ليس وضع تركي الفيصل في الحكم السعودي واضح المعالم. هو يجول في القارة الأوروبيّة وفي أميركا منذ 11 أيلول، أي منذ التفجيرات التي كادت أن تحدث شرخاً في التحالف السعودي - الأميركي الوثيق، للتقرّب من الصهاينة في الغرب. الرجل الذي شغل منصب مدير الاستخبارات السعوديّة لعقود طويلة، والذي شكّل الحاضنة لتنظيم «القاعدة»، بات مُكلّفاً أن يحسّن في العلاقات بين الحكم السعودي وأميركا - حكومةً ومجتمعاً.
شغل الأمير تركي منصب سفير أميركا في لندن وفي واشنطن بعد 11 أيلول وكان هو المولج (من قبل الملك على الأرجح) تصويب العلاقات السعوديّة - الأميركيّة. لكن تركي لم يستمرّ في المركز (في واشنطن) طويلاً إذ أنه اكتشف أن سلفه في المنصب، صهره الأمير بندر (والذي كان على الدوام على علاقة سيّئة معه ومع أخيه، سعود، على ما نُشر في الصحافة الأميركيّة المولعة بأخبار آل سعود) لا يزال يقوم بزيارات سريّة إلى واشنطن من دون أن يكون هو على دراية بها. لكن تركي غيّر في طبيعة التعاطي السعودي الرسمي مع الغرب.
درس تركي العلاقات الخارجيّة في جامعة جورجتاون في واشنطن في الستينيات، لكنه - خلافاً لما هو وارد في موقع «ويكيبيديا» (هذا الموقع الذي عزّز الكسل في أوساط الطلاّب والإعلاميّين العرب بالرغم من الكثير من الأخطاء التي يحشوه بها مساهمون ومساهمات وبأغراض مختلفة) - لم يتخرّج عام 1968 بشهادة بكالوريوس. لم يتخرّج الأمير تركي من الجامعة لكنه ترك واشنطن وأصبح المدير العام للاستخبارات السعوديّة في السبعينيات إلى أن ترك منصبه قبل أيّام فقط من 11 أيلول ولأسباب لم يُعلن عنها للساعة. لكن الجامعة، مثل كثير من الجامعات الخاصّة الساعية وراء المال الوفير، عادت ودعته إلى حفل تخرّج وأهدته شهادة لم ينلها ولم يستحقّها. لكن ألم يمنح فؤاد السنيورة الأمير نايف بن عبد العزيز شهادة الدكتوراه الفخريّة من الجامعة اللبنانيّة والرجل بالكاد يستطيع أن يكمل جملة واحدة من دون معونة المستشارين مثله مثل كثيرين من أولاد عبد العزيز؟ ألم ينل الملك السعودي الأمّي شهادات تكريم وهو خرّيج لـ«مدرسة الأمراء» في الرياض، والتي لم تخرّج إلا أميّون؟
إن الفترة التي أشرف فيها تركي على عمل الاستخبارات تزامنت مع حقبة السياسة الأميركيّة لصعود الجمهوريّين في الحرب الباردة. هو الذي أشرف على اعداد وتنظيم وتعبئة وتدريب وتمويل (بالاشتراك مع الراعي الأميركي) تنظيم إسلامي عالمي من المتعصّبين المتشدّدين الجهاديّين. ولد تنظيم «القاعدة» من رحم التنظيم العالمي الذي أشرف تركي على إعداده، وهذا هو الرجل نفسه الذي بات مطلوباً منه محو آثار تفجيرات 11 أيلول من العلاقات السعوديّة ـ الأميركيّة. والطريف ان انطباع تركي عن بن لادن لا يزال إلى حدّ كبير إيجابيّاً. اذكر ذلك الخطاب الذي ألقاه في جامعة جورجتاون بعد تفجيرات 11 أيلول وتحدّث فيه عن تهذيب بن لادن الجمّ وعن دماثة خلقه وعن اللقاءات العديدة التي كان يعقدها معه. إن إفساد بن لادن، بالنسبة له وبالنسبة للكثير من المناصرين السعوديّين، حدث على يد المصري أيمن الظواهري، الذي لولاه لكان بن لادن قد افتتح فروعاً لحضانات للأطفال في عدد من الدول العربيّة.
لكن أسلوب دبلوماسيّة تركي الفيصل تختلف عن أسلوب بندر بن سلطان. كان بندر لا يعتبر ان العمل اللوبي ضروري إذا كانت العلاقة تقتصر على رئيس الدولة الأميركي. وقد أقام بندر، بالنيابة عن عمّه فهد، علاقة وثيقة مع الرئيس رونالد ريغان، وخصوصاً مع عائلة بوش (حتى اكتنى بلقب «بندر بوش»). وبندر عرف مثله مثل تركي الفيصل - وكل على سكّة منفردة - ان الوصول إلى قلب أميركا يكون عبر الانخراط في حروب أميركا السريّة (والساخنة) في الحرب الباردة. عملت المخابرات السعوديّة وبندر على تمويل وتسليح عصابات اليمين الأميركي في نيكاراغوا وأنغولا إضافة إلى تمويل الأحزاب اليمينيّة في أوروبا من أجل منع وصول الحزب الشيوعي الإيطالي والفرنسي إلى السلطة (عندما كانت قوّة الحزبيْن في أوجّها). لكن الأمير تركي هو الذي أدار الحرب الأميركيّة الوحشيّة ضد النظام الشيوعي في أفغانستان وضد القوّات السوفياتيّة هناك. (فاقت قوّات الاحتلال الأميركي وحشيّة قوات الاحتلال السوفياتي التي على الأقلّ أضفت جانباً تقدميّاً على الحكم هناك). ومثله مثل بندر، عمل تركي على الوصول إلى قلب أميركا بعد اندثار الحرب الباردة عبر كسب ودّ إسرائيل.
يتعاطى تركي الفيصل مع نوّاب الكونغرس ومع أوساط النخب الثقافيّة في الغرب. هو يحرص على حضور ندوات ومؤتمرات ونقل وجهة النظر السعوديّة. كذلك هو على صلة وثيقة بمعلّقي الصحف ومذيعي الأخبار في الغرب، خصوصاً في أميركا حيث له مكتب في مدينة واشنطن (زوّدته جامعة جورجتاون بمكتب خاص مقابل تبرّع مالي منه: من قال إن الجامعات الغربيّة لا تبيع الشهادات والنفوذ مثل الجامعات الفاسدة في بلادنا؟ كيف قُبل سعد الحريري في كليّة إدارة الأعمال في جامعة جورجتاون؟ وكيف قُبل ابن زايد بن سلطان في جامعة اوكسفورد من دون ان يكون قادراً على النطق بالإنكليزيّة؟).

ولد تنظيم «القاعدة» من رحم التنظيم العالمي الذي أشرف تركي على إعداده


الطريف أن انطباع الأمير السعودي عن بن لادن لا يزال إلى حدّ كبير إيجابيّاً
واللقاء -وهو لم يكن مناظرة إلا إذا كان عناق العشّاق يُعتبر مناظرة - كان مُدبّراً سلفاً من أجل تحضير الرأي العام السعودي والعربي لمرحلة جديدة من السياسة الخارجيّة للسعوديّة. هناك جانبان من العلاقة القديمة بين الحكم السعودي والعدوّ الصهيوني: كان العداء لعبد الناصر هو الجامع المُشترك، تماماً كما العداء اليوم للنظام الإيراني هو القاسم المُشترك بين النظاميْن. صحيح أن معاداة اليهوديّة من قبل المتخصّص في الكراهية الدينيّة وفي الرجعيّة، الملك فيصل، أثّرت على سياسة المملكة لكن هذا لم يمنع والده من إقامة علاقة مع الصهاينة ومن إرسال (وفق رواية تفتقر إلى معلومات لم يُفرج عنها بريطانيّاً بعد) مبعوث خاص (جون فيليبي) للبحث في الثلاثينيات وما بعد مع قادة الصهاينة في الغرب في بيع فلسطين مقابل مبلغ من المال. لا نعلم كثيراً عن خطة فيليبي لكنه عرض في لقاء في شباط (فبراير) ١٩٣٩ في بريطانيا مع حاييم وايزمن وديفيد بن غوريون تسهيل الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين مقابل ٢٠ مليون جنيه سترليني. (وأهواء فيليبي توضّحت بعد افتراقه مع الملك سعود عندما كتب عازياً الرفض العربي للصهيونيّة لدافع العداء «للأجنبي» - أو «كزينوفوبيا»، بحسب تعبير فيليبي بالإغريقيّة وتعني كره الغريب أو الأجنبي).
