لم تتوقف التظاهرات في الولايات المتحدة منذ مقتل الشاب مايكل براون على يد رجل شرطة. ولم تقتصر تلك الاحتجاجات على مدينة فيرغسون في ميسوري، إذ لجأت الشرطة إلى استخدام العنف لتفريق المتظاهرين، بل شهدت العديد من الولايات الأميركية حركات تضامنية مع فيرغسون. أمّا الإعلام السائد في أميركا فلم يكتف بتقديم تبريرات لممارسات الشرطة بل أيضاً تجاهل البحث عمّا يصفه نيل فورت، طالب الماجستير في معهد برينستون اللاهوتي بـ«المذنب الحقيقي»، وهو سيادة البيض.
يقول فورت: «يجب أن نعترف بأن تسمية (الشرطي) ويلسون على أنه القاتل، من دون تحميل سيادة البيض الذنب، لا يعالج أساس مشكلة عنف الشرطة العنصري... إن المسألة هنا تتعلّق بقيمة حياة الشخص الأسود في أميركا بالقرن الواحد والعشرين».
ينتقص نظام سيادة البيض من إنسانية الرجل الأسود، ويجعل عنف الشرطة أمراً عادياً حين يمارس ضد السود. وهكذا، يتفاقم العنف الجسدي والنفسي الذي تواجهه مجتمعات السود ليس فقط على أيدي أولئك الذين يصطفون خلف عناصر الشرطة بل أيضاً على أيدي اولئك الذين يحتفون بمرتكبي هذا العنف.
إن مقاومة السود لسيادة البيض متجذرة في التاريخ منذ أيام التصدّي للاستعمار والعبودية. واستمر هذا النضال حتى هذا يومنا هذا، وبات يهدف لمواجهة العنف والعنصرية الممنهجين الذين يستهدفان مجتمعات السود.
وأثبتت الأحداث التاريخية أن حياة السود تأثرت بشكل كبير بهذه العنصرية الممنهجة، وأدناه مجموعة من القصص الشخصية عن حياة السود ومقاومتهم بشكل عام، ليس في مدينة فيرغسون الصغيرة والجريئة فحسب، بل أيضاً في أرجاء الولايات المتحدة كافة.

سي جاي كونرود
(مغن وكاتب أغاني، يعيش في فيرغسون منذ أن كان في الثانية من عمره)


إن عنف الشرطة الجسدي والنفسي أمر شائع جداً إلى درجة أن مجرد توقيفي أو توقيف أي شخص أسود آخر يشعرنا بسوء شديد، لا أعتقد أن أياً من البيض قد اختبر هذا الشعور من قبل. لا يتعلق الأمر بمجرد شعور بـ«الانزعاج» بل نفكر «هل سيتصرف الشرطي بمنطق؟» نشعر كأننا مواطنون من الدرجة الثانية، ليس لدينا الحقوق عينها مثل الآخرين.

عندما نكون أطفالاً يعلموننا اتباع سلوك معيّن في وجود الشرطة


لقد انخرطت في صفوف المقاومة في فيرغسون لأني أعيش هنا. لقد مشيت في الشارع نفسه الذي قتل فيه مايكل براون، ووُجّه السلاح إلى رأسي حين كنت مراهقاً. لقد شاركت في التظاهرات وحضّرت وجبات الغداء ووزعتها على المتظاهرين والمتطوعين كجزء من حملة #OperationHelpOrHush. عادةً يكون الجوّ هادئاً خلال ساعات النهار، حتى أن الليالي تكاد تكون مقبولة إلى حين وصول عناصر الشرطة وهي تشهر أسلحتها وتحمل عدّة مكافحة الشغب. عندها يتصاعد التوتر وتتزايد حدّة الاحتجاجات مع تزايد القوّة التي تستخدمها الشرطة، ولكنني لا أرى أي إشارة إلى أنها ستتوقف. أعتقد أن ما يطالب به الجميع هو أن تجري الأمور وفق الأصول، وأعني توجيه الاتهام للشرطي دارين ويلسون واعتقاله وإدانته، إضافة إلى اتخاذ إجراءات لإصلاح ليس فقط قسم الشرطة في فيرغسون، بل مبادئ عمل الشرطة في أميركا بشكل عام.
شخصياً، أعتقد أن العدالة تتطلب أن تطلق أميركا نقاشاً جدياً حول الأعراق والآثار المستمرة لزمن العبودية. لا احد يرغب في الحديث عن هذا الموضوع، ولكننا لن نتمكّن من التقدم إلى الأمام إلا حين نفعل ذلك. علينا أن نعترف بغياب المساواة وعلى الجميع بذل الجهد لتصحيح هذا الواقع. علينا أن نعترف بالعنصرية المؤسساتية المترسخة بثقافتنا والتي أثّرت بأفكارنا وبالأعمال التي نقوم بها بدون وعي. الشيء الوحيد الذي أريد أن يفهمه العالم هو أن هذا مجتمع حقيقي، وليس مجرد حيّ فقير ما. لدينا رابطة ملاكين ورابطة للحيّ، والسكان قلقون حقاً حيال ما يجري. فالمشاركون في التظاهرات هم أناس من كلّ الأعراق والأعمار والفئات الاجتماعية، الذي يعرفون أن ما يحدث اليوم غير عادل ويحرمهم من حرياتهم المدنية.

