مع اقتراب انتخابات سلطة أوسلو في الضفة الغربية وغزّة، تبرز الدعاية الإعلامية للقيادة الفلسطينية المتنفّذة في حركة فتح ومنظّمة التحرير، والتي تقوم على اجترار شعارات فارغة المضمون بهدف الكسب الانتخابي للوصول إلى سلطةٍ بلا حولٍ ولا قوّة. وها نحن نرى البعض في مخيّمات الشتات يدعو إلى المشاركة بالانتخابات (التي لا يستطيع هو المشاركة فيها) تحت شعار الوفاء للـ»ثابتين على الثوابت»!أمام الحرب المُستعرة التي تُخاضُ ضدّ الشعب الفلسطيني، تبرز أهميّة الحفاظ على المفاهيم الوطنيّة من محاولات تفريغها واستخدامها في غير موقعها على يد جهاتٍ فقدت بوصلة النضال من أجل التحرّر والتحرير. ولعلّ أبرز الشواهد على حرب المصطلحات هذه هو عبارة «الثبات على الثوابت» التي دأبت العديد من الشخصيات والقوى الفلسطينية على تردادها في عمليّات خداع موصوف للجمهور الفلسطيني والعربي.
ملصق من تصميم الفنان السوري يوسف عبدلكي، 1981

ومن حقّنا-كشعبٍ فلسطينيّ-أن نسأل أصحاب هذه العبارة: يا حبّذا لو يُعلمنا هؤلاء عن أيّ ثوابتٍ يتكلّمون؟ حتّى نكون على بيّنة من أمرنا ولكي يتّضح لشعبنا إذا ما كانت هذه الثوابت تُلاقي المبادئ التي يؤمن بها الشعب الفلسطيني المُقاوم والصامد بعيداً عن مسارات الاستسلام والخيانة.
فثوابت الشعب الفلسطيني واضحة ولم تتبدّل؛ وهي تقوم على النضال ضد المشروع الصهيوني الذي قام باحتلال فلسطين من البحر الى النهر، مهجِّراً شعبها بقوّة ومُرتكباً أفظع المجازر بدعمٍ من القوى الاستعمارية التي أرادت تأسيس قاعدة متقدّمة لمشاريعها الهادفة الى السيطرة على شعوب العالم، وعلى الشعب العربي تحديداً، بشكلٍ مباشر، أو من خلال أنظمة وظيفيّة عميلة.
ولهذا، فإنّ ثوابت النضال الفلسطيني تنطلق من جوهر الصراع القائم، ما يعني حتماً القرار بمواجهة الاستعمار الصهيوني والقوى الاستعمارية بالأسلوب الوحيد المُجدي في معركة وجوديّة كهذه المعركة: الثورة الشعبية المُسلّحة. ومن شروط هذه الثورة حشد وتنظيم جميع قدرات الشعب الفلسطيني في إطارٍ سياسيٍّ ينطلق من تعريف واضح للصراع ويعمل على خلق وسائل الكفاح المُجدية. ومن المُفيد هنا التذكير بأنّ شعبنا الفلسطيني لم يبخل يوماً في تقديم النماذج المُشرّفة الذين قامت القيادة المُنحرفة لمنظّمة التحرير بالقفز فوق تضحياتهم وبتجاهلهم مقابل تلميع صور نماذج بديلة ممن خانوا ثوابت الشعب الفلسطيني وتضحياته. ولهذا، لا مفرّ من الحاجة إلى نهوض قيادة فلسطينية من صميم الشعب، تتمتّع بالمواصفات الثورية اللازمة لخوض هذه المعركة، وعلى رأسها الانطلاق من فكر علمي ورؤية واضحة لطبيعة الصراع، بالإضافة الى الإرادة الصلبة والكفاءة والوفاء لقدرات الشعب وتضحياته.
هذا ما تقتضيه شروط المعركة، فأين ثوابت القيادة المتنفّذة من ثوابت الشعب الفلسطيني؟
هل الاعتراف بالكيان الصهيوني والتخلّي عن الأرض والحقّ ثباتٌ على الثوابت؟ هل التنسيق الأمني-»المقدّس» بنظرهم-وملاحقة المقاومين ثباتٌ على الثوابت؟ هل التنسيق مع القوى الاستعمارية والرجعية وأجهزتها المخابراتية ثوابت تحقّق مصالح الشعب الفلسطيني؟ هل هذا الإرث من الهزائم والنكبات والتخلّي عن الشعب الفلسطيني في الشتات ثباتٌ على الثوابت؟ هل قمع شعبنا الفلسطيني في الداخل وربط اقتصادنا بالاحتلال وبقوى الرجعية العربية ومحاصرة مجتمعاتنا بسياسات الفساد ثباتٌ على الثوابت؟ وهل الإقدام على توقيع اتفاقيات الاستسلام في أوسلو وغيرها وما نتج عنها من هزائم ثباتٌ على الثوابت؟ وهل إلغاء مواد أساسية من الميثاق الوطني الفلسطيني (وهو الدستور الذي يربط الشعب الفلسطيني بقيادته السياسية) يعدّ ثباتاً على الثوابت؟
يعي شعبنا أنّ القوى المُعادية والمضادة للمسار الثوري الفلسطيني تعمل دوماً على ضرب المفاهيم وتحريف المصطلحات، لكنّ ما فعلته القيادة المتنفّذة في منظّمة التحرير فاق كلّ ما سعى إليه العدو. ولا يخفى على أحد دور الماكينات الإعلامية التي تسعى على مدار الساعة لفرض هذه القيادات وخطابها المنافق على الجمهور الفلسطيني والعربي، وكأنّ الشعب الفلسطيني عاجزٌ عن خلق قيادة ثورية بديلة! فسياسة الابتزاز التي تمارسها هذه الفئة تحت شعار «تمثيل الشعب الفلسطيني» لم تعد مبرّراً لتمييع مفاهيم الوطنية والخيانة التي يعرفها شعبنا جيّداً. لكنّ دور هذه الفئة المنافقة لا يقتصر على تشويه المفاهيم، بل يتعدّاه للعب دور السدّ بوجه أي نشاط قد يشكّل حالة مقاومة للعدوّ في أي بقعة تواجد فلسطيني في العالم، وذلك عبر استغلال معاناة شعبنا لإخضاعه لسياسات الخنوع والخضوع.
من هنا، لا بدّ للمخلصين من أبناء شعبنا الفلسطيني والعربي التمسّك أكثر بالمبادئ وبثوابت النضال الأصيلة ضدّ المشروع الاستعماري في بلادنا. وهو ما يحتّم علينا جميعاً الاستفادة من التجارب واستخلاص العِبَر بهدف تحصين المقاومة وتوسيع رقعة المواجهة الشعبية ضدّ الصهيونية. وبالتمسّك بنهج الكفاح المسلّح واثقين بجدوى الاستمرار ومواصلة الثورة حتى التحرير الكامل وتحقيق العودة، حينها فقط، يتحقّق شعار «الثبات على الثوابت».
* كاتب فلسطيني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا