كانت القمم العربيّة عبر العقود مشغولة (ظاهراً فقط) بتحرير فلسطين: خطط على ورق مقوّى عن تحرير فلسطين. أظرفها كانت خطة لأمين الحافظ تعد بتحرير فلسطين لساعات ـ على الأقل كان أمين الحافظ، خلافاً لطغاة اليوم، ذا حس فكاهة مرهف ـ القمم العربيّة اليوم مشغولة بإعلان «حرب على الإرهاب». الكل يشنّ حرباً على الإرهاب. هل من لاحظ أن حزب الله والنظام السوري والنظام السعودي والنظام المصري والنظام الليبي يختلفون في كل شيء لكن يجتمعون في إعلانهم لحروب ضروس «ضد الإرهاب» على طريقة جورج بوش والعدوّ الإسرائيلي. ماذا لو قادت تلك الحروب إلى طريق الصلح مع العدوّ؟ هل من فكّر بذلك؟
تقاطروا من كل العواصم. قوافل من القادة من مختلف الأنواع والأصناف والطراز والأزياء. ملوك ورؤساء وأمراء وسلطان واحد. لن تجد عربيّاً سمع صوت هذا السلطان، كما أن الشعب الإماراتي لا عهد له بصوت خليفة بن زايد، إلا بعد أن خرج من عمليّة جراحيّة معقّدة، وأراد أن يطمئن شعبه أنه حيّ يرزق مع أن أخيه محمّد هو الحاكم الفعلي للبلاد.
ابتكر جمال عبد الناصر فكرة القمم العربيّة لغرض واحد لا غير: مناقشة القضيّة الفلسطينيّة، وحث الدول العربيّة على تنسيق الخطوات ضد العدوّ الإسرائيلي. لكن المبادرة كانت عرجاء منذ البدء. كيف لا تكون عرجاء وهي جمعت بين الملك حسين وكميل شمعون والملك سعود وغيرهم ممن لم تعن لهم فلسطين إلا ضرورة من ضرورات الإلهاء والدعاية الفارغة. لكن عبد الناصر (وهو غير السيسي الذي أوفد لتوّه وفداً عسكريّاً مصريّاً لتنسيق «الثورة» والكباب - العلاج مع العدوّ الإسرائيلي) أخذ مسألة فلسطين على محمل الجدّ، حتى وإن لم يغفر له المرء توكيله أمر الجيش المصري إلى صديقه الأعز، عبد الحكيم عامر (بين عبد الحكيم عامر ومصطفى طلاس ومجيد أرسلان وفايز غصن وسمير مقبل أخوّة روحيّة).
القمّة العربيّة تعثّرت قبل أن تُعقد. انشقّ مجلس التعاون الخليجي. ما عاد النظام السعودي يتحكّم به (عن قرب أو عن بعد). السلالة القطريّة خرجت عن الهيمنة السعوديّة وعملت على زعامة عربيّة لم تسر إلا بين الإخوان وبين فريق «الممانعة» لسنوات - يا للمفارقة. النظام العماني خارج حكماً عن الهيمنة السعوديّة ليس بسبب التصنيف الوهّابي للإباضيّة (الخلاف أساسه سياسي وإلا فكيف نفسّر أن الخلاف على أشدّه بين الدولتيْن الوحيدتيْن اللتيْن تدينان بالمذهب أو العقيدة الوهّابيّة، أراد عبد الوهّاب أن تكون الوهابيّة من خارج المذاهب الأربعة، لكن الحكم السعودي بعد ١١ أيلول أراد تلافي إحراج الاستثناء الوهّابي إزاء الغرب فزعم، متأخّراً جداً، أن الوهابيّة تنتمي إلى المذهب الحنبلي مع أن الانخراط هذا مستجدّ). ودبي تاريخيّاً لم تقطع مع إيران لأسباب تاريخيّة وتجاريّة. السلالة البحرينيّة باتت تدين للحكم السعودي كما يدين آل الصباح للحكم الأميركي. العرش والتاج في ميزان هذا وفي حضن ذاك.

الجربا وعد بنظام علماني نسويّ يساري وهّابي سلفي قبلي لا يدخله إلا متعدّدو الزوجات والجواري


لم تدر الميليشيات الليبية المتناحرة من تنتدب للتمثيل

الكويت أرادت أن تستضيف القمّة العربيّة هذه المرّة. وأمير الكويت خرّيج مؤتمرات الجامعة العربيّة. هو لم يفق بعد من الغيبوبة التي أصيب بها عام ١٩٩٠ عندما واجهه ممثّل صدّام بحقيقة احتلال الكويت. الكويت باتت مضيفة الجامعة التي أُريد لها أن تسهّل عمليّة الوحدة العربيّة. جزء كبير من الكويت لا يزال يرزح تحت الاحتلال الأميركي، لكن الاحتلال الأميركي بمعيار سلالات النفط والغاز، ليس إلا ضيافة تنبع من النخوة العربيّة (نخا المرء، أي افتخر وتعظّم بجيش غيره). لا قضيّة فلسطين هي على الأجندة ولا الوحدة العربيّة. التضامن العربي ليس وارداً، والتضامن الخليجي غائب. لو أن القبيلة تتوحّد لكانت أمور العرب أيسر.
لا تأخذ الدول العربيّة القمم على محمل الجدّ، ولا يترقّبها الشعب على أحرّ من الجمر. من يتابع برامج المسابقات الغنائيّة بشوق أقل من متابعة القمم؟ كان العرب يترقّبون الكثير من قمم القادة. عام ١٩٤٨ كان الناس يتجمّعون خارج مقار اجتماعات القادة العرب من أجل سماع قراراتهم عن فلسطين. تعود لمجلّة «المصوّر» المصريّة، وتدرك كم خدع القادة الشعب وقادة شعب فلسطين آنذاك. يتجمهر الناس والمراسلون خارج أمكنة الاجتماع، ليطلع عليهم رياض الصلح وغيره ليبشّر أن قرارات سريّة للغاية قد اتُخذت من أجل الدفاع عن فلسطين (ألهذا السبب فقط بالقياس يصرّ مجلس الدفاع الأعلى في لبنان على الإعلان دوريّاً بعد كل اجتماع أن قراراته هي سريّة حسب القانون؟).
يجتمع القادة العرب أو من ينتدبونه من أجل الحفاظ على صورة من التنسيق بين الدول العربيّة. لكن عصر الانتفاضات العربيّة غيّر من سياق الاجتماعات. فرض التحالف القطري _ السعودي الذي لم يعمّر أكثر من سنتيْن (أو أقلّ بكثير خلف الستار) منهجاً، فرض سياسة «الثورة المضادة» على الجميع: والمنهج يبشّر بثورات ـ متى كانت أنظمة النفط والغاز خبيرة في شؤون الإفتاء في أمور الثورات، وعلاقتها بالثورات مثل علاقة وليد جنبلاط بالمبادئ أو مثل علاقة السيسي بالديمقراطيّة أو مثل علاقة محطة «العربيّة» بتحرير فلسطين؟ ـ في مكان، ويمنع نشوبها في مكان آخر.
جميل مشهد وصول القادة العرب. ولقد زاده جمالاً وصول المثقّف العربي التونسي الذي وصل إلى السلطة (من دون سلطة، أو بسلطة لا تزيد عن سلطة الرئيس اللبناني بعد اتفاق «الطائف»)، فقط لأنه قبِل (كعلماني) أن يغطّي على حكم إخوان تونس. المنصف المرزوقي من يمثّل في القمّة؟ هل هو يمثّل الحزب الذي لم ينل أكثريّة الشعب في الانتخابات، أم يمثّل «النهضة» التي لم ترد (عن حكمة بعد ما رأينا صعود السيسي) أن تظهر بلباس السلطة، فاستعانت بمثقّف راض عن لعب دور الحاكم من دون سلطة؟ تجربة المرزوقي ستدفع بالشعوب إلى ملاحقة المثقّفين الطامعين بالسلطة - أو بقشورها بالأحرى - بالنعال القديمة.
الخلاف القطري _ السعودي سيكون سيّد القمّة. ستنتدب العائلة المالكة في السعوديّة أميراً لا ملكاً، أو لقراءة ما يرده من خالد التويجري (الملك السعودي الفعلي لسنوات، الذي دشّن إطلالته على «تويتر»). والحكم السعودي يأخذ خلافه مع قطر على محمل الجدّ. كان نايف بن عبد العزيز هو من قاد عمليّة المصالحة مع قطر من باب ردع خطر «الجزيرة» التي كانت تستضيف معارضين أشدّاء للحكم السعودي، (كان سعد الفقيه يعلن عن موعد تظاهرات في مدن سعوديّة من منبر المحطة، وكان له مستجيبون). باقي الأمراء أجّجوا الخلاف، وأرادوا المضي به حتى النهاية. نايف مات (وأهرق وليد جنبلاط عليه الدموع كما يهرق - رقيق القلب هذا - الدموع على كل أمير وأميرة من آل سعود حسب التقاليد الاشتراكيّة التي يؤمن به شديد الإيمان)، ومحطة «الجزيرة» تكاد تحتضر لما عانته من وهن ومن دعاية فجّة بعد إنطلاق الانتفاضات العربيّة. لم يعد العرب يتساءلون عن سرّ استضافة المحطة لمعارضين من كل الدول العربيّة جمعاء - باستثناء قطر طبعاً. يشعر آل سعود بثقة فائضة بالنفس، لم تعد المصالحة مع السلالة القطريّة ضروريّة، بل أصبحت عبئاً عليهم.
وها قد أطلّ عليهم ميشال سليمان. ها قد أطلّ عليهم ميشال سليمان بقامته الممشوقة وبسمة لا تفارق وجه محبّ الأسفار وهو يهبط في مطار عاصمة أو أخرى. وقد رافق سليمان هذه المرّة جبران باسيل (الذي عرض أن يوفّق بين مصر وإيران وإن كانت الحاجة أولى للتوفيق بينه وبين نوّاب الكتلة التي ينتمي إليها). ما عاد سليمان يعرض على القادة العرب تلك الفكرة التي كتبها له واحد من مستشاريه مبكّراً في ولايته الدستوريّة التي ستدخل التاريخ على أنها الأقل فعاليّة وجدوى. لو أن الياس سركيس (ميتاً) كان قد انتخب عوضاً عن سليمان، ما كان الشعب في لبنان المُتنافر قد لاحظ ذلك. لماذا توقّف سليمان عن حثّ القادة العرب على تبنّي فكرته الفذّة في جعل لبنان، ومن إمارة عرسال تحديداً، مركزاً لحوار الحضارات والطوائف والميليشيات؟ ما الذي ردع سليمان عن المضي في مشروعه الذي لا يتناقض مع مجريات الأحداث في لبنان؟
وأطلّ ميشال سليمان من على صهوة جواد عربيّ أصيل. أصرّ أن يرقص رقصة «العرضة» أمام الأمير السعودي قبل أن يأخذ مقعده. كذب من قال إنّ أعضاء في الوفد السعودي تركوا «نقوطاً» في جيوب سترة ميشال سليمان.
هذا التعريض بمقام رئيس الجمهوريّة مرفوض رفضاً باتاً، وهو يعرّض لبنان للخطر، خصوصاً أن سليمان حصل على عتاد للجيش اللبناني يسمح بتوسّع الحدود اللبنانيّة نحو الأناضول. رافق جبران باسيل سليمان، كذلك تشارك الاثنان في الإفصاح عن عنصريّة مقيتة ضد الشعب السوري الصديق. باسيل طالب بصفاقة بطرد مليون سوري في لبنان ورميهم في المحيط الهندي، فيما عبّر سليمان عن قلق «وجودي» من وجود اللاجئين السوريّين (من غير المعروف أن سليمان هذا يجمع بين ثقافة الفلسفة الوهابيّة وبين ثقافة الفلسفة الوجوديّة). وقد دشّن سليمان حضوره بمقابلة مع نشرة آل الحريري، «المستقبل»، جاء فيها أنه سيعرض خدماته و«علاقاته» الدوليّة على الرئيس المُقبل. سليمان نجم دولي، كما أن الرئيس الفرنسي أمسك بيده في لقائه الأخير. المجتمع الدولي برمّته ربّت على كتف ميشال سليمان (هل سمع بذلك السنيورة الذي قد يكون احتفظ بتلك السترة التي ربّت جورج بوش على موقع الكتف فيها ذات صباح قبل سنوات؟). لكن إذا كان ميشال سليمان في القمّة، فمن مثّل شعب لبنان هناك؟
أما الملك الأردني، فهو غائب، غائب حتى لو حضر (متأخراً لكثرة انشغاله بهموم الأمّة). هل هناك من هو غير مُعتبر في العالم العربي أكثر منه؟ هل هناك من تتجاهله الصحافة أكثر منه؟ هل جلس هذا الملك مرّة واحدة لإجراء مقابلة مع وسيلة إعلاميّة عربيّة؟ هو لا يعاني من نظرة سلبيّة نحوه (كما عانى والده الذي حاول بسعي إسرائيلي سرقة التمثيل الفلسطيني من شعبه): هو يعاني أسوأ من ذلك. يعاني تجاهلاً مطلقاً. لكن ليس في الغرب حيث يحظى ـ بسبب خدماته للعدوّ الإسرائيلي وليس لسبب آخر ـ باحترام، لا بل إنهم يدعونه في وسائل الإعلام الأميركيّة (الجاهلة) للحديث في شأن الانتفاضات العربيّة وفي أمور هموم الشباب العربي. بجدّ. والملكة التي كانت تملأ الإعلام الغربي والعربي بصورها، اختفت وراء حجب من «الأمن القومي» بعد أن جاهر متظاهرون بالهتاف ضدّها (فيما هتفوا بحياة الملك). أما صور الملك الأردني، فلقد حذّرت الحكومة الأردنيّة من «إساءة استعمالها» بعد انتشار ظاهرة السخرية منه بوسائل «فوتوشوبيّة».
