وضاح عبد ربه*
بعد التحية والاحترام الذي تقتضيه الزمالة والصداقة والحرص على انتصار سورية المقاومة وحلفائها، أريد أن أوضح، إذا صحّ التعبير، بعضاً مما جاء في افتتاحيتكم يوم الخميس الماضي تحت عنوان: «سورية: إدارة متخلّفة لإعلام الدولة... وقمع للإعلام المفيد!» وتحديداً حول وصفكم وتوصيفكم للإعلام السوري وما أطلقتموه للأسف من أحكام مسبقة على هذا الإعلام الذي طوال السنوات الثلاث الماضية بذل ما يمكن من جهد ليكون، ليس في قلب الحرب التي تخوضها سورية فحسب، بل في مقدمة المدافعين عنها وعن هويتها وسياستها.

لن أعلق على ما جاء في المقال تجاه القائمين على الإعلام، ولست بوارد الدفاع عنهم، فلديهم ما يكفي من وسائل للرد وللدفاع عن قراراتهم وسياساتهم إن أرادوا، علماً أني أوافق في الكثير مما جاء في افتتاحيتكم من انتقادات، لكن كنت أتمنى من زميل عزيز أن تبقى انتقاداته موجهة لأشخاص ولمواقع، لا لإعلام بشقيه العام والخاص قدم شهداء وتضحيات واغتيل عدد من كوادره وخطف عدد آخر وهدد العدد الأكبر بالقتل، فقط لأنه حمل لواء سورية وأعني سورية، وليس النظام في سورية، وقاتل من أجلها.
فالإعلام السوري، وأنا معنيّ هنا بالإعلام الخاص حصراً، لا يتلقى عزيزي إبراهيم «تعليمات» كما ذكرتم، ولم يحاصر واقتبس: بـ«قوانين المنع: ممنوع قول هذا، وممنوع التطرق إلى ذاك، وممنوع الإشارة إلى تلك، وممنوع هذا وهذا وهذا... حتى تحوّل إلى نسخة من الإعلام الرسمي، لا طاقة له على الفعل والتأثير»، فهذا ظلم بحق العاملين في الإعلام الخاص والقائمين عليه ويفتقر إلى الدقة وبعيد عن الواقع الذي يعيشه هذا الإعلام.
إن الإعلاميين بذلوا أكثر
مما يجب ليرتقوا إلى حجم الهول الذي نعاني منه
فالإعلام الخاص السوري زميلي العزيز، ولا أعني بالإعلام الخاص فقط المكتوب والمرئي والمسموع، بل كل جهد خاص أدى إلى ترويج معلومة أو خبر أو مقال أو دراسة وأسهم في إيصال الصوت السوري إلى خارج حدود الجغرافيا بدءاً بالمواقع الإلكترونية وصولاً إلى صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي مروراً بالمبادرات الفردية والتطوعية التي أفضت إلى نقل الصورة الحقيقية لما جرى ويجري في سورية، وأضيف إلى كل هؤلاء الزملاء مراسلي المحطات الفضائية والصحف العربية وغير العربية، فهذا الإعلام تمت محاصرته بالفعل، بل معاقبته وإدراجه على لوائح العقوبات الأوروبية وحجب غالبيته وممارسة أبشع الضغوطات النفسية والمادية عليه، لأنه على عكس ما ذكرتم، كان فعالاً وذا تأثير كبير إلى درجة استفزت زعماء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، فناقضوا كل دساتيرهم التي تدعو لتقديس حرية الرأي والتعبير، وقرروا تبني سياسة العقاب والحجب كما فعل المستعربون من قبلهم حين رأوا أنهم بدأوا فقدان السيطرة على جمهورهم الذي كان من المفترض أن يصدق رواية واحدة فقط تلك التي يروجها إعلامهم، لكن الإعلام السوري كان لهم بالمرصاد وفنّد أكاذيبهم وتضليلهم، فكانوا السباقين في قرار حجبه.
وللتذكير، أود أن أشير فقط إلى أن الإعلام السوري لا يزال هو مصدر الخبر السوري، حتى لو كان مظلوماً ولا يذكره الكثيرون ممن ينقلون عنه، وذلك على الرغم من إمكاناته المحدودة جداً وشحّ المعلومات التي يبذل الإعلاميون جهداً خاصاً للحصول عليها لأسباب عدة لا مجال للحديث عنها هنا.
زميلي العزيز،
الإعلام الخاص السوري لا رقيب عليه، وقانون الإعلام السوري الذي كان لي الشرف بالمشاركة في صياغته يمنع أي رقابة مسبقة على الإعلام، وأرجو أن تدققوا في ذلك وتحدثوا معلوماتكم التي قد تعود إلى حقبة من الزمن الماضي.. كما لا «يملى» على الإعلام الخاص من أي جهة كانت خلافاً لما ذكرتم إلا في حالات نادرة وأنا مستعد لبحثها معكم مباشرة لأنها شبيهة بحالات تعرض لها الإعلام في أكثر الدول حضارة وتقدماً وحرية وتتعلق بأمن القوات المسلحة السورية وسلامتها. وأضيف أن هذا الإعلام كان سباقاً في نقل معاناة السوريين قبل الأزمة وخلالها، وسيبقى أيضاً كذلك بعد الأزمة؛ فهو المعنيّ الأول والأخير بالمواطن السوري دون سواه، وهو منبر كل سوري
أينما وجد، وعذراً منكم فلا لوائح ممنوعات لدينا ولا أجندات سياسية عندنا، فنحن إعلام همه الوحيد اليوم إنقاذ سورية من مخالب الذئب الدولي الذي يطمح إلى تدميرها وتدميرنا معها كإعلام، وتدميركم أيضاً، لأننا ببساطة لا نتفق مع مخططاته ومشاريعه.
زميلي،
قد يكون لدينا أخطاء ولا ننكرها، وقد نكون مقصّرين ولا نمتلك التقنيات اللازمة لمواكبة الحدث ونقله إلى بقاع العالم الأربع كما يجب، وذلك لأسباب عدة أهمها ربما المادية، لكن من المنصف القول إن الإعلاميين السوريين، في أغلبهم، بذلوا أكثر مما يجب ليرتقوا إلى حجم الهول الذي تعاني منه سورية بشبه المجان وبحماسة واندفاع قل نظيرهما في كل التجارب الإعلامية العالمية.
العزيز إبراهيم,
ذكرت سابقاً في معرض هذا التوضيح أني أتفق في الكثير من الانتقادات التي وجهتموها تجاه القائمين على الإعلام في سورية، وأنا أوافق دون تردد كل رأي ينتقد قرار منع البث المباشر لقناة «الميادين» و«المنار» وأي قناة أخرى نتشارك معها المسار والمصير وبتنا معها شركاء في الدم والتضحيات، وهذا قرار خاطئ بكل ما تعنيه المعايير الإعلامية ويحتاج حتماً إلى مراجعة ووضع آليات واضحة للتعامل مع القنوات كافة مستقبلاً، شرط أن تكون آليات مرنة تأخذ بالحسبان حرية كل قناة في نقل الحدث كما تراه وكما تصوره ودون تعقيدات بيروقراطية لا تتناسب مع الحرب التي نخوضها ولا مع الظرف اللحظي الذي تقتضيه الحرب والتقنيات الحديثة المتاحة لجميع الأطراف.
يبقى العتب الوحيد هو تجاه التعميم؛ فإذا كان هناك تقصير فهذا لا يعني أن كل الإعلام مقصّر. وإذا كان هناك أخطاء، فلا يعني أن يتحمل الإعلام بشقيه العام والخاص مسؤولية تلك الأخطاء، وفي جميع الأحوال لا يجوز انتقاد إعلام قدم شهداء وحُرم حقَّه في استيراد ورق للطباعة أو امتلاك تقنيات البث الحديثة؛ لأن هناك من أزعجه هذا الإعلام، فقرر الانتقام منه!! أما انتقاد القائمين على الإعلام وقراراتهم وسياساتهم، فهذا حقكم بكل تأكيد، وهو حق مقدس نحترمه ونجلّه لأن النقد من صلب مهماتنا كإعلاميين وواجب علينا أن نشير الى الخطأ أينما وجد.
وأخيراً، وبعد التحية لجميع الزملاء في «الأخبار»، تبقى التحية الأكبر لأهالي شهداء الإعلام السوري ولجهود هذا الإعلام الذي تعلم الكثير بوقت قصير وقياسي، وكان أهلاً للمسؤولية الإعلامية التي وجد نفسه وسطها دون سابق إنذار...

* رئيس تحرير صحيفة «الوطن» السورية