أصبح واضحاً لأيّ متابع جذور الصراع الأذربيجاني الأرمني على إقليم ناغورنو كاراباخ (الحديقة السوداء الجبلية) الذي يمتدّ إلى الحدائق الدولية الخلفية التي تدعم هذا الطرف أو ذاك لا سيما تركيا الداعم المباشر والأكبر لأذربيجان، وفي الجهة الأخرى روسيا الداعمة الضمنية لأرمينيا.بالرغم من الحرب المجمدة بين الطرفين منذ عام ١٩٩٤، إلّا أنّ هذا النزاع تطوّر إلى حرب حقيقية استُخدمت فيها كلّ أنواع الأسلحة الثقيلة، بدعم تركيّ مطلَق لأذربيجان. وبحسب المعلومات فإن أرمينيا تبني كلّ تحصيناتها لحرب طويلة الأمد قد لا تقف عند حدود الطرفين المتنازعين، بل قد تمتد إلى دول جنوب القوقاز ومنها جورجيا وأوسيتيا الجنوبية، وربما تتوسع إلى دول قوقازية أكثر في حال لم يستجِب الطرفان لدعوات وقف إطلاق النار.
روسيا حتى الآن تعتمد الدبلوماسية المرنة تجاه أذربيجان وتركيا، داعية إلى الحوار ووقف إطلاق النار بالرغم من معرفة روسيا مخطط تركيا وأطماعها الاقتصادية في النفط والغاز لتحقيق ما يسمى «بورصة الاقتصادي النفطي»، ولا يخفى على الرئيس بوتين الدعم الأميركي للحراك التركي ونقل مرتزقة إرهابيين إلى ساحة الصراع، مستعيداً ما كان يسمى بـ «جيش القوقاز الإسلامي» أيام أنور باشا في السلطنة العثمانية. ولا بدّ من الإشارة إلى «الحركة النشطة للموساد داخل أذربيجان».
أما في إيران، فإنّ الوضع أكثر تعقيداً من حيث الامتداد الأرمني والآذري، الطائفي والاثني في آن واحد، في الداخل الإيراني. لكنها ضمنياً أقرب إلى أرمينيا من أذربيجان التي تحشد أعداداً كبيرة من الإرهابيين على حدود تبلغ ٧٥٦ كم، ما ينذر بخطر شديد الخطورة. من دون أن ننسى أن جنوب القوقاز منطقة نقل النفط والغاز، ما يؤثر أيضاً على حركة التجارة النفطية لكل من إيران وروسيا.
السؤال اليوم هو: هل تدخل دول جنوب القوقاز في إطار الصراع الأذربيجاني الأرمني؟ وهل تطلب أرمينيا المساعدة بموجب معاهدة الأمن الجماعي لدول ما بعد الاتحاد السوفياتي؟
يبدو أننا أمام سيناريو حرب تمتدّ من دولة إلى دولة أخرى، واصطفافات دولية تتقاطع فيها المصالح، في الوقت الذي تسقط الدول العربية الواحدة تلو الأخرى في الحضن الصهيوني، مع تزايد وتعاظم الأطماع التركية العثمانية في سورية والعراق وأذربيجان وحتى لبنان. ومن جهة أخرى تمتصّ روسيا غضبها عميقاً وهي ترى البيت السوفياتي تعبث فيه أميركا (أوكرانيا، بيلاروسيا، جورجيا، أذربيجان وأرمينيا). فهل سينجحون في جرّ روسيا إلى فتح جبهة عسكرية للدفاع عن عراقة السوفيات ووحدة شعبهم وأراضيهم؟ أم أن تركيا ستنجح في حسم مشروعها العثماني، لتجلس قوية إلى طاولة المفاوضات؟
وهل تحاول تركيا الضغط على روسيا بسياسة ليّ الأذرع، ابتداء من صراعها في إدلب حتى أرمينيا؟

* صحافي لبناني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا