شهد لبنان في الأسبوع الأوّل من شهر أيلول/سبتمبر 2022 حدثين هامين، أولهما عربي ببعد لبناني، وثانيهما لبناني ببعد عربي، مما يعمّق ارتباط لبنان بعروبته واعتزاز العرب بلبنانهم ذي الدور النهضوي المقاوم والرسالة الحضارية الإنسانية. الحدث الأوّل، هو عربي بمعنى أن التقى على أرض لبنان، وفي إحدى جامعاته الكبيرة، «الجامعة اللبنانية الدولية»، أكثر من 150 شاباً وشابة من 12 قطراً عربياً، بالإضافة إلى أبناء المهاجر في إطار الدورة 29 لمخيم الشباب القومي العربي، وبحضور أمين عام المؤتمر القومي العربي، الشخصية المصرية البارزة، الأستاذ حمدين صباحي، والأمين العام السابق والعضو السابق في مجلس الشورى المصري الأستاذ مجدي المعصراوي، وعدد من أعضاء الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي من الأردن والمغرب وفلسطين ولبنان، وممثلي أحزاب وفصائل وقوى مقاومة لبنانية وفلسطينية.
وإذا كانت عروبة هذا الحدث واضحة من خلال المشاركين فيه، ومن طبيعة موضوعات الحوار والنقاش التي تضمنها برنامج المخيم المستمر على مدى 8 أيام، فإن البعد اللبناني لهذا الحدث لا يتمثل فقط في مكان انعقاده في سهل البقاع المنفتح في شرقه وشماله على سوريا، وفي جنوبه على فلسطين، بل أيضاً بتصميم شباب الأمّة على أن يستعيد مخيمهم الذي انطلق عام 1990 دورات انعقاده من لبنان بعد جائحة «كورونا» كبادرة تضامن مع لبنان الجريح والمحاصر من خارجه وداخله على حد سواء.
والبعد اللبناني لهذا الحدث يتمثّل أيضاً في المضمون الحواري الحضاري والنهضوي لبرنامجه، لأن لبنان إذا لم يكن مساحة حوار ونهوض حضاري لن يكون أبداً.
كما أن اختيار القيمين على هذا المخيم يوماً للجنوب اللبناني الممتد من صيدا حتى الحدود مع فلسطين المحتلة، هو إدراك لدور هذا الجنوب ومقاومته، ليس في رفع رأس اللبنانيين وحدهم، بل في رفع رأس أبناء أمّته حيثما كانوا.
أمّا الحدث الثاني، الذي هو حدث لبناني ببعد عربي، فهو المسيرة البحرية التي انطلقت من ميناء طرابلس، مروراً بموانئ لبنانية عدّة، وصولاً إلى رأس الناقورة حيث الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين في رسالة تؤكّد على تمسك اللبنانيين، كل اللبنانيين، بكل نقطة ماء أو نفط أو غاز من حقوقهم، كما تمسكوا بكل ذرة تراب من أرضهم وتحت شعار بسيط «نفط لبنان للبنان».
إن لبنانية هذا الحدث واضحة من مكانه وحركته وطبيعة المشاركين في تنظيمه وفي مراكبه، وهم لبنانيون قادمون من كل لبنان، لا يرفعون سوى العلم اللبناني فوق المراكب والعديد من التجمعات البرية التي استقبلتهم في عمشيت وجبيل وضبيه وبيروت وصيدا وصور.
أمّا البعد العربي لهذا الحدث فهو إدراك القيمين عليه، وفي أغلبهم عروبيون نهضويون، أن المعركة مع العدو الصهيوني المحتل لأرضنا والطامع بمواردنا هي معركة الأمّة كلها، وأن ما يجري اليوم في أقطار الأمّة من مقاومة للاحتلال والحصار وللتطبيع والعدوان والحروب والفتن، هو مقاومة واحدة يشترك فيها كل أبناء الأمّة المدركين أن لا استقلال حقيقي لأمّتهم، ولا أمن قومي ناجز، ولا تنمية مستقلّة جدية، ولا ديموقراطية فاعلة، ولا عدالة اجتماعية، ولا تجدّد حضاري، ما دام جزء من هذه الأرض محتلاً وما دام هناك كيان غاصب باغٍ على أرضها.
وعروبة هذا الحدث اللبناني تتجسّد أيضاً في تلك المواكبة العربية الواسعة لتفاصيله، حيث لم تتوقف الاتصالات من مشرق الوطن ومغربه، مستفسرة ومهنئة بهذا الإنجاز اللبناني الهام، ومتمنية أن تتوافر في بلادهم ظروف تسمح لهم بالقيام بمثل هذه الإنجازات، فتخرج من موانئها، كما من مطاراتها، سفن وطائرات تحمل للبنان وسوريا كل ما يساعدهما على فك الحصار الصهيو–أميركي عليهما، والذي بالتأكيد يشكّل تحالفاً مع قوى الفساد المهيمنة أو المتغلغلة في أنظمتنا الحاكمة.
هذان الحدثان المتكاملان ما كان ممكناً أن يقوما لولا مبادرة خلاقة تقف وراءهما، ولولا همّة عالية يحملها المبادرون والمشاركون والمساهمون والداعمون، فكما يقول دوماً منسق الحملة الأهلية لحماية ثروتنا الوطنية وصاحب المبادرات في كسر الحصار البحري على غزة، الدكتور هاني سليمان، وإخوانه في الحملة: «ربّ همّة أحيت أمّة».

* الرئيس المؤسّس للمنتدى القومي العربي