هل هو برنامج انتخابي، أم أنه أقرب إلى رؤية واستشراف برنامج عمل «حركة الجهاد الإسلامي» للسنة المقبلة؟ فالمضامين السياسية المطروحة في اللقاء الأخير للأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، عبر قناة «الميادين»، هي أشبه بـ«مانيفستو» يُعرض على الشعب الفلسطيني وفصائله، فيما الأحداث المقبلة كفيلة بإظهار مدى نجاح الحركة في تثبيت رؤيتها عبر قراءة سياسية لأحداث السنة الماضية، التي كانت حُبلى بكثير من التطوّرات على صعيد المقاومة، وخصوصاً في الضفة الغربية.
الهوية الشخصية للأمين العام
ربّما لا يهتم كثيرون بالنواحي العائلية والشخصية للقادة، بقدْر اهتمامهم بالأحداث والمواقف، والنجاح والفشل في تجربتهم السياسية. فالتاريخ يتجاوز هذه الخصوصيات؛ لكن اللافت أن يبدأ النخالة حديثه عن عمره أوّلاً، وقد بلغ السبعين عاماً. ويحضرني هنا، أن أذكر الأديب اللبناني الكبير، ميخائيل نعيمة، الذي قرّر في سبعينه، أن يكتب مذكّراته بعنوان «سبعون». لكنّ الأمر مختلف في حالة النخالة، والذي يبدو وكأنه يؤرّخ لتاريخ تجربته منذ أربع سنوات، لدى انتخابه أميناً عاماً خلفاً لرمضان عبدالله. وربّما يعود هذا إلى ثقل المسؤولية، وإنْ كانت تجربته النضالية طويلة في الحركة، إذ انضم إلى صفوفها في عام 1985، وتقلَّد منصب نائب الأمين العام لسنوات طويلة، وخاض تجربة الاعتقال عام 1971، وسُجن خمسة عشر عاماً، وشارك في الانتفاضة الأولى، وأُبعد إلى لبنان عام 1988.

عام الصمود والتحدّي
لدى سؤال النخالة عن تسميته للعام الماضي، فقد أَطلق عليه «عام الصمود والتحدّي». وبالفعل، فإن أحداث السنوات القليلة الماضية، بدءاً باتفاقات التطبيع العربية مع العدو الإسرائيلي والحروب التي واجهها قطاع غزة جنباً إلى جنب عنف وإجرام إسرائيليّين منظّمَين، لم تحبط الشعب الفلسطيني الذي ظلّ مصرّاً على الثبات والمواجهة، ما جعل العام المنصرم كفيلاً باستحقاق هذه التسمية. وكان لافتاً أن النخالة، وفي معرض إجابته عن سؤال حول توقّعاته لأداء الحركة في السنة المقبلة، قال إنها تستقبله «بمعنويات أكبر، فلقد تقدَّمت الحركة في المشهد بعد معركة وحدة الساحات، وأثبتت أنه لا يمكن الاستفراد وتقسيم الشعب الفلسطيني، فما يعنينا في غزة، يعنينا في الضفة، وفي مخيمات الخارج كذلك، فهي معركة واحدة مع عدو واحد». إذاً، فإن ما أثبتته معركة «وحدة الساحات»، من قواعد اشتباك بين غزة والضفة والقدس، يمثّل مساراً ثابتاً للحركة.

الضفة الغربية وخيار المقاومة
نال الحديث عن الضفة الغربية، حصة الأسد من مقابلة الأمين العام لـ«الجهاد»؛ فهي تسكنه، في عقله، ووجدانه، والمقاومة، بحسبه، «ستبقى مستمرّة، والكتائب في الضفة - سرايا القدس - منفتحة على الجميع»، فلا خيار إلّا أن «نقاوم موحّدين... فالشعب الفلسطيني ليس لديه إلّا خيار المقاومة». وكان واضحاً خلال المقابلة، أن النخالة لا يعوّل على توحيد البرنامج السياسي للفصائل، ذلك القوى الفلسطينية اختلفت تاريخياً وما زالت، لكن يراهن الآن على «الوحدة الميدانية»، فيما حركة «الجهاد» مستعدّة للذهاب إلى أبعد مدى ومن دون «شروط»، بغضّ النظر عن المواقف السياسية للعمل المقاوم الميداني المشترك. ويعود بنا هذا الخطاب، إلى انتفاضة الحجارة عام 1987، والأقصى عام 2000، والتي غاب فيها الخلاف السياسي، وبرزت خلالها الوحدة الميدانية الشعبية والفصائلية، وإن كانت الظروف السياسية الفلسطينية والعربية قد اختلفت كثيراً عن السابق، خصوصاً بعد التطبيع العربي، وإصرار السلطة على الخيارات الكارثية، إلّا أن النخالة يعتبر أن هناك «نافذة أمل للتوحُّد في الميدان، والتي بدورها ستفتح أفقاً للوحدة السياسية».
رفض النخالة مهاجمة السلطة الفلسطينية لدى سؤاله عن اعتقال المقاومين، والتنسيق الأمني مع الاحتلال، موجّهاً التحية إلى كتائب «شهداء الأقصى» التي تخوض المعركة مع نظرائها في كتائب «سرايا القدس»، في الضفة، ذلك أن المرحلة الحالية تقتضي «الوحدة في الميدان والقتال في صورة موحّدة، فنحن الآن تحت التهديد جميعاً، ولا مجال للشعب الفلسطيني إلّا المواجهة في الميدان». وقد أَثبتت الأحداث، من وجهة نظره، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي مستنزَف، فنصفه موجود في الضفة لحماية المستوطنات، بفعل عمليات المقاومة، وهذا «إنجاز كبير لم يسبق له مثيل في تاريخ الشعب الفلسطيني، فالاستيطان أصبح يشكّل عبئاً على المشروع الصهيوني».
وفي معرض حديثه عن غزة، لم يستبعد النخالة اندلاع معركة مع الاحتلال، ولا سيما أن رسالة المناورات العسكرية الأخيرة لفصائل المقاومة، «الركن الشديد»، واضحة، ومفادها أن غزة حاضرة، فيما توجّه إلى المقاتلين في الضفة، بالقول: «غزة ستكون عند حسن ظنّكم».

الميدان يخالف توجّهات السلطة
لا تخفي السلطة الفلسطينية توجّهاتها السياسية، بإصرارها على المفاوضات التي وصفها كثيرون بـ«العبثية»، ولم تتخلَّ عن التنسيق الأمني الذي وصفه عباس يوماً بـ«المقدّس»، وهو ما عانى من ويلاته مقاومون، ليضاف إليه لاحقاً، بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، الاعتقال السياسي، ولنشهد المزيد من فصول القمع عبر اعتقال أصحاب الرأي من ناشطين حقوقيين وسياسيين من المخالفين لتوجهات السلطة، وصولاً إلى قتل أيقونتهم، نزار بنات. لكن يبدو أن للنخالة رأياً آخر، فهو يرى أن ما مرّ به الميدان «يفرض معطيات جديدة وليست مرتبطة برغبات السلطة وأجهزتها الأمنية، فالوحدة الميدانية ستحاصر السلطة»، بل ذهب أبعد من ذلك عندما توجه إلى حركة «فتح» مشجّعاً على اتخاذ خيارات تتماهى مع صعود المقاومة في الضفة. وكان من الواضح جدّاً أن ما سمّاها «عوامل الوحدة الداخلية» أهمّ بكثير من إعطاء «أهميّة للسلطة وسلوكها»، ذلك أن الفلسطينيين أمام تحدٍّ كبير في العام المقبل. وعلى الرغم من إيجابية هذا الخطاب، إلّا أنه من المستبعد - وهذا ما عوّدتنا عليه السلطة - أن تتلقّف الأخيرة هذا الخطاب، فيما لا تزال فصائل المقاومة، ومنها «الجهاد الإسلامي»، تدفع ضريبة الوحدة الوطنية من لحم أبنائها.

الدعم للمقاومة
في معرض ردّه على سؤال عن «المعركة الكبرى» التي ستخوضها المقاومة وتؤدّي إلى نهاية إسرائيل، اعتبر النخالة أن الواقعية تفترض أن «وحدة المقاومة هي التي ستؤسّس لنهاية هذا الكيان»، فليس هناك معركة واضحة المعالم إلى الآن ستؤدي إلى زواله، واصفاً مصطلح «زوال إسرائيل» بالـ«الخطاب الكبير»، وهو ما صرّح بموقف شبيه منه خلال معركة «سيف القدس» التي اعتبرها محطّة على طريق التحرير، لا تنبئ بالضرورة عن قرب زوال الكيان، معبِّراً عن واقعية سياسية لا مجال فيها للعواطف المبالغ فيها، والتي يمكن أن ينظر إليها البعض على أنها تواضع مبالغ فيه، نظراً إلى إنجازات المقاومة في السنوات الأخيرة، والتي قرّبتها، بنظر البعض، من التحرير.
لا يخفي النخالة الدعم الذي تقدِّمه إيران و«حزب الله» وسوريا للمقاومة الفلسطينية، إلّا أن هذا لا يعفي الشعوب العربية والإسلامية من تقديم الدعم للشعب الفلسطيني الذي اختار المقاومة، وإنْ كان محور المقاومة يتصدّر المشهد في الدعم. أما عنوان المواجهة في الضفة مع المحتلّ فهو الشعب الفلسطيني، محذّراً من مكيدة الاحتلال في تصوير الدعم الذي تقدّمه إيران للمقاومة الفلسطينية عبر تحويل أنظار العالم عن المعركة الحقيقية التي يخوضها الفلسطينيون، إلى معركة يخوضها الاحتلال مع إيران في الضفة لمآرب معروفة.
وينظر النخالة إلى ما تتعرّض له إيران وسوريا ولبنان من ضغوط وحصار من قبل أميركا، باعتباره ضريبة دعم المقاومة الفلسطينية، والتي بدورها «تقاتل أميركا في فلسطين»، وترفض المشروع الأميركي الذي يريد الهيمنة على المنطقة. هو بلا شكّ خطاب «الجهاد الإسلامي»، المبدئيّ تجاه موضوع الاحتلال وفلسطين، كثّفته أحداث المواجهة في الضفة الغربية، وإعراض العرب وتطبيعهم مع الاحتلال، فليس أمام الفلسطينيين إلّا الوحدة والمقاومة في الميدان، هو ليس حال لسان الأمين العام لحركة «الجهاد» فقط، بل هو لسان حال الشهداء الذين يرتقون يومياً.

* إعلامي فلسطيني