جاءت الحرب العدوانية الوحشية التي يشنها كيان العدو المجرم على قطاع غزة لتؤكد مجدداً طبيعة هذا الكيان الاستعماري الاحتلالي الناتج من خطة يهودية/ امبريالية، كانت تهدف _ وما تزال _ منذ اللحظة الأولى لتنفيذ مشروعها على الأرض الفلسطينية، على قضم الأرض وطرد أصحابها عبر طرق متعددة، كانت الكراهية والعنصرية، وبالتالي، المذابح، أحد أسرع الخطوات لتحقيق الهدف الأساسي: تفريغ الأرض من سكانها وإحلال مستعمرين يهود من أربع جهات الأرض لتحقيق حلم «إقامة دولة اليهود».
جرائم القتل الوحشية وحرق البشر والبيوت والممتلكات، تأصلت في سلوك المستعمرين اليهود عبر كتابات العديد من قادة ومفكري الحركة الصهيونية الذين أسسوا لمفاهيم استعلائية وعنصرية في النظر للشعوب الأخرى، وهذا ماعبّر عنه «ماكس نورداو»، أبرز مساعدي هرتزل، في خطابه أمام المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 بأن شعوب آسيا «منحطة». وقد تشبعت تلك المفاهيم مع المراحل الأولى للهجرة اليهودية لتنفيذ المشروع الاستعماري على الأرض العربية الفلسطينية، بمزيد من الكتابات والدراسات في بداية الربع الأول من القرن العشرين، لتترجم على الأرض، بالتواطؤ والمشاركة من قبل المندوب السامي البريطاني وعساكره وإدارته التي كانت على وشك الرحيل لانتهاء فترة انتدابها، بسلسلة مجازر قامت بها عصابات يهودية/ صهيونية (إتسل، ليحي، أرغون، شتيرن، البالماخ والهاغانه) لترويع المواطنين العرب ودفعهم إلى مغادرة وطنهم. وإذا كانت مذبحة دير ياسين 9 نيسان/ ابريل 1948 هي الأكثر حضوراً فيما نفذه المستعمرون من مجازر. فإن التذكير ببعض جرائم تلك العصابات، ومن ثم ما ارتكبه كيانهم الاستعماري «العصابة الكبيرة الموحدة» _ ومازال _ يضيء على غريزة القتل المتأصلة «مجزرة حيفا 1938، قبية 1953، غزة 1955، كفر قاسم 1956، مصنع أبي زعبل في مصر 1970، حمامات الشط في تونس 1985، الحرم الإبراهيمي 1994، قانا في لبنان 1996».


من الواضح أن سيلاً من الفاشية المنظمة تشهده مواقع التواصل الاجتماعي
فجّرت الجريمة البشعة «الحرق حتى الموت» التي ارتكبها عدد من الوحوش السائبة قرب مدينة القدس المحتلة «شعفاط» بالفتى الفلسطيني «محمد أبو خضير»، بركان غضب شعبي محلي وإنساني عالمي، مترافق مع تساؤلات عن أسباب لجوء تلك الحفنة من المجرمين لتلك الفعلة الشنيعة. لكن العودة لتلك العقود من السنين التي تدرس فيها مناهج الكراهية والعنصرية ضد العرب، وتُسَن فيها مئات القوانين التي تعامل سكان الأرض الأصليين، بشكل دوني ولا إنساني، تضيء لنا الجوانب المخفية في ثقافة ووعي وسلوك المستعمرين. لقد أدت المجازر التي يرتكبها «جيش الدولة الأكثر تحضراً في منطقة الشرق الأوسط» لسقوط 1803 شهداء حتى أمس وأكثر من 8000 جريح ضد المدنيين «82% بحسب إحصاء نشر في 29/ 7 المركز الأورومتوسطي» في قطاع غزة، ومعظمهم من الأطفال والنساء والمسنين (25 عائلة بكامل أفرادها استشهدت وشطبت من السجل المدني). صحوة ضمير عالمية بعد أن تابع مئات الملايين من المشاهدين عملية الإبادة البشرية، فعلاً وليس قولاً، من خلال مشاهدتهم أشلاء الشهداء، وسماعهم بكاء وصراخ الأطفال والنساء نتيجة «المفرمة» الصهيونية التي تستهدفهم في بيوتهم وتلاحقهم إلى مراكز الإيواء في مدارس «الأونروا» التابعة لهيئة الأمم المتحدة، الغائبة عن الوجود، والمكتفية بـ«التحقيق بما يجرى» على الرغم من استهداف أكثر من تسعين مركزاً لها بالقطاع!


