الكتابة عن العراق اليوم، وعن مواضيعه الأبرز، الفقر والعنف والفساد، تُحرج وتجعل الأمر المفجع فيها قضية خطيرة، تحمل إنذاراً مدوياً لا يمكن الصمت والتغاضي عن آثارها وتداعياتها، والسؤال الدائم عنها: إلى متى وكيف ومن المسؤول؟!المفروض أن لا فقر في بلاد الرافدين، بلد الثروات الطبيعية والبشرية والمادية الكبيرة، ولكنّ وزارة التخطيط فيه تتوقّع في تصريحاتها ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 20 في المئة، بسبب ظروف جائحة «كورونا»، إذ قال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في تصريح صحافي (2020/04/22) إن «العراق سجّل انخفاضاً في معدّلات الفقر، عام 2019، إذ وصلت نسبته إلى 20 في المئة، ولكن في ظلّ الظروف الحالية والأزمة المالية وتداعياتها، نتوقّع ارتفاع هذه النسبة بما يسمّى الارتفاع وفق الفقر الطالع، الذي يكون نتيجة الظروف الطارئة». وأضاف الهنداوي، في تصريح صحافي، أنه «لا يوجد مسح بنسبة الارتفاع في الوقت الحاضر، لذلك أعدّت وزارة التخطيط خطّة من ثلاثة محاور لتجاوز الأزمة، بعضها جرى العمل على تنفيذه وتطبيقه كتوفير الأمن الغذائي للفئات الهشّة من خلال تمكين وزارة التجارة من توفير مواد البطاقة التموينية، ولا سيما المواد الأساسية من الأرُز والسكّر والسمن والطحين، وتوزيعها بين المواطنين». وبيّن أنّ «المحور الثاني يتضمّن توفير الدعم المالي للشرائح المتضرّرة نتيجة جائحة كورونا والحجر الصحي، الأمر الذي ألقى بظلاله على الأسر الفقيرة»، مشيراً إلى أنّ الحكومة خصّصت في هذا الصدد، منحة طارئة لهذه الأُسر بواقع 600 مليار دينار، وسيتمّ توزيعها على دفعتين». كذلك، أكّد الهنداوي أنّ هذه المِنح ستستمر لشهر آخر إذا استمرت الظروف على هذا الحال. ولفت إلى أنّ المحور الثالث الذي تعمل وزارة التخطيط عليه، يتمثل في معالجة التداعيات التي ستفرزها هذه الأزمة، لافتاً إلى أنّ هناك قاعدة معلومات تمّ إعدادها عن الذين قدموا على المنحة، والذين تجاوز عددهم الـ 13 مليون شخص، أغلبهم يعمل في القطاع الخاص.
هذه الأقوال والأرقام رسمية تُعلنها الحكومة، إلّا أنّ خبراء ومتابعين يضيفون إليها بما يصل بها إلى ما يقارب ضعفها. وهذه وقائع مؤلمة وقاسية في العراق، الذي يزداد عدد سكانه ويزداد معه العنف، وغياب هيبة السلطات، وضعف القانون والقرارات، الأمر الذي بمجموعه يزيد من الفساد الإداري والمالي، كانعكاس لما سبق، ووقائع بأدلة كاملة. وصلت الكارثة إلى إنذارٍ بالمجاعة في العراق، حيث حذّر رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية أرشد الصالحي، من حصول «مجاعة»، بسبب حظر التجوال المفروض للحدّ من انتشار فيروس «كورونا»، مطالباً الحكومة الاتحادية بتبنّي استراتيجية تؤمّن الغذاء، والأموال للعراقيين كافّة.
تضاف إلى هذه التحذيرات أرقام ضحايا العنف، سواء من أطراف مجهولة كما يذاع عنها، أو من أطراف حكومية معروفة، كما حصل في التصدي للتظاهرات والحراك الاحتجاجي في بعض المحافظات الجنوبية والوسطى وبغداد. فضلاً عن عمليات الإرهاب المنظمة التي تتحيّن الفرص وتمارس جرائم الإرهاب، التي باتت معلومة وأحياناً مكشوفة المصدر والمخططات، ولا سيما في المحافظات الغربية والشمالية وعلى الحدود أو التلال أو الصحارى.
