رهاب الفلسطينيين يطلّ من جديد بسحنته القبيحة ويعود وباءً. ففي كل مرة تواجه دولة من دول العرب أزمة داخلية تجدها تستعين بالتضليل لمحاربة الضحية، على أمل أن يجذب ذلك الأنظار بعيداً من الجاني أو المجرم الحقيقي. رأينا ذلك يحدث في كثير من البلدان العربية التي واجهت أخطاراً داخلية ناجمة عن فساد السلطات.
رأيناه في ليبيا إبان الحراك فيها عام 2011، ونشاهده الآن في مصر (الثورة) حيث لا شغل لقنوات الفلول سوى التشهير بالفلسطينيين، ومن قبل كان في الكويت بعد انتهاء احتلال قوات صدام حسين لها إذ حاولت التخفي وراء الموقف المخزي والجنوني لقيادة منظمة التحرير التي ساوت بين الاحتلال الصهيوني لبلادنا والاحتلال العراقي؛ ورأيناه في العراق نفسه بعد احتلال القوات الأميركية له، والذي جرى في المناسبة بدعم رسمي عربي ومعارضة فلسطينية وعربية شعبية. ورأينا ذلك في لبنان من قبل، حين اتهم اليمين اللبناني الفلسطينيين بسعيهم إلى احتلال لبنان والتوطن فيه، إلى أن أقر أحد قادة القوات اللبنانية أخيراً - لكن بعد خراب البصرة كما يقال - بأنهم أخطأوا، وبأن الشعب الفلسطيني متمسك بوطنه تمسكاً غير مسبوق.
في ستينيات القرن الماضي، عندما ألقت قوات الأمن الليبية الملكية القبض على تجمع حزبي عربي قومي ضم سوريين وفلسطينيين وليبيين وغيرهم، شنت السلطات الليبية وقتها حملة غير مسبوقة على الفلسطينيين واتهمتهم بأنهم يسعون إلى تخريب ليبيا والتوطن فيها «بعدما باعوا فلسطين»، وهو ما كرره وزير خارجية لبنان الحالي الذي اكتشف، متأخراً، تهمة بيع الفلسطينيين بلادهم، ولم يعتذر.
رهاب الفلسطينيين يطل من جديد في ليبيا إذ أعلنت السلطات (أي سلطة في ليبيا الثورة الحرة الديمقراطية!) إلقاء القبض على بضعة فلسطينيين متوجهين إلى بنغازي! لكننا، جميعاً، نعلم تمام العلم من يدمر ليبيا ويقتل شعبها ويرتكب أفظع المجازر بحق أبناء البلد، والضعفاء من ضيوفها.
كتبنا من قبل وبالخط العريض أن أي بندقية فلسطينية لا توجّه نحو العدو الصهيوني ضالة ومضلَّلة ومضلِّلة، وندينها بلا حدود، ولا نمل من تكرار ذلك.
أما في الأردن، حيث النظام هناك أكثر دهاءً من غيره، نراه يستخدم يساره الملوكي، ولا فرق بينه وبين يمين النظام المتصهين، الذي يعاني عقدة النقص تجاه الفلسطينيين، لنشر بذور رهاب الفلسطينيين وكراهيتهم. فعلى سبيل المثال، عندما كان يعمل جاهداً على طمس الشخصية الفلسطينية، بالبعد الجغرافي والوطني والنضالي، إسهاماً منه في إنجاح المشروع الاستعماري الصهيوني، الذي أقيم أصلاً من أجله، لم يحرض على الفلسطينيين تحريضاً مباشراً، كما تفعل الآن أدواته من الاتجاهين، بل طرح شعارات، تضليلية، مثل «لا فرق بين فلسطيني وأردني» (أي: الكل أردني)، و«العائلة الأردنية الواحدة» و«وحدة الضفتين» وغيرها، بل إن النظام وقتها كان يعاقب كل من يطرح مقولة فلسطيني/ أردني.
والآن، طرح نظام عمان، عبر أدواته (الشرعية) مشروع قانون أزواج «الأردنيات» الذي يقدم تسهيلات، استثني منها الفلسطينيون، تحديًًا، بحجة المحافظة على الهوية الأردنية، كائنة هذه ما كانت، ومنع التوطين.
هذا اليسار الملوكي اللصيق بنظام عمان المتصهين، يبدو أنه يعاني فعلاً عقدة نقص تجاه الفلسطينيين، ما يشرح، في ظننا، شيطنة الفلسطينيين والتحريض المستمر عليهم، مباشرة أو مواربة، كما حصل في احتفالاته بمعركة الكرامة في شهر آذار الماضي، لكننا سنعود إلى هذه المسألة في مقال منفصل.
شيطنة اليسار الملوكي الفلسطينيين والتحريض عليهم، يعتمد في إحدى حججه، الواهية طبعاً، على لغو «الهوية الأردنية المستقلة والحفاظ عليها»! إذا كنا نتحدث عن الهوية الفلسطينية، فالكل يعلم أن المقصود هنا هوية نضالية في المقام الأول، والتركيز عليها هدفه محاربة محاولات الصهيونية، وأصدقائها العرب، طمس الشعب الفلسطيني (لا ننسى مقولة غولدا مائير: أين الفلسطينيين. لا يوجد شعب اسمه فلسطيني).
وفي المقابل نتساءل: ما الفرق بين ابن السلط وابن نابلس، وما الفرق بين ابن اربد وابن بيسان، وما الفرق بين ابن معان وابن بئر السبع...؟ فقط المعتوه الولع بتفحص جينات البشر من يدعي وجود فوارق اثنية تميزهم. أما الإنسان العاقل فيعلم تماماً أن كل هذه التقسيمات الاستعمارية مصطنعة، وأن المستقبل لحركة وطنية قومية فلسطينية/ أردنية منصهرة، كأساس لحركة وطنية/ قومية عربية في بلاد الشام
وسوراقيا.
عقدة النقص تجاه الفلسطينيين (المتفوقين على الشرق أردنيين!) وحدها لا تكفي لشرح دوافع نشر رهاب الفلسطينيين، ولا حتى العقلية الزقاقية المتخلفة. فعندما نطرح التساؤلات: من المستفيد من طرح فزاعة الفلسطينيين، وما الذي يمكن أن تسفر عنه؟ نصل إلى إجابة: شيطنة الفلسطينيين محاولة لتأليب المجتمعات التي يعيشون فيها عليهم ونشر الكراهية تجاههم، ومحاصرتهم في رزقهم، بل وحتى في حيواتهم اليومية. نشر رهاب الفلسطينيين يفيد العدو الصهيوني، الذي يحاول منذ نحو سبعين عاماً إجبار شعب فلسطين على الاستسلام.
شيطنة الفلسطينيين هدفها دفعهم للرحيل إلى بلاد الغرب حيث مشاريع التوطين عبر صهر هويتهم، النضالية والوطنية، في المجتمعات الغربية.
شيطنة الفلسطينيين هدفها حرف النظر عن فساد الأنظمة السبب الأول والأساس لخراب بلادنا وإفساد من أُفسد من شعوبنا.
شيطنة الفلسطينيين تخدم الأطراف الفلسطينية في رام الله الراضخة للعدو الصهيوني، بحجة «يا وحدنا».
أما رفع اليسار السلطاني شعار رفض التوطين، فمحاولة بائسة لإخفاء كرههم الفلسطينيين، وليس بإمكانه حجب حقيقة نواياهم العدوانية.
من يرفض توطين الفلسطينيين يحارب المجرم، أي العدو الصهيوني والأنظمة العربية المتصالحة والمتحالفة معه، ولا يحارب الفلسطينيين الذين هم الضحية.
الشعب الفلسطيني لم يحاول يوماً التوطن في بلد ما، وأكثر من نصف سكان الأردن «فلسطينيين» يحملون التبعية الأردنية، للجيل الثالث، لكنهم يعرفون أنفسهم بأنهم فلسطينيون. والفلسطينيون يتذكرون بلادهم ويرفعون، منذ ست وستين عاماً، شعار «العودة حق يأبى النسيان». فهل صادقتُم يوماً فلسطينياً، يا كارهي الفلسطينيين!