الفاشية... عارية

عندما يرتدي الآلاف من مستعمري أرض وطننا، كما نقلت وسائل إعلامية عدة في شهر آذار/ مارس 2009، قمصاناً طُبعت عليها صورة لامرأة عربية حامل، رسمت على بطنها دائرة للتصويب وقد كتبت عليها عبارة « طلقة واحدة، تقتل اثنين». وقمصاناً أخرى طُبع عليها آخر صورة لطفل فلسطيني صغير ميت وبجواره أمه تبكيه وقد طبعت عليه عبارة تقول: «كان الأفضل استعمال الواقي». تكون الإنسانية وليس شعبنا وأبناء أمتنا أمام حالة «سادية ومتوحشة». ومع التصعيد المنفلت من أية ضوابط، يستمر العدوان النازي على القطاع الصامد، امتزجت كلمات الأكاديمي مع تبريرات الحاخام، في دعوات جديدة من الكراهية والعنصرية لتنتهي بالعودة لبحر من الدماء. المستشرق والمحاضر في جامعة بار ايلان «مردخاي كيدار» المشهور بكراهيته للعرب والمسلمين، تحدث في مقابلة مع إذاعة العدو قائلاً بعد أيام قليلة من بدء المجازر: «إن الشيء الوحيد الذي يردع قادة حركة المقاومة الاسلامية حماس هو أن تغتصب أمهاتهم وأخواتهم». أما الحاخام «دوف ليئور» حاخام مستوطنة كريات أربع في الضفة الغربية المحتلة، فقد أفتى بـ«جواز قتل المدنيين الفلسطينيين وتخريب غزة»، مضيفاً: «أنه يحق لوزير الحرب في حالة غزة، أن يصدر أوامره بتدمير غزة كلها». هذا الحاخام وسواه هم «الطلبة النجباء» الذين تخرجوا من مدرسة الحاخام عوفاديا يوسف (1920 ــ 2013) الذين تشربوا فيها حتى الثمالة «إن العرب والمسلمين هم حشرات، صراصير وعقارب»، وهو ما ذهبت إليه قبل أسبوعين «إيلييت شاكيد» النائب عن حزب «البيت اليهودي»، حينما كتبت على صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي «ينبغي قتل أمهات القتلى الفلسطينيين، يجب أن يقتفين خطوات أبنائهن، لا يوجد عدل أكثر من هذا، عليهم الذهاب وإلاّ سينجبن مزيداً من الثعابين». أما تسيبي ليفني وزيرة العدل في حكومة العدو، فلا تنسى أن تبرر الجريمة بتوصيف كاذب فضحته الجرائم التي يرتكبها جيش القتلة «إنه لا وجه للمقارنة بين إسرائيل وحماس، فهذه الأخيرة تقتل المدنيين على نحو متعمّد في حين أن دولتها تقتل المدنيين من دون قصد».


إطارات منظمة تدعو إلى القتل

من الواضح أن سيلاً جارفاً من الفاشية المنظمة على شكل مجموعات بدأت تشهده مواقع التواصل الاجتماعي، تجمعت ضمنها مشاركات لعشرات الآلاف من الصهاينة «مدنيين وعسكريين». وأبرز هذه الإطارات الجماعية «شعب إسرائيل يطلب الانتقام، عصابة اليهود،...»، وتندرج حملتها الفاشية تحت عنوان «كره العرب قيمة». كما يذكر الكاتب سليم سلامة في مقالته القيمة المنشورة على موقع «مدار». مجموعة «كلنا نؤيد الموت للمخربين» على الشبكة العنكبوتية - وكما أوضح المشرفون على صفحتها، أنهم يقصدون العرب جميعهم بكلمة «مخربين»- تعلن أنها من أتباع الحاخام الفاشي مئير كهانا، وقد حصلت على أكثر من 71 ألف شخص من المعجبين والمتابعين لصفحتها. قبل بضعة أسابيع، وجّه القيّمون على هذه الصفحة السؤال التالي إلى زوار الصفحة والمشاركين فيها: «ماذا كنتم ستقولون لوالديّ عامر أبو عيشة» (أحد الشابين الفلسطينيين اللذين ادعت «إسرائيل» بأنهما اللذان اختطفا المستوطنين الثلاثة في منطقة الخليل)؟ وكان من بين الإجابات على هذا السؤال: «يجب جرّهما من الخليل إلى ساحة رابين (في تل أبيب) بواسطة شاحنة كبيرة، ببطء شديد، ثم استخدام دمهما لطلاء الدرجات في الساحة».

خلاصة

إن كياناً تأسس على أفكار الفاشيين الأوائل، سينتهي إلى تفريخات أكثر فاشية ودموية خاصة، مع تطور أشكال المقاومة لهذا الكيان. ولهذا فإن ماتشهده غزة أساساً وباقي الأرض الفلسطينية المحتلة، هو التجسيد الفعلي والأكثر انحطاطاً ًفي تطور الفاشية/ اليهودية الصهيونية/ الإمبريالية في بداية القرن الحادي والعشرين. إن الإنسانية جمعاء وفي مقدمتها أحزاب وقوى وتيارات البشرية التقدمية، مطالبة بالوقوف في وجه كيان العدو وجرائمه، والتضامن الفعلي مع كفاح الشعب الفلسطيني، التواق لحريته، والمقاتل دفاعاً عن كرامته وحقه بالحياة الإنسانية فوق أرض وطنه، بكرامة وسيادة.
* كاتب فلسطيني