يشبه مجلس الوزراء المائدة. الأطباق عليها هي الموضوعات المثبّتة في جدول الأعمال المتّفق عليه بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وعادة، ما تكون مختارات من اقتراحات ومراسلات الوزراء. لكلّ مائدة مطبخ يعدّ أطباقها، وعليه فإنّ القوى السياسية، داخل البرلمان وخارجه، تشكّل مطبخ مائدة الحكومة. تعدّ المواقف من الموضوعات، ولكن القرارات تصدر بصيغتها الرسمية عن مجلس الوزراء. وفي أكثر المرّات، لا تجيء الأطباق إلى مائدة مجلس الوزراء جاهزة. وتتعدّد على عدد مطابخها وأذواق أصحابها. وحتى لو مدّت على المائدة قد لا تمتدّ إليها أيادي المدعوين.نستعير معنى المائدة من أفلاطون لشرح المراد وتبسيط المعنى عليه لا يشارك في حوار المائدة إلا الجالسون عليها، لكن يمكن لكلّ منهم أن يحمل أفكاراً، ويكون ناطقاً. وحتى لو كان ناقلاً وحاملاً للأفكار وناطقاً باسم صنّاع القرار، فإنه يكون صاحب الإفصاح والمذاق.
إنّ المشاركة إلى المائدة تجعل من صاحبها صانعاً وليس حاملاً أو ناقلاً أو ناطقاً. وعليه، يلزم أن يحيط في الموضوعات من كل جانب إحاطة المكان بالشيء، وتلك واحدة من صفات الوزير وصلاحياته الدستورية، وتعطى هذه الصلاحيات صفات مضافة في زمن الحرب، حيث أنّ مجلس الوزراء مجتمعاً هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة.
إلى جانب الجلسات الرسمية لمجلس الوزراء، تُعقد مجالس وزارية، تجمع وزراء يشاركون في مناقشة موضوعات مشتركة، يتفقون حولها، حتى يصار إلى إقرارها في الجلسات الرسمية للحكومة، ويضاف إلى المجالس الوزارية اللقاءات مع الضيوف من السياسيين والدبلوماسيين، وكذلك لقاءات التشاور، خاصة بين الوزير ورئيس الحكومة، في أمور تتطلّب التوافق، وتكون من وظائف الوزارة المعنية، أو موضوعات سياسية تبحث عن توافق حولها. تزداد أهمية المجالس الوزارية في زمن الحرب، لاعتبارات عدّة منها:
أنّ زمن الحرب يتّصف بسرعة الحركة، وعليه تكون الأحداث متسارعة الوضوح.
وفي زمن الحرب يلزم الحوار الدائم، لأنّ كلّ لحظة ربما تستلزم موقفاً أو قراراً، وعليه، لا يعود للحكومة أن تعمل وفق برنامجها الاعتيادي في جلسات محدّدة في الزمان والمكان، ولا تكون الموضوعات جاهزة وفق سرعة حركة الإدارة، إن الإدارة في الحرب تختلف عن الإدارة في الزمن العادي. وعليه كانت الحكومة أعلنت حالة الجلسات المفتوحة.
كلّ يوم يكون فيه مجلس وزاري أو لقاء سياسي، أو حركة دبلوماسية، أو مفاوضات ومشاورات، ومباحثات، وتكون منها في السرّ كما في العلن. لكنّ ما يحصل في السرّ يتصل باشتغال المطبخ، وحين يكون على المائدة يكشف للعلن.
وعليه، فإنّ المفاوضات السياسية والدبلوماسية التي كانت تحصل في السرّ بين القيادات السياسية للبلاد، كانت تعدّ لمائدة مجلس الوزراء موضوعاته ليتّخذ فيها قراراته. وعليه، كنت أحضر المجالس الوزارية واللقاءات السياسية كافة لعدّة أسباب، إضافة إلى أهميتها التي شرحت، فإنني أريد أن أكون متابعاً لكلّ ما يتعلّق بمسؤوليتي كوزير للمقاومة في زمن الحرب، ولأنّ أخي معالي الوزير محمد فنيش ما كان يحضر هذه المجالس واللقاءات، لذلك كنت حريصاً على الحضور، حتى لا يغيب عنّا ممّا يحصل شاردة ولا واردة...
