ليس من المحبّذ عقد جدالات طويلة حول مصادر السّلاح الّذي قاتلت به المقاومة في غزّة، ولا الاستفاضة في شرح الأصل الايراني والسّوري لصواريخ المقاومة وصناعتها وتكتيكاتها. فمن ناحية أولى، هذا النّقاش ليس مفيداً سياسيّاً أو على أيّ مستوى آخر، ومن جهة أخرى، لا طائل من محاولة «استدرار الشكر»، أو اقناع الكاره، عبر الحجّة والمنطق، بما لا يريد أن يعترف به، ففي السّياسة، كما في في كلّ شيء آخر، لا خير في ودٍّ يجيء تكلّفاً.
ولكنّ المشكلة في المنطق التلفيقي، الّذي يقنع نفسه بأنّ ترسانة المقاومة قد قامت على قدرات ذاتيّة وتصنيع محلّي و«أسلحة ليبيّة»، هي أنّه يروّج لنظريّة ساذجة وتبسيطيّة عن عمل المقاومة وشروطها، وهنا الجّانب الخطير في الأمر. البعض يعيش، على ما يبدو، في عالمٍ تُباع فيه صواريخ الـ«كورنت» عبر الانترنت، أو انّهم يتوهّمون أنّ كلّ الحركات المقاتلة في العالم تصلها - كأصدقائهم في سوريا - صناديق «التاو» و «الكونكورس»، موضّبة وجاهزة، من «مكان ما».
لا يفهم كنه المقاومة من لا يقدّر كمّ الجهد والوقت الّلذين بُذلا لبناء خطّ امداد، تحت انظار اميركا واسرائيل والحكومات العربية المعادية، يمتدّ من الخليج، عبر مضيق باب المندب، الى اريتريا، فالسّودان، فسيناء، وصولاً الى مقاتلي غزّة. يكفي أن تسألوا الغزيّين عن مستوى التسليح الّذي كان متوافراً للمقاومة عام 2005 مقارنةً بترسانتها اليوم. الارادة والشّجاعة هما الأساس، ولكنّهما، وحدهما، لا تنتجان الّا بطولات رمزيّة ووقفات «رجوليّة»، المقاومة، بمعنى الاستمرار والتّراكم وتحقيق الأهداف، هي قبل أيّ شيء آخر نظرةٌ واعية وواقعيّة إلى العالم الّذي نعيش فيه.
امّا من تابع بناء هذه القدرات وتطوّرها، فهو يفهم كيف صارت العبوات الخارقة، الّّتي أرعبت الاميركيين في العراق، تصنع في غزّة، وكيف ان بنادق القنص الثقيلة أضحت، هي والكورنت، متوافرة لكلّ من يتقن استعمالها - بعد أشهر من بدء تصنيعها في ايران (حتّى سنوات قليلة خلت، لم يكن الجيش الرّوسي نفسه يمتلك بنادق قنص فرديّة من عيار 12.7 ملم). هذا الواقع قد يعجب البعض، أو لا يعجبه، ولكن، لمن شاء المقاومة، فهذا هو الطّريق، والدّبابات الاسرائيلية، مهما قلّبنا الموضوع، لن تدمّرها خُطب اردوغان ولا صُحف الخليج.
5 تعليق
التعليقات
-
غزّة وما صنع فيها وبهالا شيء يشفي كالحقيقةِ.. الحقيقةِ ما استطعنا إليها سبيلا (و"ما" لغير النفي هنا). مقال يقول الفكرة بقوّة ووضوح وانحياز موضوعيّ. ليست "المجاملات" ما نحن بحاجة إليه اليوم، فهذه أخت الخداع والزيف في زمان غزّة النازف اليوم. وطلبا للحقيقة المبتغاة نتساءل: هل من وقائع وخفايا في سيرة السلاح والتسلّح نجهلها ويجدر أن تظهر للعلن؟ هل لدى أيّ طرف ما يضيفه لصالح الحقيقة ورفع اللبس (إن كانت المشكلة لبساً)؟ كيف نواجه المزايداتِ ومعاركَ المنافسة الرخيصة واستثمار ذوي الأغراض بغير الحقائق؟ ليس أجدر من الضحيّة بالانتصار للحقيقة، وغزّةُ اليوم الشاهدةُ والشهيدة، فمتى تحدّث أخبارها؟
-
بالنسبة للشكر ...اذا كان هناك من يُشكر فهم الغزاويين مدنيين و مقاومين، لولا إرادة الصمود و المقاومة و الإستعداد للتضحية لما كانت تنفع كل أسلحة العالم، و لكن عندما يُشكر حلفاء أميركا راعية العدو و لا يُذكر من تعب و ضحّى و تحمّل تُبعات دعمه للمقاومة في غزة فبيئة هؤلاءالداعمين الحقيقيين ستتأثر، و ستكون آذانهم أكثر اصغاءً لعكاشة و غيره. رأينا كتاب فلسطينيين كثر يتصدّون للإعلام المصري و غيرهم يقارعون ناهض حتر مع احترامي لهؤلاء الكتاب و تفهمي لأسبابهم أليس من المفيد أكثر لفلسطين و للفلسطينيين التصدي لظاهرة "شكراً قطر شكراً أوردوغان" و ظاهرة شتم حزب الله و القيادة السورية و معهم إيران في غزة؟ ماذا سيكون شعور ابن ريف اللاذقية الذي أبيدت عائلته على يد مرتزقة أوردوغان المتمولة من قطر حينما يرى كل هذا التطبيل و التزمير لتركيا و قطر في الإعلام الصادر من غزة؟ هذا ليس تفصيل بسيط ...
-
صنع في غزة حقا ولكن شكرا حزب اللهصنع السلاح في غزة. اكيد وفعلا وعلى راسي من فوق لانه لا انتصار للعرب الا حين يبدأون بتصنيع سلاحهم. وبعد هذا وذاك لا بد من القول ولازم وحتما: شكرا حزب شكرا سوريا، شكرا ايران. انا اعرف ان لا حزب الله ولا سوريا ولا ايران بحاجة لشكر من احد لانهم يفعلون ما يفعلون بدافع اخلاقي انساني قومي اسلامي ولكن وبرغم عدم حاجتهم لان نشكرهم فاننا نقول: شكرا حزب الله، شكرا سوريا، شكرا ايران.
-
الكبار و إقناع الكارهينفعلا مقال رائع . لماذا لا يقوم الكبار من الطرف المتلقي بإقناع الكارهين ، ليس من أجل الشكر و العرفان ، بل من أجل التخفيف من حدّة الإستقطاب الطائفي الإسلامي ، ألا يدركون أهمية هذا الأمر لحاضر و مستقبل الشعوب ؟
-
مقال رائعمقال رائع