كانت حرب اليمن نقطة الالتقاء بين النظام السعودي ودولة العدوّ الصهيوني، وإن الأخيرة عاونت أكثر من دولة في المنطقة في محاربتها لحركات التحرّر (من عُمان إلى الأردن إلى لبنان إلى البحرين حالياً). المرحلة السريّة في العلاقة بين الطرفيْن لا تزال تحتاج إلى توثيق وإلى إفراج قانوني أو قسري عن وثائق تاريخيّة. واستمرّت العلاقة التاريخيّة إلى أن طوّرها الأمير بندر في لقاءات عقدها مع قادة الصهاينة في الأردن في التسعينيات (ولم يكن بندر يعمل من عنده أو بمبادرة شخصيّة منه على ما يرد في إعلام الممانعة الغبي الذي يصوّر الملك السعودي على انه عازم على تحرير فلسطين لولا مؤامرات ابن أخيه الشرّير).
أما تركي فقد عمل على الارتقاء - أو الانحدار - بالعلاقة إلى الحيّز العلني. ولهذه الغاية كان تركي يتقصّد حضور مؤتمرات وندوات يعلم أنه سيكون فيها إسرائيليّون. وهو حشر نفسه قبل أشهر في مؤتمر أمني في برلين من أجل أن يتسنّى له مخاطبة، أو مغازلة بالمعنى السياسي مع أن قادة دول الخليج يبدون شديدي الانجذاب والولع بها، تسيبي ليفني. هكذا بدأت قصّة اللقاء بين تركي وبين يدلين، إذ أن الأخير، وكان حاضراً المحاورة بين تركي وبين ليفني، طلب من الصحافي الأميركي ديفيد إغناطيوس الوثيق الصلة بآل سعود والذي تشكّل كتاباته منبراً لدعاية المخابرات السعوديّة والأردنيّة والأميركيّة، تحضير لقاء أو محاورة مع تركي ووافق الأخير على الفور.
هناك ما لفت في اللقاء. كان تركي صريحاً وصادقاً عندما عرض تاريخ المساعي السعوديّة لإقناع الدول العربيّة بقبول وجود الكيان الصهيوني بينها. نعلم اليوم ان العلاقات السعوديّة - المصريّة لم تنقطع بعد زيارة السادات المشؤومة للقدس المحتلّة. وبعد سنتيْن فقط من توقيع اتفاقيّة كامب ديفيد، بدأ الملك فهد الذي دشّن عهده باللغو عن ضرورة إعلان الجهاد لتحرير فلسطين، بتحضير جامعة الدول العربيّة من أجل منح الكيان الغاصب اعترافاً رسميّاً. ومشروع الملك فهد في 1981، مثل مشروع الملك عبدالله في قمّة بيروت في 2002، كان مشروعاً أميركيّاً باسم سعودي لإضفاء شرعيّة عربيّة وإسلاميّة عليه.
وهذا ما أراد تركي في حديثه تأكيده، وهو مُحق في ذلك. كانت السعوديّة أوّل من كسر حظر الاعتراف العربي بدولة إسرائيل. وكانت الدولة السعوديّة تشتري الموافقة العربيّة (من النظام السوري ومن غيره) عبر المال. وكلام تركي هو تدليل على تاريخ سعودي طويل في جلب كل الدول العربيّة إلى حظيرة الاعتراف بإسرائيل. ومسيرة مدريد أتت بعد نحو عشر سنوات من مشروع الملك فهد، كذلك ان «المبادرة العربيّة» للاستسلام مع العدو في قمّة بيروت (والتي وافق عليها فريق الممانعة) أتت بعد نحو عشر سنوات من مدريد. هذا يعني أن الحكم السعودي يمنح العدوّ صك براءة واعتراف مرّة كل عشر سنوات مع ان العدوّ يتجاهل كل مبادرات الودّ والسلام والألفة من الحكم السعودي. أكثر من ذلك، ان منظمّة التحرير الفلسطينيّة قبلت بـ(لا) حلّ الدولتيْن في أوائل السبعينيات وكان هذا التغيير في موقف حركة «فتح» بضغط مباشر من النظام السعودي (وكان الملك فيصل ملكاً آنذاك). والوثائق الأميركيّة المُفرج عنها في السنوات الأخيرة الماضية تحدّثت عن مساع سعوديّة لتليين موقف حركة «فتح» وتحدّث الملك فيصل عن أن التمويل السعودي لـ«فتح» يهدف إلى جذب منظمة التحرير بعيداً من الحلول المتطرّفة.
وأحرج الضيف الإسرائيلي الضيف السعودي عندما ذكّره بما حدث في الجامعة العربيّة قبل أشهر قليلة ردّاً على مفاوضات جون كيري. إذ أن الأخير، وبالسرّ، استحصل من دول الخليج ومن مصر على اعتراف بيهوديّة إسرائيل وبحقّها في الحصول على الاعتراف كدولة يهوديّة لكلّ اليهود. لكن محمود عبّاس، ربّما خوفاً من شعبه، لم يجرؤ على المضي في القبول العربي وتمنّع عنه فكان أن تراجع وزراء خارجيّة الدول العربيّة عن وعد كانوا قد قطعوه لجون كيري. وهذا فاجأ المفاوض الأميركي الذي اعتبر أن موافقة عبّاس هي تحصيل حاصل. أعطى الحكم السعودي ورفاق صفّه في النظام العربي للعدوّ الإسرائيلي حق الحفاظ على أكثريّة يهوديّة في الدولة، ما يعني حق التهجير القسري لمن يفيض عن النسب الديمغرافيّة التي تنسجم مع الرؤية الصهيونيّة.
عاد الأمير تركي إلى ممارسة عادة الجامعة العربيّة منذ 2002. يعرض المرة تلو المرّة مشروع سلام وتطبيع بالكامل مع العدوّ الإسرائيلي فيما يرفض العدوّ ذلك ويهين المُبادر صاحب العرض، ويحوّر النقاش إلى سياق آخر (وهذا ما اضطرّ تركي إلى الاعتراف به عندما لجأ زميله الإسرائيلي إلى دعوته كي يقتفي آثار أنور السادات ويلقي خطبة في الكنيست فيما يريد ان يذهب نتنياهو إلى مكّة لأداء مناسك الحج الوهّابي ـ السعودي). ما ظهر من تركي من تبرّم مهذّب هو تبرّم المُستسلم الذي يرفض المُحتل شروط استسلامه. يعبّر تركي عن ضيق لأن الإسرائيلي يرفض كل محاولات الاستجداء وذلّ طلب السلام مع العدوّ. لا يكتفي العدوّ بالإذلال، هو يريد إذلالاً أكبر وأكثر، كما اكتشف محمود عبّاس. وفيما أمعن يدلين في إذلال زميله السعودي، أمعن تركي في إذلال نفسه - ونيابة عن الشعب العربي برمّته فخاطب الإسرائيلي بالقول: «نحن لا نريد الحرب مع إسرائيل. نحن لسنا أغبياء».
لكن عاموس يدلين يعبّر عن مواقف الحكومة الإسرائيليّة بصلف معهود، ويقول لتركي إن المبادرة العربيّة لا تكفي وأن الإسرائيليّين لا يعلمون عنها شيئاً. (وقد أنفقت الجامعة العربيّة ملايين الدولارات على إعلانات دعائيّة في صحف الغرب لتعريف القراء بالنيات السلميّة للحكومات العربيّة - التي لا تتوّرع عن اصطناع تمثيل الشعوب - وعن حب التطبيع والاستسلام مع العدوّ). هذه هي شروط المناظرة التي يقبل بها الصهاينة: الا تكون على قدم المساواة وألا تكون مع أصحاب العلاقة وان تكون فقط مع الذين يقبلون السلام الكامل والشامل معهم. أي ان الصهاينة لا يقبلون المناظرة إلا مع مّن لا حاجة للمناظرة معهم.
طبعاً، يعلم الأمير تركي مُسبقاً بالموقف الإسرائيلي من المبادرة العربيّة. وهو لم يكن يتوقّع أن يقوم مدير الاستخبارات العسكريّة السابق بتبنّ علني للمبادرة في مفاجأة مسرحيّة. لا، هو أتى فقط لكسر الحظر على التطبيع العلني مع العدو، وأتى من أجل ان يثبتَ رغبته في تخطّي ما أسماه أنور السادات بـ«الحاجز النفسي»، وهذا قرار سعودي رسمي وهو يشير إلى اتجاه جديد في نقل التلاقي السعودي-الإسرائيلي من حيّز السريّة إلى حيّز العلنيّة.
ولقد أحرج عاموس يدلين الأمير تركي عندما قال له إن مشروع السلام كما قدّمه الأمير عبدالله - أي قبل تعديله من قبل الجامعة العربيّة في قمّة بيروت وبإلحاح من إميل لحّود آنذاك - هو أكثر قبولاً من الإسرائيليّين لأنه لم يكن يتضمّن أي إشارة إلى حق العودة للشعب الفلسطيني ولأنه لم يتحدّث عن الجولان المُحتلّ. (ويعترف مروان المعشّر في كتابه «الوسط العربي» -وهو تنظيم يضم عشرة أشخاص - انه قام بجهود يرضى عنها الغرب لتفشيل محاولات تعديل مشروع السلام العربي باتجاه الإصرار على حق العودة).
وعندما انتقل الحديث من الموضوع الفلسطيني (الهامشي بالنسبة للطرفيْن وهذا ما دلّ عليه يدلين عندما قال ان القضيّة الفلسطينيّة ليست مهمّة وان القضايا التي تهم الشعب العربي هي قضايا معيشيّة فقط). ولم يجد تركي ما يقوله رداً على إسرائيلي سمح لنفسه بالنطق باسم الشباب العربي (وهذا منطق سائد في خطاب الغرب الاستعماري كما استشهد به إدوار سعيد في كتاب «الاستشراق»: «هؤلاء لا يتمثّلون. هم يُمثّلون من قبلنا نحن»).
لكن الحوار انتقل بعد الفقرة الأولى من موضوع فلسطين إلى مواضيع سوريا وإيران حيث كان الاتفاق بنسبة «مئة في المئة» بحسب وصف تركي. وفلسطين هي موضوع هامشي بالنسبة إلى القضايا التي يتفق عليها الطرفان مثل ضرورة التصدّي المُشترك للخطر الإيراني ولخطر النظام السوري على حدّ سواء. وموضوع فلسطين ليس موضوع خلاف بقدر ما هو موضوع تحار في أمره المملكة: أليس من الجحود ان ترفض إسرائيل سلاماً وتطبيعاً تصرّ الحكومة السعوديّة عليه؟
لكن صراع الأمراء مُحتدم ولأوّل مرّة (منذ الستينيات) يعيّر أمير أميراً آخر في الإعلام (الأميركي) ويقول إن الأمير مقرن غير مؤهّل لأنه وُلد لجارية. الجيل الثاني من الأمراء دخل في صراع محتدم من أجل العرش والسلطة والنفوذ والثروات المسروقة من شعب المملكة. لم يُحسم الصراع بعد وطموح أولاد عبدالله يثير نقمة وقلق الأمراء الآخرين. وأولاد فيصل حلموا بالعرش منذ اغتيال أبيهم. وها هو تركي، الذي يُعتبر من صغار الأمراء لأنه في التسعة والستّين من العمر، يطلّ من نافذة اللقاء العلني الأوّل لأمير سعودي مع مسؤول إسرائيلي استخباراتي سابق، وهذا المسؤول له سجلّ حافل في جرائم الحرب في أكثر من موقع وقد زها أمام الأمير بأنه ساهم في الحرب على سوريا ولبنان في عام 1982. أراد تركي ان يسجّل نقاطاً مع اللوبي الصهيوني ومع الكونغرس - والاثنان صنوان - في واشنطن.
لكن حلم آل سعود تبخّر منذ ولاية الأب. لم يُكتب لهم قيادة الشعب العربي كما تسنّى لجمال عبدالناصر ان يفعل ومن دون دفع أموال. فشل آل سعود في الحصول على تأييد شعبي مجّاني. كيف تطلّعت في العالم العربي، ترى آثارهم الماليّة البائسة في مؤسّسات وكتّاب ومثقّفين ودور نشر ورجال دين وزعماء وقادة وجنرالات. لا تأييد مجّاني قطّ لهؤلاء. يحظون بشراء أمثال ميشال سليمان لا أمثال حسن نصرالله. يحلمون بقيادة العالم العربي وتوطيد أركان خلافة مُستجدّة. لهم أن يحلموا ولأميركا ان تمدّهم بكل ما يحتاجون إليه من وسائل القمع (قريباً سيكشف الرفيق غلين غرينولد عن وثائق جديدة لإدوار سنودن وفيها تفاصيل عن طبيعة المساعدات الاستخباراتيّة الأميركيّة في مجال اختراق حريّات وخصوصيّات الشعب السعودي والخليجي عموماً). لكن الشعب العربي في واد آخر. إن متابعة الصراع في أوساط الجيل الثاني من آل سعود ستكون أكثر تسلية من متابعة الصراع بين سعود وأشقّائه.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)