من ناحية الإدارة السياسية في الحرب، كان سماحة الأمين العام لحزب الله هو القائد العسكري والقائد السياسي، وكلّ القرارات تصدر عنه ومساعديه في الشورى الموقّرة، وفي المجلس الجهادي المبارك ومع الدائرة من هيئة الأركان، أو المجالس المصغّرة. كانت ثمة دائرة مكتملة النظام وبديعة التكوين، مرسومة بيد الولاية، محيطة ومحكمة ومتقنة وحكيمة. لا أعرف على وجه الدقة كيف كانت تدور، لكنّها كانت تدور كما الكواكب البديعة النظام. وحتى أقدّم صورة أولية يمكن الاستفادة من حوار خاص مع سماحة الأمين العام لحزب الله، يكشف فيه حركة هذه الدائرة، بأسلوب أخّاذ. حيث تحدّث سماحة الأمين العام عن لقاءاته مع الحاج قاسم سليماني في بيروت، بحضور الحاج رضوان عماد مغنية وأعضاء المجلس الجهادي وشورى القرار في حزب الله وعن خطّ التواصل الدائم مع سماحة السيد القائد في طهران، في ما أسميه هنا بدائرة الولاية في إدارة الحرب.
إلى جانب دائرة الولاية، أقام سماحة الأمين العام لحزب الله دائرة تنسيق مع الرئيس نبيه بري رئيس المجلس النيابي. يؤرّخ له الوزير علي حسن خليل في كتابه «صفحات مجهولة من حرب تموز»، أنّه في اليوم الخامس تمّ توقيع عقد الشراكة بالأحرف الأولى والأخيرة بين الحلفاء، مع منح الثقة السياسية للرئيس نبيه بري في إدارة المعركة السياسية ثقة من دون برلمان ولا هيئة تشريع، لأنّ أصواتها سترتفع بالمبايعة مع شروق الشمس. ويتابع تحت عنوان سماحته يهديك السلام، تلقيت اتصالاً من الحاج حسين الخليل وتواعدنا على اللقاء في أحد شوارع منطقة فردان القريبة، وعندما وصلت كان ينتظرني في مرآب إحدى البنايات وهو يعتمر قبعة، ركبنا سيارة واحدة وسرنا في شوارع بيروت، قال إن لديه رسالة من السيد حسن نصر الله إلى الرئيس بري، توجّهنا إلى مكتب الرئيس عند الساعة الرابعة، سحب الحاج ورقة وقال للرئيس حرفياً:
«سماحة السيد يهديك السلام وهو يتابع حركتك بالكامل ويؤكد لك أن الظروف الميدانية للمعركة جيدة. استوعبنا ما حصل بالكامل. لقد اختلفت ظروف المعركة وظروفنا، لقد أصبحنا في مواجهة مفتوحة في الجوّ والقصف الصاروخي وربما في البر. إن المعركة على مستويين عسكري وسياسي، عسكرياً أنا مطمئن، كل المؤشرات جيدة، إمكاناتنا الصاروخية واسعة جداً ومؤمّنة ولا خوف حتى الآن، أنا من مكاني أتابع كل حركة الجبهة، كل العمليات، هنا أهمية شبكة الاتصالات، ما في صاروخ بيطلع إلا بقرار ووفق توقيت مدروس، سيأتي يوم نتحدث عن تفاصيل المعركة وإنجازات الشباب، الأوراق كثيرة بين أيدينا».
حاول الرئيس فؤاد السنيورة الاستفادة من تعدّد قنوات التواصل الظاهري من دون الانتباه إلى أنّ هذا التعدّد يشبه الكثرة داخل الوحدة


أضاف: «ما يؤلمني هو وضع الناس، لكن لديّ ثقة أنهم يتفهمون لأننا من عب يعرف قيمة الكرامة والحرية. يا أخ نبيه، كما تعاهدنا سابقاً قرارنا أن نكمل معاً، وأنا كما أرسلت لك منذ البداية لا نريدها أن تتوسّع ولكن هم الذين قرّروا وخيارنا المواجهة وأن نكمل للآخر. على المستوى السياسي، مثل ما بيّن معك أنّ كل الجو الدولي يريد رأس المقاومة وتصفية الحسابات، داخلياً السنيورة ما شايف إلا استلام الأسرى وبدوا يلي بقي من 1559، كل الحكي معنا ومثل ما عم أعرف منّك هو على هذا الأمر، نحن متفقين معك إنو نحافظ على الوضع الداخلي وما نعكس أي صورة انقسام، لكن شغل السياسة صار أصعب بكثير بهذه الحالة، بدنا ننتبه مرتين لأنه بدل أن تكون المفاوضة مع الخارج هي أولاً مع الداخل وثانياً مع الخارج وهذه مشكلة كبيرة، بكل الأحوال هذا قدرنا. بصراحة يمكن الظروف لا تسمح لي بالمتابعة، أنا والإخوان عندنا ثقة كبيرة بدولتك وبقدرتك على إدارة الأمور، نحن اتفقنا إنو أمر المفاوضات وتفاصيلها بالكامل عندك، أنا شخصياً أملي وثقتي كبيرين، وبعرف أن هذه معركتك». وعليه طلب الرئيس بري من الحاج حسين أن يدوّن الآتي:
«سلّم على سماحة السيد وقل له: أنا منذ اليوم الأول مش قاسم، بعرف إنو هذه معركة مصير، مش لنا بس، لكل البلد، هي معركتنا كلنا، البارحة كلامي كان واضحاً لقيادة الجنوب ولكل الشباب، نحن بأساس المواجهة ومعنيين بالتصدي وأنا بقول بالمعركة البرية رح نكون مشاركين. بتعرف ما عنا قواعد صواريخ لكن على الأرض الإخوان جاهزين والتعليمات إنتو والحزب واحد. بعد اللي صار بهاليومين، أنا صرت مطمئن أكثر. أما بالموضوع السياسي، أشكر السيد، قل له يطمئن، نحن مش بس مش قاسمين، نحن واحد، كأنه موجود أساساً من البداية معتبر حالي هيك وعم إحكي عنو لمن فيه ضرورة. يا حاج هذه لحظة تاريخية، المعركة عم ترسم صورة البلد ويمكن المنطقة، ونحن مع بعض فيها مش رح يفرّقنا شي، أنا وصلت لكلّ المواقع يلي يمكن يوصلها شيعي بهذا البلد، واشتغلت كثير حركة ومقاومة وسياسة، وكل يلي بدّي اليوم نحفظ حالنا وتاريخنا والبلد. أنا معك. المعركة على جبهتين واتنينهم صعبين وما في حلول وسط، لازم نربحهم وحدسي بيقول رح نربحهم، ولازم نبقى نعمل لنوحّد جبهة مفاوضاتنا بالداخل مع الآخرين رغم إني بعرف هذا صعب، لكن بدي أعملوا. بالمختصر، نحنا سوا ورح نضل هيك وإن شاء الله سنلتقي بعد الحرب ونهنّي بعض، قل للسيد ما يهكل هم الجبهة السياسية».
يتضح من ذلك أنّ الرئيس بري قد قبل تكليف سماحة السيد، وأنه سيقوم به على أتمّ وجه ملمّحاً إلى صعوبة العلاقات والتنسيق داخلياً مع الرئيس فؤاد السنيورة، والخارجية مع الدول المعنية من دون أن يأتي على ذكر دور وزارة الخارجية المعنية في هذا الأمر وعلى مجلس الوزراء. ولكن نحفظ لهذه الواقعة دورها من ضمن إدارته لعملية التفاوض المرتبطة بتكليف سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وإشرافه عليها من خلال معاونه ومندوبه الدائم إلى الرئيس بري الحاج حسين خليل.
في كتابه «حزب الله والدولة في لبنان»، يذكر الدكتور حسن فضل الله أنّ شورى حزب الله قررت العمل على ثلاث جبهات:
1 ــــ الجبهة العسكرية، وتتولاها غرفة عمليات مركزية، وتتفرع منها غرف عمليات في كل منطقة، وتتبع للغرفة المركزية غرفة عمليات إعلامية.
2 ـــــ الجبهة السياسية، وقد حددت فيها الأسقف التي يمكن الوصول إليها، والحد الأدنى المقبول، وتم تفويض رئيس مجلس النواب نبيه بري بإدارة المفاوضات لوقف الحرب.
3 ـــــ الجبهة المدنية وتشمل ما له علاقة بالجوانب الإنسانية، كملفات المهجرين والشهداء والجرحى، وأعمال الإغاثة بأنواعها كافة، بما فيها الإحصاء الفوري للأضرار في المباني والمنزل.
المشكلة في قراءة السيد حسن فضل الله لهذا القرار وإشكالياته، أنه يفصل الجبهة العسكرية عن الجبهة السياسية، ويعتبر أنّ كلّ واحدة منها تتحرك باستقلال نسبي عن الأخرى، ولذلك يرى نقطة ضعف في الجبهة السياسية، ويفوت هذا التحليل، أنّ الجبهة السياسية في الحرب حركة تابعة لمجريات ووقائع الجبهة العسكرية، وأنّ القائد في الجبهة العسكرية هو القائد في الجبهة السياسية، لأنّ السياسة في زمن الحرب تنطق لغة الحرب نفسها، وعليه فإنّ كلّاً من الرئيس بري والرئيس السنيورة والحكومة اللبنانية ما كانوا في الحقيقة القيادة السياسية مطلقة الصلاحية والفعالية في الحرب، لأن ما يُقرّر في التفاوض السياسي يجري في الميدان، وذلك ينطبق على كل الدراسات التي تناولت مسألة التفاوض في زمن الحرب. وعليه، فإنني أذهب إلى أنّ ترسيمة القيادة السياسية في الحرب كانت على الشكل التالي:
إذا حاولنا أن نرسم خريطة الإدارة السياسية للحرب يمكن أن نحصل على ما يلي:
السيد حسن نصر الله
دائرة الولاية
الرئيس بري ومعاونيه وزير الخارجية (شيعي)

وزراء حزب الله في الحكومة وزراء حركة أمل في الحكومة

الرئيس السنيورة ومعاونوه الحكومة اللبنانية
وعليه، كلّ ما أرويه عن المجالس الوزارية واللقاءات السياسية يلزم أن يوضع من ناحية تحديد المسؤولية في موقعه من هذه الترسيمة...
ما هو دور الحكومة اللبنانية في هذه الدائرة؟ الحكومة اللبنانية هي المائدة التي توضع عليها المشاريع وتصدر عنها القرارات. وفي الكتاب الذي أصدرته رئاسة الحكومة، بعنوان: «السنة الثانية على حكومة الاستقلال الثاني، سنة الصمود والمبادرة تموز 2006 ـــــ آب 2017». يضع الكتاب حرب تموز تحت عنوان: العدوان الإسرائيلي: المواجهة السياسية والدبلوماسية من حكومة (آخر من يعلم) إلى حكومة أول من يبادر. وينسب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، قيادة المبادرات الدبلوماسية، مع ملاحظة أمرين:
1 ـــــ لقاؤه مع الحاج حسين خليل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله.
2 ـــــ التنسيق مع الرئيس نبيه بري والمكلّف بالتفاوض معه من قِبل حزب الله.
لأنّ رئيس الحكومة قدّم نفسه مفاوضاً رئيساً في ما أسماه أخذ المبادرة. وتجاهل دور وزير الخارجية لأنه من تيار مختلف داخل الحكومة. وقد تصدى دولة الرئيس نبيه بري، لإدارة التفاوض، تشكلت دائرة إدارة المفاوضات قوامها إلى جانب الرئيس بري المعاون السياسي الحاج حسين خليل ومساعد الرئيس بري علي حسن خليل، ثلاثية متواصلة مع السنيورة، ومترابطة مع سماحة الأمين العام، تلك كانت دائرة التفاوض الفعليّة، خارج ترسيمة الإدارة السياسية أعلاه. إنها أقرب ما تكون إلى خيط تواصل مع السنيورة وعبره مع المفاوضين الدوليين.
حاول الرئيس فؤاد السنيورة الاستفادة، من تعدّد قنوات التواصل الظاهري، من دون الانتباه إلى أنّ هذا التعدّد يشبه الكثرة داخل الوحدة. في معنى أنه واحد، متماسك، يعرف ما يحصل حوله، وما يريده وكذلك ما يريده ويعمل له الآخرون.
أكثر الحلقات التي حاول السنيورة خداعها هم الوزراء الشيعة في الحكومة، من خلال التلويح والإشارة ومرّات التصريح بفصيح العبارة، أن المواقف التي يطرحها داخل مجلس الوزراء متفق فيها مع دولة الرئيس نبيه بري، وأنه يتصرف على قاعدة التفاهم وليس الانقسام. كانت مخادعة ترتكز إلى معرفتنا بأن خطوط التواصل بين السنيورة وبري مفتوحة، ولكن كنا نعرف على وجه الدقة، إلى أين وصل التفاهم بين الرئيسين، وعليه لم نقع ضحية لعبة الخداع التي يبرع فيها بعض السياسيين اللبنانيين.
المجالس الوزارية كانت تحتمل مواقف فورية، خصوصاً أنها تعمل مرات عدة على قاعدة عصف الأفكار، لأن القرار يؤخذ في مجلس الوزراء. وبعض المجالس كانت تطبخ الحلول على النار الحامية. كأن تقدم أجوبة أولية لأسئلة فورية عاجلة، أو تدخل في حوار دبلوماسي لتظهير موقف سياسي حصين. مرات كانت تستلزم انتباهه وسرعة البديهة، والشجاعة وقوة الحجة، والخبرة في الجدل والإقناع وتقديم الأدلة، والبحث عن المخارج والحلول...
في المجالس الوزارية كان يحشد الرئيس السنيورة أكبر عدد ممكن من الوزراء المغردين له، سواء كان لهم كان حريصاً أن يدعوهم جميعاً، وكان يحضر إلى جانبهم المستشارون (رئيس الحكومة ومنهم الوزير محمد شطح. إلى جانب ابنة أخته، والمدير العام لمجلس الوزراء الدكتور البوجي. واستند الرئيس السنيورة في حركته إلى تأييد كامل من الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة، ومن حركة القادة السياسيين لهذه الأحزاب مثل: الزعيم وليد جنبلاط، الرئيس أمين جميل، والدكتور سمير جعجع وآخرين إضافة إلى جوقة من الكتّاب والصحافيين ووسائل الإعلام المتعددة التي كانت إمكانياتها في خدمة خطة السنيورة. وهي خطة متفقة مع الأهداف العليا للحرب على لبنان، وفي مقدمتها، تنفيذ القرار 1959 ونزع سلاح المقاومة، والقضاء على حزب الله عسكرياً وسياسياً، والوصول إلى حل شامل، يكون لبنان جزءاً رئيسياً منه، أعلن عنه بولادة الشرق الأوسط الجديد.
ولكن، رغم ما تجمع من عناصر الدعم لحركة الرئيس السنيورة وما أثير من إيلاء الاهتمام للتنسيق والتفاهم بينه وبين الرئيس بري، وحضور الاتصالات مع الدبلوماسيين والسياسيين الدوليين بالسراي وقصر عين التينة، وما تم إعداده في مطبخ الاتصالات واللقاءات السرية، وقد شارك في جانب منها الأخ الحاج حسين خليل ممثلاً لحزب الله ومعاوناً مبعوثاً من سماحة الأمين العام، فإن مسار التفاوض، وتحويله من اتفاقات إلى قرارات ذات صلاحية قانونية وطنية ودولية، كانت تحصل في مجلس الوزراء، وكان جميع الوزراء المسلمين الشيعة محمد فنيش، طراد حمادة، طلال الساحلي، فوزي صلوخ، محمد خليفة، أبطالاً في مواجهة سياسية على مستوى تحديات الحرب. رغم أن ما ورد من تاريخ لهذه المرحلة وقع في استنسابية مذهلة، لا تفسير لها في قواعد كتابة التاريخ، كأن يقتصر عند كل من علي حسن خليل وحسن فضل الله ذكر الوزراء على اسم الوزير محمد فنيش، فيما الوزراء الآخرون كانوا شخصيات لا أسماء لها وفي ذلك غبن غير مقبول، ويلزم تصحيحه في الطبعات اللاحقة حتى لا تسود قواعد التاريخ الأموي، مع ذكر أشخاصهم وأسمائهم وأدوارهم حتى لا نذهب إلى الردّ عليه وذلك حق مقدّس لكل وزير كان بطلاً من أبطال حرب تموز.
لقد استطاع الوزراء الشيعة في حرب تموز أن يجعلوا من مجلس الوزراء حصناً حصيناً للمقاومة ولبنان في زمن الحرب، تلك كانت واحدة من أهم قواعد وأسرار التفاوض في حرب تموز 2006.
فصل من كتاب «رواية سيرية في حرب تموز»، يصدر قريباً

* كاتب ووزير سابق