أثار الدّخول الحوثي الى صنعاء، من بين ما أثار، تساؤلاً حول أسباب تفوّق حلفاء ايران، عسكرياً وسياسياً، على خصومهم المنضوين في المعسكر السعودي، من اليمن الى لبنان. في اليمن، خرج الحوثيون من أفقر وأقصى أقاليم البلد، صعدة الحدودية، فواجهوا ثماني حروبٍ شنّت لاستئصالهم، ست منها قادها الجيش اليمني، وكلّها جرت بدعمٍ سعوديّ - حتى وصلت الرياض الى حدّ المواجهة المباشرة مع الحوثيين عام 2009 في حربٍ كانت نتائجها بالغة الدلالة.
تبدأ الإجابة عبر مقارنة نوعية الحلفاء الذين يختارهم الطرفان؛ يكفي النظر الى صورة حسين بن عبد الله الأحمر، الذي كان يفترض به أن يقود الدفاع عن نفوذ عائلته في عمران، وهو يلبس النظارات الشمسية ويقف أمام السيارات الأميركية (على طريقة أبناء الزعماء العرب)، حتى نفهم لماذا انهزم آل الأحمر - ممثلو المال الخليجي - بسرعةٍ وانتهت زعامتهم، ونسف الحوثيون منزل العائلة في مسقط رأسها.
في أغلب السّاحات، يكون وكلاء الخليج على شاكلة آل الأحمر، الذين تخلّى عنهم اتباعهم القبليون ساعة المواجهة: زعامات اقطاعية وشبه اقطاعية، رجال أعمال واجراء «يُصدّرون» من الخليج الى بلدٍ مشرقيّ ليحكموه، وورثة مدللون يعيشون بين بلادهم الفقيرة ودبي ويخلطون السياسة بالتجارة، متوهّمين أن هذا هو نوع الزعامة الذي يمكن أن يرسخ ويستمرّ في هذه المرحلة من تاريخنا. من جهةٍ أخرى، نجد أنّ منظّمات كـ «أنصار الله» راسخة في مجتمعها ومتجذّرةٌ فيه، تخاطب الناس في وجدانهم ومعتقدهم، يحركها عقلٌ سياسي كفوء، وتبني تنظيماً فعّالاً شحذته التجربة والحرب. من هنا، لا غرابة من نتيجة المواجهة بين العقليتين، بغض النظر عن حجم الدعم الخارجي.
من الطبيعي أن يختار الخليج سماسرةً هزيلين لتمثيله، اذ انّه عاجزٌ بنيوياً عن التماهي مع طرفٍ قويٍّ ومستقلّ: السياسة الخليجية في بلادنا تقوم على «اللامشروع»، هي تبتغي وكلاء للحفاظ على المصالح القائمة أو للتخريب فحسب، مرتكزةً على اسوأ الغرائز في المجتمع. في الستينيات من القرن الماضي، لم يكن «الاسلام» بالنسبة اليهم مشروع أمّة، بل فتنةٌ ترمى في وجه عبد الناصر؛ واليوم، بالمثل، هم لا يملكون رؤية واستراتيجية للتحشيد الّا الطائفية، والطّائفية بمعناها الغبي والبدائي الذي يقوم على العداء والكراهية فحسب. الزمن الخليجي ينقضي، ولن تنقذه طائرات اميركا، وقد حان الوقت حتى ينسحبوا - هم ووكلاؤهم - ويفسحوا ميدان التاريخ لمن يستحقّه.