لم يحضر الملك السعودي القمّة: انتدب أخاه غير الشقيق، سلمان بن عبد العزيز. كان غسّان تويني يطلق عليه صفة «الأمير المثقّف» لأنه الوحيد بين أخوته الذي أكمل الدراسة الابتدائيّة - يا للتفوّق الأكاديمي بمعيار أولاد عبد العزيز. والأمير سلمان يمثّل الجيل الشبابي الصاعد لآل سعود، وهو على طريقة الملك فهد في السنوات الأخيرة اختار ابناً (محمد بن سلمان) ليخصّه بالعناية والحجم الأكبر من الثروة. هو مثل «عزّوز»، ويروي السعوديّون قصصاً عن ظلمه وتجبّره. لكن سلمان استطاع أن يقرأ الكلمة له، وهذا لم يحدث لسنوات (وإن كانت قراءته عصيّة على الفهم). وسلمان لم يمثّل مملكة القهر فقط، هو كان خير ممثّل لدولة الكيان الغاصب التي باتت عضواً فاعلاً في الجامعة العربيّة. يبحث الطغاة العرب في محاربة الإرهاب وهم لا يعنون إسرائيل بالوصف. توبّخهم أميركا لو فعلوا ذلك - إن فعلوا.
أما سوريا فلم تُدعى. وضع الشعب السوري أمام خياريْن: إما أن يتمثّل بعائلة الأسد أو بمن يختاره آل سعود من أقربائه في قبائل متجاورة. لا خيار ثالث لهم. لكن الجربا وعد بنظام علماني نسويّ يساري ديمقراطي وهّابي سلفي قبلي لا يدخله إلا متعدّدو الزوجات والجواري.
أما الأمير القطري فقد أتى مبتسماً. حاول أن يكسب غفراناً سعوديّاً من دون جدوى. لكن وزير خارجيّته ذكّر الحضور أن المملكة والإمارة متفقتان في الشأن السوري. ولم يجد الأمير القطري حديث العهد بالقمم غضاضة في تعريضه بالطائفيّة في الحكم العراقي (نسي الأمير أن حكومته وحكومة آل سعود مسؤولتان عن ضخ أسوأ وأكبر عمليّة تحريض طائفي منذ قرون بعيدة). بقي أن يفتي أمير قطر في شؤون الديمقراطيّة أو في شؤون الإعلام المهني، أو في شأن المعاملة الإنسانيّة للعمّال الآسيويّين. بقي ذلك.
لكن رئيس الوزراء العراقي (الذي حافظ على الولاء للاحتلال الأميركي وللنفوذ الإيراني في آونة واحدة) لم يأتِ. قد يكون يُشرف على قرارات إعدام جماعيّة لا ينافسه فيها إلا الجنرال المحبوب السيسي (من يفسّر سبب هيام محور «الممانعة» والناصريّين بالطاغية السيسي؟ الذي أرسل قبل أسابيع وفداً عسكريّاً مصريّاً إلى حكومة العدوّ الإسرائيلي للتنسيق في «محاربة الإرهاب». لكن قل ما تشاء عن المالكي، لكن ألا تعترف أن لديه من الكاريزما ما لدى الرئيس اللبناني؟
أما الرئيس المصري الُمنتخب (فعلاً) ديمقراطيّاً، محمد مرسي (شاء كارهوه أم أبوا)، فقد مثّله في القمّة ممثّل لسجّانه. السجّان وعد بتمثيل الرئيس المُنختب خير تمثيل.
