لم يرتح حسن نصرالله منذ أن تسلّم الأمانة العامّ لحزب الله عام 1992، لم تتوقّف الحروب الإسرائيليّة المنشأ على قيادته وحزبه ومشروعه. وكلّما أثبت نصرالله مهارة في الزعامة وكلّما ازدادت شعبيّته (قبل الحرب في سوريا)، كلّما أصرّ العدوّ الإسرائيلي على تسعير الحرب ضدّه وعلى تحريف وجهة بندقيّته.
حروب متوالية ومؤامرات وأعاصير وغزوات واغتيالات واجتياحات وخيانات: لا ينتهي العدوّ من حرب على الحزب، حتى تبدأ أدوات العدوّ المحليّة حرباً أخرى، وهكذا دواليك. حرب كونيّة شُنّت على نصرالله وحزبه وهي لم تهدأ بعد. لم يُسمح له بالتقاط أنفاسه حتى بعد ان انتهت مرحلة إدارة بوش الكارثيّة. وبعد عدوان تمّوز، زاد الإصرار الإسرائيلي على زيادة حدّة الحرب الكونيّة على حزب الله مع ان الحسابات الأميركيّة والإسرائيليّة تتضارب في مسألة وجود قيادة نصرالله لأن أميركا تعلم - من دون أن تعلن ذلك -أن نصرالله وحده قادر على منع لبنان والمنطقة من التفجّر الكامل.
لكن الحرب في سوريا غيّرت في نوعيّة الحملة ضد الحزب. إن دور أميركا والدول العربيّة وإسرائيل في الحرب في سوريا يستهدف حزب الله وإيران أكثر مما يستهدف النظام السوري. النظام السوري لم يزعج العدوّ الإسرائيلي إلا بالطرق غير المباشرة، فيما شكّل حزب الله في الأداء البارع في حرب تمّوز تهديداً ليس عسكريّاً فقط وإنما نفسيّاً للعدوّ: نسف الحزب في المواجهة الشجاعة كل العقيدة القتاليّة والاستخباراتيّة التي حكمت أداء العصابات الصهيونيّة وجيش الدولة قبل وبعد 1948. إن المواجهة المباشرة ضد الحزب غير مأمونة العواقب والطرق الملتوية في المواجهة (الحرب في سوريا والاغتيالات) لا تؤدّي الغرض الذي تهدف إسرائيل وأميركا إليه، وهو إنهاء حالة حزب الله بالكامل، أو تحويلها - كما كان في حالة «فتح» - من قوّة مقاومة إلى سلطة شرطة رديفة للاحتلال ومهادِنة للعدوان.
لكن بعد ثلاث سنوات من الحرب في سوريا، بات التقويم واجباً. من الواضح ان هناك جوانب في أداء حزب الله تحتاج إلى دراسة نقديّة تبتعد من طرفيْ الدعاية العربيّة: إما تحريض المحور السعودي - الأميركي أو هتاف محور ما يُسمّى بالممانعة (مع ان الممانعة ليست صنواً للمقاومة).

أولاً: الحرب في سوريا

ساق الحزب حججاً عدة في تسويغ تدخّله العسكري في سوريا وساق خصومه شتّى الحملات التحريضيّة ضد الحزب حتى قبل ان يتدخّل في سوريا. إن كذبة ان فريق 14 آذار لم يعادِ حزب الله إلا بعد موقعة 7 أيّار توازي كذبة ان معاداة حزب الله من قبل المعارضة السوريّة (او النظام العربي الرسمي أو «حماس») لم تبدأ إلا بعد ان تدخّل في سوريا. إن حرق صور نصرالله والهتاف ضد الحزب وزعيمه سبق بأشهر طويلة التدخّل العسكري المباشر للحزب: إن تصريح برهان غليون لجريدة «وول ستريت جورنال» جاء قبل أشهر طويلة من تدخّل الحزب العسكري في سوريا. كان إعلام السعوديّة وقطر منذ اليوم الأوّل يزعم ان إيران وحزب الله يقودان قوّات النظام السوري. لم يقبل المحور السعودي - القطري أي تفسير لتدخّل حزب الله في سوريا إلا تفسير التآزر الطائفي المحض. لكن بصرف النظر عن موقف المرء من تدخّل الحزب العسكري في سوريا فإن مقولة إن التحالف بين الحزب وسوريا هو تحالف طائفي ضعيفة الحجّة والأسانيد. إن علاقة الحزب مع النظام السوري كانت حتى عهد بشّار علاقة تراوحت بين الصراع الدموي وبين الهدنة المشوبة بالقلق. إن حركة «امل» هي التي أقامت تحالفاً (منذ أيّام موسى الصدر) على أسس طائفيّة مع النظام السوري (ورافق ذلك إصدار الصدر قراره الذي أدرج فيه العلويّين في نطاق الشيعة «الإثناعشريّة» مع ان ذلك يتعارض مع عقيدة الطائفتيْن). لم تشب العلاقة بين حركة «امل» منذ إنشائها والنظام السوري أية شائبة. لكن هذا لا يسري على علاقة حزب الله والنظام السوري. إن العلاقة التحالفيّة بين رفيق الحريري والنظام السوري كانت أقوى من التحالف بين الحزب والنظام السوري.
