سيدي الرئيس،أرحّب بالتزامكم الشخصي بالجهود المبذولة لإيجاد حلّ «لمشكلة» اللبنانيين. كلامكم يشهد على ذلك. دعوني أذكركم بكلمة رجل حكيم: «يبدأ حل المشكلة بالتعرف على نفسك كعنصر من عناصر المشكلة».
أشارك معظم اللبنانيين إدانتكم للطبقة الحاكمة في لبنان، وإدانتكم لسلوكها الإجرامي في تمسكها الفاجر بمصالحها الحزبية (لا بل الشخصية) على حساب احتياجات الناس الحيوية.
كلامكم لا يعلمنا شيئاً لا نعرفه، وغضبكم لا يضاهي غضبنا، وشعوركم «بالخزي» أقلّ شأناً من مَقتنا للأشرار الذين يسيطرون على الدولة اللبنانية، لجشعهم الذي لا يشبع والتعسّف الجامح الذي يمارسونه بلا عقاب.
ومع ذلك، فإن خطابكم يغيظني، لأنه يحجب عمداً مسؤوليتكم الأصلية في الكارثة اللبنانية (عندما أقول لكم أو أنتم، لا أعني طبعاً أنتم شخصياً، إنما الدولة الفرنسية (حالياً وحديثاً وسابقاً) التي تمثلونها...
إنكم تركّزون تشخيصكم للأزمة الحالية على حزب الله. نحن في لبنان شهود وضحايا ومستنكرون لانتهاكات هذا الحزب، فهو مثل كل أعضاء الأوليغارشية الشائنة التي تحتكر الدولة اللبنانية، مرتكب لكل أنواع الفساد ومسؤول عن انحطاط المؤسسات. إن وجود ميليشيا «حزب الله» المسلّحة وتواطؤها مع حركة «أمل» التي يصادر زعيمها رئاسة البرلمان، يشكلان ظرفياً العائق الرئيسي (وليس الوحيد) أمام حلّ الأزمة الحالية. لكن الأسباب (المشروعة) لوجود حزب الله، ومبرّرات سياسته (حتى لو كانت ذرائع) هي أسباب مشروعة لا يمكن إنكارها: أذية دولة إسرائيل، ظلمها الفاضح، توسعها المستمر، إفلاتها الدائم من الإدانة، والاعتداءات المتوالية التي ارتكبتها ضد لبنان منذ عام 1948: 1949، 1952، 1955، 1959، 1961، 1968، 1969، 1970، 1971، 1972، 1974، 1975، 1976، 1977، 1978 تلتها 22 عاماً من احتلال جنوب لبنان (معظم أهله من الشيعة)، 1979، 1980، 1981، 1982 دمّرت البنية التحتية المدنية للبلاد، 1983، 1984، 1985، إلخ. يمكن الاطلاع على تفاصيل هذه التواريخ في الأرشيفات الصادرة في حزيران (يونيو) 1986 عن «مركز التوثيق العربي». أمّا بالنسبة إلى التكملة، فيمكن الرجوع إلى وثائق «منظمة العفو الدولية» ِAmnesty International، ولا سيما في ما يخص انتهاكات القوانين الدولية أثناء حرب 2006.
هل تريدون فعلاً مساعدة الشعب اللبناني؟ انزعوا مبرر وجود حزب الله!


سيدي الرئيس،
أشعر «بالخزي» من الدولة الفرنسية والمجتمع الدولي أمام بلادة موقفهما تجاه الظلم الصارخ الذي ترتكبه الدولة الإسرائيلية، الكولونيالية، العنصرية، الفائقة العسكرة، والمبنية على أصول دينية (أيها السيد المدافع عن العلمانية والقيم الجمهورية!)! هذا الظلم الذي يتم ترسيخه والحفاظ عليه وتطويره وتوسعه المستمر. لا يجوز أن تكونوا في الوقت نفسه أصدقاء للبنان ولنتنياهو. لا يجوز أن تدّعوا على حزب الله وتكونوا في الوقت نفسه مساندين للاستعمار الهمجي لفلسطين المحتلة، أو شهوداً صامتين عليه. لا يجوز أن تطالبوا بنزع سلاح حزب الله وتسمحوا في الوقت نفسه بالحفاظ على الترسانة النووية الإسرائيلية. لا يجوز أن ينتابكم الحزن على محنة الشعب اللبناني، وتسكنكم اللامبالاة تجاه الفاجعة الإنسانية في غزة. والقائمة تطول...
سيدي الرئيس،
هل تريدون مساعدة اللبنانيين؟ أعتقد أنكم صادقون (مع العلم أنكم تراعون مصالحكم في الوقت نفسه، وأن اهتمامكم بنا ليس عملاً خيرياً خالصاً). ماذا فعلتم لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي (1978 ـــ 2000)؟ لا أنتم ولا الدولة اللبنانية ساعدتم المقاومة اللبنانية، ولا نجحتم في وضع حد لهذا الانتهاك الشنيع للقانون الدولي. ماذا فعلتم في عام 2006 لإفشال العدوان الهائل الفاضح على لبنان، من قبل سلاح الجو والمدفعية الإسرائيليين؟ وحده التضامن الهائل للشعب اللبناني حول مقاتلي حزب الله هو من أفشله. ماذا ستفعلون في المستقبل إذا تعرّض لبنان لمزيد من العدوان، على افتراض نزع سلاح حزب الله؟ ربما لا شيء ملموساً، لكني أعلم في أعماقي أن الشعب اللبناني سوف يخترع مقاومته المستقبلية، على غرار التمرّد المدني الحالي والمواطني وغير المذهبي.
هل تريدون فعلاً مساعدة الشعب اللبناني؟ عليكم أن تعالجوا البلية من مصدرها. انزعوا مبرر وجود حزب الله (الخطر الإسرائيلي). لكني أعلم أنّها مجرد أمنية يتعذّر تحقيقها. سلّمنا بأنّ قادتنا المحليين فاسدون، لكن القادة في العالم اليوم فاسدون أيضاً، مع فرق نوعي: إن الصيغة الغربية أكثر انحرافاً. الحكام في لبنان هم المافيا التي تسرق وتستغلّ الشعب اللبناني، لكن حكام العالم هم مجرّد خدّام للمافيا التي تبتزّ ثروات الكوكب، خصوصاً الشعوب خارج حدودها. إن فرنسا مثل أميركا وروسيا، ومثل تركيا وإيران ودول النفط العربية، ستضع دائماً مصالحها الاقتصادية فوق احتياجات الشعوب التي تتنافس من أجل الاستيلاء على مواردها.
سيّدي،
استمرّوا في سياستكم، وثابروا عليها. واصلوا سياساتكم التمييزية، لكن رجاءً، وفّروا علينا دروسكم الأخلاقية.

*مسرحي لبناني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا