لم أر عربيّاً من قبل يتلقّى الرثاء والنعي الأميركي الذي تلقّاه فؤاد عجمي بعد وفاته في كاليفورنيا قبل أيّام. شكّل ظاهرة بحدّ ذاتها مع أنّه كان مجهولاً من الجمهور العربي الواسع. لم يكن يكتب بالعربيّة (وعربيّته كانت متعثّرة) وإطلالاته كانت قليلة في الإعلام العربي باستثناء بعض محطّات آل سعود. كانت صحف أمراء آل سعود تترجم له مقالاته لكنه ظلّ مجهولاً في العالم العربي.
هو كتب للجمهور الأميركي وتوجّه نحوه بخشوع ولهذا كان من الصعب ترجمة كتاباته إلى العربيّة. وكتابه الأوّل «المحنة العربيّة» كان مبنيّاً على ترجمة وتلخيص لكتب ونقاشات دارت باللغة العربيّة، ما يضعف فائدة ترجمته. أما كتابه الثاني عن موسى الصدر بعنوان «الإمام المُختفي» فقد نشر من قبل دار نشر مملوكة من شقيقة زوجة نبيه برّي الذي كتب مقدّمة الكتاب (وقد ساعد حسين الحسيني وابنه ومحمّد مطر (محامي آل الحريري و14 آذار) إضافة إلى صديق عجمي وأحمد الشلبي، المؤلّف في إعداد بحثه عن الصدر، كما أشار المؤلّف في المقدّمة). لكن عجمي كان أكثر العرب شهرةً في أميركا، لكن هل كان عربيّاً حقّاً أم ان الصفة كانت تهمة شائنة بالنسبة له؟ زميله في «كليّة الدراسات الدوليّة المتقدّمة» في جامعة جونز هوبكنز مايكل مانلبوَم (صهيوني يكتب في العلاقات الدوليّة) أصاب عندما اعترض (في مقال له في مجلّة «ذا أميركان إنترست») على نعي «نيويورك تايمز» لعجمي، لأن الجريدة وصفت عجمي بـ«العربي». قال مندلبوم مُحقّاً: «تلك (أي الهويّة العربيّة) لم تكن أعمق وأغلى هويّة عنده. كان أوّلاً وأخيراً أميركيّاً». هذه هي المفارقة في حياة (وموت) فؤاد عجمي: جهد طيلة سنوات عمله هنا كي يُقبل كأميركي وتطرّف في جهوده إلى حدّ اعتناق الصهيونيّة الليكوديّة والمجاهرة بها (قد يكون أوّل عربي فعل ذلك في الغرب وإن كثر بعده المُقلّدون خصوصاً بعد غزو العراق في 1991)، لكنه في نهاية المطاف بقي عند الأميركيّين عربيّاً - عربيّاً حسن السلوك ومطيعاً لكنه عربي. هذا ما أحاول ان اشرحه لعرب يأتون إلى هنا ويتطرّفون في إنكار هويّتهم العربيّة في محاولات متنوّعة، بعضها مُضحك خصوصاً عندما يتحوّل عبد السميع إلى «سام»، ان الطمس الذاتي للهويّة العربيّة عبر اعتناق معاداة العرب لا ينجح. هي مثل اليهودي الذي كان يسعى في ألمانيا ان يطمس يهوديّته وانتهى في محرقة. (لم يسع عجمي إلى تغيير اسمه لأن الدور الذي رسمه لنفسه احتاج إلى اسم عربي كي يُقبل كـ«واحد منهم يقول لنا ما يقوله الرجل الأبيض عنهم» - هذه هي خلاصة دور عجمي.
6 تعليق
التعليقات
منذ 8 سنوات
رياض سعيد رياض سعيد:
رائع
دكتور اسعد: لك خالص التحية والشكر لتعريف هؤلاء الأقسام
كنت أقول دوما أن الإدارات الأمريكية غبية لاعتمادها على أمثال عجمي ... الآن أدركت لماذا يستخدمونه. .. لك مودتي أيها العربي الغاضب
منذ 8 سنوات
مجهول :
احسنت دكتور.... علي العرب
احسنت دكتور.... علي العرب الامريكيين يتعلمون احترام الذات وعدم الخضوع للصهاينه في الجامعات. اتمني لو انك تكتب عن الاساليب التي يستعملها الصهاينة في الجامعات مع الظلاب العرب والمسلمين...
منذ 8 سنوات
ناصر السيوفي ناصر السيوفي:
صبحي حديدي كتب عن فؤاد عجمي منذ 1992
الكاتب السوري صبحي حديدي كتب كثيرا عن فؤاد عجمي ومذ سنة 1992 كما يذكر هو نفسه بمقالة نشرتها القدس العربي يوم الجمعة الماضي بمناسبة وفاة عجمي .. فلماذا يتجاهله اسعد ابو خليل ؟
منذ 8 سنوات
محمد محمد:
الحمد لله !
وأخيراً خبر جميل وجيد ومريح في أخبار اليوم!
كنت أراه كالشيطان الرجيم، يتحدث على السي إن إن مع آندرسون كوبر عن الثورات العربية، وعن حنين العرب في تونس ومصر إلى زعماء كبار وطنيين شرفاء كعبد الناصر!!! كنت أفرك عينيّ وأجهد في تنظيف أذنيّ لأتأكد أن ما أراه وأسمعه على هذه القناة بالذات ممكن ومعقول وحقيقي أم أنني في حلم! ثم ما لبث هو وكوبر أن كشفا عن وجهيهما الحقيقيين عندما اندلعت الفتنة في سوريا، عندها عرفت أن كل ما حصل سابقاً كان تمثيلية متقنة يستحقان عليها جائزة الأوسكار. بعدها لم أعد أطيق رؤيته، وخصوصاً عندما بدأت أقرأ عنه وعن أدواره الشنيعة التي تحدث عنها الكاتب هنا في المقال أعلاه.
نعم! هم يريدون عربياً "كووول" يتحدث ما يريدونه بلسانه ويشهد لجلاديه بالشرف والحق والفضيلة وللمجلودين بالشتيمة والتهكم.
ماذا أخذ معه إلى قبره؟ ماذا خلّف من ورائه من ذكرى وعلم وأفكار؟ هو لا شيء، وكل هذا الاحتفاء به سيذوي مع الأيام وسيتحول إلى نسياً منسياً...
منذ 8 سنوات
عمار عمار:
طويل جدا
المقال جبد لكنه طويل جدا مثل كل مقالات الكاتب(اعنى طويل)الكثير من التفاصيل و العداوات والصداقات الشخصية.من الصعب التصديق انه رائد الصهيونية العربية فى الغرب لان ظهوره متاخر(الثمانينات),الم يسبقه احد فى هذا الدور المهم والحيوي للغرب ؟
منذ 8 سنوات
كمال ديب كندا كمال ديب كندا:
من أفضل مقالات البروفسور ابو خليل
هذا من أفضل مقالات الدكتور اسعد وما كتبه بحق المدعو فؤاد عجمي هو في محله.. لقد شاهدنا مقابلات مع عجمي على محطات تلفزة يدعو علنا لغزو العراق عام ٢٠٠٣ ويسخر من الفلسطينيين الخ.. وأقواله جعلتنا نشعر بالاشمءزاز
شكرًا دكتور اسعد على التفاصيل القيمة عن خلفيات التعيينات في بعض الجامعات الأميركية
كمال ديب
أستاذ جامعي كندا