إن ظهور الخطر الداعشي قد يزيد من قبول ذرائع الحزب وأسبابه للتدخّل في سوريا


لكن القول إن التحالف بين الحزب وبين النظام السوري ليس طائفيّاً لا يعني بتاتاً ان التحالف هذا كان صائباً أو أنه كان دوماً لمصلحة مشروع المقاومة، أو هناك في قاعدة حزب الله مَن لا ينظر إلى التحالف من وجهة طائفيّة. كما ان التحالف بين الحزب وحركة «حماس» لم تَشُبه شائبة قبل ان تقرّر «حماس» ان تقف منتظرةً سقوط النظام كي تعلن من الدوحة انتصار محور الإخوان من تونس حتى دمشق. لم يخلّ الحزب بتلك العلاقة بل ان الحركة هي التي أخلّت بها.
لكن الحزب وقع في ورطة في تدخّله في سوريا. قدّم عدداً من الحجج لتبرير تدخّله في سوريا من دون ان يكون مُقنعاً في كل منها. إن قدرة المحور السعودي ــ القطري (والذي يفعل العدوّ الإسرائيلي فعله في داخله) على شنّ تحريض مذهبي ضد الحزب استفاد لا فقط من تدخّل الحزب في سوريا بل من فشل الحزب في التصدّي لمشروع الفتنة الطائفيّة في المنطقة خصوصاً منذ عام 2005. إن تسعير وتيرة التحريض المذهبي ضد الحزب كان بقرار سعودي – أميركي - إسرائيلي، وجاء للتعويض عن الخسارة الاستراتيجيّة لجيش العدوّ وللخسارة المعنويّة لآل سعود الذين راهنوا (مع أدواتهم في 14 آذار في لبنان) على تدمير حزب الله وبسرعة وسمت هزائم الجيوش العربيّة في حروب ضد العدوّ. ارتبك الحزب وظنّ ان الترفّع عن الردّ على التحريض الطائفي المذهبي كفيل بإفشاله. أما إعلام الحزب فهو من أفشل الإعلام في زمن السلم ومن أبرع الإعلام في زمن الحرب، هو إعلام حربي فقط. إن الصمت والشلل المقصود الذي يشوب الإصدار السياسي للحزب يمدّ الأعداء بمعين هائل من التكرار الدعائي المُضاد، كما انه يسمح لإعلام النفط والغاز بنسب أقوال (مختلقة من أساسها) جدّ مضرّة بالحزب وسمعته إلى «قياديّين في الحزب» أو «أشخاص قريبين من الحزب» أو إلى «كاتب قريب من حزب الله على فايسبوك». لا تعلم قيادة الحزب ان غياب الردّ يعني ان العدوّ أو الخصم يحتكر الساحة الإعلاميّة، هو إعلان فوز الخصم بالمناظرة بسبب غياب الملاكم.
نجح الحزب في تصوير الخطر الذي يهدّد لبنان من العصابات المُسلّحة في سوريا، كما أنه نجح في تقديم الحجج عن ضرورة حماية قرى حدوديّة. هذه الحجج أثبتت جدواها في الأشهر الماضية خصوصاً بعد أن كشف الحزب عن مخطّط التفجير الإرهابي الطائفي الذي قادته العصابات المُسلّحة في سوريا. إن القضاء على مصانع السيّارات المُفخّخة في القلمون وعزل العصابات المُسلّحة عن الحدود اللبنانيّة ساهم في إقناع جزء من اللبنانيّين بجدوى تدخّل الحزب في سوريا. كما ان الحزب أثبت جدارة في استقصاء الجماعات التي كانت تعدّ وترسل السيّارات المُفخّخة إلى لبنان. لكن هذا لا يعفي الحزب من المساءلة والمحاسبة بمعيار المقاومة ومشروعها:
هل أثبت الحزب ان تورّطه العسكري في سوريا لم يضعف من قدراته في مواجهة العدوّ، أو لم يصرف أنظاره على الأقل خصوصاً ان الحزب كان صامتاً وساكناً أثناء العدوان على غزة، مع علمنا ان نظرة الحزب إلى الصراع مع العدوّ هي نظرة استراتيجيّة بعيدة النظر ولا تخضع لانفعالات وحماسات عاطفيّة مني أو من غيري (وهذه ميزة القادة الذين لا يخضعون للانفعالات)؟ هل كان سكون الحزب شهر العدوان على غزة بدافع الدراية والحساب الدقيق أم بسبب الانشغال والامتداد الطويل الباع؟ صحيح ان إعلام العدوّ في إسرائيل وفي أميركا ينظر بعين القلق إلى التجربة القتاليّة المُتراكمة للحزب في سوريا، لكن هل كان حساب الربح والخسارة في صالح التدخّل بعد ان نجح معسكر النفط والغاز في تقليص سمعة الحزب إلى حدود مذهبيّة طائفيّة ضيّقة ومن دون ردّ فعّال وناجح من قبل الحزب (إن الحزب يظنّ ان نفي الفتنة هو بمثابة القضاء عليها: أعلن حسن نصرالله وأد الفتنة الطائفيّة يوم 7 أيّار، فيما هي سعرت بعد ذلك اليوم)؟
بقدر ما برع الحزب في المقاومة بقدر ما هو فاشل في الحسابات الداخليّة


لكن حتى لو أيّد المرء انخراط الحزب في القتال في سوريا لأسباب غير مذهبيّة، ألم يسئ الحزب نفسه إلى حججه نفسها عندما قبل بأن يلعب دوراً في حماية مزارات شيعيّة في سوريا؟ لماذا يكون هذا الدور مُلقى على عاتق الحزب، مثلما هو مُلقى على عاتق تنظيم عراقي طائفي مثل «لواء أبو فضل العبّاس»؟ لماذا لم يقترح الحزب تطوّع مؤمنين ممن يهمّم الأمر كي يقوموا هم بمهمات حماية المزارات حتى لا يرتبط اسم الحزب بمهمّة دينيّة (مذهبيّة) لا علاقة لها بمهمات مقاومة العدوّ الإسرائيلي؟ إن الحزب برّر تدخلّه من باب منع الفتنة لأن العصابات المعارضة، التي تأتمر بأمر النظاميْن السعودي والقطري، كانت تخطّط لتسعير الفتنة لكن الفتنة لم تُمنع بل زادت في لهيبها وقوّتها. أي ان الحزب فشل في ما خطّط له من وراء حماية المزارات الدينيّة.
إن ظهور الخطر الداعشي قد يزيد من قبول ذرائع الحزب وأسبابه للتدخّل في سوريا لدى جماهير الطائفيّة في لبنان، لكن هذا لا يعزّز الموقع المُقاوم للحزب في المنطقة العربيّة. إن حلفاء إسرائيل العرب خطّطوا منذ عدوان 2006 من أجل تقويض سمعة الحزب العربيّة والإسلاميّة ونجحوا في ذلك أيما نجاح. إن التدخّل في سوريا كان واحداً من العناصر التي سهّلت حملة الأنظمة الحليفة للعدوّ الإسرائيلي. صحيح انه ثبت بالقاطع ان العصابات المُسلّحة (الموالية لقطر والسعوديّة وتركيا) في سوريا أثبتت انضواءها في منظومة حلفاء إسرائيل في المنطقة (قبل زيارة اللبواني إلى دولة العدوّ) لكن محاربة حلفاء إسرائيل يجب ان تكون من ضمن جبهة عريضة غير طائفيّة، وإلا التصقت الصفة الطائفيّة بالحزب، كما حدث في السنيتيْن الماضيتيْن.
ولقد فشل الحزب في وضع تصوّر معيّن ومُحدّد عن مستقبل سوريا. إن الكلام العام عن «حلّ سياسي» لا معنى له من دون مبادرة من الحزب لوضع تصوّر يمكن ان يكون له بعض التأثير في سلوك نظام لم يتوقّف عن القمع بالرغم من الحرب المُستمرّة. لماذا لا يعقد الحزب لقاءات علنيّة مع أطراف في المعارضة لا تزال تؤيّد مشروع المقاومة والتغيير غير الخليجي؟
ثم ان المُواجهة المُستمرّة مع الخطر الداعشي (وهو خطر حقيقي لا يمكن التقليل من حجمه) أفقدت الحزب بعضاً من توازنه، حتى لا نقول صوابه. لم يوضّح الحزب للساعة طبيعة علاقته مع النظام العراقي الطائفي والذي - بالرغم من تحالفه مع النظام الإيراني - لم يقلّل من ارتهانه للمُحتلّ الأميركي. إن قرار إقصاء المالكي (على سوئه، أي على سوء الرجل) صدر من واشنطن وليس من بغداد، ولأسباب تتعلّق باعتراض سعودي (غير علماني وغير سيادي وغير وطني). ما الذي يجمع بين حزب الله كحزب مقاوم يُعلن تحالفه مع حركات معارضة يساريّة حول العالم، ونظام رجعي طائفي يرتهن بإشارة فقيه الاحتلال ومَن ينتدبه الاحتلال نفسه؟ هل يمكن النظر إلى العلاقة من خارج منطوق التعاضد الطائفي؟ هل هناك معيار واحد يمكن على أساسه إدراج النظام العراقي في خانة المقاومة، أو حتى ما يُسمّى بالممانعة (وهي صيغة تلائم النظام السوري لأنه لا يقاوم وتحرجه صفة المقاومة)؟ لم يشرح الحزب لجمهوره طبيعة تلك العلاقة بعد.
أكثر من ذلك، هل استدرج الحزب من خلال الساحة السوريّة إلى المشاركة في حرب غربيّة خبيثة «ضد الإرهاب»؟ هل يثق الحزب بأي حرب «ضد الإرهاب» تصدر عن واشنطن؟ ولماذا لم يصدر بيان رسمي واحد عن الحزب يستنكر فيه حق واشنطن في شنّ أكثر من 160 غارة على العراق حتى الساعة؟ هل يختلف الحزب على ان أميركا لا تدخل حرباً ولا تقصف من دون أن تقتل مدنيّين ومدنيّات أبرياء؟ إن التساهل مع القصف الأميركي على العراق (وغداً مع سوريا) يمكن ان يؤدّي إلى التساهل المستقبلي من قبل الرأي العام العربي إزاء حرب قد تختار واشنطن ان تشنّها ضد حزب الله نفسه (وبالنيابة عن العدوّ الإسرائيلي) وتحت عنوان «الحرب ضد الإرهاب» نفسه؟ إن خطاب وتحالفات «الحرب ضد الإرهاب» من قبل الغرب لا يمكن ان تكون لا لصالح العرب أو المسلمين، ولا حتى لصالح الحرب الحقيقيّة ضد الإرهاب.

ثانياً: الوضع اللبناني

بقدر ما برع الحزب في المقاومة بقدر ما هو فاشل في الحسابات السياسيّة الداخليّة. لا تلم الحزب إذا كان هو ينتقي أفراداً لمواقع سياسيّة رفيعة (مثل ميشال سليمان) ثم ينقلبون عليه بفعل المال السعودي. لكن حسابات الحزب الداخليّة باتت عبئاً عليه كحركة مقاومة: ليس هناك من رأسمال وطني في عالمنا العربي: من «البنك العربي» إلى نجيب ميقاتي، إن رأس المال العربي هو رجعي حكماً وأكثر تأثّراً بالضغوطات الأميركيّة المباشرة وغير المباشرة. لكن الحزب أبعد نفسه عن الحركات اليساريّة في لبنان وأبقى على سياساته الاقتصاديّة الرجعيّة. إن برنامج محمّد فنيش في تخصيص كهرباء لبنان لم يَحد عن رأسماليّة الحريري الوحشيّة. إن انفصال الحزب عن الحركة المطلبيّة الشعبيّة غير الطائفيّة يزيد في عزلته وقوقعته الطائفيّة التي فرضها أعداؤه عليه، وفرضها هو على نفسه بحم عقيدته الدينيّة وتركيبته الاجتماعيّة. وماذا عن تنامي الاتهامات الشعبيّة لبعض عناصر أو قيادات حزب الله بالفساد؟ هل هناك تحقيق في الأمر أو محاسبة؟ وهل المحاسبة علنيّة أم سريّة؟ هل من حق جمهور الحزب ان يعرف ذلك، أم لا؟
لكن وضع الحزب في التركيبة السياسيّة اللبنانيّة بات متطابقاً مع التجربة السياسيّة (الطائفية حتماً) لحركة «امل». كما ان تحالفات الحزب لم تخرج عن نطاق التحالفات الطائفيّة من حلفه مع «التيّار الوطني الحرّ» (ومن دون حرص على تطبيق ما اتفق عليه، وبصرف النظر عن صوابيّة الاتفاق الذي لحظ رأفة مع إرهابيّي جيش لحد)، إلى تحالفه المُستمرّ مع وليد جنبلاط بالرغم من ارتكابات الـ»ويكيليكس» التي لا تُغتفر. من حق جمهور حزب الله ومن حق أنصار المقاومة بصورة عامّة ان يسألوا لماذا تزيد لقاءات نصرالله مع جنبلاط عن لقاءاته، مثلاً، مع سليم الحص الذي لم يناور ولم يبع مواقفه والذي لم يحد عن خط المقاومة. هذه من جملة الأسئلة المشروعة عن الدور السياسي للحزب.
ولم تكن تجربة الحزب في الحكومات المتقاعبة ناجحة، ولم تترك أثراً إيجابيّاً. ألم يكن افضل لحركة المقاومة لو استمرّت في النأي بنفسها عن تجربة الاتساخ في السلطة في لبنان؟ هل كان إقحام الحزب في الحكومات اللبنانيّة بعد اغتيال الحريري فخّاً غربيّاً مقصوداً بهدف إرباك الحزب وإبعاده من الهالة القدسيّة التي أحاطت تجربته في المقاومة الصرفة في حقبة حسن نصرالله؟

ثالثاً: فلسطين

يطغى موضوع فلسطين على كل ما عداه عند الحزب، وهذا أفضل ما في حزب الله. إن عقيدة الحزب الصلبة في مواجهة العدوّ الإسرائيلي والحزم في الردّ على اعتداءات العدوّ في لبنان في العام الحالي لا يدعا مجالاً للشك في قدرة الحزب على المواجهة الفعّالة ضد العدوّ. إن سلوك المقاومة في غزة مدين بالكثير للحزب، ولا ينفع جحود خالد مشعل في إنكار ذلك. للحزب هدف تحرير فلسطين والدفاع عن لبنان. لن يدافع عن لبنان إلّا متطوّعو الحزب، وأداء الجيش اللبناني في عرسال لم ينقذ سمعة بُنيت على أكل الأفاعي. والذين فشلوا في ردّ عصابات «النصرة» و»داعش» في عرسال لا يمكن لهم الركون إليهم في مواجهة أعتى جيوش المنطقة وأكثرها وحشيّة، قارنوا بين صورة جنود الجيش في الأسر وصور مقاتلي حزب الله الأشدّاء في الأسر الإسرائيلي. هي الفيصل بين المقاومة وبين العجز والإستكانة.
إن الحرص على المقاومة ليس ملك جمهور حزب الله وحده، وليس ملك طائفة. لم تكن المقاومة الفلسطينيّة طائفة، كما كان العظيم جورج حبش يردّد في خطبه عشيّة الحرب الأهليّة عام 1975، ولا يمكن تحويل المقاومة في لبنان إلى طائفة، كما يريد آل سعود وصحبهم في معسكر النفط والغاز.
يُسجّل للحزب انه بالرغم من الحملة الظالمة التي يتعرّض لها، وبالرغم من اتهامات تطاوله وهو غير مسؤول عنها (كأن تكتب مقالات عن طائفيّة بناءً على تعليق لأحدهم على «فايسبوك» ثم يُحمّل الحزب المسؤوليّة أو عبر التعميمات التي يُتهم الحزب بها لأن فلاناً من «بيئة المقاومة»، وهذا هو الاسم الحركي للشيعة في إعلام النفط والغاز الطائفي)، لم ينجرّ إلى الخطاب الطائفي لا بل ومنع قياداته من الانجرار إلى الردّ على الخطاب الطائفي (هو فعل أكثر من ذلك: منع نوّابه ووزراءه من الكلام المباح لكن هذا لم يمنع إعلام الغرب وإعلام قطر والسعوديّة من نحل الكلام وعزوه إلى «مصادر قريبة من الحزب» أو إلى «قيادي في حزب الله»، الخ). لكن كل هذا لا يكفي.
إن مشروع المقاومة مُعرّض للخطر. والخطر الداهم يأتي من أكثر من طرف، وبلبوس طائفي وليبرالي وصهيوني مع ان المُشغّل واحد. إن قدرة الحزب على الاستمرار في المقاومة يرتبط بمدى نجاح الحزب عن عزل نفسه عن بيئة لبنان الطائفيّة وعن اللعبة السياسيّة برمّتها، وعن الحروب المذهبيّة في المنطقة. كما ان الحزب لا يمكن له ان يستمرّ في سياسة التدخّل في سوريا من دون قياس الربح والخسارة على مشروع المقاومة. ماذا لو ربح الحزب نظاماً وخسر مقاومة؟
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)