تحيّة وما يليق من الاحترامالسيّد الرئيس،
بصفتي سورياً قومياً اجتماعياً ورفيقاً للمناضل البطل حبيب الشرتوني، فاتح عهد المقاومين للعدوان الصهيوني على لبنان في صيف 1982، والمنفّذ، بالنيابة عن اللبنانيين الرافضين لهذا العدوان، عقوبة الإعدام بالمتعاون الأول مع العدو، الرئيس «المنتخب» رغماً عن إرادة معظم اللبنانيين، بشير الجميّل، أتوجّه إليكم بعدما أقفلت أمامي، وأمام أمثالي من اللبنانيين التائقين إلى العدالة، كل السبل، منتظرين، منكم، موقفاً شجاعاً يصحّح الخلل الذي اعترى قوانين العفو التي أجريت، على مدى ربع قرن، بهدف طيّ صفحة الحرب الأهلية البغيضة.
السيّد الرئيس،
ما دفعني، باسم رفقائي، إلى الكتابة إليكم هو الحديث، من فترة إلى أخرى، في وسائل الإعلام، عن قانون عفو يصدر قريباً، ممهوراً باسمكم وتوقيعكم، ويشمل، في مفاعيله، مظلومين وغير مظلومين، موقوفين ومحكومين، عملاء وفارين، و.. إرهابيين أيضاً (؟!)، كما حصل في قوانين عفو سابقة، لا سيّما قانوني عفو صدرا عام 2005 واستثنيا، عملاً بسياسة الكيل بمكيالين، الرفيقين المناضلين نبيل العلم وحبيب الشرتوني.
السيّد الرئيس،
لقد واجهتم وواجهت معكم فئةُ من اللبنانيين، إبان فترة رئاستكم لحكومة عسكرية، ما اعتقدتَه، يومها، صواباً، إزاء تسلط العصابات الميليشياوية، وسلطة الوصاية في «عنجر»، على الحكم والدولة التي تحوّلت إلى مزرعة، الأمر الذي لم تقبلوا به بتاتاً، فأعلنتم من بعبدا، حيث كنتم وأنصاركم تعتصمون في ما سمّيتموه «قصر الشعب»، حرباً مفتوحة: حرباً في السياسة وحرباً في الميدان، ودفعَتم وأنصاركم، من عسكريين ومدنيين، أثماناً كبيرة، وانتهت «حربكم» مع خصومكم على شكل مغامرة وهجرة قسرية، لخمسة عشر عاماً، في الخارج!
السيّد الرئيس،
بعد اجتياح «إسرائيل» للبنان واحتلال عاصمته بيروت العام 1982، اصطفت أقلية من اللبنانيين إلى جانب الصهاينة الغزاة، مباركة ومؤيّدة، في حين أخذت أكثرية اللبنانيين موقفاً صريحاً، رافضاً للاجتياح ومقاوماً له. وقف بشير الجميّل، رأس الميليشيا الانعزالية المسمّاة «القوات اللبنانية» في طليعة المؤيدين للاجتياح، وكان خير معين وخير دليل وخير نصير لقوات الغزو الصهيوني، وما لبثت المعلومات الكثيرة والمتقاطعة في رواياتها عنه، أن كشفت، ولا تزال تكشف، دوره المخزي في استدراج العدو الصهيوني إلى لبنان.
في تلك اللحظة الفاصلة من تاريخنا وتاريخ المنطقة، كانت «الدولة اللبنانية»، كعادتها، غائبة عن المشهد الدرامي الجاري أمام بصرها، وعاجزة عن القيام بأي فعل يوقف العدوان المندفع في كل لبنان، فانبرى بعض اللبنانيين، ممن لم يرضوا الهزيمة مصيراً لهم ولبلادهم، في مقاومة الغزو والغزاة، ونفّذ نبيل العلم وحبيب الشرتوني مهمة قتل رأس المتعاونين مع «إسرائيل» في حربها على لبنان، بشير الجميّل، الأمر الذي غيّر، لاحقاً، مجرى الأحداث كلياً.
السيّد الرئيس،
إذا كان الشرتوني، طال عمره، والعلم، قدّس سرّه، هما ممن شاركوا في صناعة لبنان الجديد، والمشرق الجديد، بعد الاجتياح الإسرائيلي، هذا المشرق الذي تعتزّ، السيّد الرئيس، بانتمائك إليه، روحاً وثقافة وهوية وتاريخاً، كما يعتزّ أنصارك وأكثرية اللبنانيين بمشرقيتهم، والذي توّجت بزيارتك التاريخية، قبل سنوات، إلى حوض العاصي، حيث ديار مار مارون رأس الكنيسة الأنطاكية المارونية، توّجت عودة الروح إلى علاقات الأخوة بين لبنان والشام بعد سحابة صيف عابرة، نتساءل معكم، وقد مررتم بما مررتم من تحديات وخبرتم ما خبرتم من تجارب، عن هذا التجاهل الوقح، على صعيد الحكم والسلطة التشريعية والطبقة السياسية المهترئة، لقضيتهما؟ كأنهما هما من استدرج الصهاينة إلى لبنان وليس القوى الانعزالية المرتبطة تاريخياً بالعدو الصهيوني، حتى قبل نشوء دولة «إسرائيل»؟
السيّد الرئيس،
قد يكون اللبنانيون، يوماً، على موعد مع قانون جديد للعفو يشمل أعداداً كبيرة من المساجين والفارين، ولكنهم، حرصاً منهم على طيّ صفحة الحرب الأهلية، وتأكيداً لأولوية السلم الأهلي، ومنعاً لتكرار الاستنسابية في قوانين العفو، يحذّرون من أن يستثني القانون المنتظر، مجدداً، ملف الشرتوني والعلم، إذ لم يعد جائزاً، تحت أيّ ذريعة من الذرائع، استثناء أيّ لبناني أو نبذه أو استفراده، ولا نشك، لحظة، السيّد الرئيس، في أنكم تشاركونهم هذا الرأي.
السيّد الرئيس،
إننا، أصدقاء حبيب الشرتوني ونبيل العلم، إذ نستغرب هذا السكوت المشين للقوى السياسية كافة، يمينها ويسارها ووسطها، عن وضع نهاية عادلة لهذا الملف الوحيد المتبقي من آثار تلك الحرب المجنونة، فإننا نطالبكم بإسقاط «التهمة» الموجهة إليهما، فهما، في نظرنا وفي أنظار المقاتلين من أجل الحرية والكرامة، مقاومان لا قاتلان!

(*) أستاذ جامعي - كتاب مرسل إلى رئيس الجمهوريّة عبر الفاكس بتاريخ الأوّل من آذار/ مارس 2018، قرر الكاتب نشره بعد وقف ملاحقة العميل عامر فاخوري وتهريبه من لبنان