من التصرّفات الوضيعة أن يحتمي المرء بأعدائه ليضمن مصالحه غير المشروعة، ويتجنّب المساءلة العادلة، تماماً كما تفعل الطغمة المالية ــــ المصرفية الحاكمة، عندما تستظل بالفساد السياسي، كما بوباء «كورونا»، للتهرّب من ردّ الأموال المنهوبة والمسلوبة إلى أصحابها. والأصحاب هنا، قد يكونون الناس أو الخزينة أو المصارف نفسها التي تدّعي فقدان السيولة وقد وفّرتها لأصحابها وكبار مساهميها وسياسييها بأرقام فلكية تتحدث عنها بدهشة أوساط أوروبية شتى.تتجدّد المأساة، وتتعاظم اليوم، بمحاولة هذه الطغمة المتماهية مع «الحاكم بأمره» التواري عن المشهد الأكثر إلحاحاً والتمنّع عن تنفيذ قرارات مجلس الوزراء، بتمويل شراء المواد والأجهزة الطبية لتترك المستشفيات عرضةً لأخطر الانتكاسات لحظة مساعيها الحثيثة لاحتواء الوباء الخطير، الذي يحتاج إلى قرارات صارمة في كل اتجاه للحد من انتشاره بانتظار اكتشاف اللقاح الناجع له، علماً بأن تداعيات الوباء بدأت تتكشف، بعد التستّر على الأمر في بعض المواقع، وعدم الامتثال لتوجيهات وزارة الصحة والجسم الطبي اللبناني، الذي يبقى بكل مكوناته نقطة الأمل الساطعة وسط هذه اللوحة القاتمة التي تطغى على البلاد.
إنّ جريمة السطو الكبرى التي قامت بها قلّة فاجرة على المال العام والخاص أصبحت تتحوّل مع الأيام إلى جريمة متمادية


إنّ جريمة السطو الكبرى، التي قامت بها قلّة فاجرة على المال العام والخاص، لم يعُد بالإمكان اعتبارها اليوم جريمة فظيعة فحسب، بل أصبحت تتحوّل مع الأيام إلى جريمة متمادية ــــ وربما جريمة إبادة جماعية ـــ تتسبّب في شقاء اللبنانيين وتشرّدهم، وحتى موتهم، وسط تردّد المعنيين في توفير الاعتمادات المطلوبة لمحاربة هذا الوباء.
وأقسى ما في الأمر، أنّ الحكومة التي تدرك حجم المحنة وتتوسل التبرعات لسد جزء من الثغرة، لا تجرؤ على إلزام أصحاب الأموال والثروات بدفع ما يترتّب عليهم تجاه مجتمع استنزفوا أمواله وامتصّوا خيراته، ما يجعل هؤلاء يتمادون ــــ وسط الجائحة ــــ في انتهاج الأسلوب الفوقي العنصري نفسه في التعامل مع المواطنين والحاجات الوطنية الملحّة التي من أجلها فرضت الحكومة حالة طوارئ صحية.
يبقى أنّ هذه الحكومة مهما احتوت على عناصر تفكّر في الصالح العام، يجب أن تتذكّر أنها وُجدت بسبب انتفاضة شعبية صادقة ومباركة، وليس بسبب إرادات مصرفية ــــ مالية ــــ ميليشياوية تصرّ على تزوير الحقيقة، وتشريع العمالة، وإنكار مسؤوليتها عن الكارثة التي تهدّد كل بيت في لبنان. ولذلك فهي أمام خيارين: إما استرداد الأموال وإنفاق ما يلزم منها على حاجات الناس الأساسية، وفي مقدمها محاربة الوباء القاتل، أو ــــ في حالة عجزها ـــــ الدعوة إلى مؤتمر وطني يأخذ علماً بهذا العجز، ويتصرف وفقاً لحالة طوارئ عامة تفرض نفسها بنفسها.

* وزير سابق