عريس و لا عُرس
نهار يستحق الشمس في مسيرة من نهارات بائسة منذ عقود وربما قرون. كأنما هو رذاذ في حرّ صحراء عطشى لم تعرف الحب عبر عصور. لكنّه نهار يتيم لم يفتح كوة في جدار الزمن العربي الرديء المشرّع على كوابيس ذاكرة جمعية حبلى بحقد لو وزّع على العالم لاشتعلت بحاره ناراً وكبريتاً. وكأنما كان انتصاراً في غير مكانه وزمانه صنعه رجال جاؤوا من بُعدٍ آخر, وهم فعلاً صناعة بُعدٍ آخر غير المألوف في أمة تتقن صناعة الهزائم لترسم كياناتها على صفحة وجود كل ما فيه يتقيأ من مشهدها المخزي.

في أيار 2000 انتصر أحد ما، بطل ما، وأرسى ملحمته الأسطورية في مرثية من دم ودموع. لكن لا أقواس قزح، لا فرح، ولا أعراس أو أكاليل من غار، بل عتمة مدن مستديمة وبؤس لم يزل. هنالك شيء خارج حدود المنطق في أرض القحل والتصحّر التاريخي. فما حدث لو حدث في جغرافيا أخرى ولدى شعب آخر لأتى بانعطافة تاريخية كانت لتعبر بالجمع من صيرورة إلى صيرورة ومن ضفة لأخرى. لكن المفارقة العجيبة في أرض محررة بينما من عليها لا يزال يركن إلى سلاسل ثقيلة ويرزح تحت نير أقسى أنواع العبودية والتي تجاوزتها أقرب شعوب العالم إلينا جغرافيّاً منذ زمن بعيد. فالفاصل بين التحرير وبين الحرية يبدو شاسعاً في الإنحطاط المدني والإهتراء الإجتماعي والتلوّث البيئي في شعب يدمن ثلثاه على المهدئات العصبية، بينما يهيم ثلثاه في استجداء هجرةٍ لا رجوع منها.
لقد حقق مقاومون مضحّون نصرهم وأخرجوا «إسرائيل» بالقوة من أول أرض عربية، لكن إنسان هذه الأرض ما زال لا يحاول أن يحرّر ذاته وقوته ودم أبنائه من التداول في أسواق نخاسة الأمم، وأن يغتسل من أدران الطائفة والمذهب التي تستلب كيانه موشّحة بنداء الأساطير الغابرة، لتحيله جمعاً في نشيد هستيري لن يقيم مدينة واحدة جميلة أو يرسم بسمة على وجه طفل في حبور. فليس النصر على العدو سوى «الجهاد الأصغر»، بينما يبقى التحدي في «الجهاد الأكبر»، وهو جهاد النفس، والإنتصار على الموروث الثقيل الذي يطبع بالتخلّف القبليّ والعشائري والعائلي مجتمعاتنا الحزينة. ويحيل بينها وبين عصر أنوار لا بدّ من ولوجه في زمن أضحى فيه الصراع الحضاري وسيلة وحيدة في صراع البقاء ومن أجل إثبات الذات.
25 أيار، نقطة مضيئة في تاريخ مظلم... فلتكن كل أيامنا ومدننا أنواراً!
أياد المقداد