رايفن راكيا
(صحافية ومخرجة)


أثّر عنف الشرطة بأشخاص كثيرين بطرق مختلفة، فقد جلب لي ولمن حولي الأسى والخوف والقلق والاحباط والذلّ والغصب. إن مقتل مايكل براون ما هو إلا نتيجة لتعدّي الشرطة المستمر على السود. لقد سمعت من كثيرين أن تعديات الشرطة، مثل التوقيف والتفتيش العشوائي، جعلهم يترددون في مغادرة منازلهم. بالنسبة للأشخاص غير القادرين على الحصول على وظائف ثابتة، ويعملون بشكل غير رسمي، فإن تعديات الشرطة قد تقطع عنهم أرزاقهم، وقد تؤدي إلى خسارتهم لمنازلهم.
بالطبع، يؤثّر عنف الشرطة بالأفراد في المستوى الشخصي، إلا أنه يطاول مجتمعات برمّتها أيضاً. مثلاً، حين أردت شرطة نيويورك صبياً في الـ16 من عمره العام الماضي، عبّر العديد من السكان المحليين عن قلقهم من الخروج، فيما قال كثيرون من المقيمين في الحيّ الذي وقع فيه الحادث، إنّهم يفضلون البقاء في منازلهم بعد العمل أو المدرسة.
ومن شأن ذلك أن يقطع الأواصر بين الجيران، ما قد يزيد من الوضع سوءاً بما أن معظم السكان هم من أصحاب الدخل المتدني. وهنا، يجب أن نفهم أن عنف الشرطة ما هو إلا حلقة في منظومة أوسع تسهم في الإبقاء على الأميركيين السود تحت السيطرة، فلا يمكننا الحديث عن عنف الشرطة من دون أن نتناول السجن الجماعي. والسؤال المطروح هو التالي: كيف يؤثّر السجن الجماعي في مجتمعات السود؟ والجواب هو أنّه يفرّق العائلات، ويخلق طبقات اجتماعية أدنى، ويحرم المجتمعات من الأمن الاقتصادي، ويسهم في تردي الصحة النفسية، ويشتت المجتمعات على المستوى السياسي، واللائحة تطول.
فلو كان نظام العدالة لدينا عادلاً بالفعل، لكان اعتقل داريل ويلسون ووجهت له الاتهامات، ولكان اليوم أمام المحكمة. ولكن نظام العدالة الجنائية قائم على حكم القانون والعقاب والسيطرة، لذلك الأشخاص مثل داريل ويلسون، والشرطة بشكل عام، هم من الموارد المهمّة للنظام.
فالسجون لم تُنشأ لتدخلها عناصر الشرطة التي تقتل السود، إذ إن هذه البلاد تبني السجون لاحتواء السود والفقراء. وفي هذه المرحلة، ما يجب أن يحصل في فيرغسون هو أن يقرر السكان مصيرهم بأنفسهم، ولكن ما سيحدث هو أن لجنة المحلفين ستقرر ما إذا كانت ستوجّه الاتهام إلى دارين ويلسون. وستأخذ هذه العملية الكثير من الوقت، وستتأجل باستمرار، فكلّما طال الوقت، كلّما خفت الاهتمام الإعلامي.
وفي النهاية، قد تقرر لجنة المحلفين عدم توجيه الاتهام إلى ويلسون، وحتى إن قررت اتهامه، فإن احتمال إدانته ضئيل جداً. ستنجح الشرطة والحرس الوطني في قمع التظاهرات وإعادة «الهدوء» و«النظام» من دون أي احترام لمبدأ العدالة، حتى أن فيرغسون ستتعرض لاحتلال أشدّ من قبل الشرطة، وهذا واحد من الأسباب الكثيرة التي دفعت الناس للبقاء في الشارع، فهم يعرفون أن لا مجال للتراجع الآن.
إن تحقيق العدالة للسود في أميركا يعني القضاء على نظام سيادة البيض، والتطلع إلى عالم مختلف تماماً، وهذا الأمر ممكن. أنا أعلم أنه ممكن لأننا بدأنا نرى بوادره في فيرغسون، وقد يشمل: منح التعويضات، منح السكان المحليين السيطرة على المدارس والمراكز الاجتماعية، والحكم الذاتي، وتقرير المصير، ووضع حدّ للسجون والرأسمالية، وغيرها من الأشياء التي لم أحلم فيها حتى. إن فيرغسون ما هي إلا البداية.

جاسيري أكس
(مغني هيب هوب، مؤسس منظمة Hood1 وأكاديمية Hood1 الإعلامية)


تأثّرت بعنف الشرطة منذ عمر مبكر. فعندما نكون أطفالاً، يعلموننا أن علينا اتباع سلوك معيّن في وجود الشرطة. لقد ربتني أمّي التي أحبتني كثيراً، وعلمتني أن أكون حذراً جداً عند التعاطي مع عناصر الشرطة. قالت إن عليّ أن أحرص دائماً على أن أظهر يديّ وألا أتناول أي شيء بسرعة، لأن أي تعامل مع رجل شرطة، قد يؤدي إلى مقتلي، أكنت مسلحاً أو لا. من شأن ذلك، أن يشعرك بأنه في كلّ مرّة ترى فيها رجل شرطة أو تلمح فيها أضواء سيارتهم أو يتم توقيفك، بأن حياتك بخطر.
فحتى إن لم تكن تقوم بأي عمل خاطئ أو تنتهك القانون، ستبقى متوتراً، لأن الشرطة لا تمارس عملها في أحياء السود، التزاماً بشعارها «حماية وخدمة» المجتمع، بل تتصرف بعقلية جيش احتلال. لا يفهم الكثير من البيض استخدام مصطلح «امتيازات البيض»، إذ يظنّون أن الأمر يتعلق بالمال أو أنه ذو طابع اقتصادي، غير أنه في الواقع يتعلق بقدرتهم على السير في الشارع من دون أن يقلقوا من أن الشرطة ستشكّ بهم أو ستعتقد أنهم مجرمون. يمكنهم الدخول إلى متجر من دون أن يقلقوا من أن المالك سيتبعهم خشية أن يسرقوا شيئاً. الامتياز هو تمكّنهم أن يكونوا على طبيعتهم وأن يشعروا أنهم بأمان.
يختلف الوضع بالنسبة للسود، فعلى عكس الآخرين، لا تشعرهم الشرطة بالأمان، فنحن نخشى على حياتنا عند كلّ تدخل للشرطة. أطلقت أخيراً أغنية باسم «وصايا التفتيش الجسدي العشر» The Ten Frisk Commandments أتناول فيها طريقة تعاملنا مع الشرطة والقواعد التي علينا اتباعها لنحافظ على حياتنا. وهذا يعكس وضع مجتمعنا، حيث أني مضطر لإنتاج أغنية عن موضوع مماثل.
في معظم الأحيان، نرى أن رجال الشرطة لا يشبهوننا، وحتى حين يكونون سوداً مثلنا، يكونون منغمسين في ثقافة الشرطة، فينظرون إلينا كمجرمين أو حيوانات ومشاغبين. ومن خلال مجموعة Hood1، بدأنا في التجوال بالأحياء في الليل، ونسيّر دوريات بأنفسنا، ففي النهاية قد نضطر للبدء في خدمة مجتمعنا وحمايته بأنفسنا، وللأسف سنحميه من الشرطة التي كان عليها هي أن تؤمن لنا الحماية. يجب أن تنتهي ظاهرة قتل الشرطة لشبّان سود غير مسلحين، ومن أجل ذلك سيتعين على أشخاص من بيننا التقدم والوقوف بين أفراد مجتمعنا والقول إن هذا يكفي
في فيرغسون، يجب توقيف الشرطي داريل ويلسون ويجب محاكمته على مقتل مايكل براون، كما يجب معاقبة عناصر الشرطة التي قمعت بعنف الحيّ الذي كان يبكي أحد أبنائه، عبر اعتقال الكثيرين واستخدام الغاز المسيل للدموع. ولكن للأسف، ذلك لن يحصل. فلم يتم اعتقال ويلسون بعد، وثمّة شكوك حول احتمال توجيه الاتهام له في قضية مقتل مايكل براون.
تدخل عناصر الشرطة إلى الأحياء، وهم تشهر أسلحتها وتهدد الناس، وتستخدم الغاز المسيل للدموع ضد النساء والأطفال وتعنف السكان. فهل ستتم محاسبتها؟ قطعاً لا! وهذه هي المشكلة. يمكن للشرطة أن تستمر في قتلنا وأن تستمر في تعنيفنا، ولن يجري تحميلها المسؤولية أبداً، ولهذا السبب وصلنا إلى هذه المرحلة الحاسمة. في حال لم يعتقل دارين ويلسون، ولم يحاكم ولم تدنه المحكمة في قضية مقتل براون، فما سيكون معنى ذلك بالنسبة لفيرغسون؟ ماذا يعني ذلك لمجتمعات السود بشكل عام؟ إن كان من المسموح أن يُخنق إيريك غارنر ويصوّر على شريط فيديو من قبل عناصر من الشرطة في ستايتن أيلند، ولا تتم محاكمة العناصرعلى الرغم من اعتبار القضية جريمة قتل، ما الذي سيعنيه ذلك بالنسبة للعلاقة بين تلك المجتمعات وبين الشرطة؟ هذا ما يجري على الدوام، يقتل السود ولا نحظى بالعدالة.
ترتبط صورة العدالة في ذهني بالحلم الأميركي أو تلك الصورة التي وعدنا بها عن أميركا، حيث يعامل الجميع كأشخاص متساوين في «أرض الأحرار وموطن الشجعان» كما جاء في النشيط الوطني. هذا هو تعريف العدالة، إنها المساواة الحقيقية. إن العدالة هي ألا ألقى معاملةً مختلفةً لمجرد كوني رجلاً أسود في أميركا، هي أن أحصل على الحقوق نفسها والحماية نفسها من قبل الشرطة والحكومة، ونفس التمثيل في الإعلام، وتمثيل متساوٍ في الكونغرس. هذه هي العدالة.
ولكن للأسف، لا نزال بعيدين جداً من ذلك، لأننا حين نغوص في الموضوع، من خلال مراجعة الاحصاءات أو من خلال التوجّه إلى الأشخاص الملونين في البلاد، سنرى أننا لا نحظى بمعاملة متساوية من الشرطة أو الحكومة، ولا يجري تناولنا في الإعلام بشكل متساوٍ، ولا نتمتع بالمساواة الاقتصادية، أكان الأمر يتعلق بالحصل على القروض أو دخول الجامعات، أو الحصول على عمل. فمن اللافت أن شخصاً أبيض يحمل شهادة مدرسية، يحصل على وظيفة قبل رجل أسود مع شهادة جامعية، حتى أن شخصاً أبيض له سجل إجرامي قادر على الحصول على وظيفة قبل شاب أسود جامعي.
إذاً العدالة هي أن تلتزم الولايات المتحدة الوعد الذي قطعته وأن يحظى جميع المواطنين بمعاملة متساوية. ولكن بالنسبة لنا، فإننا في عام 2014، ما زلنا نعامل كما لو أننا ثلاثة أخماس من البشر، وحتى أقل، لأنني أشك في أننا نحظى بثلاثة أخماس من حقوقنا.
ما يجب أن يفهمه الناس عن المقاومة في فيرغسون هو أن المجتمع هنا سبق أن عانى كثيراً، فنحن نلقى هذه المعاملة من الشرطة منذ سنوات. مثلاً، 70% من سكان الحيّ هم من السود، فيما قسم الشرطة مؤلف من 53 عنصراً، 50 منهم بيض، حتى أن عمدة المدينة أبيض، ومعظم أعضاء مجلس المدينة هم من البيض. يعيش هذا الحيّ منذ زمن تحت حكم سيادة البيض، ومايكل وبراون ليس الشاب الأسود الأول الذي يتعرض للقتل، وبحسب احصاءاتهم كان الحادث أول جريمة قتل تسجّل في فيرغسون هذه السنة. إذاً، المقاومة التي يبديها هذا المجتمع والانتفاضة التي قام بها مبررتان فعلاً. إذ لدى السكان سبب كافٍ للغضب، فقد رأوا صديقهم بعد أن قتل على أيدي الشرطة وترك لأربع ساعات مرمياً على الأرض، ورأوا الشرطي الذي قتله، يحظى بعطلة مدفوعة ولم يجر القيام بأي شيء للتخفيف من ألمهم. لم يتم القيام بأي شيء من أجل تحقيق العدالة.
جُلب جيش احتلال إلى فيرغسون من أجل اخماد التظاهرات، ولم تحاول السلطات الاعتراف بمشاعر السكان المحليين. على الناس أن يفهموا وأن يحاولوا أن يضعوا أنفسهم مكان السكان. ما كنت لتفعل لو كان الضحية صديقك أو أخاك أو ابنك؟ أجل، مايكل براون لم يكن الأول، فالسود يتعرضون للقتل والضرب والعنف منذ أن سكنوا هذا الحيّ. أما كان ذلك ليغضبك؟ أليس هذا الغضب مبرراً؟ هذا ما على الناس أن يفهموه. كما على الناس أن يفهموا أن ما يحصل في فيرغسون ليس نادراً، بل هو يتكرر في أرجاء البلاد كافة. من نيويورك مع إيريك غارنير إلى لوس أنجلس مع إيزيل فورد، حيث يتصاعد هذا الغضب المبرر عينه في كل أرجاء الولايات المتحدة، وفي حال لم يجر القيام بشيء ما ممن أجل احقاق العدالة في فيرغسون، فإن ما يجري هناك سيمتد في أرجاء البلاد كافة.

ويليام سي. أندرسون
(صحافي حرّ)


إنه لأمر مرعب، فطوال حياتي وأنا أخشى الشرطة. لقد تعلّمت عن عنف الشرطة في طفولتي حين سألت أمي لماذا أسمتني ويليام. قالت في حينها إنها أطلقت عليّ هذا الاسم تيمناً بجدّي الذي قتله شرطي فيما كان يسير في الشارع، تماماً مثل مايكل براون. لذا كبرت وأنا أخشى من عنف الشرطة ومن الدم المرتبط باسمي. وقد جعلني ذلك إنساناً حذراً، ولكن حتى الحذر والعمر والقدرة لن تحميك من أن تصبح مجرد رقم.
لا أعتقد أن الشرطي سيعاقب، قد يلقى تنبيهاً فحسب. بالنسبة للسود، أعتقد أن كثيرين منهم سيرضون بحكم بالسجن، ولكنني شخصياً أؤيد ما يطالب به ذوو براون، وأظنّ أنهم يريدون أن تنفذ بالشرطي عقوبة الإعدام، مع أنني شخصياً لا أؤمن بهذه العقوبة.
في حالة مثل هذه أرغب في أن تطبق العدالة التصالحية، ولكن مؤخراً في هذا العالم وفي هذه البلاد بالتحديد، باتت العدالة التصالحية مجرد حلم. فهذه البلاد مدينة للسود، وهي عاجزة عن تسديد هذا الدين. ومنح العدالة للسود يبدأ في الاعتراف بإنسانيتنا وليس في التصرف وكأننا غير منطقيين حين نطالب بالعدالة. أنا لا أعرف أين تنتهي العدالة لأنني لم أر بدايتها بعد.
يحقّ للسود أن يغضبوا وألا يثقوا بالشرطة، فلا أحد يفهم تاريخنا بقدر ما نفهمه نحن، وكثيرون منّا فخورون بأهل فيرغسون لرفعهم الصوت. وأتنمّى أن يستمّر السود في المقاومة في المستقبل على الرغم من الأوضاع الصعبة. ربما حان الوقت لنفكّر كيف ننقذ أنفسنا، تماماً كما فعل أجدادنا في خلال تاريخ هذه البلاد، لأننا لا يمكن أن نعتمد على أي شخص آخر.
في هذه المناسبة، أرغب في أن أهدي أغنية «تشبث هنا» «Hang On In There» لمايك جيمس كيركلاند لسكان فيرغسون، وأقول للسود في أميركا إنني أحبهم. هذه واحدة من أكثر الأغاني التي أحبّ سماعها حين أشعر بالاحباط. لذا تشبثوا بمواقعكم!

فيراري شيبيرد
(فنان وصحافي)
«الشاب الأسود والمتعلم هو أسوأ كابوس لأميركا»


بسبب أعمال العنف التي ارتكبتها الشرطة في الولايات المتحدة الأميركية، أصبحت قاسياً ولكن بشكل مفيد. أصبحت قوياً. عندما كنت ولداً، كنت بريئاً مثل باقي الأولاد. ثم، بلغت سن المراهقة، وفجأة اكتشفت أني بت عدواً للمجتمع. فقد كان الآخرون يخافون مني ويكرهونني ويشكون في أمري. ونتيجة ذلك، أصبحت قوياً. وقد علمتني أمي «قواعد» البقاء حياً كرجل أسود. الخضوع... الخضوع... الخضوع هي الكلمة التي تلخص تلك القواعد. استغرقت 25 سنة كي أتمكن من النظر في عيني رجال الشرطة من دون الفرار من نظراتهم. وأتذكر كيف كانت الشرطة توقفني أنا وأصدقائي كل أسبوع لمجرد المشي في الشارع. وأحياناً، كانت الشرطة تخضعنا للاستجواب، وتسألنا إلى أين كنا نذهب، وتجمع أسماءنا ومعلومات شخصية أخرى قبل أن تتركنا لنمضي في سبيلنا. وفي مرات أخرى، تقصدت الشرطة إذلالنا. في إحدى المرات، دفعني بعض رجال الشرطة إلى خلع ملابسي كلها، واجلسوني على حافة الطريق المغطاة بالثلج، لمدة نصف ساعة، في درجة حرارة متدنية جداً للبحث عن أي مخدرات أو أسلحة. وأحياناً أخرى، كانوا يأخذوننا إلى ممرات أو طرق مختصرة لإخضاعنا إلى فحوصات شرجية بأصابيعهم وهم يرتدون القفازات. كانت تلك الممارسات روتينية لنا. فإلى من أشتكي، إلى رجال شرطة آخرين؟ يُعتبر رجال الشرطة الجهة الأكثر رهبة مقارنة مع أي مظاهر فقر أخرى، لا سيما المخدرات والعصابات. ليست فيرغسون مدينة معزولة. فالشرطة هي التي تعد التقارير وتمارس الضغوطات وتضرب وتقتل السود في الولايات المتحدة.
ما من عدالة قد توفي حق الأفارقة بسبب الأعمال المشينة المرتكبة بحقهم. ولذا، علينا أن نبدأ من جديد. وهذا ما نريده بالفعل، أن يتركوننا بحالنا ونبدأ من جديد كي تلتئم جروحنا. فلا وجود للعدالة على نطاق أوسع. العدالة ستبدو بمثابة انتقام، ولكنهم علموني أن الانتقام خطيئة، أليس كذلك؟ فالانتقام يصبح مقبولاً في حالة واحدة ألا وهي عندما تطبقه إسرائيل أو الولايات المتحدة، هل أنا أكذب؟ لطالما كان الشعب الأسود مظلوماً إلى درجة أنه إذا حاول المقاومة، يهب الآخرون للاعتذار بسبب تصرفاته. المقاومة مقابل محبة الظالم، يا لها من مفارقة! في الحقيقة، ما نشهده في فيرغسون هو نقطة الغليان. لقد سئم الناس من ممارسات الظلم بحقهم ولكنهم منقسمين بشأن الأمور التي يجب فعلها لوضع حد لكل ذلك. وهذه هي مقاربة الخضوع للظلم. ولكن، المهم أن الشعب غاضب. والغضب هي نقطة البداية. والحل ليس بسهلٍ. فالحل موجود داخل قلوب وأذهان المشكلة. إذاً، فلنكتشف الحل.
(ترجمة هنادي مزبودي)
* صحافية لبنانية ــ أميركية