أما دولة الإمارات فقد أوفدت حاكم الفجيرة تعبيراً عن إيلائها هذه القمّة أهميّة فظيعة. هي أرادت أن تقول إنه لا أحد يمثّل السلالات الإماراتيّة أفضل من حاكم الفجيرة الذي لم يسمع عربي به من قبل، (لماذا لم توفد حاكم عجمان، مثلاً، الذي دفن نفسه في قبر لدقائق كي يختبر ظلام القبور؟)، والإمارات هي رائدة في شنّ الحرب على الإخوان وفي استضافة إرهابيّي الموساد.
أما فلسطين، فقد تمثّلت بمحمود عبّاس المنتهي الصلاحيّة والذي حل المجلس التشريعي الفلسطيني قبل سنوات. سمحت له دول الخليج بالحضور مع أنها تحضّر لعودة محمد دحلان (الحارس الشخصي لمحمد بن زايد) إلى رام الله وغزة، بالتنسيق مع العدوّ الإسرائيلي والطاغية السيسي وأميركا. أسوأ فلسطيني يتحضّر لخلافة أسوأ فلسطيني. أما حماس فهي ممنوعة: هي منظمّة إرهابيّة (بصورة غير رسميّة من قبل النظام السعودي مع أن خالد مشعل - الحق يُقال - عرضها للبيع على الملك السعودي من قبل، وهي منظمّة إرهابيّة بعرف النظام السيسي). وإخوان مصر إرهابيّون أما إخوان حماس فنصف إرهابيّين، أما إخوان سوريا ولبنان فهم مجاهدون، أو هكذا فهمنا من قرارات السلالتيْن في السعوديّة والإمارات.
لم تتمثّل ليبيا تمثيلاً حقيقيّاً في القمّة. لم تدر الميليشيات المتناحرة من تنتدب للتمثيل. كان يمكن إيفاد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي كي يكون خير ممثّل لها جمعاء. أما اليمن، فالسفير الأميركي في صنعاء هو الذي يمثّلها عربيّاً أفضل من غيره وهو انتدب لهذه الغاية، الرئيس اليمني. أما الملك المغربي، أمير المؤمنين، فهو لو ذهب - وهو لم يذهب - إلى الكويت لكان مثّل شعبه والذات الإلهيّة في آونة واحدة. أما الرئيس الجزائري فقد مثّله طبيبه الخاص، الذي أكّد أنّ بوتفليقة يتعافى من موت وشيك.
يمرّ الطغاة ويمرّ أولادهم أمامنا. طاغية يروح وآخر يخلفه. واحد يعتمر قبّعة غربيّة وآخر يصمّم قبعة خاصة به. واحد يحمل عصا المارشاليّة التي أسبغ على نفسه بها مكافأة لنفسه على الاستيلاء بالقوة على السلطة. أفرزت الانتفاضات العربيّة طغاة جدداً، وبات الحديث عن الديمقراطيّة مثل الحديث عن تحرير فلسطين في زمن سبقه. الكل له خطة لكن كل تلك الخطط مزيّفة ودعائيّة تهدف إلى إعاقة الديمقراطيّة (أو إعاقة تحرير فلسطين). كان محمود رياض أميناً عاماً جديّاً للجامعة العربيّة تهتم به حكومات كل الدول عندما يحلّ فيها، خلافاً لنبيل العربي الذي يقرأ ما يقرّره له موظّف في وزارة الخارجيّة السعوديّة. كان محمود رياض يحمل الهموم العربيّة حتى لو فشلت الجامعة في مهامها. أحنّ لمحمود رياض ولزمنه. الحرب العربيّة الباردة والمال النفطي أفشل خطط التوحيد الحقيقيّة. وبعد هزيمة حزيران المنكرة، سلّم عبد الناصر رقبته لسيف الوهابيّة المسلول. مشهد آخر قمّة عربيّة في زمن عبد الناصر كان بليغاً في قتامته. ظهر عبد الناصر وكأنه محايد في مسألة مجازر النظام الأردني ضد المخيّمات الفلسطينيّة. دخلت الجامعة العربيّة في العصر الساداتي _ السعودي قبل وفاة عبد الناصر بأيّام معدودة. بدأت القمة ثم انتهت القمة في الكويت، لكن ابتسامة أمير الكويت لم تفارق محيّاه.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)