شخصياً، لا يمكنني أن أرحّب بأي شخصية شاركت في مؤتمر «حوار الحضارات والثقافات». عدم الترحيب لا يعني عدم الاحترام، وليس هو المعنى المرادف للهجوم، إنه يعني الضيق أو التبرم أو عدم الارتياح. لماذا تقيم البحرين مؤتمراً للحوار حول الحضارات والثقافات، بهذا الحجم الذي تطلب حضور 150 شخصية؟
إنه المرض، السلطة في البحرين حالها حال المريض الذي يريد أن يخفي مرضه، ليظهر للعالم أنه لا يعاني من أي مشكلة. يقيم حفلات العلاقات العامة، ليوهم نفسه أنه بصحة جيدة وقادر على أن يعيش حياة طبيعية رغم الألم النفسي والجسدي. كان القاضي الدولي محمد شريف بسيوني قد شخّص لها مشكلتها، قال لها إنك تعانين من مشكلة مع شعبك ويظهر ذلك من خلال تصرفك السيء معه، تنتهكين حقوقه وتمارسين الإهانة بحقه وتعذبينه وتحطين من كرامته وتمارسين التمييز بين مواطنيه وهدمت مساجده، وقدم لها «روشتة» توصيات للعلاج.
على عادة المريض الذي يعاني من أزمة مركبة ولا يريد أن يعترف بمشكلته ويواجهها، فعلت السلطة عكس «روشتة» توصيات بسيوني، فازداد مرضها وصارت تنفق على الأدوية المسكنة حتى تضاعف اقتراض البحرين ما بين 3 و4 مرات منذ عام 2009. الأمر الذي دعا صندوق النقد الدولي البحرين إلى إعطاء أولوية لتحقيق الانضباط المالي وهيكلة الدعم الحكومي، وتقليل العجز في الموازنة العامة والسيطرة على حجم الدَّين العام.
فعلت السلطة عكس «روشتة» توصيات بسيوني فازداد مرضها وصارت تنفق على الأدوية المسكنة

الإقرار والاعتراف هما علامتا الصحة والرشد. الإقرار هو علامة العقلانية. أن تقر بمشكلتك يعني أنك تود حلها وهذا يدل على رجاحة عقلك، أن تبحث عن وصفات لحلها هذا يعني أنك تستخدم عقلك ليرشدك إلى الطريق الصحيح. لا يمكن للسلطة في البحرين مهما فعلت من حيل ومكر ونكران وخديعة ومؤتمرات علاقات عامة، أن تعفي حالها من استحقاقات شعبها المطالب بحقوقه السياسية.
البحرين، لو اعترفت بمرضها يمكنها أن تكون ورشة للمصالحة وتجاوز الكراهية. المتحدثون لم يأتوا للمشاركة في هذه الورشة، بل جاؤوا ليجاروا السلطة في حيلها المرضية، ليشاركوا في حفلة الخديعة والتنكر للمرض الذي تعاني منه البحرين، جاؤوا ليكونوا مادة لخطاب السلطة للعالم، بأن ليس هناك مشكلة في البحرين.
جاؤوا ليكونوا شهوداً على غياب المشكلة بدلاً من أن يكونوا رسلاً لحلها. كنت سأكون مرحّباً بهم، لو أنهم تحدثوا مثلاً عمّا أثبته تقرير دولي وهو تقرير بسيوني، من انتهاكات تؤكد مرض السلطة، لو أنهم انطلقوا منه أو سادعونا من خلال تجاربهم في معالجة ما أثبته هذا التقرير الدولي المهم، لو أنهم قالوا مثلاً أنقذوا تجربة التعايش في البحرين، مما يتهددها من جنون.
رئيس منتدى الفكر العربي الأمير الحسن بن طلال، قال في المؤتمر: «خطاب الكراهية يعيش على البغضاء، أصبح صناعة ثقيلة تدرّ الأموال على فئة قليلة من الناس». هل يعلم أن كلامه عن الكراهية يستخدم لتثبيت خطاب الكراهية في البحرين؟ فالوزارة المسؤولة عن العدل ترعى خطباء يشتمون مكوّناً أصيلاً من مكونات الشعب. واحد من هؤلاء الشتامين خطيب ونائب برلماني، وتدرّ عليه خطاباته من الدولة أموالاً طائلة، وقد وصف مرجع الشيعة بالبحرين بأنه مشرك وعميل وغوي في خطبته قبل أقل من شهر (18 ابريل/ نيسان 2014)، «هل من المعقول أن نجد رأياً محترماً صالحاً من مفسد عميل غوي مشرك سالك لطريق الشيطان».
الشيخ القباني في مداخلته يقول «إن خطاب الكراهية، يتسم عادة بالتقليل من الطرف الآخر ويعتمد على لغة التشويه والتعبيرات غير اللائقة ويميل عادة إلى الشقاق والنزاع على حساب الاتفاق». لو أنه فتح صفحة من صفحات الإعلام البحريني، لوجد لقوله عشرات المواد الإعلامية التي تقلل من الطرف الآخر وتشوهه وتزرع النزاع والشقاق، وكلها مواد تبث في الإعلام الرسمي الذي تحتكره الدولة. إن قول الشيخ قباني تستخدمه الدولة لحماية نفسها، لتقول للعالم إنها ضد خطاب الكراهية بدليل أنها تستضيف مؤتمراً ضد الكراهية.
بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، ختم كلمته المتفائلة في المؤتمر بقوله: «كلنا رجاءٌ أن يتكلل هذا المؤتمر بالنجاح. وكلنا أيضاً صلاةٌ بأن نخرج في مؤتمراتنا من واقع التنظير، على أهميته، إلى واقع التطبيق». كلنا رجاء مع «غبطته»، لكن الحقيقة أن هذا المؤتمر جاء من أجل التهرب من التطبيق، وإن لقاء البطريرك بالملك البحريني في قصر الصافرية، كان من أجل الصورة، الصورة فقط. الصورة التي تريد أن تُنسي العالم صورة البحرينيين في فبراير/ شباط 2011 وهم يتظاهرون عند هذا القصر، من أجل إحلال العدل الذي أجمعت عليه الشرائع السماوية والأرضية.
أيها السادة المشاركون في مؤتمر «حوار الحضارات والثقافات» لقد أطلتم في عمر خطبات الكراهية التي يقودها النظام ضد معارضيه، من حيث تعلمون أو لا تعلمون.
* كاتب بحريني