أَرغب عادة في بدء المقال بملاحظات حول تاريخ الأفكار وديناميات الحقول المعرفيّة؛ لكنني لن أقوم بذلك لعِلمي بأن المسؤولين السياسيين عموماً يفضّلون نصاً مختلفاً، النص الواضح حدّ الاختزال والمبوّب والمختصر «المفيد» (المرسِل، المرسَل إليه، الموضوع، ثم النقاط، حتى حين يكون الموضوع أكثر تنوّعاً وتداخلاً من أن يوضَع في نقاط). الأمر يصبح أكثر تعقيداً مع حزبٍ تمكّنت منه الرؤية الأمنية للعالم بالتدريج؛ لم تكن رؤيته كذلك دائماً، هذا منهج تمكّن لأسباب تاريخية من الاستيلاء المتزايد على الفضاء العام للحزب، ويمكن أن يَختفي أو يَنحسر كما بدأ ليحلّ محله منهج مختلف ومؤسسة مختلفة.هناك نصوص وخطابات يمكن التسامح مرحلياً مع هفواتها ونواقصها لأنها أتت مع بدايات الثورة والمراحل الأولى للتأسيس. في تلك الفترة لا يمكن طلب نتاج عالي التماسك والمنهجَة؛ كان التمرّد على الاستعمار كافياً في مرحلة الآباء المؤسّسين. لكن أن يَستمرّ هذا الخطاب بعد أربعين عاماً دون تطوير فذلك ليس بالمؤشر الإيجابي؛ لا بدّ أنّ خللاً ما طرأ خلال إحدى مراحل تاريخ هذه الحركة.
في بدايات الثورة كان هناك علي شريعتي والسيد محمد باقر الصدر، «فلسفتنا» و»اقتصادنا»؛ وكانت المقاربة كالتالي: مهما كانت الملاحظات على هذه النتاجات، لكنّ هذه النصوص هي أول الغيث والأكثر تطوراً سيأتي تباعاً. ولكن مع تقدّم الوقت بدا، ليس فقط أنْ ليس هناك نصوصٌ أكثر تطوراً من تلك التأسيسية، بل بات طموحنا نتاجاً من مستواها لا أكثر. النصوص التي طُرحت خلال السنتين الأخيرتَين حول إيران بعد خمسين عاماً وحول العلاقة بين الإسلام والعلوم الإنسانية (أقيمَ مؤتمرٌ في بيروت في هذا الصدد) أقل ما يُقال فيها بأنها كارثية وما يَرشح من إيران لا يشي سوى بخدر معرفي مضافاً إلى قراءات تاريخية تبسيطية ولا تُفيد في وضْع تصورات للمستقبل.
طبعاً علينا أن نُبقي في أذهاننا أن الثورة في إيران هي جزء من سياسات الهوية المستجدّة في الولايات المتحدة، والخطاب الإسلاموي حينها (وحتى اليوم) شبيه جداً بخطاب النسوية والسواد والجنسانية من حيث الانهماك في إعادة كتابة تاريخ العالم بحسب هويتنا، وأن نموذجاً جديداً ممكنٌ من خلال هذا الجهد؛ لكنه سعي محكوم بالفشل، وعدٌ يولَد ميتاً، ليس لفقدانه المرتكزات الأفهومية بل لأن البنية المؤسساتية لهذه المعارف ذات هدف مختلف، ميتا-هدف. هكذا لم ننتِج نصاً أكثر تطوراً من شريعتي والصدر. هذا شبيه بالذكاء الاصطناعي، إذ أنه بذاته لا يَعني أنه سيكون بمقدوره التشبيك مع هذا القطاع أم ذاك، بل كيف تشكّل القطاع تاريخياً، ليس مع الصناعة بل مع قطاع الإعلانات، وإلا فإن نمط انكشافه الدنيوي وفعّاليته التاريخية سيكون مختلفاً.
المظهر الأسوأ لهذا الخدر والفشل في تطوير المنهج كان مع عبارة «الحرب الناعمة» التي راجت في أوساط الحزب بعيد بدء حرب سوريا تقريباً. المشكلة في عبارة الحرب الناعمة أنها تفصل النص عن دنيويته، يصبح تلاعباً سيكولوجياً موجهاً من قبل آلة دعائية حربية. هكذا تكوّن لدينا الجانب الفكري الرديء للعقل الأمني في حزب الله. حين تخرج تظاهرة في الشارع، ليس لدى مثقف الحزب أدوات منهج ما لتحليل هذه الظاهرة تاريخياً، الحرب الناعمة هي مقاربته، السيكولوجية والأمنية. عبارة الحرب الناعمة كانت الإجهاز النهائي على أي تطوير أو تجاوز لمرحلة شريعتي والشهيد الصدر.

مخاطر الانبهار الإيراني بالدولة العثمانية
بدأت تَظهر نظرية ضمنية تفسّر عدم الإنتاج الفكري بأنه نتيجة الضغوط والانشغال بالحروب، رغم أن مرحلة التأسيس لم تكن أقل عصفاً. والأخطر هو وهم مراحلي مفاده أنه في البدء تكون القوة العسكرية، وبعد تحقيق النصر فإن الإنجازات في باقي المجالات العلمية والفكرية والاقتصادية ستتتالى. العلاقة بين القوة والنص أكثر تعقيداً، وأكثر جماليةً ودينامية بالتأكيد. في التاريخ هناك قوى أَنتجت في الاقتصاد دون أن تُنتِج في الفلسفة، أو أَنتجت في العلوم دون أن تُنتِج في الاقتصاد، وما إلى ذلك. هنا درس الإمبراطوريتين الإسبانية والعثمانية: حدثت التطورات الفكرية والعلمية في القسم الشمالي من أوروبا الغربية في دول كانت بحاجة إلى أحد منهما لاستمرار وجودها، ورغم ذلك كان هناك خدر فكري في استيعاب التطورات في الإمبراطوريتين؛ خدر نراه يتكرر اليوم في إيران (حيث التأثّر بتركيا التاريخية والمعاصرة ويَشترك في ذلك إسلاميو إيران وعلمانيّوها، ولا مجال في التوسّع الآن في هذا الموضوع). إصرار إسبانيا على إبقاء صناعتها الكارتوغرافية سرية أدى إلى تأخرها في هذا المضمار مع الوقت، رغم أن إسبانيا كانت المسؤولة عن اكتشاف العالم الجديد، وباتت ألمانيا وهولندا مركزين لتطوير الكارتوغرافيا بدلاً منها. الفهم التبسيطي للعلاقة بين القوة والإنتاجات المختلفة لن يُسهِم إلا في تحجير ما تبقّى من حيوية في هذه البيئة: التأجيل الذي يَجعل الأحداث أكثر غموضاً لعدم وجود جهاز تأويلي متماسك نظرياً للعالم، وحينها ستقع فريسة لأحد التأويلات التبسيطية، مثلاً التأويل الذي تنتجه المؤسسة الأمنية يصبح الطريقة الوحيدة لتبديد شيء من الغموض (مثقف الحزب يتحدث الثقافة بلغة أمنية، وكذلك الاقتصادي والإعلامي). هكذا تمرّ قضية هزّت المجتمع الشيعي اللبناني كقضية صلاح عز الدين من دون أي نص يحلّل هذا الحدث بعد مرور أكثر من عشر سنوات عليها رغم أن نقاشات علمية مستفيضة يَجدر أن تَنتج عن هكذا حدث. وهكذا كان الفهم الأخلاقي اللاتاريخاني لما يُسمى الفساد ومكافحته، ومن بعدها ميتافيزيقا القيمة وما يُسمى الاقتصاد المنتِج القائم على الزراعة والصناعة.
لكن عدم التقدّم في إنتاج مقاربة منهجية مختلفة للعالم لا يمكن تحميله لبيئة حزب الله؛ هي بيئة صغيرة ويَكفي أنها أَنجزت ما أَنجزته في العسكر والأمن؛ يُقال إن إيران تموّل حزب الله سنوياً بما يقارب المليار دولار؛ بمثل هذا التمويل، الضئيل نسبةً إلى ما هو مطلوب منها، فإن إدارة هذا المليار دولار تكاد تكون مثالية؛ بها تمكّن المحور من خلخلة السيطرة الأميركية على المنطقة (وليس هزيمتها)، وأسّس لتنظيم يَحلم كثيرون باستنساخه.
عن الفهم الأخلاقي اللاتاريخاني لما يُسمى الفساد ومكافحته، وميتافيزيقا القيمة وما يُسمى الاقتصاد المنتِج القائم على الزراعة والصناعة


على الأرجح الخلل المنهجي في إيران وليس في لبنان. الرؤية المنهجية للعالم يجب أن تطوَّر في إيران، وسيستخدمها حزب الله كما يَستخدم السلاح الإيراني، بدلاً من ترك الحزب يواجه الغموض منفرداً. كان الإمام الخميني منفتحاً، للمفارقة، على الذين درسوا العلوم الإنسانية في الجامعات الأميركية والأوروبية الغربية. ولكن هؤلاء وبالذات مَنْ يمكن تسميتهم بالإيرانيين الفرنسيين، الإيرانيين المتأثرين بالفلسفة الفرنسية ما بعد الحرب العالمية الثانية، هؤلاء فُتحت لهم الأبواب ولكنهم لم يقدّموا نتاجاً قيماً، بل اكتفوا بشعاراتية سطحية أدّت في النهاية إلى الاصطدام. الفوكولدية هي أرضية خصبة للتجديد المنهجي، ما يمكن تسميته «ما بعد الفوكولدية»، لكنّ هؤلاء الإيرانيين الفرنسيين لم يفعلوا شيئاً من ذلك. العمى المنهجي والتاريخاني الإيراني له جذور أخرى ليس هنا المجال لشرحها. إيران لديها من الحيوية السياسية ما لا تَملكه لا الصين ولا روسيا، وهذه نقطة إيجابية كان يَجدر استخدامها. علينا أن نتذكّر أنه لا الصين ولا روسيا تمكّنتا من إنتاج تصوّر للعالم مختلف عن ذلك الأميركي. التصوّر الأخلاقي ليس تصوراً تاريخانياً، وشعارات نظام عالمي أكثر عدلاً أو «نحن لا ننهب أفريقيا كما فعل الغرب»، طبعاً لا ترقى لأن تكون بدائل فكرية. الصين تتقدّم في مجالات الاتصالات الكمومية (لكن في مجال الكمبيوتر الكمي لا تزال متأخرة) وفي مجال البلوكتشاين والعملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية (CBDC) بسرعة لافتة، ولكنها في الفلسفة والعلوم الإنسانية بعيدة عن ذلك، رغم أن حضور الصينيين في الجامعات الأميركية (وليس الصينية) ضمن الدراسات ما بين حقلية والإنسانيات الرقمية لا بأس به، لكن بصفتهم باحثين وليس بصفتهم مؤسسين لاتجاهات نظرية جديدة في هذه المجالات.
في مرحلة ما عليك أن تُجيب عن سؤال «ما هي رؤيتك للعالم؟»، وإلا فلن تتمكّن من إنجاز تقدم جديد أو انتصار جديد في مستويات أعلى. شهداء حرب تموز 2006 هم الذين وَضعوا المسمار الأول في نعش الإمبراطورية التي سادت العالم لخمسة عشر عاماً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، أول مَنْ قال لا وانتصر؛ في تلك اللحظة كان يجب البدء بالتفكير بسؤال أيّ عالم نريد؟ عدم الإجابة عن هذا السؤال والاكتفاء بما لديك من قوة عسكرية يؤهلك لأن تكون في أفضل الأحوال قوةً مصانة لا يُعتدى عليها ولديها استقرار اقتصادي في حدوده الدنيا، لكنه لا يسمح لك بما يتعدّى ذلك. طبعاً، التفكيك الراهن في الحاضرة الإمبريالية لمركزية الرجل الأبيض الأنغلوساكسوني البروتستانتي (الصناعي-العامل) لم يكن ممكناً من دون التعاضد بين أطراف ناهضة وقسم لاعقلاني داخلي.

مجتمعان ومعياران داخل حزب الله
هناك داخل حزب الله بيئتان، ولا يجب خلط الأمر مع جيلين في الحزب. البيئة التي انتمت إلى الحزب والثورة في إيران في أواخر السبعينيات-أوائل الثمانينيات، وتلك التي انتمت إلى الحزب بعد منتصف التسعينيات وأوائل الألفية الثانية. تصورات هاتين البيئتين مختلفة جداً. في البيئة الأولى لم يكن الهدف تحرير الأرض فحسب، بل بناء «حضارة جديدة» (لم يكن واضحاً بالتمام ما هو المقصود بالعبارة، لكنها شَكّلت إطاراً مفهومياً). أما البيئة الثانية فلا تعنيها مسألة مناهج العلوم الإنسانية وعلاقة النص الإسلامي بها، بالنسبة إليها حزب الله هو حركة تحرر وطني لا أكثر. بالنسبة إلى البيئة الأولى حزب الله اليوم ليس في حال من التقدم بل الجمود، وبالنسبة إلى البيئة الثانية طبعاً حزب الله يتقدم وبسرعة كبيرة.
تتجه الأمور في منطقتنا وفي مناطق كثيرة حول العالم إلى المزيد من الفوضى، والتراجع الأميركي لا يمكن تفسيره تلقائياً على أنه تقدّم لمحورنا. ما يتقدم فعلياً هو الفوضى، وفي ظل هذه الفوضى سننعم بأمانٍ نسبي بسبب سلاحنا وجهوزيتنا الحربية. سيكون المستقبل أفضل بالتأكيد، ولكن ليس ذلك المستقبل الذي كانت تتصوّره البيئة الأولى التي انتمت إلى الحزب.
لكن يبقى السؤال، إذا كانت الأزمة المنهجية مسؤولية إيرانية قبل أن تكون لبنانية، لماذا لم يَفتح حزب الله القنوات للتواصل الفعّال بين جمهوره وإيران؟ هناك إشكالية تواصل في نظام هذا المحور، وهي إشكالية معرفية بالدرجة الأولى. مثلاً هناك اجتماع سنوي في الأربعين في العراق، ولا حاجة إلى دفع أموال من أجل عقد مؤتمرات، لكن ليس هناك تواصل جدي بين اللبنانيين والإيرانيين الزائرين مع العراقيين، وحين يحدث هذا التواصل فإن الهدف ليس التشاور في النظريات السياسية بل محاولة تقريب وجهات النظر مع إيران وإقناع العراقيين بمقاومة الاحتلال الأميركي. علينا أن نتذكّر أنه بعد سقوط صدام كانت كل القوى الشيعية الرئيسية حلفاء وثيقين لإيران؛ هناك فشل ذريع في إدارة هذا الملف، وإرجاع الأمر إلى أن العراقيين صعبو المراس، هو دليل على فقدان الرؤية المنهجية للعالم.

■ ■ ■

سأَطرح مثالَين: لبناني داخلي وآخر متعلق بإسرائيل، يوضّحان ما ذهبنا إليه أعلاه حول عواقب غياب المنهج والفكر التاريخاني. قبل بضع سنوات فقط، كان من الصعب إقناع العقل الأمني في حزب الله بأن صورة المجاهد الذي يُلقي التحية للعذراء في الكنيسة هي ذات أثر سطحي ولم تتمكّن من تغيير الشارع الماروني، وأن المشرقية لم تدخل الوجدان الماروني كما يزعم كثيرون. وحين تبدّلت الأمور، قيل إن موقف جبران باسيل هو أفضل موقف ممكن من مسؤول مسيحي (الصراع يجب أن يكون حول مَنْ له الأحقية في تمثيل الغرب في منطقتنا، الموارنة أو يهود أوروبا الشرقية، وبالتالي يفترض أن يكون الموارنة الأعداء الألدّ لإسرائيل). قدرة حزب الله على صوغ السرد، قبل الحديث عن فرضه في التداول، هزيلة بشكل مَرَضي. حزب الله ينفّر الجماهير الحليفة بالضغط عليهم كي يقولوا إنه حرّرهم من داعش في لبنان والعراق. المشكلة في استخدام الخطاب نفسه لسنوات طويلة (كما في حالة مقال الشيخ قاسم) هو أن النظام يَبدأ بالالتفاف عليه وتَبدأ التشقّقات بالظهور في منطق العبارة المكرَّرة؛ بمعنى أن النظام يورّطك في مآزق جانبية هدفها بالضبط ضرب تماسك العبارة وإظهارها فارغة من المضمون.
إلى جانب ارتباك حزب الله إزاء ما يُسمى المنظمات غير الحكومية، حيث يورّط التصوّر الأمني الحزبَ في مآزق نتيجة للفهم الخاطئ للأحداث (حتى تيارات اليسار الكثيرة تهاجم هذه المنظمات، ليصبح مفهومها غائماً يتقاذفه الجميع)، هناك إشكالية اليوم في ما تعلق بإسرائيل. هناك تحوّل تقوده منظمات مجتمع مدني إسرائيلي من القول إن إسرائيل هي كيان استعماري إلى القول إن إسرائيل هي نظام فصل عنصري، آبارتايد. وهذا سيرتّب على حزب الله تبعات كثيرة. يرهن حزب الله كل ما لديه من أجل صورة مستقبلية لمقاتلين من الحزب يحملون الراية ويدخلون القدس فاتحين (وأن هذه الصورة ستَمحو ما سبقها من إشكاليات وكفيلة بأن تَبدأ عصراً من الازدهار في كلّ المجالات أو على الأقل تجعلها ممكنة)، وهي الصورة التي يستعيدها حزب الله في كل مرة تعصف إشكالات جديدة في المنطقة، ليجدد قوله «العودة إلى الوضوح». ولكن يبدو أن النظام لديه الكثير من القدرات للالتفاف على هذه الصورة المفترَضة التي يعوّل عليها حزب الله ووضع فيها جلّ موارده، وبدائل عن المواجهة المباشرة التي يفضّلها حزب الله، فهو أَقدر على مواجهة الأعداء التامين من مواجهة أنصاف الأعداء أو حتى احتواء أنصاف الحلفاء (يفضّل حزب الله أن يَدفع أنصاف الأعداء لأن يصبحوا أعداء كاملين كي يتمكّن من مواجهتهم، رغم أنه سيرتّب عليه مواجهة أطراف جديدة). بدأ الحديث في أوساط يسار اليهود الأميركيين وحركات السلام الإسرائيلية أن حلّ الدولتَين لم ينجح وعلينا الآن الانتقال إلى حلّ الدولة الواحدة التي يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون في ظل نظام ديمقراطي والتي تبدأ من الصراع المدني والحقوقي ضد نظام فصل عنصري. ولكن من دون التهديد الوجودي لإسرائيل الذي يشكّله حزب الله لما فكّر أحد بقيام دولة واحدة على أرض فلسطين (كوندوليزا رايس اقترحت نقل الفلسطينيين إلى جنوب الأرجنتين)، ويجب أن يوضح حزب الله ذلك إعلامياً. وليتمكّن حزب الله من خوض هذه المعركة الإعلامية عليه أن يتخفّف من رهاب العلانية وأن النقاش يجب أن يكون سرياً (وحتى في السر لا يحصل هذا النقاش في نهاية المطاف). قد يبدأ حزب الله بالتدرّب على ذلك من خلال التنظير لمفهوم التنوّع وإدارة التنوّع في بيئته ودراسة ديناميات التنوع من خلال مقارنتها بحالات تاريخية مختلفة؛ الاعتقاد بأن التنوّع ضروري في بيئة المقاومة مختلف جداً عن التنظير للتنوّع، أي خلق نقاش عام حول التنوّع؛ دراسات التنوّع هي مجال معرفي واسع قد لا يكون مناسباً خوضه في مقال، ولكن قد نَبدأ النقاش من هنا.
■ ■ ■

هناك الكثير ليُقال عن المآلات الممكنة لما بعد الفوكولدية، عن استعادة التاريخانية الألمانية في الاقتصاد، عن الإشكاليات المحيطة بالاستعادة الفرنسية للفكر الاقتصادي من خلال نظريات اللامساواة بعد أن هُمّش الفكر الاقتصادي لمصلحة النظريات الإدارية في كلٍّ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وأين نقع نحن من كل ذلك، وما يمكننا إنجازه في هذه السياقات التاريخية المعرفية. لكن حتى اللحظة لا يتوافق ذلك مع نظام (المرسِل، المرسَل إليه، الموضوع، النقاط).
* باحث لبناني