يمكن القول إنّ كلّ القطب الصهيوني في العالم، قد سرّه التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، بل إنّ هذا القطب قد توحّد عاطفياً تحت عنوان هذه العملية عابراً فوق خلافاته. ولا يقتصر هذا التوحّد على الحكومات الغربية في ما بينها، وإنّما يشمل القوى السياسية المحلية في كلّ دولة، كما في حالة الانتخابات الأميركية، والانتخابات الإسرائيلية، فقد امتدح الصهيوني العتيق جو بايدن هذه الخطوة، رغم أنّ مهندسها هو منافسه في الانتخابات وفي الصَهْينة، الرئيس الحالي دونالد ترامب. ولم يقلّل من سرور القطب الصهيوني العالمي، كون دولة الإمارات نائية بنفسها أصلاً عن أي حروب عربية ـــــــ إسرائيلية، ولا كونها قد اختارت، طوال عقود من الزمن، أن تكون حديقة خلفية استثمارية للغرب، وورشة غسيل لأموال شركاته، ليس أكثر.وضع النظام الإماراتي نفسه في موضع مُهين وهو يتلعثم في اختلاق تبرير معقول لخطوته: فلم يجد تبريراً سوى الأكذوبة الهزلية عن «منع» إسرائيل من ضم مزيد من أراضي الضفة، والتي كان بنيامين نتنياهو سريعاً في تكذيبها وتأكيد خطّة الضم، وذلك لإصرار دولة الاحتلال على تقديم كلّ تطبيع عربي مع إسرائيل في صورة انتصار على العرب، وتحطيمٍ للفكرة الوطنية والتحرّرية في العالم العربي. لكن إذا كان هذا التبرير اختلاقاً لكذبة، فلماذا وضع الإماراتيون أنفسهم هذا الموضع المهين ولم يأتوا بتبرير أكثر إقناعاً؟ الجواب: لأنّه لا وجود بالمرة لتبرير كهذا. ليس هناك أيّ شيء يبرّر قيام دولة عربية بالتحالف العلني مع إسرائيل ضد فلسطين مباشرة وصراحةً، وضدّ المطالب الأساسية التي تتّفق عليها جميع المنظمات الممثلة للشعب الفلسطيني، بل حتى ضد المنظمة الفلسطينية الصديقة للنظام العربي الرسمي، والتي تتولّى ما يسمى بالسلطة في الأراضي المحتلة.
وضع النظام الإماراتي نفسه في موضع مهين وهو يتلعثم في اختلاق تبرير معقول لخطوته


ليس ثمّة أية حجّة معقولة لتغطية الدافع الحقيقي لهذا التصرّف: وهو تحقيق فوز في المنافسة على «قلب» أميركا، أو بالأحرى تحقيق رقم قياسي في درجة الخضوع والخنوع، وكأن الأنظمة العربية المتهافتة على حب أميركا تشارك في مسابقة للممارسات المازوكية فيمضي كلّ منها إلى أقصى مازوكية ممكنة للفوز على زملائه.
حتى لو تغاضينا عن الجانب المبدئي في موضوع العلاقات العربية الرسمية ـــــــ الإسرائيلية وقاربناه ـــــــ جدلاً ــــــــ من زاوية عملية، فإنّ أيّ تطبيع للعلاقات بين النظام العربي وإسرائيل يعني ــــــ وبشكل واضح ومقصود ــــــ إقصاءً لحلّ الدولتين. بالإضافة إلى ذلك، يلغي هذا التطبيع ما يسمى بالمبادرة العربية التي أطلقتها السعودية ودعمتها أنظمة عربية، والتي وضعت لـ«التطبيع» شرط انسحاب إسرائيل إلى حدود 1976 وحلّ الدولتين. هل نسيَ الساسة الخليجيون «مبادرتهم» تلك، وهم يهرولون خفافاً صوب التطبيع؟ إن كانوا نسوها فهذا يفضح أنهم، بالأصل، لم يكونوا جادّين فيها، فالدول لا تنسى ــــــ هكذا ببساطة ـــــــ رؤية سياسية طرحتها للمجتمع الدولي! وإذ يمسح الخليجيون اليوم، عملياً، مبادرتهم العربية فإنهم يهينون ــــــ بذلك ـــــ أنفسهم بأنفسهم. فكيف إذن لا يحتقر نتنياهو «أصدقاءه» الساسة العرب وهو يراهم يصدّرون قرارات لا يعنونها ويداوون تنازلاتهم الكبرى بتنازلات أكبر؟ هذا هو تفسير السرعة التي أبداها نتنياهو في تكذيب الأسرة الحاكمة في الإمارات، وإعلانه بكلّ تبجح أنّ الخطة الصهيونية لسرقة المزيد من أراضي الضفة ماضية بلا تغيير وإنما ـــــ فقط ــــــ سيؤجّل تنفيذها قليلاً لتمرير التطبيع مع الإمارات!

*صحافي عراقي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا