كان من الطبيعي أن يستغلّ محمود عبّاس مفارقة ادّعاء النّصر، مع القبول بشروط تشبه المبادرة المصريّة، كركيزة في هجومه الأخير على حركة حماس. المشكلة في كلام عبّاس هي انّه ليس بريء المقصد، ولا هو يهدف الى حوار وطني (أو حتى محاسبة)، بل إنّه جزءٌ من حرب سياسيّة أُعلنت على «حماس» بالتزامن مع انتهاء العدوان، تشبه الحرب الداخلية التي استهدفت «حزب الله» ما إن وضعت حرب تمّوز أوزارها _ والهدف هنا هو ليس «حماس» بذاتها، بل المقاومة.
اختبرنا، في العديد من المناسبات، مقدار حرص رئيس السلطة على المصلحة الوطنيّة الفلسطينية، وليس من صالحه فتح باب المحاسبة؛ إن كان يتّهم «حماس» بارتكاب أخطاء سياسية أدّت الى إطالة أمد الحرب وتحمّل المزيد من الخسائر والتضحيات، فإنّ سلطة أوسلو قد أشرفت على إهدار حقوق تاريخيّة وإلحاق ضرر بالقضيّة الفلسطينية قد يستلزم إصلاحه عقوداً. أساساً، وفي المبدأ، لا يحقّ لمن شارك في الوساطات المشبوهة أن يشتكي من نتيجتها؛ وإن كانت قيادة «حماس» قد ارتكبت أخطاء، فإنّ خطأها الأوّل _ والأكبر _ كان في القبول بمن شارك في الحرب عليها وسطاء ومفاوضين.
الحملة السياسية على «حماس» ليست جديدة، ولا هي مرتبطة بالعدوان ونتائجه؛ حملة العزل هذه ابتدأت منذ سنوات، واشتدّت وازدادت فعاليّتها مع صعود النّظام الجديد في مصر، وهي ما أوصل «حماس» الى القبول _ قبل العدوان _ بتنازلات كانت إسرائيل لتعجز عن انتزاعها منها بعشر حروب، وأوّلها الدخول في حكومة تحت شروط «الرباعيّة» (الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف). اليوم يلوح خطر صدام داخلي فلسطيني يُضاف الى الحصار الخارجي، ومن هنا فإنّ واجب «حماس»، تجاه القضيّة أوّلاً، هو أن تحسن إدارة موقفها السياسي وألّا تدخل المقاومة في نفق العزل الكامل والتنازلات.
هناك اليوم من لا ينظر الى «حماس» إلّا من زاوية النكاية السياسية، أو انزعاجه من خطاب خالد مشعل وباقي طقوس التدمير الذاتي الذي تمارسه الحركة على نفسها في بعض الأحيان. لم يعد شيء من هذا مفاجئاً، ومن حق البعض أن يمتعض ويُسائل وينتقد، إلّا أنّ جوهر الموضوع يظلّ في أنّنا، كعرب، لا يحقّ لنا أن نفرض على الفلسطينيين قادتهم، ولا خياراتهم السّياسية. واجبنا يقتصر على دعم مقاومتهم وحمايتها أو، أقلّه، أن لا نكون شركاء في الحرب عليها.