من علّمني حرفاً....
المعلم هو الإنسان الهادف إلى جعل الإنسان يبدع في الحياة ليكون قدوة يحترمها المجتمع ويعشقها. أما اليوم، فإن المؤامرة تتواصل على لقمة عيش المعلم في المدارس الخاصة والحكومية، والأعذار الأقبح من ذنوب. تتواصل عروضها على شاشات الاستفزاز والاستعلاء والتحقير بحجة «إذا أقررنا السلسلة، فسنرفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 في المئة».

يا للهول! يريدون إعطاء الأستاذ مستحقاته المادية ليصرفها بعد فترة وجيزة على لقمة عيش مغمسة بالدماء، خذلها الغلاء الفاجر الفاحش المتعمّد، ضمن كرنفال همجيّ، ثم خذلتها الضريبة بنيران استحضرت من مستودعات رصاصات الرحمة. ما أروعك يا هذه الـ TVA الهادفة إلى جعل الزيادة المضافة للأستاذ تتبخر من جيبه ثمن كلينكس وأوراق تواليت! لكن الأعجب من ذلك اعتراض لجان الأهل في المدارس الخاصة على إنصاف المعلم، والمدارس الخاصة بمعظمها هي مدارس الطوائف بأغلبيتها التي تتقاضى ثمن قسط مدرسي عن كل طفل في صف الحضانة، يأكل ويشرب وينام وحتى يتبوّل في ثيابه معظم الوقت، يبلغ ما بين ثلاثة وأربعة الآلاف دولار، والزيادة في تلك المدارس تضاف إلى الأقساط المدرسية عند بداية كل سنة دراسية جديدة، وعلاوة على ذلك تدّعي كل المدارس أنها عاجزة عن دفع مستحقات المعلم!
وبالمناسبة، أقول إنه يمكن مصارف كبرى أن تصاب بالإفلاس، إنما من سابع المستحيلات أن تصاب تلك المدارس بهذا الداء نتيجة الزيادات المالية على الأقساط كل سنة؟ إلى لجان الأهل: قولوا لإدارات مدارس أولادكم: امنحوا لخالق الأجيال المبدعة حقّه، وخفّضوا قيمة أقساطكم الباهظة التي أثقلت كاهل ذوي طلاب العلم، كي لا يطلبوا العلم بعدئذ في الصين. وأنت أيتها الإدارات قادرة على ذلك، فلا داعي للاختباء خلف خيالات أباهيمكم وخناصركم وبناصركم. إنّ مهنة الأستاذ مهنة إنسانية من الطراز الرفيع، وهي أصعب من مهنة الطب والهندسة. إن جهد ساعة تعليم يبذله أستاذ ليعلّم أربعين تلميذاً في غرفة واحدة، يعادل جهد خمس ساعات عمل لعامل معماريّ تحت أشعة الشمس اللاهبة. المعلم هو من يعيد شرح الدرس لتلميذ لم يستوعبه ثلاث وأربع مرات متتالية، وهو من يقع على عاتقه ضبط الأخلاق العامة في قاعة الدراسة إذا اهتاجت أعصابُ المراهقين. والمراهق سرعان ما تهتاج أعصابه، لأنه في مرحلة لا يعلم فيها ماذا يريد، وهو، أي الأستاذ، الذي تنهمر دموعه حزناً على تلميذ رسب في الامتحان، ودرجة حزنه لا تقل عن درجة حزن والد فقد عزيزاً. الأستاذ هو من تنهال عليه الانتقادات والشتائم من أبو صطيف لأن ابنه رسب، ومن السيدة لميس في حال رسوب ولدها، حتى لو كانت تعلم أنه طلطميس.
ريمون ميشال هنود