في كلمةٍ مباشرةٍ لرئيس التيّار الوطني الحرّ بتاريخ 24 نيسان 2021، تناول النائب باسيل مواضيع عديدة، على رأسها ترسيم الحدود البحريّة مع فلسطين المحتلّة. كلمة النائب باسيل تلت امتناع الرئيس ميشال عون عن توقيع المرسوم 6433 المعدّل لأسبابٍ، ظاهرها تقاذفٌ للصلاحيّات بين رئاسة الجمهوريّة ومجلس الوزراء. لقد أُشبِعت كلمةُ النائب باسيل في الأيّام القليلة الماضية بالتحليلات من جانبها السياسي. تحاول هذه المقالة الوقوف على بعض الجوانب التقنيّة لما جاء في مواقف النائب باسيل، من دون أيّ مُسبقات ممهورة بموقفٍ سياسيٍّ موالٍ أو مناهض للنائب باسيل

بدايةً، وقبل الدخول في الأمور الأساسيّة، لا بدّ من الوقوف عند نقاطٍ مهمّةٍ تعرّض لها النائب جبران باسيل انطلاقاً من توصيفه الصحيح للموضوع بأنّه موضوعٌ وطنيٌّ استراتيجيٌّ، و بأنّ الخلاف عليه يسبّب حروباً و الاتّفاق عليه يصنع ازدهاراً (للبنان). حتّى لو كان الرئيس ميشال عون هو أفضل من يُؤتمن على المصلحة الاستراتيجية للبنان في ما يخصّ الترسيم، فخصوصيّة الملفّ تضع الرئيس ميشال عون تحت مسؤولية الإصغاء لكلّ الآراء قبل صياغة موقفٍ وطنيٍّ وقرارٍ من هذا الملفّ. بالتالي، يجب الترحيب بالنقاش الحيويّ الدائر في البلد حول الموضوع. فنقاشٌ كهذا لا بدّ أن يرفد صانع القرار بوجهات نظرٍ متعدّدة، ما يفرض على صاحب القرار الإنصات إلى النقاش وتشجيعه و احتضانه، بدل عمليّة «النَهر» التي قام بها النائب باسيل، مرّةً بحجّة أنّ أحداً لا يستطيع أن يُزايد على الرئيس ميشال عون في رؤيته الاستراتيجيّة، وحرصه على المصلحة الوطنيّة، ومرّةً أخرى بحجّة أنّ الموضوع شائكٌ ولا يجوز تناوله من قِبّل جَهَلةٍ وهُواةٍ عبر وسائل التواصل أو غيرها، والتعابير هنا للنائب باسيل. وقد تبرّع رئيس التيار الوطني الحر مشكوراً بشرح الموضوع الشائك للمواطنين بتشعّباته، إن كان في أعماق الأرض وطبقاتها الجيولوجيّة أو في أعماق المياه وخطوط النفط التي قد تمرّ خلالها.
ببساطة، الموضوع ليس من يثق أو لا يثق بالرئيس ميشال عون. إنّ ملفّاً كهذا لا يختصرُه شخصٌ ولا حزبٌ. موضوعٌ سياديٌّ كهذا يشكّل بارقة أملٍ لشعبٍ منهوبٍ منكوب للقيام من كارثته. وبطبيعة أهميّته وتعلّقه ليس فقط بالثروات، بل بصراعٍ طويلٍ مع عدوّ مغتصب، يتطلّب ورشة عملٍ وطنيّةٍ تتناول الموضوع من جوانبه كافّة. ولا يُختصر بتّه، والتفكير فيه، والحديث عن خياراته، بشخصٍ، أيّاً كان. لقد عانى ملفّ الترسيم من إهمالٍ وأخطاءٍ وخطايا منذ بداياته في الـ2007 مروراً بالـ2011، وصولاً الى تأخير مراسيم بلوكات البحر من العام 2013 لغاية الـ2017، الأمر الذي ضيّع على لبنان فرصاً كثيرة قد لا تُعوّض. هذا غيض من فيض ما يجعل المواطن اللبناني يتوجّس من إدارة الملفّ، إذ إنّ الملفّ لا يحتمل خطيئةً جديدةً تضاف الى مسلسل الخطايا تحت أيّ مسمّى.
إطار جديد للمفاوضات؟
كرّر باسيل أنّ قضيّة الترسيم هي بشكلٍ جوهريٍّ قضيّةُ نفطٍ وغازٍ. وأن التيّار الوطني الحرّ يقوم بكلّ شيء للحفاظ على تلك الثروات، ولتحسين وضع لبنان التفاوضي، ليس إلى الحدّ الذي يجعل التنازل فيه عن أيّ سنتيمتر مربّع خيانةً وطنيّة. اقترح النائب خريطة طريق، وإطاراً واضحاً، ومساراً لاستئناف المفاوضات مع العدوّ، عندما تُستأنف... حتّى إنّه رسم ملامح نتائجها، وذلك على أُسسٍ ثلاثةٍ سنتناولها كلّاً على حِدة.
النقطة الأولى التي اقترح باسيل أن يُبنى عليها قبل استئناف المفاوضات، هي وقف أيّ أعمال تنقيب أو إنتاج في مناطق النزاع من قِبَل العدوّ. لم يُشِر النائب الى المدى الزمني لذلك، لكن يُفهم بوضوح من خلال السِياق أنّ الوقف يسري حتّى انتهاء المفاوضات والتوصّل الى اتّفاق. مناطقُ النزاع المحتملة هنا تشمل عمليّاً البلوك الرقم 72 وحقل كريش (انظر الى الرسم التوضيحي)، إذ ليس هناك أيّ نشاط للعدوّ في الأفق المنظور في أيّ مناطق أخرى بين الخطّين 1 المُعلن من العدوّ، والخطّ اللبناني 29. للتوضيح هنا، وبحسب كلّ المعلومات المنشورة، لن يكون هناك أيّ عمليّات إنتاج من قِبَل العدوّ قبل سنتين، من شمال كريش الواقع شمالي الخطّ اللبناني 29. العمليّة الوحيدة الممكنة هي عمليّة ربط بئر الإنتاج الأوحد والمحفور أساساً بمشعب الإنتاج (manifold) في حقل كريش الرئيسي. أمّا الإنتاج من حقل كريش الرئيسي الواقع، بشكل كامل تقريباً، جنوبي الخطّ 29 فسيبدأ بعد سنة. وكون كريش الرئيسي يقع جنوبي الخطّ 29 يُخرجه بشكلٍ عمليٍّ من هذه المقايضة. الأمر ذاته ينطبق على البلوك الرقم 72، إذ ليس هناك أيّ مؤشّرات على بدء التنقيب فيه على المدى المنظور، والجدل المُثار حوله الآن كفيلٌ بإقفال ملفّه حتّى إشعارٍ آخر. إذاً، أيُّ طرحٍ في هذا المجال على أنّه مكسبٌ للبنان قبل العودة الى المفاوضات «يبيع لبنان من كيسه»، فلا هو سيؤخّر ولا هو سيقدّم.
يرى باسيل أن لا مصلحة وطنيّة في توقيع تعديل المرسوم، بحجّة تداعيات ذلك على لبنان... لماذا إذاً يقذف كرة اللهب في ملعب الرئيس حسّان دياب؟


ثانياً، كرّر جبران باسيل، صائباً، ما أكّده أعضاءُ الوفد اللبناني المفاوض مِراراً في محاضراتٍ عديدة في الجامعات اللبنانيّة، بضرورة إهمال الخطّين 1 و23 في المفاوضات، فهذان الخطّان غير مبنيّين على أسسٍ تقنيّة سليمة. دعا النائب باسيل الى اتّفاقٍ جديدٍ (يكون نتيجة للمفاوضات)، يقوم على خطٍّ «ما» بين خطّي هوف الذي يعطي تأثيراً كاملاً لـ «صخرة تخيليت»، والخطّ اللبناني 29 الذي لا يعطي أيّ تأثير لتلك الصخرة بناءً على تأثيرها غير المتناسب، والمجافي بالتالي لمبدأ الإنصاف. النائب باسيل قال إنّه ليس من الحكمة البقاء على الخطّ 23 ما دام العدوّ لم يُعطنا إيّاه. لذلك، أكّد النائب باسيل وجوب وضع الخطّ 29 على الطاولة، ولوّح بالاضطرار إلى وضعه بمرسومٍ لدى الأمم المتّحدة إذا لزم الأمر. وأشار النائب باسيل إلى أنّ من التخاذل ألا نقوم بما نستطيع به لتحصيل الحقل الحدودي المحتمل والعابر للخطوط جنوبي البلوك الرقم 9، على الأقلّ، في أيّ مفاوضات مقبلة.
هنا لا بدّ من الإشارة الى أمور عديدة. إنّ الثروات المتوقعة في حقل الغاز المحتمل، والعابر للخطوط جنوبي البلوك الرقم 9، يجب ألا تحجب نظرنا عن إمكانية وجود مكامن أخرى في مساحة الـ 1430 كلم2 بين الخطين 23 و29. إن هيئة إدارة قطاع البترول، بما لديها من بياناتٍ ودراساتٍ، يجب أن تُستشار وأن تمدّ صانع القرار بأيّ معطيات متوافرة في هذا المجال، إذ إنّ ذلك في صلب اختصاصها. من جهة أخرى، لا تقتصر الثروات في هذه المنطقة على النفطيّة والغازيّة منها فحسب، بل تتعدّاها إلى الثروة السمكيّة... فضلاً عن الأهمّية الاستراتيجيّة لتلك المساحة الواقعة في المياه الإقليميّة اللبنانيّة قُبالة شواطئ فلسطين المحتلة. بالتالي يجب عدم حصر أي تقدير للأمور من قِبل صّناع القرار بحقل الغاز المُحتمل والعابر للخطوط جنوبي البلوك الرقم 9.
واقترح النائب باسيل الاستعانة بخبراء دوليين أو شركة متخصّصة في هذا المجال لرسم خطّ بين الخطّين: هوف و29، مع إعطاء نسبة تأثير «ما» بين صفر و100% لصخرة تخيليت، على أن يحفظ الخطّ الجديد حقل كريش للعدوّ والحقل اللبناني المحتمل والعابر للخطوط جنوبي البلوك الرقم 9 للبنان. إنّ في هذا محاذير كثيرة يجب التنبّه إليها عند وضع البيض اللبناني كلّه في سلّة تلك الشركة. شركةٌ كهذه عندما يجدّ الجدّ لن تكون قراراتها بمعزلٍ عن الضغوط السياسيّة ـــ على الأقلّ الناعمة منها ـــ ما قد ينتج قراراً أقرب إلى الـ 100% منه إلى الصفر في ما خصّ تأثير صخرة تخيليت. ماذا لو صدر قرارٌ ظالمٌ للبنان عن هذه الشركة، علماً بأنّ أيّ قرار يصدر عن هذه الشركة أقبِلنا به أم لم نقبل، سيصبح مُعطى لا يمكن التملّص منه في أيّ مفاوضات مستقبليّة. هذا لا يعني أنّ كلّ استعانة بخبراء دوليّين هي مجافية للمصلحة الوطنيّة، لكن نؤكّد على الانتباه إلى الكيفيّة والإطار، والهدف الذي عبره ومن أجله تُقبَل الاستعانة بأولئك الخبراء. وللتذكير فقط، هوف لم يأتِ بخَطّهِ من بناتِ أفكاره فقط، إذ استعان بخبيرٍ بالترسيم البرّي والبحري Raymond Milefsky، فكانت النتيجة على ما كانت عليه.
ثالثاً، وضع جبران باسيل أساساً ثالثاً لاستئناف المفاوضات يقوم على تقاسم الثروات عبر طرفٍ ثالثٍ، شركة أو تحالف شركات، بحيث تقوم الشركة أو تحالف الشركات بأعمال الإنتاج وتوزيع الحصص عبر اتّفاقيّتين منفصلتين. هنا تجدر الإشارة إلى أنّه كيفما انتهت عليه مفاوضات الترسيم مع العدوّ، ستبقى، على الأغلب، حقول غازٍ و/أو نفطٍ ممتدّةٍ عبر الحدود وتستلزم إستراتيجيّةً وطنيّةً للتعاطي معها. كيف نطوّر حقلاً مشتركاً مع عدوٍّ مع الإصرار على تعظيم المصلحة الوطنيّة؟ تحدٍّ ليس من السهل الخوض في غماره. على أنّ نقاشاً وطنيّاً يجب أن يتمّ لدراسة المصلحة من ربط الترسيم بأيّ التزام حالي بتطوير الحقول المشتركة. قد يكون من الأجدى للمفاوض اللبناني من ضمن «السلّة» أعلاه أن يركّز، ليس فقط على الخطّ الجديد الذي سينتج عن المفاوضات، بل أيضاً، وبالأهمّية نفسها، على مسار حقول الغاز العابرة للحدود، وتطويرها وتوقيت إنتاجها. فأيّ اتّفاق لا يمنع العدوّ من التطوير والإنتاج من تلك المكامن المحتملة قبل لبنان. وأيّ اتّفاق لا يشترط تزامن التطوير والإنتاج، يضرّ حكماً بالمصلحة الوطنيّة.

عودة الى تعديل الـ 6433
أكّد جبران باسيل أنّ للبنان الحقّ في تغيير الحدود، لكن بحسب الأصول الدستوريّة، من خلال مرسومٍ تصدره الحكومة، وبالتأكيد ليس من خلال كتابٍ يوجّهه رئيس الجمهوريّة إلى الأمم المتّحدة (ففي هذا مخالفة للأصول الدستوريّة). وأكمل النائب باسيل بأنّ بعض الذين دفعوا في ذلك الاتّجاه، كانوا يحاولون إيقاع الرئيس «في الفخّ»، وكان بعضهم يقوم بعملٍ مشبوهٍ ومدسوسٍ، وكانوا يكذبون ويغشّون. وحمد باسيل الله وشكره على أنّ الرئيس لم يقع في ذلك الفخّ. وأكّد أنّ توقيع المرسوم استثنائيّاً لا يصلح إلّا عند وجود حالةٍ طارئةٍ جدّاً تحتّمها ظروفٌ قاهرةٌ ومصلحةُ الدولة العليا وإلّا تعرّض للطعن.
عن أيّ «أصولٍ دستوريّةٍ يجب أن تُتّبع» نتحدّث هنا؟ إنّ قراراً استثنائياً من الرئيس ميشال عون في هذه المسألة الوطنيّة والاستراتيجية والتي شكّلت حولها شبه إجماعٍ وطنيٍّ، هو فوق كلّ «الأصول»... ثمّ ما هو «الفخّ» في مراسلة الأمم المتّحدة حول الخطّ 29؟ من حقّ المواطن أن يعرف التفاصيل تصريحاً لا تلميحاً. إنّ تعديل المرسوم 6433، وإيداع الخطّ اللبناني 29 الأمم المتّحدة، واستئناف المفاوضات (عندما تُستأنف)، على أساس الخطّ اللبناني 29... كل ذلك، من دون أدنى شكّ، يقوّي الموقف اللبناني، ولعلّه أجدى من العودة الى المفاوضات من دون التعديل. هذا إذا كان الهدف تعظيم المصلحة الوطنيّة. ما سبق يجعل تعديل المرسوم، وإيداع النقاط الجديدة الأمم المتّحدة، ظرفاً قاهراً ومصلحةً عليا للبنان، في معركة الحفاظ على ثرواته. والتهويل بأنّ ردّ فعل العدوّ على ذلك التعديل قد يعطّل أنشطتنا في البلوك الرقم 9، يجب ألا يمثّل، بأيّ حال من الأحوال، حجّةً في هذا المضمار! فكلُّ تعديل اصطناعيٍّ لمطلب العدوّ عبر خطٍّ جديد يتوغّل شمالاً لا يقوم على أيّ أساسٍ تقنيٍّ معتبر. وقد يهوّل لبنان ساعتئذٍ بخطٍّ مماثل رادعٍ يضع معظم حقول الغاز في المياه الفلسطينيّة المحتلّة في مهبّ التهديدات.
من جهةٍ أخرى، يبدو واضحاً تلطّي جبران باسيل خلف المُعطى الدستوري، للامتناع عن التوقيع. وإلّا لكان توجّه بدعوةٍ صادقةٍ الى الرئيس حسّان دياب لعقد جلسةً لمجلس الوزراء لتوقيع المرسوم، ولكان دعا الى طاولة حوارٍ وطنيّ موضوعها الأوحد بناء موقفٍ لبنانيٍّ موحّدٍ داعمٍ لتعديل المرسوم، ورسم استراتيجيّة وطنيّة لمواجهة أيّ تداعيات مُحتملة لذلك التعديل. التناقضُ هنا واضحٌ. فقد أكّد باسيل مراراً ألا مصلحة وطنيّة في توقيع تعديل المرسوم، بحجّة تداعيات ذلك على لبنان، وهذا لا يستوي مع قذف كرة اللهب في ملعب رئيس حكومة تصريف الأعمال المُدان لأذنيه هو أيضاً في هذا الملفّ.

وفد جديد للمفاوضات؟
اقترح باسيل وفد مفاوضات جديداً برئاسة سياسي/مدني يضمّ مدنيّين وعسكريين، وفداً واحداً لإكمال المفاوضات مع العدوّ ومراجعة التفاوض مع قبرص والتفاوض مع سوريا على أسسٍ تقنيّةٍ موحّدةٍ، مستغنياً بذلك عن خدمات الوفد الحالي العسكري المطعّم بخبراء. من المؤكد أنّ اعتماد معايير تقنيّة موحّدة للترسيم تخدم المصلحة اللبنانيّة. لكن، ما المصلحة في أن نتفاوض مع العدوّ والشقيق عن طريق الفريق نفسه؟ وفي وقت يشكّل اشتمال وفد التفاوض مع العدوّ على سياسيّين خلافاً وطنياً يؤذي الموقف اللبناني، ليس هناك مصلحة في وفدٍ عسكريٍّ للمفاوضات مع الجار الشقيق. من جهةٍ أخرى، ما المصلحة في الاستغناء عن الوفد المفاوض الحالي في المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ، بعد أن كوّن هذا الوفد شبه إجماعٍ وطنيٍّ حول كفاءته ووطنيّته، وبعد أن اضطلع هذا الوفد بمعطيات الملفّ وتفاصيله؟
خِتاماً، يُسجّل للنائب جبران باسيل، أوافقناه أم خالفناه، أنّه عرض رأيه وطرحه في الموضوع من دون أيّ تمويه أو مواربة. والمطلوب من مسؤولي سائر الأحزاب اللبنانيّة أن يصارحوا اللبنانيّين بمواقفهم من الموضوع، تمهيداً للانتقال الى المبادرة والانخراط، وعدم الاقتصار على تسجيل النقاط على حساب المصلحة الوطنيّة، أو الصمت، أو النقد السلبي وردود الفعل. أثمان التراخي والإحجام عن المبادرة في موضوعٍ كهذا قد لا تُستدرك.
إنّ الرفض المبدئي لمفاوضات ترسيم الحدود البحريّة (مباشرةً كانت أو غير مباشرة) يعني عمليّاً تأجيل الإنتاج من المناطق التي ينازعنا عليها العدوّ، حتّى زواله عن أرض فلسطين. كلّ مفاوضات، كيفما زيّناها، تستبطن، مباشرةً أو مواربةً، نيّة في التنازلات المتبادلة. كلّ كلام غير ذلك يعيدنا، عمليّاً، الى المربّع الأوّل. أمّا مدى التنازلات وطبيعتها في أيّ مفاوضات مع العدوّ، فيقرّرها وجود إدارة وطنيّة صادقة وقويّة للمفاوضات، تبني على نقاط قوّتنا ونقاط ضعف العدوّ، وتسعى لتعظيم المصلحة الوطنيّة. يبقى التذكير بأنّه في معركة الحدود والحقوق هذه، لا شكّ في أنّ وضع لبنان السياسي والاقتصادي الحالي، المهشّم، قد يكون أسوأ الأوقات لأيّ مفاوضات يمكن أن يقوم بها مع العدوّ. لا يؤمل من أيّ مفاوضات في هذا التوقيت أن تعظّم المصلحة الوطنيّة.

*أستاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا