إلى منى أبو عسلة
لا، لن أستقيل من دور الصحافي يوم يكون الخبر أنتِ! كيف لا أكتب لكِ؟ كيف لا أكتب عنكِ؟
لا، لن أرمي أقلامي هذه المرة! لن أقف مكتوفة اليدين أمام الجراح! أريد لجرحي أن ينزف هنا، أمام جميع من أحبّكِ. أمام جميع من أحببتِ! ولا أعرف ماذا أكتب يا منى*! لا أعرف من أين أبدأ. أين أنتهي!

أخبروني أن معلمتي لم تصحُ اليوم، وقالوا لي: «لن تصحو غداً أيضاً». لم أسأل عن بعد غد. لأول مرة أخاف أن أسأل! لأول مرة أخاف من سؤال! سمعت أحدهم يصرخ «أين ذهبت وتركتنا منى؟». تركتنا!؟ ألا يعلمون أن منى لا تترك أحداً. لا بد أنهم لا يعرفون منى جيداً!
سمعت أحداً يهمس على الهاتف: «ماتت منى»! منى علّمتنا ألا نصدق كل ما نسمع، أن نشكّ في أيّ شيء، في كلّ شيء! وأنا فكرت في ما قيل للتو. من المجنون الذي سيصدق أن منى ماتت؟ الموت مهما حاول، لن يعرف طريقاً إليها! الموت لا يشبهها! الموت بعيدٌ كل البعد عن منى!
ذهبت إليه وواجهته: «سمعت ما قلت على الهاتف! وما سمعته ما كان بالصّدفة! تقصّدت أن أسمع... حين سمعت اسم معلمتي... نعم! تقصّدت أن أسمع! أريد أن أرى منى الآن! خذني إليها! قالوا لي لم تصح من نومها اليوم، ولن تصحو غداً أيضاً! سأصحّيها بطريقتي. سأقول لها كلمتين: «لم أفهم» يا منى! وستستيقظ لتشرح لي، أعرف منى! ستستفزها هذه العبارة صدقني. ستقوم لتشرح لي! قل لي فقط أين أجدها بالله عليك قل لي!؟
قال بعد دقيقة من صمت خفت ألا ينتهي: تجدينها في الكنيسة غداً عند الساعة الثانية عشرة ظهراً!
ذهبت قبل الموعد! وانتظرتكِ هناك! فتشت الكنيسة ركناً ركناً! ما وجدتكِ يا منى! طلبت من راهب أن يدلّني عليكِ! قال لي انكِ في الغرفة المجاورة! كنت على وشك تقبيله لأنه دلّني على مكان أجدكِ فيه! طرت إليكِ حاملةً محبتي وأشواقي وأخباراً ستعجبكِ. كتابي أضع لمساتي الأخيرة عليه، وسأتخرّج بعد شهر ونصف شهر وسأكمل دراساتي العليا في اللغة العربية. واعتزلت الغرام يا منى! الحب يؤلم أكثر مما تصورت! لكِ عندي ألف سؤال عن الحب، عن الحياة، عن المسيح، عن الموت، عن ادونيس، عن الربيع، عن القيامة، عن الله. أين أنتِ؟
تبعت أثر عطركِ في أرجاء الغرفة! وحين وجدتكِ، ضِعت مني إلى الأبد، ضِعت مني إلى الأبد!
*منى أبو عسلة، معلّمة الأدب والفلسفة في مدرسة «مار يوسف الظهور ــ بيروت» و«برمانا هاي سكول»
سامية التل