* كاتب فلسطيني
9 تعليق
التعليقات
-
القدس عروس عروبتناظنّ البعض في أحداث بلدي سوريا بأنّ طريق فلسطين يمرّ عبر دمشق ويبدو أنّهم لا يجيدون قراءة الخرائط ولعلّهم سيكتشفون يوما أنّ أزمتنا الحاليّة لن تحلّ إلا عبر القدس وأنّ جزء ممايحدث اعترف البعض أم أنكر هو لرسم طوق أمان حول الكيان المحتلّ وسوريا إحدى الدول بل الدولة الوحيدة التي لم تجعلهم يشعرون بالأمان اختلفنا مع نظامها أم اتفقنا معه فهذا ما لا يمكن إنكاره ، وستظل القدس عروس عروبتنا ولن يغيّر بضعة مرتزقة تم شراؤهم وغسل دماغهم من هذه الحقيقة شيئا
-
اولا احيي الاقلامم الشريفةاولا احيي الاقلامم الشريفة والصادقة ثانيا فلنرجع للبداية وللتاريخ وقبل النكبة فمن كان سبب النكبة اليس جيش الانقاد والجيوش العربية والتي ارسلت للحرب باسلحة وذخائر فاسدة وهنا اقول ان الانظمة العربية هي من تامرت علينا وهي سبب نكبتنا ولقد تم لجؤ الفلسطينيين الى دول الجوار والتي هي من المفروض (بلاد العرب اوطاني ) ويمكن الشاعر يقصد التوطين !!!!!!!!!! فاذا كانت الدول العربية لا تريد الفلسطينيين فلماذا سمحوا لنا بالنزوح الى اراضيهم يا اخي كنتوا امنعونا من الدخول وخلّينا نذبح في وطننا كان اشرف لنا من من الذل الذي نراه في بلادكم والله يا اخي نصف الشباب الفلسطيني اصبح يعيش في بلاد الغرب ويحمل جنسيتهم نتيجة الاضطهاد التي يلاقيها الفلسطيني في العالم العربي ولهم نفس حقوق المواطنين ولا يقولوا توطين ولا عنصريةوالله يا اخي ان الشعب الغربي ارحم بنا من بلاد العرب والعجب العجاب ان كل الانظمة العربية تتبنى القضية الفلسطينيه ويمنعون الفلسطيني من الدخول الى اراضيهم يا اخي يا ليتكم منعتونا من الدخول عندما نزحنا من ارضنا لكان ارحم لنا واخيرا اختم بقول الله سنحانه في الحديث القدسي / يا عبادي انني حرّمت الظلم على نفسي فلا تظالموا/ وان الظلم الذي وقع على الفلسطينيين من ابناء العروبة والاسلام سيحاسبهم عليه الحق سبحانه في الدنيا والاخرة فهل من معتبر؟
-
زيادة على ما سبقأنا فلسطيني و قبل شهر تعرضت لموقف (مفاجئ) بالنسبة لي وهي أنني كنت مسافرا إلى إسبانيا و عندي توقف ترانزيت في مطار الجزائر فرفض صعودي للطائرة لأنني اكتشفت أن الفلسطيني يحتاج لتأشيرة ترانزيت للجزائر ولو لمدة ساعة و غيرت مساري عن طريق روما، استغربت كثيرا لأنني كنت واثقا أن الجزائريين بالذات سيستقبلونني بالأحضان فليﻻ نهارا نشاهدهم على التلفاز فلسطين و فلسطين اتضح أنه للاستهلاك الإعلامي. ﻻ تصدقوا أن أحدا من العرب يفتح ذراعيه للفلسطينيين (ربما باستثناء الدولة السورية) حتى أردوغان الذي بكى على فلسطين أكثر من بكاء سعاد حسني في أفلامها أقفل أبواب تركيا بوجه الفلسطيني منذ اندﻻع الأحداث في سورية لماذا؟ الله أعلم
-
عندما قرأت كلمة مجدداً فيعندما قرأت كلمة مجدداً في عنوان المقال إعتقدت (وأنا أسف لتسرعي )أنك تقصد السوريين، فنحن في سوريا لم ولن نتعامل مع الفلسطينيين ( وأنا أخجل في هذه اللحظة أن أقول سوري وفلسطيني )الا كجزء من شعب بلاد الشام فالمصيبة واحدة والمصير واحد فسورية هي الجزء الشمالي من فلسطين وفلسطين هي الجزء الجنوبي من سورية . طبعاً قد توجد أصوات نشاز من الطرفين ولكن الاكثرية الساحقة تعرف بأننا شعب واحد في أربع دول .
-
المجهولة والضرغاماختي المجهولة لا تضيعي وقتك في الرد على السيد ضرغام. هنالك فئة لديها احقاد ولن ينفع معها حتى لو قمت بالصلاة لها كما تصلين لله. قد يشعر من يكرهك ان عليه ان يبرر حقده فيطلع بارقام واحصائيات كي يبرر جرائمه. مثل ان يقدم الاخ ضرغام الرقم الجميل 1200. ليس 1207 او 1194. لا. هناك 1200 بالضبط احصاهم السيد ضرغام. وطبعا بينما كان السيد ضرغام يحصي الانتحاريين الفلسطينيين لم يلاحظ النصف مليون جندي اميركي الذين استباحوا "بلده". السيد ضرغام كان مشغول بتعداد الفلسطينيين فيما الاحتلال الاميركي حبيب قلبهم ومعبود جماهيرهم. الم يذهب الكثير من "البسطاء" من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين للدفاع عن العراق ضد الاحتلال الاميركي واستشهد الكثيرون ومن عاد روى كيف كان العراقيون هم من يطلق عليهم النار ويقولون نحن نريد الاميركيين في بلدنا. وكان اول ما فعله العراقي المقموع المسكين هو قتل الفلسطينيين وطردهم من العراق الى الحدود الاردنية. طبعا لا بد من شكر الحكومات العربية والاسلامية في البرازيل وتشيلي التي اخذت بضعة الاف من اولئك المنفيين الذي طردهم العراق الشقيق ورفض ان يستقبلهم الاردن الدولة الشقيقة الاخرى. بلاد العرب لا تقوم لها قائمة لان الظلم والحقد هو ما يسيرها حتى ولو صلى اهلها 12 مرة كل يوم وصاموا الدهر كله. ولذلك فان الله اصطفى بلاد المسلمين عامة والعرب خاصة ليدب فيها الحروب والخراب لانه ليس هنالك شعوب اقسى واشد لؤما ووحشية من العرب. اسألوا اي لاجئ فلسطيني في بلاد العرب. اسألوا اية عاملة منزلية من سيريلانكا او اثيوبيا تعمل في بلاد العرب وتنتهي "منتحرة".اسألوهم عن اخلاق العرب ودين العرب واسلام العرب. اسألهم يا ضرغام.
-
الرهاب من الفلسطينيين له اسبابه في بعض البلدانتحية طيبة على كاتب المقال المحترم ان لاينسى ما فعله العراقيون للشعب الفلسطيني من تضحيات واموال قدموها له لكن بالمقابل 1200 فلسطيني فجرو انفسهم ضد شيعة العراق ومخيم العين الحلوة اسبوعيا فيه مجالس عزاء لانتحاريين قتلو في العراق ومجالس العزاء لصدام في فلسطين والاردن ونشاطهم الفعال ضمن اجهزة الاستخبارات العراقية ايام صدام ضد المعارضة العراقية ولاننسى مقولة ابو اياد ان تحرير القدس يمر عبر جونية
-
قصة تختصر الحالةقصة قصيرة : "كان ياما كان ، كان في بيت كبير ، و كان كل أفراده إخوات ، إجا الغول،كسر الباب،و أخد الولد الصغير ( كان أحلى واحد ) ، سرق غرفته و أواعيه و رماه في الشارع ، و مرت السنين … اتشرد الولد و ضعف و اتوسخ و انهان و جاع و برد ، و صار كل ما يمر عليه واحد من إخواته يقرف منه ، و يقول للعالم اتطلعوا على وساخة هالولد عشان تشوفوا قديش أنا نظيف …"
-
الفلسطيني حمل الصليب.......شيء يعقد كل ما يحدث أي شيء في البلاد العربيه يتهم الفلسطينيون .نحن الذين عانينا أكثر من كل شعوب الأرض .وما زلنا نعاني ..يبدو مصيرنا أن نصلب على مدار التاريخ...صار عندي شكوك في كل العدالة الالهيه والانسانيه...عندما يتعلق الأمر بالفلسطينين