عرفت الشهيد والمبدع والقائد غسان كنفاني عن قرب في مرحلتين:أولهما، في مجلة «الحوادث» اللبنانية عامي 1967 و1968 حيث كنت أعمل محرّراً نصف متفرّغ فيها، بسبب متابعتي دراستي الجامعية، وكان غسان يأتي مرة كل أسبوع ليكتب مقاله باسم مستعار هو ربيع مطر. فنتداول في شؤون الصحافة والسياسة والفكر والأدب، وحتى الفن، مع أسرة «الحوادث» التي كانت تضم نخبة مميزة كرئيس التحرير شهيد الصحافة سليم اللوزي، وكالكاتب الكبير طلال سلمان، وكالأديبة المميزة غادة السمان، والصحافي القدير نشأت التغلبي، والإعلامي الشهير الراحل رياض شرارة، والكاتب والأستاذ الجامعي المرموق فاروق الجمال، ورسّام الكاريكاتير الرائع ابن طرابلس نيازي جلول، والمصحح الراحل متري الهامس، اليساري المتخفي خلف اسم سعيد أبو مراد، والمعلم المثقف في المطبعة فواز بشارة (والد المناضلة التي نعتز بها جميعاً سهى بشارة). وكانت الجلسة ممتعة والحديث مع غسان مشوّق ومتنوّع بتنوّع ثقافة الكاتب الكبير.
في المرة الثانية، التقيته في مجلس الإعلام الموحّد لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي كان يرأسه الشهيد كمال ناصر، ويضم الشهداء غسان كنفاني وماجد أبو شرار وشفيق الحوت وفضل شرورو ومحمد كتمتو وعلي اسحق وكاتب هذه السطور، حيث كنت أمثّل جبهة التحرير العربية وكنت الوحيد غير الفلسطيني بين هذه الثلّة من خيرة مثقفي ومناضلي الأمة.
في اجتماعات المجلس الأسبوعية التي بدأت في ربيع 1972 لم تطل مدة وجود غسان بيننا طويلاً، إذ امتدت يد الغدر الصهيوني إلى اغتياله مع ابنة شقيقته الشهيدة لميس عبر تفجير سيارته أمام منزله في الحازمية في 8 تموز 1972.
غير أن فترة وجوده القصيرة كانت كافية لنتعرف إلى غسان الممتلئ حيوية وإبداعاً وأفكاراً لتطوير الإعلام الفلسطيني على المستويات كافة. وحين حصلت عملية اللدّ الشهيرة، التي شارك فيها أبطال من الجيش الأحمر الياباني في مطلع حزيران 1972، وكان بينهم أصدقاء لغسان، أحسسنا جميعاً أن غسان، الذي كان مستهدفاً دائماً من العدو، بات يشعر أن استهدافه بات أقرب، وهكذا كان.
طبعاً، خسرنا غسان المناضل والكاتب والإعلامي والسياسي والفنان، وقبل كل هذا خسرنا غسان الإنسان الرائع، لكن عزاءنا أن دماء غسان وأشلاءه المبعثرة قد حملت كتابات غسان ورواياته ومقالاته ولوحاته إلى كل مكان في العالم، بل إلى لغات عديدة. فبات حضوره اليوم أكثر توهجاً وتألقاً بعد خمسين عاماً على اغتياله من يوم استشهاده، وأخذ فكر غسان وقضيته يلاحق الأعداء في كل مكان.
أجمل ما قيل في غسان ما سمعته قبل سنوات في «دار الندوة» على لسان رئيس مجلس إدارتها المفكر الكبير الراحل منح الصلح، حين قال في تكريمه أن «من أهم مزايا الكاتب والأديب غسان كنفاني أن أفكاره موجودة بين كلماته كفيتامين c في حبة البرتقال، تحس بها دون أن تراها». رحم الله غسان الحبيب والصديق والأخ والمناضل الذي جعل من كلماته حجارة ورصاصاً وصواريخ تتجه نحو عدو لم يخطئ غسان يوماً في تحديده.

* الرئيس المؤسّس للمنتدى القومي العربي