كانت الطفلة ملالا يوسف ضي ( بالأوردو: ملاله يوسف زئى بالإنكليزية: Malala Yousafzai ) بعمر الـ 12 عاماً عندما بدأت قصتها مع طالبان في باكستان سنة 2009. ومنذ اليوم الأول لعب أبوها، ضياء الدين يوسف ضي، دوراً رئيسياً في الأحداث التي مرت في حياة ابنته، الذكية والموهوبة. فهو الذي رتّب الأمور مع تلفزيون الـ bbc البريطاني لكي تصبح ابنته مراسلاً خاصاً لهم تدوّن لحسابهم كيف تكون حياة بنت صغيرة تحت سيطرة حركة طالبان الإسلامية، بنمط كتابةٍ يشبه مذكّرات الطفلة اليهودية الألمانية التي اشتهرت في العالم، آن فرانك، عندما كانت تسجل يومياتها أيام الحرب العالمية الثانية وهي مختبئة في أمستردام خوفاً من الوحش النازي المسيطر على البلد. ومع تكرار التدوينات والتقارير باسمٍ مستعار لملالا، كان لا بد في النهاية أن تكتشف طالبان الهوية الحقيقية لمصدر تلك الأخبار التي تذيعها الـ bbc، وعندها بدأت ملالا بالكتابة والكلام باسمها ودون مواربة. والقصة بعد ذلك معروفة إذ قامت طالبان بتهديد أبيها طالبة منه إسكات ابنته، إلى أن قام أحد مسلحي الحركة أخيراً بإطلاق الرصاص على ملالا أثناء عودتها من المدرسة سنة 2012 فأصابها في خدها الأيسر، ولكنها نجت من الموت ومن ثم تم نقلها هي وعائلتها على وجه السرعة إلى بريطانيا، حيث تم علاجها وتأهيلها في مستشفى الملكة اليزابيث في بيرمنغهام، وحيث بدأت رحلتها مع الشهرة والعالمية إذ ظهرت كبطلةٍ تتحدى الإرهابيين الظلاميين الذين يحاربون الطفولة والعلم.ومن المفيد الاطّلاع على وجهة نظر طالبان ودفاعها عن نفسها في شأن الاعتداء على ملالا. فبعد عامٍ من محاولة القتل وفي أعقاب خطبةٍ لها في الأمم المتحدة، كتب عدنان رشيد وهو أحد قيادات حركة طالبان – باكستان رسالة من أربع صفحات وجّهها إلى ملالا نفى فيها أن يكون سبب الهجوم هو دعوتها لتعليم البنات، بل لأنها كانت تشنّ حملة خبيثة لتلطيخ سمعة الحركة، وخاطبها قائلاً: «لقد ذكرتِ في خطبتك أن القلم أقوى من السيف، ونحن هاجمناكِ لسيفكِ لا لكتبكِ ولا لمدرستك» في إشارةٍ منه إلى أنها جزء من حرب أميركا على طالبان. وأضاف: «لو أنكِ أصِبْتِ في هجمات الطائرات الأميركية (في باكستان) هل سيهتم العالمُ بكِ، هل سيسمع بك أحد، هل سيستدعونكِ للحديث في الأمم المتحدة، هل سيعلنون «يوم ملالا»؟!
حجم الاحتضان الغربي لملالا كان كبيراً جداً، الأميركي والبريطاني خصوصاً. وبدا كأنهم عثروا على الـ «بطلة» التي يمكنهم استعمالها كسلاحٍ في وجه «الإرهاب الإسلامي» ممثلاً بحركة طالبان. كانت ملالا تناسب ذلك الدور تماماً خصوصاً مع وجود أبيها (الذي يتهمه كثير من أهل بلده الباكستانيين بالارتباط مع أجهزة استخباراتية، وبالذات الـMI6 البريطاني، وجهات غربية غامضة) المتعاون إلى أقصى الحدود. سلسلة لقاءات رُتبت لها مع كبار السياسيين في الغرب بمن فيهم ديفيد كاميرون وباراك أوباما، واهتمام إعلامي فائق، إلى أن تُوّجت في سنة 2014 بجائزة نوبل للسلام. ويبدو أن مشروعاً كاملاً طويل المدى للاستثمار في هذه البنت الصغيرة قد تم إعداده من ذوي القرار في الغرب، بهدف تجهيزها وتهيئتها لتصبح رئيسة وزراء مستقبلية في باكستان، بنازير الجديدة، بمواصفات مرغوبة عندهم سياسياً وثقافياً.
وبالإضافة إلى جائزة نوبل حصلت ملالا على العديد من الجوائز الصادرة من جهات قريبة من الصهيونية أو مثيرة للشبهة منها جائزة «آن فرانك» وجائزة «الأم تيريزا» وجائزة «ساخاروف» و جائزة «مؤسسة كلينتون» وغيرها.
وعدا مؤسسة ملالا ( Malala Foundation )، التي هي جمعية خيرية تُعنى بدعم تعليم البنات في العالم (مموّلة من جهات لها علاقة بهيلاري كلينتون وعالم السياسة والأعمال في أميركا)، قام أبوها بتأسيس شركة سالارزاي المحدودة ( Salarzai Ltd ) المسجّلة في بريطانيا والمختصة بجني الأرباح من نشاطات وعلاقات ملالا وظهورها الإعلامي واسمها كعلامة تجارية تدرّ دخلاً مجزياً (تقارير صحافية ذكرت أنها تجني أرباحاً بالملايين وأن المبلغ المستحق عليها دفعه كضريبة دخل للحكومة البريطانية وصل إلى 200 ألف جنيه استرليني عن سنة 2015).
الحرب الأخيرة التي دارت بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة كشفت أن الاستثمار الإنجلو-أميركي في ملالا يؤتي ثماره. فقد صاغت ملالا موقفها مما يجري على النحو التالي «العنف في القدس، خصوصاً ضد الاطفال، لا يمكن احتماله. هذا النزاع الطويل أدى لفقد العديد من الأطفال أرواحهم ومستقبلهم. على الزعماء أن يتصرفوا فوراً. لا سلام عندما لا يكون الأطفال والمدنيون آمنين». وهذا الموقف المائع الذي لا يسمي الأمور بمسمياتها ولا يذكر «إسرائيل» وعدوانها أثار عليها أبناء بلدها الذين وجهوا لها أشد الانتقادات عبر وسائط التواصل الاجتماعي واتهموها بأنها أداة في خدمة الغرب والتواطؤ مع «إسرائيل»، دفعها (مضطرة كما يبدو) إلى تبنّي موقف أكثر إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني فكتبت «أشعر بالأسى للقسوة واللاإنسانية تجاه الأطفال الفلسطينيين الذين يستحقون أن يعيشوا بسلام وأن يشعروا بالأمان في بيوتهم وأن يتلقوا تعليمهم ويحققوا أحلامهم، أريد للأطفال الفلسطينيين أن يعلموا أنني أقف معهم». ولكن هذه العبارات (الخالية من ذكر «إسرائيل») الشاعرية تجاه أطفال فلسطين لم تكن كافية لمتابعي ملالا من أبناء بلدها فواصلوا انتقادها إلى أن اضطرت أخيراً إلى تسجيل فيديو تحدثت فيه بلغةٍ أقوى «أعلن تضامني مع الشعب الفلسطيني. بعد عقود من الاضطهاد الواقع على الفلسطينيين لا يمكن إنكار عدم التكافؤ في القوة (بين الطرفين). من الغارات الإسرائيلية على النساء والأطفال في غزة، إلى القنابل الصوتية التي تستهدف المصلين في الأقصى، إلى التهجير والاعتقالات والضرب والقتل، جرائم ضد الإنسانية» وأتبعت هذا الفيديو بتبرع قيمته 150 ألف دولار لمنظمة (أنقذوا الطفولة) لفائدة أطفال غزة.
وفي الجانب الثقافي أيضاً، أطلقت ملالا التصريح التالي في مقابلة مع مجلة بريطانية: «أنا لا أفهم لماذا يتزوج الناس. إذا كنت تريد أحداً في حياتك، فلماذا عليك أن توقع أوراق زواج ؟! لماذا لا تكون شراكة فقط ؟». وكأنّ إلغاء مؤسسة الزواج هو ما ينقص باكستان!
ما زالت ملالا صغيرة السن، 24 عاماً، وما زالت أمامها الفرصة لتصويب الاتجاه والتحرّر من المشروع الغربي الذي أُعد لها. سننتظر ونرى.
* كاتب وباحث من الأردن