أمّا قصص الفساد فغالبيّتها لم تعد سرية، بالتمام والكمال، إذ في البرامح التلفزيونية الحوارية، ولا سيما في قنوات مموّلة من خارج العراق، يطرح المحاورون تفاصيل كثيرة عنها وبالأسماء والمناصب والأرقام. ولا تحتاج إلّا إلى قضاء وطني حقيقي يتابعها ويقدّمها إلى المحاكم، ويضعها في موقعها القانوني والمشروع، ويسترد الأموال أو حقوق الشعب المنهوبة. كذلك، يشكو كثير من المسؤولين من قضايا الفساد علناً، ويذكر برلمانيون حالياً وسابقاً بالأرقام والأوصاف قصص الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والنهب المالي الكبير جراءها، كما بات التلاعب في الصلاحيات وهدر الثروات مباحاً من دون رقيب وحسيب. والأحزاب الحاكمة تتستّر على فساد محازبيها من الوزراء والمسؤولين الآخرين في وظائف الدولة الرئيسية. ولا يخفى سرٌّ في كثير من هذه القضايا عن أنظار الإعلام والرأي العام، ولكنّ تراكم الفساد وتجاوزه حدوده المحلية أو الداخلية إلى مؤسسات وكيانات مترابطة مع مافيات وأجهزة داخل الوطن وخارجه، أفشلا بعض المساعي اللفظية أو الإعلامية والإعلانية عن محاولات محاسبة الفاسدين وتحجيم الفساد في الطبقات العليا، المتنفّذين في العملية السياسية والمتخادمين مع سفارات ودول متحكّمة بطرقها ونفوذها في قرارات السلطات والتغطية على تدمير البلاد وتجويع العباد.
اشتكى نائب في برلمان إقليم كردستان العراق علناً، من عدم معرفته بمصير 700 مليون دولار من بيع نفط (الإقليم)، ولا يعرف البرلمان عنها شيئاً. ومثله تنادى أكثر من نائب في البرلمان الاتحادي، سواء من أعضاء اللجنة المالية أو من لجانٍ أخرى، عن أموال بالمليارات تُصرف أو تتحرّك داخل العراق، وأكثرها أرقام على الورق ولا يعرف عنها رسمياً أو بالوثائق والأدلّة، ويتساكت عنها من دون وخز ضمير أو حسٍّ وطني. ونائب سابق ووزير سابق يكاد كلّ يوم، يطلّ على شاشة فضائية ويعلن عن أسماء وأموالٍ بالوثائق والمستندات، ولا أحد يسأل عنها أو يطلب علماً بأوجه الصرف والاستثمار والعائدات والموارد منها ومن المسؤول عنها، أو المكلّف بها، ولا ترجع إلى الميزانية العامّة حتى معلومات عنها. وفي ظل الأزمة الحالية لأسعار النفط، والنفط المورد الرئيسي للميزانية العراقية، هبطت كل المداخيل والمصروفات وظلّت وحدها طرق السرقة والفساد سالكة من دون حساب. بل زادتها الديون، حيث كشف مسؤول إعلام المصرف المركزي العراقي، حجم الديون الخارجية والداخلية على العراق. وقال أيسر جبّار، على موقع «تويتر» (2020/03/25): «ملخّص مديونية العراق، دين خارجي نحو 30 مليار دولار، ودين داخلي نحو 42 مليار دولار للبنك المركزي، ومصرفي الرافدين والرشدي ومصرف التجارة العراقي TBI». وأشار إلى «ديون استجدّت جراء الحرب على داعش الإرهابي نحو 13 مليار دولار». فكم واردات العراق وكم هدر أمواله، وكم يبقى لمواطنيه من أملٍ في حياة كريمة وعيشٍ يرضى الإنسان به.
هذا واقع الحال، ويتفاقم أكثر فأكثر مع تقلّبات السياسة والسياسات والسياسيين، ويفسح المجال فيه لتدخّلات السفراء وتابعيهم ويستمر عنوان العراق غير ما يحلم به العراقيون المخلصون.

* كاتب عراقي