تواصل سلطات الحزب «الديموقراطي الكردستاني» حفر خندق العار بين جنوب كردستان وغربها، رغم موجات الاحتجاج الشعبي العارمة على طرفي كردستان الرافضة هذا الخندق، الذي يشكل سابقة خطيرة. فنحن حيال إعادة انتاج تقسيم كردستان، لكن هذه المرة عبر طرف كردي (الديموقراطي الكردستاني)، الذي - وللسخرية - يدّعي سعيه إلى الدولة الكردية والكونفيدرالية، في سرقة فاضحة وموصوفة لشعار حملة الاتحاد الوطني الكردستاني في الانتخابات العامة العراقية وهي: تطبيق الدستور أو الكونفيدرالية.
في حين أن حزب «البارتي»، يعمل في واقع الأمر، على فصل جنوب كردستان عن غربها، بل ويتمادى في سياساته الطائشة عبر انشاء خندق بين كركوك وهولير (أربيل) في مسعى فاضح لبتر اقليم كردستان عن المناطق الكردستانية المعرّبة، وفي القلب منها كركوك أو «قدس كردستان»، كما يسميها مام جلال. وهي، أيضاً، محاولة لوأد المادة 140 من الدستور العراقي، وتكريس أمر واقع بتعريب تلك المناطق وفصلها عن كردستان.
فخندقا العار على الحدود مع غرب كردستان وبين هولير وكركوك إن دلا على شيء فإنما على سعي الحزب الديموقراطي الكردستاني إلى بسط زعامته القبلية في محافظتي هولير ودهوك (الأولى كان قد فرض سيطرته عليها كما هو معلوم بالتعاون مع جيش صدام حسين الذي لبى نداء «البارتي» واحتل هولير في 31 آب 1996)، وعكس المصالح القومية الكردستانية العليا في سياسة تخبط خطيرة متسقة تماماً مع أجندات الدول المقتسمة لكردستان، في عملية اجهاض للربيع الكردستاني المتصاعد على امتداد المنطقة.
وكم كان مضحكاً في معرض دفاع «الحزب الديموقراطي» عن فعلته الشنيعة في حفر الخندق بين جنوب كردستان وغربها، والمنافية لكافة المبادئ القومية والانسانية والأخلاقية، إشارته إلى أنّ الخندق الذي جرى حفره حول كركوك بغية حمايتها وقطع دابر الارهاب الذي يستهدفها يحمي كركوك في وجه حملات الارهاب من جهة المناطق العربية العراقية حيث تنشط «داعش» و«القاعدة» والجماعات البعثية الصدامية، وبين خنادق العار التي يحفرها هذا الحزب والتي تعيد احياء سايكس - بيكو ولوزان بغية تقسيم كردستان مجدداً، وبأيدي كردية.
ولعلّ حفر الخندق الثاني مع كركوك من جهة هولير خير شاهد على أنّ الخندق الأول مع روج آفا (ولا ندري ربما يبادر «البارتي» إلى حفر خندق ثالث مع السليمانية) لم يكن يمثل حكومة الاقليم. هو قرار سياسي حزبي خاص بالديموقراطي الكردستاني وبحساباته الضيقة والقاصرة، في معاداته لثورة روج آفا – غرب كردستان (كردستان سوريا) وتجربتها الديمقراطية (نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية في كانتوناتها الثلاث)، بعد فشل محاولاته المستمرة لبسط وصايته عليها أو في معاداته لتجربة الإدارة الناجحة في كركوك بقيادة محافظها وعضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني الدكتور نجم الدين كريم. الرجل لطالما ناصبه هذا الحزب العداء نظراً لما يتمتع به وحزبه من شعبية في كركوك، التي ليس سراً أنّ وزن «البارتي» الانتخابي والشعبي فيها هزيل جداً. فضلاً عن أنّ الاتحاد الوطني وكريم لطالما عبّرا عن رفضهما القاطع لخندق الحزب الديموقراطي الكردستاني بين جنوب كردستان وغربها. فهنا تظهر خلفيات خندق العار الثاني، والذي يعد مساهمة خطيرة في تكريس الفصل بين اقليم كردستان وباقي مناطق جنوب كردستان (كردستان العراق) المشمولة بالمادة 140، إذ إنّ عودة هذه المناطق الى الكنف الكردستاني تعني أوتوماتيكياً تراجعاً كبيراً على الصعيد الانتخابي بالنسبة للحزب الديموقراطي الكردستاني، ما يمثل تحولاً دراماتيكياً في الأحجام والأوزان السياسية في جنوب كردستان ككل. ففي ظل هكذا حسابات فئوية ضيّقة يحاول هذا الحزب تحقيق ما عجزت عنه سلطات الدول المقتسمة لكردستان. وهكذا بعد إقامة الخندق بين جزءين من كردستان، ها هو الخندق الثاني يقسّم مناطق جنوب كردستان نفسها، ويبتر كركوك عن عمقها الكردستاني... والفاعل واحد.
* كاتب كردي