه أمام الكونغرس، قبل أسابيع، عندما ذكّر بالتمويل الخليجي للبنان، بعد عدوان عام ٢٠٠٦. وكان واضحاً أنّ الأمر الأميركي بالتمويل الخليجي كان من أجل تقويض سمعة إيران، التي هبّت بإعلان مساعدة سخيّة للبنان آنذاك. لا تريد أميركا إسعاف لبنان، لا بل إن الأزمة هي، في جانب منها، من صنعها.
2) لا تختلف هذه الحكومة عن سابقاتها في الفلسفة الاقتصادية، ووزير المال الجديد ينتمي إلى العقلية الاقتصادية نفسها التي أودت بنا إلى التهلكة. كان غازي وزني، حتى وقت قريب قبل الانهيار، يُثني على حكمة ودراية رياض سلامة. وحزب الله ليس معارضاً للرأسمالية بحدّ ذاتها، وكان من أنصار ورقة الحريري الاقتصادية. وحتى الساعة، لا يغالط رياض سلامة، كما أنه لا يدعو إلى إقالته أو محاكمته. إقالة رياض سلامة ومحاكمته مسألة بديهيّة، حتى لو كنتَ رأسماليّاً. كل الإعلام والمسؤولين يتحدّثون عن إخفاء سلامة معلومات عن موجودات المصرف، كأنّ الحكومة تخضع لسلامة وليس العكس. والطريف أنّ أميركا باتت تجاهر بإصرارها على بقاء سلامة ونائبه البعاصيري، لتنفيذ أوامر وزارة الخزانة الأميركية. لم يَردّ سلامة، حتى الساعة، على طلب رئيس الحكومة لمدّه بأرقام عن حجم موجودات المصرف. هذه الحكومة تريد إنقاذ الوضع بأساليب السلطات السابقة نفسها وبالعقلية ذاتها. وقد بات الترياق الوحيد الموعود (والذي شكّل خلافاً بين حزب الله والتيّار العوني، إذ إنّ حزب الله استفاق ــ متأخراً جداً ــ لمخاطر وصفات صندوق النقد بعدما كان قد سكتَ عنها دهوراً) هو مشورة صندوق النقد التي قد تتطوّر إلى خطة إنقاذ يعدّها مساعد فؤاد السنيورة في صندوق النقد. سيؤدي التعويل على صندوق النقد إلى الفشل: هل ننسى أنّ هذا الصندوق اعتبر قبل أشهر فقط من إسقاط بن علي في تونس، أنّ النظام الاقتصادي التونسي هو المثال الذي يجب أن تحذوه كلّ الدول النامية؟
مجلّة «ذي إيكونوميست» (التي كانت رصينة وتحوّلت مثل كل الإعلام الغربي إلى جهاز دعاية سياسية صفيقة) حذّرت لبنان من عقد الآمال على صندوق النقد، وذكّرت بالحالات الأخيرة في تونس ومصر والأردن. هذه الدول أخذت قروضاً من الصندوق، وما حصدت إلّا الخيبة والفقر والبطالة. رضخت للشروط المعروفة من الصندوق الحكيم، وهي الشروط التي تُثقل كواهل الطبقات الكادحة: خفّض الأردن الدعم عن المحروقات، ما رفع أسعارها بنسبة ٥٠٪، وزادت تونس الضرائب كما خفّضت من قيمة الدينار، وعوّمت مصر عُملتها ما أفقدها نصف قيمتها. لكنّ المجلّة لم ترَ نوافع هذه الإجراءات (وهي مجلّة الرأسمالية، وقد وصفها لينين بـ«مجلّة تنطق باسم أصحاب الملايين البريطانيّين»). وقد زاد الفقر في كل هذه الدول (وصل في مصر إلى ٣٣٪، لكن الأردن، بحسب المجلّة، توقّفت عن نشر أرقامها عن نسبة الفقر منذ عام ٢٠١٠، والتي تقدّر بنحو ٢٠٪، فيما يقدّر البنك الدولي نسبة الفقر في تونس بـ١٥٪) ولم تهطل على هذه الدول الاستثمارات الموعودة. كذلك، بقيت حالة البطالة على حالها. لكن حتى صندوق النقد أو البنك الدولي: هذه مؤسّسات تساعد وتعاقب وفق الرؤية السياسية الأميركية، وأميركا تكافئ دولاً أو ساسة (كما في حالة بوريس يلستن في روسيا عندما خاض انتخابات قاسية في عام ١٩٩٦، وقد منحه الصندوق قرضاً بقيمة ١٠،٢ مليارات (ولاحظت «نيويورك تايمز»، يومها، أنّ هذا القرض كان له طابع سياسي واضح، وبإشارة من إدارة كلينتون، راجع الصحيفة في عدد ١١ آذار، ١٩٩٦). ليس هناك في لبنان مَن تريد أميركا مكافأته. على العكس، هي ستستخدم مؤسسات الغرب النقدية للإمساك بعنق لبنان أكثر.
