كلُّ ما في ملفّ العميل عامر الفاخوري مريبٌ ويدعو إلى التساؤل والاتهام:- من إلغاء البرقيّة 303 عام 2015؛
- إلى تنظيف سجلّه تمهيداً لعودته إلى لبنان في 4 أيلول 2019 بجواز سفره الأميركيّ. وهذا ما كانت السلطاتُ المعنيّة تتوقّع حدوثَه، بدليل «التقصّي» الذي أصدره المديرُ العامّ الأمن العامّ، والوثيقة الصادرة عن المديريّة العامة لقوى الأمن الداخليّ سنة 2017؛
- مروراً بمحاكمته؛
- وانتهاءً بمشهد العار في 16 آذار 2020 وكفّ التعقّبات ضدّه.
جرت كلُّ هذه الأحداث تحت ضغط أميركيّ كبير وواضح، رضخ له «صنّاعُ القرار» من مختلف التيّارات.
لا شيء يسوِّغ غضَّ النظر عن عودة عتاة العملاء، ومنهم العميل الفاخوري، إلى لبنان. الأجدر والضروريّ والقانونيّ أن يحاكَموا محاكمةً عادلةً. وأيُّ محاكمةٍ عادلةٍ لا بدّ من أن تَخْلصَ إلى إدانة الفاخوري وأمثالِه، وإلى الاقتصاصِ منهم، باسم الشعب اللبنانيّ، حفاظاً على ذكرى الشهداء العطرة، وإحقاقاً لبطولات الأسرى الذين خضعوا لتعذيب العملاء وتنكيلهم، وحرصاً على القانون نفسه؛ هذا القانون الذي لا يمكن (ولا يجوز) أن يعمل بمبدأ «مرور الزمن» حيال أصحاب الخيانة العظمى، المتعاملين مع العدوّ الإسرائيليّ، ولا مع خاطف مواطنين (شأن الفاخوري) لا يزال مصيرُهم مجهولاً.
ولو سلّمنا بذريعة «مرور الزمن» على جرائم الفاخوري، أفلن يكون مدعاةً للريبة أن لا تسقطَ هذه الذريعةُ عن حبيب الشرتوني ونبيل العلم، «المتَّهميْن» بتنفيذ حكم العدالة الوطنيّة بالرئيس الذي «انتخبتْه» الدبّابةُ الإسرائيليّةُ سنة 1982؟ وكيف «يمرّ الزمنُ» على عميلٍ... ولا يمرُّ على مقاوم؟!
ينقل موقعُ «محكمة» الإلكترونيّ عن الفاخوري اعترافَه أمام قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية نجاة أبو شقرا بكثيرٍ من الجرائم التي ارتكبها، ومنها: التعاملُ مع العدوّ الإسرائيليّ، وتجنيدُ العملاء، وتولّيه منصبَ القائد العسكريّ لثكنة الخيام ومعتقلِها الشهير، والإشرافُ على تعذيب الأسرى بوسائلَ وحشيّة (كالكهرباء والتعليق على الأعمدة)، وخنقُ انتفاضتهم بالقنابل الدخانيّة (ما تسبّب في استشهاد أحدهم). وتزيد في فضحه وإدانته إفاداتُ عددٍ من الأسرى والمعتقلين المحرَّرين من معتقل الخيام، وقد خصّصتْ لها القاضي أبو شقرا جزءاً مهمّاً من قرارها الاتهاميّ في حقّه.
لكن اتضح أنّ الضغوط الأميركيّة على «صنّاع القرار» اللبنانيين كانت أقوى من أيّ قرارٍ اتهاميّ أو إفادة، وذلك منذ اليوم الأوّل لتوقيف العميل المذكور. بدايةً، طلب الأميركيون مقابلتَه وتقديمَ «العون» له. ثم تحرّك أعضاءٌ من الكونغرس الأميركيّ للضغط على مسؤولين لبنانيين بهدف إطلاق سراحه. إلى أن وصل الأمر، بحسب ما كشفتْ «فوكس نيوز» الأميركيّة قبل أسابيع، إلى أن تقدّم السيناتوران الأميركيان كروز وشاهين باقتراح عقوباتٍ على المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالملفّ «غير القانونيّ للسجين الأميركيّ عامر الفاخوري» بحسب زعمهما. وهكذا بات الجزّارُ العميل، في عرف الأميركان، ضحيّةً لسوء المعاملة اللبنانيّة!
لم يتأخر الرضوخُ اللبنانيّ لهذه الضغوط، وطُبختْ طبخةُ الإفراج عنه بعلم جميع المعنيّين، وتواطؤ آخرين. وجرى استغلالٌ غيرُ بريء للظروف الاستثنائيّة التي يمرّ بها لبنان، لا سيّما حالة التعبئة العامّة والطوارئ الصحيّة التي أُعلنتْ قبل يومٍ واحدٍ من قرار المحكمة العسكريّة.
إنّ حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان تدين، بأقسى عبارات الإدانة، كلَّ تواطؤٍ حصل في ملفّ العميل عامر الفاخوري، وتُلْقي بعار إطلاق سراحه على كلّ «مسؤول» لبنانيّ سهّل هذا الإطلاقَ، أو رضخ لأيّ ضغطٍ كان، أو تغاضى عن كلّ تساهلٍ جرى. وهي تحمّل السلطةَ اللبنانيّة بأسْرها، وإنْ بدرجاتٍ متفاوتة، وزرَ العار اللاحق بلبنان. وتدعو الحملةُ إلى تأليف لجنة تحقيق خاصّة لكشف ملابسات هذا الملفّ، ومحاكمة المسؤولين عنه.
إنّ تهريب العميل الإسرائيليّ عامر الفاخوري، إنْ حصل، يُظهِّر، ربّما أكثرَ من أيّ أمرٍ آخر، فسادَ السلطة اللبنانيّة بمختلف مكوّناتها، وعلى رأسها أقسامٌ من السلطة القضائيّة نفسِها. وترى الحملةُ أنّ مواجهة كورونا ينبغي ألا تغطّي على وباءٍ لا يقلّ شراسةً وفتكاً: إنّه الوباء المعشِّش في هذه السلطة الفاسدة المتخاذلة المتواطئة التابعة؛ وباءٌ أوصل هذه الأخيرةَ إلى مقايضةِ أبهى ما عندنا، شهدائنا وأسرانا، برضى حاكمٍ مجرمٍ مجنونٍ في البيت الأبيض.