متى بدأ الإعلام بالإعلان عن اسم «داعش»؟ وماذا كُتب عن هذه البدايات؟ وكيف تحوّل الاسم إلى بعبع في بلدان تأسيسه وما حولها، والأبعد منها؟ وهل أُسدل الستار عليه، أم أنّ المسرح له ما زال مفتوحاً؟ هذا المختصر الذي تحوّل اسماً كاملاً في الإعلام لتنظيم ما سُمي بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، هو امتداد لتنظيمات سبقته في أفغانستان والعراق وامتدّت إلى خارجهما، وتحرّكات قبل احتلال أفغانستان من قِبل القوات الأميركية وحلفائها وتوسّعت بأسماء متعدّدة، بعد احتلال العراق من قِبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها أيضاً، وبدعم ماليّ ولوجستي عربي مكشوف ومعلن رسمياً، ومن دون مواربة.هذا بعض أسئلة عن تنظيم «داعش»، لا تغطّيها الإجابة فقط، وإنّما تُفسِح المجال لإضافة أسئلة أخرى عن الأسباب والتداعيات، والمسؤولية والعوامل التي أسهمت وساعدت، وما زالت تموّن التنظيم، وتعيد تمدّده وترتيب فعالياته وأعماله وأخطاره. وفي العموم، رُغم هزيمة ما سُمي بـ«دولة الخلافة» وسقوط عاصمتها في العراق، ولحقتها في سوريا، وتدمير قواها العملانية على امتداد الأراضي التي حُسمت لها، وحكمها لفترة سنوات وأشهر، فقد هدّدت ليس بالاستمرار فيها وحسب، بل والتمدد لأوسع ما تستطيع الوصول إليه من أراضٍ وحاضنات وتسهيلات وخدمات، وهو ما يجب أن لا يُنسى في المحاكمة والحساب، الأمر الذي تأخر كثيراً، وقد يكون بين أسباب بقائها، كتهديدٍ دائمٍ.
منذ الانتصار عليه، وإلى أيامنا هذه، لم ينتهِ التنظيم كلياً، بل تحوّل إلى خلايا نائمة وذئاب منفردة وقام بأعمال إرهابية، وانتقلت مجموعات منه إلى بلدان ومناطق أخرى، في سيناء وليبيا واليمن ونيجيريا ومالي وغيرها، شاهرة اسمه وتخريبه وخطره أكثر من طاقته وإمكاناته العملية. إلّا أنّ الكثير ممّا قيل عنه، أو بُحث فيه، أكّد التدخل الأجنبي في تركيبه وتكوينه وتفعيله، في إطار المخطّطات والخدمات الميدانية له، ولأصحابها الذين رفعوا شعارات برّاقة معاكسة لأهدافها التنظيمية أو مخالفة لها فعلياً. فكلّ الدول التي تجمّعت تحت شعارات محاربة الإرهاب، متّهمة، كما تؤكّد تصريحات مصادر رسمية وأبحاث ووسائل إعلام، بمشاركتها في كلّ ما له علاقة به، تأسيساً وتنظيماً وامتداداً، واليوم، تهديداً خطيراً.
فبحسب الوكالات الإخبارية (يوم 2020/09/18) أكدت الولايات المتحدة أنّ تنظيم «داعش» المصنّف إرهابياً على المستوى الدولي، يواصل تمدّده عالمياً على الرغم من اجتثاثه من سوريا، وإعلان الانتصار عليه في العراق، والقضاء على قيادييه. ونقلاً عن مدير المركز الوطني الأميركي لما يسمّى مكافحة الإرهاب، كريستوفر ميلر، خلال جلسة استماع أمام لجنة الأمن القومي في مجلس النواب الأميركي: «على الرغم من هذه النجاحات أظهر داعش مراراً قدرته على النهوض من خسائر فادحة تكبّدها، خلال السنوات الـ6 الماضية، بالاتّكال على كادر مخصّص من القادة المخضرمين من الصفوف المتوسطة، وشبكات سرية واسعة النطاق، وتراجع ضغوط مكافحة الإرهاب». وأضاف ميلر أنّ «التنظيم نفّذ اغتيالات وهجمات بواسطة العبوات الناسفة المصنّعة يدوياً وقذائف الهاون بوتيرة ثابتة، خصوصاً في المناطق القروية شمال ووسط العراق وشرق سوريا»، ومن ضمنها عملية تمّ شنّها، في أيار/ مايو الماضي، وأسفرت عن سقوط عشرات الجنود العراقيين بين قتيل وجريح.
إذاً، تؤشّر هذه الاعترافات الأميركية إلى معرفة بالتفاصيل، ودراية تقول عن واقع التزام الأجهزة الأميركية بكلّ الخطط والتجهيزات والإعداد للتنظيم وتوزيعه جغرافياً، وهناك أقوال رسمية وتصريحات مسؤولين أميركيين ودوليين، إضافة إلى وسائل إعلام، عن النقل والترحيل وحتى التدريب والعلاج والمساعدات المالية والإعلامية.
وقال كريستوفر ميلر، إنّ «داعش» وثّق نجاحه هذا، بتسجيلات فيديو استخدمها في سبيل الدعاية لإظهار أنّ «مسلّحيه لا يزالون منظّمين ونشطين على الرغم من اجتثاثهم من المنطقة التي أعلنوا فيها الخلافة في سوريا والعراق». وأكّد أنّ التنظيم يركّز، حالياً، على تحرير الآلاف من عناصره الموجودين مع عائلاتهم في مراكز اعتقال شمال شرق سوريا، في ظلّ غياب أيّ مسار دولي منسّق للبتّ بأوضاعهم. (من يدير مراكز الإنترنت ومن يُشرف أو يراقب الاتصالات الدولية وكلّ ما يُراد معرفته أمنياً؟!). وهذا القول وحده يكفي، لرؤية مسار التنظيم من خلال عيون مؤسّسيه وراعيه عملياً وفعلياً. يُضاف إلى ذلك خبر خطير ولافت، يقدّم دليلاً قاطعاً على الترابط والتسلسل في العلاقة والمسؤولية عن التنظيم في معرفة الأعداد ومناطق وجوده وفاعليته والتهديد به.
منذ الانتصار عليه وإلى أيامنا هذه، لم ينتهِ التنظيم كلياً بل تحوّل إلى خلايا نائمة وذئاب منفردة وقام بأعمال إرهابية


فقد ذكر المسؤول الأميركي أنّ الشبكة العالمية للتنظيم خارج سوريا والعراق «تشمل حالياً نحو عشرين فصيلاً بين فرع وشبكة». وتابع أنّ التنظيم يحقّق نتائج متفاوتة، لكنّه يسجّل أداءه الأقوى في أفريقيا، وفق ما أظهره هجوم النيجر. ويسعى «داعش»، كذلك، بحسب ميلر، إلى مهاجمة أهداف غربية، لكنّ عمليات مكافحة الإرهاب تحول دون ذلك. (ولماذا لا تحول دون عملياته في المناطق الأخرى المحتلّة أميركياً؟!).
رغم كلّ ذلك، أعلنت الحكومة العراقية، في كانون الأول/ ديسمبر 2017، استعادة كامل الأراضي التي وقعت تحت قبضة «داعش»، بعد نحو 3 سنوات ونصف من الحرب على التنظيم الذي استولى على نحو ثلث مساحة العراق. كما فقد «داعش» كلّ الأراضي التي سيطر عليها في سوريا، خلال السنوات الماضية. وسقطت، عملياً، ما أُعلنت وسُمّيت بـ«دولة الخلافة»، وانتهى انتشارها الجغرافي في البلدَين، ولحق ذلك القضاء على قائد التنظيم، أبو بكر البغدادي، وغيره من القادة البارزين، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بعملية استخبارية متعدّدة الأطراف. كذلك، أُذيع تعيين زعيم جديد للتنظيم، واسمه: محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان معتقلاً عند القوات الأميركية، وسُرّبت تحقيقات معه واعترافات له بأسماء قيادات التنظيم وغيرها من أسراره. وقاد هجمات جديدة بواسطة فصائل تابعة للتنظيم بعيدة جغرافياً عن مركز القيادة، في حين جرى الادّعاء بقدرات أوسع وإمكانات أكثر، وهي الدلالة والإثبات على الترابط والرهانات والتهديد والأخطار.
كل هذا، وما زال التنظيم بحسب التصريحات السابقة خطراً وتهديداً مطلوباً ومحسوباً، فلا تمرّ المخطّطات الإمبريالية والصهيونية بدون أعمال إرهابية وجماعات تنظيم وأموال جاهزة وتحت الطلب. وهنا، القصة كلّها ولا تحتاج إلى أضواء أو تسميات.

* كاتب عراقي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا