منذ صعوده إلى منصب الرئاسة في أعقاب وفاة جمال عبد الناصر، كان أنور السادات مصمّماً أن يتخلص من ظل «الزعيم» عبد الناصر الطاغي. فالسادات كان مطيعاً ومساعداً متفانياً لعبد الناصر رافقه طوال مسيرته منذ نجاح ثورة يوليو 1952 إلى يوم وفاته سنة 1970. كان أنور السادات معروفاً في أوساط زملائه من الضباط الأحرار بالـ Yes man، إذ لم يعرف عنه يوماً أنه خالف عبد الناصر أو اختلف معه في أي شأن أو قرار مثلما كان يحصل أحياناً من بعض الأعضاء القدامى في مجلس قيادة الثورة الذين كانوا ينظرون إلى عبد الناصر كرفيق سلاح قبل أن يكون رئيساً للجمهورية.
شيئاً فشيئاً بدأ السادات يغير كل شيء في مصر، التوجهات والسياسات والأفكار والثقافة، وحتى صورة الرئيس وهيئته وسلوكه. أراد السادات أن يفك عقدة عبد الناصر وأن يثبت لنفسه قبل الآخرين أنه مختلف عن سيده القديم ورئيسِه القائد والموجّه. أراد السادات أن يكون ذاته هو، لا مجرد ظل لعبد الناصر.

وهكذا فُتح المجال لجيهان لكي تظهر ما يكمن فيها من نزعات استعراضٍ وتمثيلٍ ومظاهر. فالمعروف عن الرئيس جمال عبد الناصر نزعته المحافظة وحرصه على إبقاء حياته العائلية بعيداً عن أعين العامة، فكانت زوجته السيدة تحية كاظم نادراً ما تظهر على الملأ ولم تكن ترافقه في زياراته الرسمية ولا في اجتماعاته مع رؤساء الدول ولم يكن لها نشاطٌ علنيّ يُذكر. واكتفت بدور الزوجة التقليدية المربّية وربّة العائلة. فكما كان السادات نقيضاً لعبد الناصر، كانت جيهان كذلك نقيضاً لتحية كاظم والقيم التي تمثلها.

وقد ساعدتها نشأتها (ومظهرها) على أداء الدور الجديد الذي أخذت تلعبه. فأمها إنكليزية (غلاديس كوتريل) تزوجت من أبيها الطبيب الشاب صفوت رؤوف الذي كان يدرس في بريطانيا. أحبّت الفتاة اليافعة جيهان رؤوف، ابنة الـ 16 عاماً، الضابط الشاب أنور السادات وتزوجته سنة 1949 رغم فارق السن بينهما (15 سنة) ورغم كونه مطلقاً. لتبدأ معه رحلة استمرت 32 عاماً.

تحولت جيهان إلى «السيدة الأولى» في مصر. وذلك لم يكن أمراً مألوفاً في بلدٍ مسلمٍ كمصر. أخذت تظهر دائماً برفقة زوجها في حله وترحاله وترافقه في زياراته الخارجية ولقاءاته مع الرؤساء الأجانب. تتحدث الإنكليزية وترتدي أحدث الأزياء وتتصرف كنجمةٍ إعلامية تحت الأضواء. ولا أحد ينسى رقصتها العلنية مع الرئيس الأميركي جيرالد فورد الذي لم يبالِ بالتقاليد المصرية فوضع يده على خصرها. وأتبعتها برقصةٍ أخرى مع الرئيس جيمي كارتر، الذي قبّلها من الوجنتين هذه المرة. واختتمت دور الـ«ليدي» بقبلةٍ حارة طبعها مناحيم بيغن على خدّها. هكذا كانت تتصرف «سيدة مصر الأولى» لتواكب توجهات زوجها «السلامية» الغربية الهوى. والغريب أنها كانت تفعل ذلك في ذات الوقت الذي يعلن فيه زوجها نفسه «الرئيس المؤمن» في بلده استرضاءً للتيار الإسلامي (المحافظ).

وفي داخل مصر أيضاً تعددت نشاطاتها. فصارت تجمع ما بين رئاسة الهلال الأحمر المصري وجمعية بنك الدم المصري، ورئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة، ومنصب رئيسة الجمعية المصرية لمرضى السرطان، وجمعية الحفاظ على الآثار المصرية والجمعية العلمية للمرأة المصرية وجمعية رعاية طلاب الجامعات وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التي تعطي انطباعاً عن اهتمام «السيدة الأولى» البالغ بشؤون المرأة والمجتمع. ظهورها الإعلامي كان مكثّفاً ولم تتوقف الصحف الرسمية عن تغطية أخبارها يوماً.

بعد مقتل السادات في حادثة المنصة عام 1981 خفتت عنها الأضواء وانتقلت إلى السيدة الأولى الجديدة، سوزان مبارك، ما ولّد نوعاً من البغضاء بين السيدتين كاد أن يخرج إلى العلن. لم ترتح جيهان لوضعيتها الجديدة في مصر فشدّت الرحال إلى أميركا حيث عاشت فيها بضع سنين، تجري مقابلات مطوّلة مع الصحف تتحدث فيها عنها وعن زوجها الراحل، وتلقي محاضرات في جامعة ساوث كارولينا التي منحتها دكتوراه فخرية.

عادت في النهاية واستقرت في مصر ونشرت مذكّراتها في كتاب «سيدة من مصر» كما نشرت كتاباً آخر «أملي في السلام» يمثل رؤيتها إلى مستقبل المنطقة.

*كاتب وباحث من الأردن