3) لا يزال الحزب يفتقر إلى خطة إعلامية في مواجهة خصومه. والإعلام (الرسمي العربي أو الغربي، أو حتى بعض «الثوري» الجديد في لبنان، والذي استطاع في فترة قياسية تحقيق تمويل حكومي غربي ــ ثوري طبعاً ــ ومن جورج سورس، الثوري) المُهيمِن، خاضعٌ لأعداء حزب الله، ومُوجّهٌ من قبل التحالف الأميركي ــ الإسرائيلي. ولهذا، فإنّ الحكم على هذه الحكومة لن يكون منصفاً أو نزيهاً، بل محكوماً بالعداء للحزب وإثبات أنّه (وحليفه جبران باسيل) مسؤول عن كل مصائب لبنان (لا، طلعت راغدة درغام بتخريجة جديدة، أخيراً، إذ هي ألقت باللوم على حسان دياب ــ لا الحريري أو السنيورة ــ في مصائب لبنان الاقتصادية). قرّر الحزب أن يصل إلى السلطة في أسوأ مرحلة، جاهلاً أو متقبّلاً عواقب الحكم في هذه المرحلة. سيتحمّل هو وحلفاؤه، عبر هذه الحكومة، اللوم بسبب انهيارٍ اقتصادي فظيع مسؤول عنه خصومهم. لكنّ الناس تلوم الحكومة القائمة، لا البائدة. وهناك من لم يعد يذكر رفيق الحريري. وفي ملف «الكورونا»، نال الحزب من اللوم ما لم ينَله أي وزير صحّة في الدول التي تعرّضت لتفشّي الفيروس (هذا لا يعفي وزارة الصحّة من المسؤولية عن التخبّط الذي شابَ تعاملها مع الطائرة الإيرانيّة ومسافريها عند وصولها إلى بيروت، كما أن خبيراً طبيّاً هنا يقول لي إن المسؤوليّة الكبرى تقع على عاتق المدير العام لوزارة الصحة الذي كان يجب أن يعدّ خطة طوارئ شاملة ويقدّمها إلى الوزير). لوم حزب الله ودياب من قبل أجهزة إعلام المقاومة، سرى هذا الأسبوع. فقد تعرّض خطابٌ لحسّان دياب لتشويه فظيع ومقصود من قبل كل أجهزة الإعلام الخليجيّة والـ«ثاو ثاو ثورة» في لبنان، من أجل تصوير دياب بمظهر العاجز. حزب الله، الذي كان يَلقى اللوم من قبل يسار الـ«ثاو ثاو ثورة»، لأنّه وافق على السياسات الاقتصادية (التي لم يصنعها) لقِي اللوم، هذا الأسبوع، لأنه انتقد صندوق النقد وعارض الإذعان له. الحزب ملامٌ لو فعل أو لم يفعل.
4) همَد الشارع، أخيراً، لكنّ أعداء الحزب غير بعيدين عن الشارع، وبعض قطاعات الانتفاضة (خصوصاً فريق «ثاو ثاو ثورة») يعادونه أكثر من «القوّات اللبنانية»، وإعلام الانتفاضة المدعوم من قبل الاتحاد الأوروبي وجورج سورس مهووس بحزب الله، حتى إنّك لو زرتَ موقع «ثاو ثاو» «ميغافون»، لوجدتَ مقالات ضد حسن نصر الله أكثر بكثير من المقالات عن السنيورة أو الحريري، أو حتى رئيس جمعيّة المصارف. لا يزال الردّ على حسن نصر الله مهنة تدرّ أرباحاً، خليجية وأوروبية وأميركية. وبرعايته للحكومة، سيحفّز الحزب التصويب والتركيز عليه.
5) ليس لحسان دياب شعبيّة في داخل طائفته، ما يجعله، كما ميقاتي سابقاً، مُزايداً في حريريّته على حريريّة آل الحريري. كان ميقاتي يصرّ على دفع كل المستحقات اللبنانية لمحكمة الحريري الإسرائيلية، ولولا بعض المعارضة في مجلس الوزراء لكان قد زاد على تمويل المحكمة إكراميّة خاصّة من الشعب اللبناني، امتناناً على مساهمتها في إذكاء الفتنة بين اللبنانيّين. سيكون حسان دياب مندوباً للحريريّة في حكومة يسيّرها خصومه، أي إنّ الحكومة تجمع متناقضات في بنيتها، وهذا التناقض لن يُحلّ إلا بالاستقالة أو بمماشاة حزب الله لمشيئة دياب، المعارضة لمشيئته، كما حدث في حالة حكومة ميقاتي في منعطفات عديدة.
6) هذه الحكومة ليس مسموحاً لها إلا بالتعجيل في زيادة الضغط الشعبي ضد حزب الله، وقد منح الحزب خصومه في الخارج والداخل فرصة ذهبيّة للضغط عليه، لأنّه وضع نفسه في واجهة السلطة المتهالكة. سيضطرّ الحزب، إذا ما تزايد الضغط الشعبي نتيجة تفاقم الانهيار، إلى الدفاع المستميت عن السلطة، فيما سيبرز دور جوزيف عون (لأي سلطة سياسيّة يخضع جوزيف عون في هذه المرحلة؟ هل يخضع لسلطة سياسية ما؟) كحامي الشعب والمدافع عن حريّاته. وهذا بالضبط الدور الذي يرسمه اللوبي الإسرائيلي لقيادة الجيش، كي تنتقص مصداقيّة المقاومة وتظهر بمظهر المدافعة عن الفساد والتسلّط والانهيار.
إنّ حكومة حسان دياب آيلة إلى السقوط، وهي لا تستحق الإنقاذ، لأنّها محاولة من بعض السلطة لإنقاذ كل السلطة. والفريق الأقوى في السلطة هو خارجها، ما سيجعلها أكثر قدرة على اختراق المعارضة لجعل هذه المعارضة، وما يُسمَّى «الثورة»، مساهمة خبيثة وخفيّة للحفاظ على النظام الحاكم ــ باستثناء حزب الله لو استطاع الفريق الأقوى إلى ذلك سبيلاً.

* كاتب عربي (حسابه على «تويتر» asadabukhalil@)