من نافلة القول إنّ مفهومَ الوحدة الإسلامية هو نتاجُ صيرورةٍ تاريخيةٍ تراوحُ أحداثُها ما بين انحطاطٍ ثم نهضةٍ فإصلاحٍ، بغيةَ الوصول إلى الكمال الاجتماعي. كمال ناجم عن فلسفةٍ سياسيةٍ ناجحة، يقومُ بنيانُها على التشريعات السماوية التي جاءت بها الأديان، بهدف تنظيم المجتمعات. وهو ما ذهب إليه الفلاسفة والمفكرون في طرحهم فكرة الأمة الواحدة والمدينة الفاضلة والعقد الاجتماعي وغيرها من النظريات المطروحة عبر التاريخ. فالوحدة الإسلامية في مقاربتِنا هنا، ليست نتاجَ فكرٍ أيديولوجيٍّ يتطلع إلى توسيع المذهب جغرافياً، ولا إلى ما يعرف بالهيمنة الفكرية الدينية، بل هي مبدأ الأمة الواحدة وفكرة المدينة الفاضلة والجمهورية المثالية، التي قد نراها عند الفلاسفة، منهم من كان ينتمي إلى مذهب، ومنهم من كان لادينياً، ما يؤشرُ إلى تأصّل هذا القانون في تاريخ الفكر البشري والفطرة الإنسانية، ففي الوحدة قوّةٌ في وجه الطغيان والظلم والفوضى والتكفير وسائر أشكال الشرور الدنيوية.في هذا المقال، نظرةٌ خاطفة على المراحل التاريخية التي مرت بها فكرة الوحدة الإسلامية وتبلورت وصولاً إلى منعطف الثورة الإسلامية الإيرانية التي شكّلت نقطةَ ارتكازٍ قامت عليه شبكةٌ واسعة من العلاقات التقريبية الموحّدة.
من حيث المبدأ، يمكنُ الإشارة إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى مرحلة ما قبل تشكّل الإسلام السياسي بالمعنى الحديث للمصطلح، أي المرحلة الصفوية والعثمانية. في هذه المرحلة كانت العلاقات متأثرةً بمناصب الحکومات الرسمیة. لكنّ المرحلة الثانية هي مرحلة تشكّل الإسلام السياسي. مرحلة المبادلات الثقافية بين شخصيات الطرفين والمؤسسات المذهبية على حدٍّ سواء. المرحلة الثالثة ترتبط بما بعد الثورة الإسلامية الإيرانية. في هذه الحقبة تعزّزت العلاقات. وهي المرحلة التي تعزّزت فيها علاقاتنا بالعالم الإسلامي أكثر على الصعيد البنيويّ والتنظيميّ. كما تعززت علاقات شخصياتنا على الصعيد الفردي، مع شخصيات العالم الإسلامي.
في هذه المرحلة، كانت دار التقريب فعالةً في مصر، حيث قامت علاقة تعاون وثيق بينها وبين المرجعية في قم قبل الثورة، تماماً مثلما كانت ندوة علماء الهند. بعد الثورة، برز مجمعُ الفقه في جدّة، الذي انبثق عن منظمة التعاون الإسلامي أو منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث كان على تواصلٍ واسع النطاق مع الجمهورية الإسلامية، ولا سيما المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب ومع آية الله الشيخ التسخيري شخصياً.
كذلك برزَ تعاونٌ بين مؤسسات العالم الإسلامي العلمية الثقافية ورابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية لدينا ومراكزنا ومستشارياتنا الثقافية. يمكن الإشارة هنا إلى الآيسيسكو، والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي تأسّس على يد الشيخ يوسف القرضاوي، وقبل ذلك الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان، ونهضة علماء أندونيسيا... كل هذه الحركات كان لها تعاونٌ ملحوظ بشكلٍ أو بآخر على مدى سنواتٍ طويلة مع المؤسسات الإيرانية الرسمية وغير الرسمية.
لكن قبل الثورة، كانت أبرز هذه العلاقات علاقة حركة الإخوان المسلمين مع فدائيي الإسلام، ومع نواب صفوي الذي سافر إلى القاهرة وألقى خطابه الشهير بين جمع الطلاب في جامعة القاهرة، أوصى الشيعة منهم بالالتحاق بحركة الإخوان المسلمين.
أما في ما يتعلق بالشخصيات البارزة في هذه الحركات، فإنّ لدينا شخصيات عديدة كانت فاعلةً في هذا المسير، كل على طريقته ومن رؤيته الخاصة. آية الله كاشاني، نواب صفوي، آية الله طالقاني وميرزا خليل كمره اي، وقد كان موضوع القدس محوراً لمعاملاتهم مع عالم أهل السنّة... فكانوا يتطلّعون إلى حركةٍ مناهضة للصهيونية. كان آية الله البروجردي، والشيخ محمد تقي القمّي، يضعانِ مسألة تقريب المذاهب هدفاً محورياً في معاملاتهما، فيما كان الإمام الخميني (قده) يتطلّعُ إلى الإسلام الثوري والأصيل وتعزيز الوحدة الإسلامية بين جماهير العالم الإسلامي. إلى جانب وحدة المسلمين الشاملة، فإنّ آية الله الخامنه إي كان وما زال دائماً يؤكد على موضوع المقاومة ومقارعة الاستكبار. وآخرون أمثال الدكتور شريعتي، والوطنيين المتدينين كذلك، كانوا يصبّونَ اهتمامهم في قضية الثقافة الدينية والعدالة الاجتماعية وإحياء الفكر الديني والإصلاحي.
إذا أردنا أن نركّزَ على الشخصيات بشكلٍ خاص، علينا أن نتحدّث أولاً عن:
*آية الله كاشاني. كان معروفاً في العالم العربي من جهتين: الأولى مشاركته في حرب 1920 العراقية ضد الإنكليز التي عرفت بـ«ثورة العشرين»، وقد أصيبَ خلال خدمته في جبهات الحرب. والثانية لاحقاً بسبب محاربته الإنكليز في إيران، وأحداث تأميم النفط، وتعاونه مع الدكتور محمد مصدق خلال فترةٍ من الزمن. لهذا السبب فهو معروفٌ جداً في أوساط الإخوان المسلمين خاصة، والإسلاميين بشكل عام.
وبخصوص تأميم النفط في إيران الذي تزامن مع تأميم قناة السويس في مصر، يذكر الشيخ يوسف القرضاوي خلال زيارته طهران في حديثه عن ذكرياته، أنّ الطلاب الجامعيين ورجال الدين في جامعة القاهرة، حين كانوا يذهبون لاستقبال نواب كانوا يطلقون شعار «كن كاشاني يا شيخ الأزهر»، أي كن مثله. ولفاروق «كن مصدق يا فاروق» أي كن مثل مصدق.
*نواب صفوي. ربما كان أبرز مجاهدٍ ومقاتلٍ إيرانيّ ما زال حتى اليوم محطّ احترام الإخوان وسائر تيارات الإسلام السياسي عند أهل السنّة. لا يزال نواب متألقاً في ذهنهم حتى اليوم. سافر إلى مصر بدعوةٍ من سيد قطب، وكان له الأثر البالغ في الجماعة هناك. وعندما تم اعتقال نواب من قبل أجهزة القمع الشاهنشاهية، شكّل الإخوان مجموعةً حقوقيةً للسفر إلى إيران والدفاع عن نواب في المحكمة، إلا أن نظام الشاه لم يمنحهم تأشيرة دخول.
لقد كان نواب من الذين تأثروا بالمجاهدين العرب من قبيل عبد القادر الجزائري وأمين الحسيني وآخرين. لعبَ دوراً كبيراً في موضوع المواجهات المناهضة للإنجليز خلال تلك الفترة، كذلك في مقاومة الاستبداديين، وكان متأثراً بهم للغاية. المرحلة الذهبية للإخوان المسلمين كما يعرفها الجميع كانت خلال محاربة الصهاينة ومشاركتهم في الدفاع عن الشعب الفلسطيني خلال سنوات 1948 وما بعدها. كان لهم دورٌ أساسٌ في هذه المرحلة، وهذا الدور الجهادي كان مؤثراً جداً في نواب حتى ذهبَ في رحلةٍ إلى مصر. وقد خطبَ في ربيع شبابه خطبته الشهيرة التي دعا فيها الشيعة الى الالتحاق بصفوف الإخوان، ليكونوا أعضاء في الجماعة. وهذا يشير إلى مدى تأثر فكره بالجماعة. هذه الحقبة التاريخية يجب أن تحلل وتعاد قراءتها بدقةٍ عالية لأهميتها.
* آية الله طالقاني. عام 1962 أقام احتفالاً في مسجد «هدايت» في شارع هدايت الحالي في طهران، بمناسبة انتصار الثورة الجزائرية، حيث كان المرحوم المهندس بازرگان، وسحابي، والمرحوم السيد غلام رضا سعيدي حاضرين. لقد كان هؤلاء متأثرين بالدكتور شريعتي في قضية الجزائر، كما أنّ ممثلاً للجزائر كان حاضراً في الحفل، وقد شارك فيه.
حين أقيم هذا الاحتفال، لم تكن هناك علاقاتٌ ديبلوماسيةٌ رسميةٌ بين إيران والجزائر. عام 1959 و1961 سافر آية الله طالقاني برفقةِ آية الله كمره اي وعلماء آخرين، إلى بيت المقدس الذي كان جزءاً من الأرض الأردنية آنذاك، للمشاركة في «المؤتمر الإسلامي« بمناسبة احتفالية الإسراء والمعراج، حيث لم تكن الأرض محتلةً بعد من قبل الصهاینة. كان ذلك قبل حرب الستة أيام عام 1967 بين العرب وإسرائيل.
عام 1959، ذهب السيد مصطفى كاشفي الخوانساري إلى هناك من قبل آية الله البروجردي لإيصال رسالته إلى الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر ومفتي مصر آنذاك، متأثراً بالثورة المصرية وبشخصية جمال عبد الناصر، لشكر مصر على مواقفها النضالية، كما سافر إلى الأردن وتونس والمغرب، والتقى الملك حسين ملك الأردن. إضافة إلى معرفته بممثلي الدول الإسلامية المختلفة، فإنه تعرّف أكثر إلى القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني ومأساته، ومشكلات العرب في مواجهة الصهيونية، حيث إنه بعد عودته من السفر، بذل جهداً أكثر في الدفاع عن قضية فلسطين وشعبها والتصدي للصهيونية.
عاد الوفد بتاريخ 28 شباط 1960 إلى البلاد. أقام أعضاء الوفد في بيت المقدس بوجود ملوك الأردن والمغرب صلاةَ الجمعة، وزاروا ثانوية الشيعة في الأردن، أكثر المدارس تجهيزاً وتطوراً في المدينة.
كما دعا آية الله طالقاني شيخ الأزهر إلى إيران وقبلَ الأخير الدعوة.
كان آية الله طالقاني على علاقةٍ طيبة مع عبد الفتاح عبد المقصود، المفكر المصري الشهير. لدى عبد المقصود كتابٌ بعنوان «الإمام علي بن أبي طالب» مؤلف من 6 مجلدات. قام آية الله طالقاني بترجمة المجلد الأول إلى الفارسية وهو في السجن، وقد وضعَ مقدمةً للكتاب. لاحقاً أكمل ترجمته محمد مهدي جعفري، صهرُ المرحوم مهدي بازرگان. كتب عبد الفتاح مقصود رسالةً الى محمد تقي القمي معرباً عن سعادته بأن كتابه قد تُرجمَ وطبعَ على يد آية الله طالقاني.
بقي المرحوم طالقاني لمدة أسبوعين بين مصر والمغرب والجزائر، وألقى خطباً حول الوحدة، بهدف فتح حوارٍ بين الحوزات الدينية الشيعية والسنية.
*آية الله الخامنئي الذي ترجمَ ثلاثةَ كتبٍ لسيد قطب؛ «المستقبل لهذا الدين»، و«الإسلام ومشكلات الحضارة»، و«في ظلال القرآن» (ترجم سماحته جزأين منه)، كما ترجم كتاباً آخر للسيد عبد المنعم النمر، أحد أساتذة جامعة الأزهر اسمه «كفاح المسلمين في تحرير الهند». وقد ترجمت كتبٌ أخرى لسيد قطب مثل «معالم في الطريق» الذي ترك أثراً بشكلٍ كبير على الثوار ما قبل الثورة. كما تجدر الإشارة إلى كتاب «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» لأبو الحسن الندوي الذي ترجمه المرحوم الشيخ مصطفى زماني، وكان له تأثيرٌ کبیر على الثوار الإیرانیین.
*الدكتور علي شريعتي. كان ناشطاً في أحداث ثورة الجزائر، وكان على علاقةٍ بثوار تلك البلاد. حتى إنه سجن في فرنسا بسبب أنشطته ومواقفه إلى جانب الثورة الجزائرية. يعدّ مقامه رفيعاً بين ثوار الجزائر، حتى إنه حين سجنَ في إيران، طلبَ عبد العزيز بوتفليقة من محمد رضا شاه أن يطلقَ سراحَ شريعتي. كان بوتفليقة آنذاك وزير خارجية الجزائر، وقد لعب دوراً كبيراً في توقيعه معاهدة الجزائر عام 1975 بين إيران والعراق. لعب شريعتي دوراً مؤثراً في التعريف بالثورة الجزائرية داخل إيران.
*الإمام موسى الصدر. عام 1964 طرح الإمام موسى الصدر للمرة الأولى فكرةَ حوار الأديان. عام 1967 التقى البابا في روما. وسائل الإعلام العربية اعتبرته توأمَ الشيخ حسن خالد، مفتي أهل السنّة في لبنان، لشدة القرب بينهما.
*ملا صالح مازندراني المعروف بالعلامة السمناني. كان يتعاون مع دار التقريب في مصر، وانتشرت له مقالاتٌ في رسالة الإسلام.
*المرحوم الدكتور سيد جعفر شهيدي. كان رئيس مؤسسة قاموس دهخدا، ومن أبرز الباحثين في اللغة والآداب الفارسية والفقه وتاريخ الإسلام، ومن تلامذة علي أكبر دهخدا وبديع الزمان فروزانفر البارزين في جامعة طهران. تميّز برؤيته العلمية إلى مستقبل الحضارة الإسلامية.
شخصياً، حين كنتُ مستشار إيران الثقافي في قطر، تشرفتُ باستضافته في قطر، مع الدكتور خليلي عراقي رئيس جامعة طهران حينها. كان القطريون يكنّون له احتراماً خاصاً، وإعجاباً بتواضع هذا المفكر والعالم الكبير. كان مجتهداً من تلامذة العلامة الطباطبائي والمرحوم آية الله الخوئي. كان يشارك كذلك في مؤتمر الفكر في الجزائر، وكان يخطبُ بالعربية كأنه واحد منهم... كان متمكناً جداً ومتخصصاً.
*السيد حسن نصر. قام بتصحيح كتاب "الشيعة في الإسلام" للعلامة الطباطبائي وكتب له مقدمة. ألف العلامة الطباطبائي كتاب «الشيعة في الإسلام» بتوصيةٍ من الدكتور نصر، بهدف التدريس في حصة علوم الشيعة في جامعات الولايات المتحدة الأميركية.
*الدكتور مهدي محقق. كان محصلاً للعلوم الجامعية إلى جانب العلوم الحوزوية، كما كانت له أنشطة فكرية خارجية.
*السيد المجتهد الشبستري. كان في ألمانيا، وكانت له فعالياتٌ خارجية كذلك، وكان على ارتباطٍ مع أهل السنّة. كان بعد الشهيد بهشتي ناشطاً في مركز هامبورغ.
*السيد هادي خسروشاهي. من رواد الفاعلين على الصعيد الدولي في الحوزات العلمية في تاريخنا المعاصر. كان من فحول التقريب منذ زمان دار التقريب في مصر. وكانت له علاقاتٌ واسعة مع الدول العربية، وخاصة مصر والجزائر، وشبه القارة الهندية وتركيا وأوروبا. كاتب ومترجم، ترجم بعض كتب الإخوان المسلمين إلى الفارسية.
السيد خسروشاهي قبل الثورة كان مسؤول القسم الدولي في دار التبليغ في قم. منذ ذلك الحين، كانت له رحلاتٌ مهمة إلى خارج إيران، ومنها مشاركته في ملتقى الفكر الإسلامي في الجزائر. كان رفيق فكره يدعى سيد غلام رضا سعيدي (والد زوجة الدكتور السيد جعفر شهيدي) الذي كانت له كتبٌ كثيرةٌ حول التيارات الإسلامية. كان السيد هادي خسروشاهي على ارتباطٍ بالتيارات العربية بشكلٍ أكبر، فيما المرحوم غلام رضا سعيدي كان ارتباطه بتيارات شبه القارة الهندية .
كان السيد خسروشاهي قبل الثورة يملك دار نشرٍ باسم «انتشارات رسالت»، وكانت بالقرب من مكتبة المرحوم آية الله النجفي المرعشي. وقد تولى مسؤولياتٍ سياسيةً عديدةً بعد الثورة، منها سفير إيران في الفاتيكان، ومدير مكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر، وعلى علاقة وثيقةٌ بجماعة الإخوان وعلماء الأزهر. أنجز الكثير في مجال الدراسات والتوثيق، منها أعماله عن جمال الدين الأسد آبادي، والشيخ محمد عبده، وكبار رموز التيار الإسلامي.
*الشهيد بهشتي من الشخصيات التي كانت على ارتباطٍ وثيق بعلماء المذاهب في أوروبا.
*المرحوم آية الله واعظ زاده الخراساني، وهو من الشخصيات الرحّالة التي أمضت مرحلةً كاملة من حياتها في الدول العربية المهمة، مثل مصر والمغرب والجزائر. كان الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ونائب الشيخ يوسف القرضاوي في الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين لمدةٍ من الزمن. ألقى آية الله واعظ زاده العديد من الخطب في المؤتمرات الدولية، كما كان يشارك في مجمع الفقه الإسلامي بجدة.
*الشيخ محمد سعيد النعماني. من تلامذة الشهيد محمد باقر الصدر، كان ناشطاً بشكلٍ كبير على المستوى الدولي، وله علاقات واسعة مع نخب أهل السنّة. كما كان نائب رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية لسنوات.
وعلينا أيضاً أن نشير إلى شخصيةٍ مهمةٍ للغاية وبارزة هي:
*آية الله الشيخ محمد علي التسخيري. وهو على رأس سائر التقريبيين، يحمل في سيرته أكثر من 700 زيارة إلى الخارج ومشاركة في المؤتمرات. حمل مسؤولياتٍ كثيرة منها: رئاسة رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، النائب العام للمجمع العالمي لأهل البيت، والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ونائب رئيس منظمة الدعوة الإسلامية، ومستشار القائد. يعتبر آية الله التسخيري منذ انتصار الثورة الإسلامية أبرز رموز التقريب بين الشيعة والسنّة، وله مقامٌ رفيعٌ في محافل العالم الإسلامي العلمية والمذهبية. كانت له قدرةٌ منطقيةٌ استدلاليةٌ وشجاعةٌ خلال الحقب المختلفة، ودور بارز في زمن حرب الـ8 سنوات المفروضة على إيران وفي المحافل الدولية
*الدكتور محمد علي آذرشب، من الشخصيات البارزة التي تتمتع بعلاقاتٍ دوليةٍ واسعة. كان جامعياً، وأدار فصلية «ثقافتنا»، و«حضارتنا»، وكانت له علاقات واسعة مع نخب العالم الإسلامي. كما كان يشارك في الكثير من المؤتمرات الدولية. كان مستشاراً ثقافياً لإيران في السودان وسوريا، وكانت لديه مسؤوليات في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب.
إضافةً إلى ما سبق، كان الطلاب الجامعيون الإيرانيون في شبه القارة الهندية وأوروبا وأميركا على ارتباطٍ وثيق بالشباب المثقف السنّي في إطار منتديات إسلامية. كذلك الطلاب الحوزويون ورجال الدين كانوا من الشخصيات التي تقيم ارتباطاً مع أهل السنّة بشكلٍ أو بآخر. السيد محمود دعائي، هادي نجف آبادي، علي جنتي، كمال خرازي، الشيخ حسن إبراهيمي، السيد محمد غرضي والشهيد محمد منتظري من جملة هذه الشخصيات.
*السيد جلال ميرآقايي، النائب السابق لآية الله التسخيري، كذلك يعدّ من الشخصيات التقريبية التي كان لها حضور دائم في مجمع التقريب كما في مجمع الفقه الإسلامي. هنا تجدر الإشارة إلى العلماء الإيرانيين من أهل السنّة الذين كان لهم دورٌ في مجال تقريب المذاهب والتقارب. من هؤلاء الأشخاص نسمّي بشكلٍ أساسيّ، مولوي محمد إسحاق مدني الذي زار الإمام في النجف، والسيد نذير أحمد سلامي، وموستا محمد شيخ الإسلام وغيرهم.
مؤتمرات التقريب والوحدة كانت بمثابة مراكز لتجمع العلماء والمفكرين من سائر المذاهب والأديان وتواصلهم.
بعض المؤتمرات كان له تأثيرات عظيمة. مثلاً "ملتقى الفكر الإسلامي" في الجزائر الذي انعقد في الجزائر منذ العام 1968 حتى 1990 في 22 دورة. هذا المؤتمر كان علامةً فكريةً فارقةً في العالم الإسلامي. مكان تجمع علماء الإسلام بجميع توجهاتهم وسائر طوائفهم ونِحَلِهم. كان بمثابة ظاهرةٍ فريدة.
قبل الثورة كان علماؤنا ومفكرونا يشاركون في هذه المؤتمرات. كان آية الله التسخيري والسيد هادي خسروشاهي والإمام موسى الصدر من المشاركين الثابتين في هذه المؤتمرات.
كذلك مؤتمر الوحدة الإسلامية في إيران الذي كان ينعقد استكمالاً لمؤتمر الفكر الإسلامي، تمَّ إيجادُه تأثراً بهذا المؤتمر.
مؤتمر الفكر الإسلامي الجزائري نفسه كان ينعقد بطلبٍ من المرحوم مولد قاسم بلقاسم، وزير الشؤون الدينية في الجزائر في ذاك الوقت، متأُثراً بأفكار المفكر الجزائري المشهور مالك بن نبي، حيث كان هدفه لمّ شمل سائر النخب السياسية والفكرية في العالم الإسلامي حول طاولةٍ واحدة. كان يستمر هذا المؤتمر من 8 إلى 10 أيام، حيث تطرح فيه قضايا في غاية الأهمية. كان يشارك فيه المفكرون والمبلغون والإصلاحيون من اليسار واليمين، والشيعة والسنّة والمذاهب الأخرى. من المشاركين في هذا المؤتمر: أبو زهره، محمد الغزالي، يوسف القرضاوي، زينب الغزالي، فتحي يكن، محمد سعيد البوطي، أحمد سحنون، أبو الحسن ندوي، فهمي هويدى، متولي الشعراوي... ومن أوروبا أحياناً علماء الإسلام البارزون مثل محمد أركون وروجيه غارودي، ومن إيران ولبنان والعراق شارك كبار علماء الشيعة مثل الإمام موسى الصدر، آية الله التسخيري، السيد هادي خسروشاهي والسيد جعفر شهيدي.
باختصار، فإنّ هذا المؤتمر كان من أهم مراكز التقاء وتحاور علماء السنّة والشيعة، على الصعيد الفكري، ولا سيما الإيرانيين. بعض آراء العلماء الشيعة كانت محطّ اهتمامٍ وتقبل جدّي. مثلاً إحدى خطابات الإمام موسى الصدر (المحاضرة السنية) التي ألقاها في سنّ الـ34 نالت شهرةً واسعة.
طبعاً كان الإمام موسى الصدر الضيف الدائم في مؤتمرات الفكر في الجزائر، فكان يلتقي بكبار العلماء من أمثال مولود قاسم، مالك بن نبي، أحمد حماني، وبـ هواري بو مدين نفسه.
إلا أنّ مؤتمر الجزائر العاشر كانت له خصوصيةٌ مختلفة. وصف مالك بن نبي المجتمع الإسلامي بالمجتمع المتخلّف ومجتمع ما بعد الموحّدين ومجتمع ما بعد الحضارة، وكان يؤمن بضرورة تعريف هذا المجتمع على الإسلام من جديد. لذا كان عنوان هذا المؤتمر «ملتقى التعرف على الإسلام».
في الحديث عن الشخصيات السنية التي كانت على ارتباطٍ وثيق مع النخب الإيرانية، يمكن البدء مع حسن البنا، وسيد قطب حتى الهضيبي وعمر التلمساني ومحمد مهدي عاكف والشيخ أحمد كفتارو وآخرين. كلهم كانوا على ارتباطٍ بإيران ونخبها بشكلٍ أو بآخر. الشيخ شلتوت كان من المدافعين عن انتفاضة الإمام الخميني في 5 حزيران 1963، كما يمكن الإشارة إلى أحد كبار علماء أهل السنّة في لبنان وهو الشيخ سعيد شعبان الذي كانت له زيارات متعددة إلى إيران، وكان يخطب في صلاة الجمعة هناك. كذلك المرحوم فتحي يكن وزوجته التي كانت رئيسة جامعة الإيمان في طرابلس، والشيخ أحمد الزين الأمين العام لتجمع العلماء المسلمين طوال سنوات، والشيخ صبحي صالح، وكذلك الشيخ ماهر حمود من علماء مدينة صيدا البارزين، والمرحوم الشيخ عبد الناصر الجبري ومن بعده الشيخ عبد الله الجبري والشيخ زهير جعيد وآخرون كثر.
ومن علماء سوريا يمكن الإشارة إلى المرحوم رمضان البوطي وكفتارو مفتي البلاد وكذلك محمود عكام. في قطر د. عائشة المناعي ود. علي قره داغي، وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي، كان لهم ارتباط وثيق مع النخب الايرانية والعلماء الشيعة على مدى سنوات كثيرة. معظم كتب القرضاوي وكتاباته تمت ترجمتها الى الفارسية والكردية في إيران.
ثمة شخصيات كبرى كذلك، مثل الشيخ محمد الغزالي، وتراب زمزمي، وقادة فلسطينيون مثل خالد مشعل وفتحي الشقاقي، كانت علاقتهم قوية مع إيران. كذلك يمكن الإشارة إلى الصحافيين المصريين البارزين مثل محمد حسنين هيكل وفهمي هويدي.
أما في شبه القارة الهندبة، فكانت الجماعة الإسلامية وعلى رأسهم أبو الاعلى المودودي على علاقةٍ وثيقة بإيران. كان على ارتباطٍ بالإمام قبل الثورة وأرسل بعد الثورة رسالة تهنئة، وبعث بوفد من الجماعة الاسلامية إلى الإمام في قم. أكمل القاضي حسين احمد طريق المودودي بعد وفاته، وكذلك فعل أبو الحسن الندوي، فيما كان المرحوم الدكتور كليم صديقي، مفكر شبه القارة الهندية ورئيس البرلمان الإسلامي في لندن، من المبهورين بالثورة وبشخص الإمام، حتى إنه ألّف عدة كتبٍ عن الثورة الإسلامية الإيرانية، الامر الذي كان كليم صديقي سبّاقاً إليه في التعريف بفكر الإمام بعد انتصار الثورة. وكذلك سميع الحق، وطاهر القادري، وفضل الرحمن، كذلك من العلماء السنّة في باكستان الذين زاروا إيران مراراً والتقوا بعلمائها ومفكريها.
ومن العلماء المصريين يمكن الإشارة إلى د. سيد طنطاوي، والإمام الأكبر وإمام جماعة مسجد الأزهر وشيخ جامعة الأزهر، الذي توفي عام 2010. كما كانت له لقاءات مع د. علي لاريجاني ود. حداد عادل الذي كان على تواصلٍ مع السيد الخوئي، وكان يشارك في تفسير القرآن لديه حين كان أستاذاً جامعياً في البصرة.
ينبغي الإشارة كذلك إلى الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الحالي، الذي يلعب دوراً تقريبياً مناسباً رغم الضغوط المتعددة عليه، وما يشاع من أجواء تروّج لـ«إيرانوفوبيا» و«شيعة - فوبيا» التي كانوا يختلقونها، ورغم بعض الملاحظات، فلا يزال خلافاً للقرضاوي، معتقداً بفتوى الشيخ شلتوت حول أن الشيعة هم المذهب الخامس في الإسلام، وهو على تواصل مع شيعة النخب العربية، وأحياناً الإيرانية، وما زال الحوارُ قائماً حتى اليوم.
وثمة حركة عرفت بحركة اليسار الإسلامي، ضمّت كباراً من أمثال حسن حنفي، كانت لهم علاقات جيدة مع إيران. كذلك نهضة العلماء والهيئة المحمدية في أندونيسيا، كانت على اتصالٍ واسع جداً مع إيران. كذلك عبد الرحمن وحيد الذي أصبح رئيس جمهورية أندونيسيا، وهاشم موزادي الذي كان لفترةٍ من الزمن رئيس نهضة العلماء، كانت علاقتهما جيدة بإيران.
أمام هذا الطيف الكبير والعظيم من إنجازات الشخصيات التقريبية، تبقى أمامنا تحديات عديدة تقتضي حكمة كبار العلماء وجهدهم، أي إننا فقدنا رؤيتنا للشرق إلى حدٍّ كبير. أقصد شبه القارة الهندية وشرق آسيا، بينما تشكل هذه المنطقة قوةً مهمّة، سواء من الناحية التاريخية والسوابق الثقافية والفكرية، أم من ناحية الكثافة السكانية والجغرافيا حيث تتمتع بمساحةٍ جغرافيةٍ كبرى، كذلك من ناحية التلاقي، على مستوى الحضارة، واللغة والثقافة.
ثمة كذلك نموذج للتقريب تجسّد بزيارة الامام السيد على الخامنه إي خلال رئاسته للجمهورية إلى باكستان، حيث شاهدنا عظمة ذاك الاستقبال الشعبي له، يومها كان تماهي شعب باكستان مع ثقافة عاشوراء والإمام الحسين (ع) مذهلاً.
شخصيات كبرى مثل إقبال اللاهوري، أبو الأعلى المودودي، أبو الحسن الندوي هم نماذجُ وقامات كبيرة في هذه المناطق. هذه المنطقة لديها الكثير من المشتركات مع الإيرانيين، والهوامش الموجودة في العالم العربي غير موجودة هنا أو هي خافتةٌ جداً.
الملاحظة التالية هي موضوع ترجمة الكتب. لقد كنا غافلين تقريباً عن نهضة الترجمة. كانت الترجمة من طرف واحد، ونحن من ترجمنا آثارنا في الأغلب. حتى إن الكتب التي ترجمت إلى اللغات الأجنبية كانت بمعظمها كتب الإمام الخميني والشهيد مطهري والعلامة الطباطبائي والإمام الخامنه إي.
أغلب المؤلفات التي اهتم بها المترجمون المستقلون، وكانت الأكثر مبيعاً في معارض الكتاب الدولية السنوية في العالم العربي، هي كتب المرحوم الدكتور علي شريعتي. وهذا الأمر امتد حتى اليوم؛ إذا ذهبتم إلى بغداد مثلاً تلمسون ذلك. رأيت بنفسي كيف كانت تطبع كتب شريعتي بشكل يومي. أؤكد أنها تطبع كل يوم. حتى اليوم.
والأمر ليس محصوراً بشيعة العراق، بل أهل السنّة كذلك مشمولون. يطبعها من يبحث عن الربح أيضاً، أي إن طباعتها لا تخص العراق وحده. تشهد على ذلك المعارض الدولية للكتاب، بأنّ لهذه الكتب سوقاً. والسوق ليس سوق الشيعة حصراً، هو في بغداد، أي إنه سوق لأهل السنّة كذلك. وهذا أمرٌ مهم.
في بداية الثورة، كانت كتب المرحوم بازرگان مثل «البراغماتیة في الإسلام»، وكتاب «الحد الفاصل بين الدين والسياسة» منتشرةً في العالم الإسلامي.
للأسف، فإنّ أجواء الاختلاف المذهبي في عدم نشر الكتب الدينية أو تقييد نشرها في مجتمع أهل السنّة أسهم في الأزمة. بالنظر إلى الغنى الذي تمتاز به في مجال الفكر والمعرفة، يمكن لإيران أن تقول الكثير للعالم الإسلامي والعربي، لكن للأسف لا يصل هذا الفكر غالباً. أحد أهم الأسباب، الأدبيات السلبية التي يحملها البعض من الجانبين في ما يتعلق بالمقدسات.
لا شك في أن بعض مفكري العالم الإسلامي من قبيل حسن حنفي، وحسن مكي، وحسن الترابي، كانوا من المتأثرين بأدبيات المفكرين الإيرانيين.
طبعاً لقد لمس الإيرانيون جفاءً كبيراً في السنوات الأخيرة من بعض الجهات والشخصيات. والفجوة السياسية للأسف تبدّلت عمداً إلى فجوةٍ مذهبيةٍ، وشجّع على ذلك بعض الرموز، وتأجّجت الاختلافات المذهبية. لكن على الأقل كان بالإمكان الحفاظ على العلاقات الشخصية والفردية مع النخب والعلماء من كلا المذهبين لكي لا تكبر الهوة بينهما.
نأمل في ظل الظروف الراهنة والمأزومة الإقليمية والدولية، أن تحل هذه التحديات حتى نشهد ملتقىً ووحدةً عمليةً حقيقيةً بين النحل والمذاهب الإسلامية.

*المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية في بيروت

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا