تترقرق الدموع من مآقي وأنا أخطّ هذه الكلمات. ترتعش مفاتيح الحاسوب تحت وقع أصابعي القلقة والمضطربة. الخطب جلل والمهمّة مستحيلة. لا، ليست الكتابة سهلة عندما يكون دافع الكتابة عاطفياً وليس سياسياً. هذه ليست رسالة وداع بقدر ما هي رسالة تقدير روحي لمن يؤمن بالأرواح وتحضيرها. ميشال سليمان على أهبة الرحيل وهو لا يرتضي التمديد بالرغم من إلحاح الجماهير في كل محافظات لبنان (ومعظم ولايات أميركا).
هناك من يستسهل وصف «العظيم» وإطلاق ألقاب التعظيم والتفخيم، لكن ليس بالكثير هذا الإطلاق والتوصيف على ميشال سليمان. ميشال سليمان رجل ولا كل الرجال، رئيس ولا الرؤساء، زعيم مثيل وحده. هناك من قال إنه مرّ على العالم العربي منذ انبلاج الإسلام ثلاث شخصيّات تاريخيّة تتصف بالعظمة: محمّد وصلاح الدين وجمال عبد الناصر. أنا أضيف اسم ميشال سليمان إلى هذه الباقة (وهناك من يضيف وزيرته أليس شبطيني لإسهاماتها في محاربة ثقافة معاقبة عملاء العدو الإسرائيلي). ميشال سليمان سيرحل عن قصر بعبدا؟ إلى أين يذهب سليمان؟ هناك من اقترح «قصر الحلاّب» مسكناً له لأن القصور لا تليق إلا به. أناجيك يا ميشال سليمان من ربوع كاليفورنيا. على ضوء القمر أخاطبك، وتحت أشعة الشمس أناديك. لا تغادرنا يا سليمان. (مسخ) الوطن يحتاج إليك.
أنا أعترف أمامكم وأمامكنّ أنني هنا نادم عن كتابات نقديّة ضدّه كتبتها من قبل. أعتذر من البشريّة جمعاء لأنني لم اقدّر الرجل حق تقدير على خدماته الوطنيّة. إذا كان نابوليون قد وضع فرنسا في مصاف الإمبراطوريّات وإذا كان لينين قد صنع إمبراطوريّة سوفياتيّة، فإن ميشال سليمان هذا وضع لبنات إمبراطوريّة لبنانيّة يزهو بها اللبنانيون المقيمون والمغتربون. أعترف امامكم انني لم أفِ الرجل حقّه قبل اليوم. كنت قد وقعت تحت وطأة دعاية مغرضة عنه. الرجل تعرّض لحملات مهينة ومغرضة، وهناك من اقترح -يا للهول- إطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار «مدّد لل...» (عن سليمان) على نسق تلك الحملة النقديّة البذيئة التي أطلقها الشباب المصري تحت عنوان «انتخب الع...» ضد المشير السيسي. هذا غير مقبول بتاتاً في حالة سليمان الذي يحظى باحترام الجميع على نزاهته وصبره وثبات مواقفه (خصوصاً في ما يتعلّق بالمقاومة). ألم يقل الرجل انه يرفض التمديد بالرغم من كثافة التظاهرات الشعبيّة؟ ألم يوقّع الشعب المقهور العرائض ويوقّعها بالملايين مطالبةً بالتمديد لعريس الجمهوريّة ميشال سليمان؟ لا، لم يمرّ على لبنان رجل من هذه الطينة والخامة الصافية.
ميشال سليمان سيادي مثله مثل سياديّي ١٤ آذار، وهو وسطي مثل الأمير مقرن وهنري الحلو. عندما كان رفيق الحريري وفؤاد السنيورة وبطرس حرب وروبير غانم وخالد الضاهر ووليد جنبلاط وغيرهم كثيرون يتملّقون للنظام السوري، وعندما كانوا يرتمون على أعتاب مراكز المخابرات السوريّة في لبنان، أين كان ميشال سليمان؟ ألم يكن يقود حملة مقاومة سريّة ضد الجيش السوري في لبنان؟ وعندما كان غازي كنعان يروّج لميشال سليمان ويرّقيه فوق أترابه في الجيش، ألم يكن سليمان هذا يرفض الامتيازات ويرفض طاعة غازي كنعان؟ ألم يقف سليمان يوماً أمام كنعان ويصفعه صفعة مدويّة أمام المشاهدين على شاشة التلفزيون؟ هذا هو ميشال سليمان. سيادة واستقلال وجديّة. ولماذا يريد البعض أن ينسى أن سليمان هذا قاد حرب عصابات ضد الجيش السوري في لبنان وتعرّض بسبب ذلك إلى المهانة والسجن والملاحقة؟ صحيح أن موقع قيادة الجيش اللبناني على الإنترنت أدرجت الأوسمة والميداليّات والتناويه «والتهاني» التي نالها سليمان في تاريخه العسكري المشرّف، ومنها «وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة» لكن هل ناله إلا بسبب معارضته للوجود العسكري للنظام السوري في لبنان؟ وما «الدرجة الممتازة» من الوسام إلا للتنويه بمعارضته الشجاعة لهيمنة النظام السوري.
ميشال سليمان ينطبق عليه وصف «فخر الصناعة اللبنانيّة» مع أنه سعى مع باقة من مواطنيه الأبرار إلى الحصول على جواز فرنسي بناء على وثائق مزوّرة. وما العيب في ذلك؟ رمز السيادة في لبنان وقائد الجيش الأبي أراد أن يتكنّى بالجنسيّة الفرنسيّة لأنه أراد أن يرفع العلم اللبناني فوق ربوع فرنسا. لم لا؟ ولماذا نحن الذين نتشدّق بالعالميّة نمنع ميشال سليمان أن يطمح كي يقود القوّات الفرنسيّة المُسلّحة؟ هذا هو السبب الحقيقي الذي دفع بسليمان إلى السعي إلى نبذ جنسيّة بلده الأم وكسب جنسيّة حنون من فرنسا. إن سليمان، بعد أن وصل إلى الرئاسة في لبنان، أراد أن يجد لنفسه مرقد عنزة في فرنسا وفي هذا إعلاء للشأن اللبناني.
بات التاريخ والفكر السياسي يذكر «إعلان بعبدا» كما يذكر شرعة حقوق الإنسان


الحوار بين الحضارات مزية لسليمان وقد أشرف عليها في تجواله بين البلدان
وماذا عن نزاهة سليمان؟ أليس سجلّه هنا يزهو ويبرق؟ لقد رفض سليمان كل تلك العروض ورمى أكياس الدنانير بوجه أمراء آل سعود كما هو معروف. رفض سليمان أن يتسلّم ريالاً سعوديّاً واحداً. هذا رجل ليس للبيع. الحاقدون يعيّرونه بالقول إنه غيّر خطابه عن المقاومة بناء على أموال سعوديّة طائلة. هذا افتراء وبهتان. سليمان غيّر خطابه، صحيح، لكن ليس لأنه تلقّى مالاً سعوديّاً. لا، وألف لا. ميشال سليمان ليس للبيع (الإيجار موضوع مختلف ولا طائل لمناقشته في عجالة). لكن الرجل ليس للبيع حتماً. إن تغيّر موقف سليمان من المقاومة نابع عن مناقشات فكريّة وعسكريّة رائقة مع الملك السعودي وبناء على تأمّلات فكريّة واستراتيجيّة. ومن المعروف عن الملك السعودي حبّه للقاء نوابغ العرب والغرب. أما ما قيل إن لسان سليمان بات ذرباً فقط بعد توكيد أواصر حلفه (غير المادّي) مع آل سعود، فهذا يدخل في باب الدس الرخيص فقط.
ميشال سليمان يتعرّض هذه الأيّام لحملة مغرضة من أنصار المقاومة في لبنان. أنا رأيتهم بأم العيْن يسخرون منه على وسائل التواصل الاجتماعي ويتهمونه بالتخاذل في مواجهة العدوّ. ميشال سليمان؟ لقد أخطأوا العنوان. ميشال سليمان هذا قاد عملية التصدي في حرب تموز من مواقع متقدّمة في الجنوب اللبناني. أين كان مقاتلو حزب الله عندما قاد ميشال سليمان وفرقته في «اللواء الثامن» التصدّي البطولي في مارون الراس؟ أين كان القادة الميدانيّون للمقاومة عندما كان ميشال سليمان وصحبه يقودون مقاومة العدوّ في البحر والجو والبرّ؟ ثم، ألم يكن ميشال سليمان في الخندق نفسه مع إلياس المرّ في عدوان تمّوز؟ وهل هناك من يشكّ في وطنيّة إلياس المرّ أو في وطنيّة غسان الجدّ، نائب رئيس الأركان (الذي هرب من لبنان بعد انكشاف أمر عمالته للعدوّ الإسرائيلي) في عهد سليمان؟ ألم يكن إلياس المرّ يعطي التوجيهات عبر الدبلوماسيّين الأميركيّين في وثائق «ويكليكس» وذلك من أجل التصدّي للعدوّ الإسرائيلي؟ وهناك من فهم خطأ أن المرّ كان يدعم العدوّ الإسرائيلي مع انه كان يدعم الجناح المناهض للصهيونيّة في جيش العدوّ.
يعترف العدوّ أنه لم يواجه على أرض المعركة أصلب وأعند وأقسى من ميشال سليمان. لو ان ١٤ آذار لم تدعم العدوّ الإسرائيلي في عدوان تمّوز (مع أنها تعتبر أن «الإسرائيلي عدو لكن للضرورة أحكام») لكان ميشال سليمان في طريقه لتحرير فلسطين (والأندلس فيما بعد). ميشال سليمان ينتمي إلى نخبة من القادة العسكريّين في التاريخ: جوكوف ومونتغمري وخالد بن الوليد ونابوليون وميشال سليمان. هل يعلم القرّاء أن نظريّات ميشال سليمان العسكريّة المتقدّمة تُدرّس في الكليّات العسكريّة النخبويّة حول العالم؟ هل يعلم الشعب في لبنان أن نظريّات سليمان الجيواستراتيجيّة هي أكبر تهديد للصهيونيّة منذ إعلانها في بازل في 1897؟
حسناً، لنتحدّث قليلاً عن استراتيجيّة ميشال سليمان في الدفاع عن لبنان بوجه العدوّ. هذه الاستراتيجيّة تعتمد الطلب من المقاومة أن تترك مقاومة العدوّ جانباً كي يتفرّغ هو لها، كما تفرّغ لها في عدوان تمّوز وعلّم هو وإلياس المرّ جيش العدوّ درساً لن ينساه أبداً. المقاومة تريد أن تعطي دروساً لسليمان في المقاومة؟ لا يجوز ذلك من الناحية الأخلاقيّة. ثم هل منكم من تجشّم عناء قراءة وريقات استراتجيّة سليمان الدفاعيّة؟ هي اقتضت التصدّي للعدوّ عبر «رشق من الرصاص» في حال غزوه للبنان، كما حدث في العديسة (قبل ان تعتذر قيادة الجيش عن فعلة الضابط الشجاع الذي أصدر الأمر بإطلاق النار على جيش العدوّ وقبل ان يتوجّه جان قهوجي شخصيّاً إلى واشنطن من أجل تقديم الوعد ان الجيش لن يطلق النار أبداً على جيش العدوّ كي لا تتوقّف المساعدات الأميركيّة). ثم، هل هناك من ينكر أن «رشقة رصاص» تكفي لردع العدوّ؟ ماذا يريد المزايدون أكثر من «رشق» أو «زخّة» من الرصاص لصدّ العدوان عن لبنان؟ فللتنحَّ المقاومة عن مهمّة الدفاع عن الوطن كي يتسنّى لسليمان تطبيق نظريّاته العسكريّة المتقدّمة.
لا، ليست مهمّة الكتابة عن ميشال سليمان مثل الكتابة عن أطباق الطعام. القلوب تشرئب في الحديث عن الرجل وعن إسهاماته وإنجازاته. هذا رجل من صنف آخر. هو سجل قائم على منجزات لا حصر لها ولا تعداد. ماذا عن دعوة كارلوس سليم إلى لبنان؟ ألم تكن تلك الفكرة من بنات عبقريّة ميشال سليمان؟ ألم تكن تلك واحدة من مبادراته الفذّة التي لا يزال الشعب اللبناني ينعم بخيراتها؟ هناك من سخر منه عندما زار سليم لبنان ولم يدفع حتى فاتورة فندقه، لكن سليمان تكفّل بدفعها من أموال دافعي الضرائب. لكن، ألم تدرّ تلك الزيارة من سليم المليارات على لبنان؟ ألم يدشّن سليم في لبنان الميليارات من الاستثمارات ويقضي بضربة (أو دفعة) واحدة على الدين العام في لبنان؟ شكراً لك يا ميشال سليمان. سليم أنشأ مصانع ومزارع وشركات أنعشت الاقتصاد اللبناني، وكان ذلك بسبب دعوة من سليمان إلى سليم. حسناً فعلت يا ميشال سليمان. شعب لبنان مدين لك لما جلبت له من ازدهار وبحبوحة.
وسليمان كان وراء مبادرة إطلاق مركز دائم للحوار بين الحضارات. وهل هناك من رعى تلاقحاً بين الحضارات أكثر من سليمان: من باب التبّانة إلى جبل محسن إلى اللبوة إلى عرسال؟ تلاقت الحضارات بين كل تلك الأنحاء بفضلك يا ميشال سليمان. والحوار بين الحضارات مزية لسليمان وقد أشرف عليها في تجواله بين البلدان، وجمع بين الأضداد وبين الخصوم والأعداء. قل إنها لمسة من لمسات هذا العظيم الذي يُنجب التاريخ منه مرّة (وخطأً لا قصداً). وسليمان يحب مراسم التوديع والاستقبال الرئاسي، وهذا لا يجذب إلا العظام المتخلّين عن ذواتهم المتفانين في الخدمة العامّة. لبيك يا سليمان.
وهناك من عاب عليك كثرة الأسفار والتجوال في زمن عصر النفقات. عصر النفقات وسليمان يحمل اسم لبنان ويلوّح به عالياً في كل أنحاء المعمورة؟ التقشّف فيما سليمان يروّج للنموذج اللبناني للتعايش ولـ«إعلان بعبدا العالمي»؟ كلا، وألف كلا. ثم من هو الذي كان وراء تحسين علاقات لبنان المضطربة مع بلجيكا ومونت كارلو وجنوب فرنسا وأرمينيا ورومانيا والنمسا وألمانيا وقبرص ودول أميركا اللاتينيّة؟ لولا جولات سليمان غير السياحيّة لكانت الكريهة قد وقعت بيننا وبين تلك الدول. لك وحدك الشكر والتقدير يا سليمان.
وقد نشرت هذه الصحيفة (ساخرةً - يا عيب الشوم) خبراً عن أن سليمان أوعز لمن يهمّه الأمر في بلديّة عمشيت الممتازة أنه يريد ان يرى نفسه في تمثال برونزي هناك. رحماك أيّها التمثال. رفقاً بهذا التمثال يا شعب لبنان (غير) العظيم. أريد أن يتسنّى لي تدشين هذا التمثال على أن يقام ركن خاص بالنعال في حال رمى أعداء سليمان من المغرضين والحاقدين والشتّامين نعالَهم الغليظة على التمثال الصلب. من أجلك يا ميشال سليمان. هذا التمثال البرونزي لن يفيك حقّك يا سليمان. أنا أقترح ان تحفر صورتك وأنت مبتسم على جبل من جبال لبنان كما حفروا هنا في أميركا وجوهاً لأربعة رؤساء أميركيّين في جبل «راشمور» في ولاية جنوب داكوتا. وجه في الصخر يا سليمان. التمثال البرونزي لا يفيك حقّك يا سليمان. الحقُّ (لا إِلحَق) يا سليمان. أقترح ان يظهرك التمثال البرونزي وأنت تحمل شرعة (في إشارة إلى «إعلان بعبدا») بيدك اليمنى، كما حمل موسى في الفيلم الهوليوودي «الوصايا العشر». هذا واحد فقط من إنجازاتك، أصدقك القول.
و«إعلان بعبدا» بات التاريخ والفكر السياسي يذكره كما يذكر شرعة حقوق الإنسان وشرائع الأقدمين. أبدعت يا سليمان، ومن المعروف انك تتقن الأدب والشعر والفكر السياسي والقانوني بالإضافة إلى الفن الرفيع. كم من الأمجاد تحمل يا ميشال وكأن الأمة الفينيقيّة تلخّصت فيك وحدك، دون سواك (ربما أنت وهنري الحلو فقط). كيف تفتّقت قريحتك عن هذا الإعلان يا سليمان؟ هل كتبته تحت ضوء القمر، أم من على متن طائرة في رحلاتك التي لا تنتهي؟ هل كتبته بالحبر أم بماء الورد؟ هل يدخل في باب الهوامش على «جمهوريّة أفلاطون» أم هو تدشين لعهد جديد من الفلسفة؟ أخبرنا وحدّثنا يا سليمان.
لا يسعني في هذه العجالة إلا أن أناشدك وأناديك: مدّد يا سليمان. لقد عمّ الازدهار والسلم والوئام والبحبوبة في عهدك، بالرغم من بعض السيّارات المُفخّخة هنا وهناك وبعض التفجيرات هنا وهناك وهنالك، ومن بعض الاشتباكات هنا وهناك وهنالك، وبالرغم من تدهور الاقتصاد أمس واليوم وغداً، وبالرغم من تسليم مقدّرات الوطن بالكامل لقوى أجنبيّة لا تكنّ له إلا كل شرّ. مدّد، يا ميشال سليمان، تمدّد من عمر حقبة عهدك الذهبيّة التي أذهلت القاصي والداني. مدّد، يا سليمان، وسيمدّد الدهر في عمرك. مدّد يا سليمان لعلّ التمديد ينجح حيث فشل «إعلان بعبدا». وإن عزفت عن التمديد يا سليمان، أحثّك على إنشاء سلالة لك في لبنان، كي تحكم جيلاً بعد جيل خصوصاً وأن أخبار الابن والصهر (وثرائهما) بدأت تصل إلينا وتملأ أسماعنا. (قد تكون سلالة الأب والصهر والابن هي الثلاثيّة البديلة من ثلاثيّتك السابقة عن «الشعب والجيش والمقاومة). لم لا، سلالة على طريقة آل سعود. سلالة يفخر بها لبنان كما يفخر بالمعنيّين (مع ان المسكين فخر الدين اختبأ في مغارة خوفاً من سطوة الوالي العثماني ثم جُرّ بالأصفاد إلى الأستانة). لا، ليس الاختباء من شيمك يا سليمان بعد أن رأيناك في ساحات الوغى في مارون الراس وبنت جبيل وغيرها من مواقع المواجهة الأماميّة مع العدوّ الإسرائيلي في 2006.
أعصرُ القلم فينزف دمعاً، أضرب مفاتيح الحاسوب فتنزف مياه معدنيّة حزناً على نهاية عهد ولا باقي العهود. يمرّ تاريخ الأوطان بحقبات عديدة بعضها مذهّب وبعضها مخضّب وبعضها عابر. لكن يحق في حقبة ميشال سليمان القول إنها أرّخت لبداية عهد الإمبراطوريّة اللبنانيّة المنتشرة في كل أصقاع العالم. ميشال سليمان إمبراطور لبناني فريد من نوعه، ولهذا أحبّه شعب لبنان وقدّره حق تقدير. من يطأ أرض قصر بعبدا من بعدك يا سليمان؟ من يستعرض الحرس الرئاسي بعدك يا حاكم لبنان الأوحد؟ من سيعزّي بأمراء آل سعود من بعدك يا سليمان؟ من سيتلقّى العطايا من أمراء النفط والغاز؟ من سيترأس جلسات الحوار التي أعادت الدفء إلى العلاقات بين مختلف الأطراف في لبنان؟ من سيجول بين العواصم من دون أجندات عمل باستثناء حب الاستطلاع والسياحة؟ من سيناقش باسم لبنان القضايا الفكريّة الفلسفيّة مع الملك السعودي غيرك يا سليمان؟ من سيمنح لبنان أفضل ما مرّ عليه من وزراء غيرك يا سليمان (من سمير مقبل إلى أليس شبطيني إلى منى عفيش إلى مستشارك الفذّ، ناظم الخوري)؟ من سيقود اكبر عمليّات عسكريّة في تاريخ لبنان السحيق والحديث غيرك؟
هذا رجل لا ينجبه مسخ الوطن مرتيْن. مدّدوا ومدّدن له على عجل... قبل أن يغادرنا إلى فرنسا بجواز سفر (غير) مزوّر.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)