هذا المقال ليس دراسةً علمية، ولا هو يدّعي تقديم حلولٍ لمسائل تحتاج الى كثير من التفكّر والتجريب، ولكنه عبارة عن إجابة طويلة بخصوص سؤال يتردد كلّما نال الجيش اللبناني منحة عسكرية من «الأصدقاء»، فيتبين أن معداتها مخصصة حصراً للقمع الداخلي، وكلّما جرى الحديث عن سيناريوات حرب (أو حروب) قادمة تضع لبنان في مواجهة اسرائيل: هل من الواقعي التفكير في دفاعٍ جوي يقي لبنان الذراع الحربية الإسرائيلية؟ وهل لبنان، بحجمه وطبيعته وموارده، يجوز له أصلاً أن يطمح بدرعٍ جوي؟ أم هو أمرٌ خارج الحساب والإمكانات؟

سأدافع عن ثلاث أفكار أساسية في هذا العرض: أوّلاً، لا يوجد مكانٌ في العالم «لا يصلح» للدفاع الجوي، فالوسائط الحربيّة والخطط تسخّر لمواءمة الموقع الجغرافي والإمكانات، لا العكس، وكلّ بلدٍ وإقليم له مزاياه ومشاكله، وحولها تتمحور استراتيجية الدفاع. ثانياً، لا توجد وصفةٌ جاهزة للدفاع الجوي حتى نتحدّث عن مطابقتها للساحة اللبنانية، بل إنّ الحرب الجوية تقوم على الابتكار واستعمال الموارد بأشكالٍ غير متوقّعة، قد تختلف عن الغرض الأساسي الذي صممت لأجله. أخيراً، إنّ لبنان لا يصلح فحسب لاستعمال وسائط الدفاع الجوي، بل هو ـ بحجمه وجغرافيته ـ يكاد يكون مسرحاً مثالياً لاصطياد طائرات العدوّ. المشكلة تكمن في القرار السياسي وغياب الإرادة، لا أيّ عاملٍ آخر.

لبنان وأساسيات الحرب الجوية

الدفاع الجوي هو، قبل أي شيء آخر، مسألة طوبوغرافيا. إذا كانت هناك جبالٌ بينك وبين مطارات خصمك، مثلاً، فإنّ هذا ينتج «منطقة ميتة» في التغطية ترتفع باطّراد كلما تقدمت المسافة، فالشعاع الراداري لا يخترق الجبال، وهي ستمنعك من كشف طائرات عدوك إلا على ارتفاعات عالية جداً. ولو كانت أرضك سهلية منبسطة تحيط بها سلاسل جبلية – كحال دمشق مثلاً – فإنك في غياب الرادارات المحمولة جوّاً (أواكس) لن «ترى» أي نشاط جوي خلف هذه الجبال، ولا يعود يهمّ هنا إذا كان رادارك ميكانيكياً قديماً أو إلكترونياً، أو إذا كان مداه 200 أو 400 كيلومتر.
لهذا السبب، تقوم الحرب الجوية على فهم الطبيعة الجغرافية لساحة القتال، ومعرفة مواطن الضعف والممرات التي يمكن العدو أن يتسلل منها. ضمن هذه المقاييس، ليست كل الدول متساوية، فالسويد المنبسطة ليست كالنروج، والعراق ليس كإيران. عقيدة الدفاع هنا تبنى لاستغلال الميزات الجغرافية وتوفير أكمل تغطية ممكنة للمجال الجوي.
من هذه الزاوية، فإن لبنان – كالأردن – لديه نقاط قوة كبرى في وجه إسرائيل، فجبال لبنان هي الأعلى في المنطقة، وهي ترتفع تدريجاً من الجنوب إلى الشمال، ما يعطي لرادارٍ منصوب على أي قمّة أو سفح جردٍ في السلسلة الغربية مدىً للكشف لا يعوقه شيء في اتجاه الجنوب، وصولاً إلى تل أبيب؛ وهو أيضاً ما يمنع الطائرات الإسرائيلية من «الاختباء» خلف تضاريس أو جبال – إلى حدّ ما، فإنّ الجبال اللبنانية تمنح امتيازاً دفاعياً يشبه طائرة الـ«أواكس».
يتكلّم الكثيرون في لبنان عن الدفاع الجوي كأنّه أمرٌ تعجيزي كثير المتطلّبات، مشيرين إلى أن المنظومة الدفاعية يجب أن تبنى على أكثر من مستوى، وأن يكون فيها شبكة منظومات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، حتى تقفل المجال الجوي أمام سلاح طيرانٍ متقدّم كالإسرائيلي؛ وأنّ تدابير كهذه هي مكلفة وصعبة وليست ضمن قدرات بلدٍ صغير. هذه النظرة التي ترمي إلى إغلاق النقاش والاستكانة إلى العجز لا تؤيدها الوقائع. ليس صحيحاً أن هناك قالباً واحداً موحّداً لمنظومات الدفاع الجوي، ولا الدفاع عن الأجواء يعني حكماً إقفال السماء في وجه كلّ طائرة وصاروخٍ معادٍ (وهو هدفٌ شبه مستحيل في كلّ الأحوال). لا يوجد «كتابٌ مقدّس» يفصّل سبل الدفاع الجوي، بل هو مجرّد وسيلة للوصول إلى غاية، والغاية هنا مرنة تعتمد على الإمكانات ومستوى الطموح، والمعادلة ليست «كل شيء أو لا شيء».
تكنولوجيا الدفاع
الجوي في العقود الأخيرة سخّرت من أجل تصغير
حجم الأسلحة

يمكن تنظيم الدفاع الجوي على عدة مستويات ولأهدافٍ متفاوتة. من المحتمل مثلاً، أن تقصر دفاعك على الارتفاعات المنخفضة، بهدف منع الطائرات بلا طيار والحوامات من العمل (وهذا، في الحرب الحديثة، أضعف الإيمان، فمن الصعب جداً خوض حربٍ فيها درجة من التكافؤ بينما طائرات الاستطلاع – وهي عين الجيوش اليوم وآلة تهديفها – تحوم فوقك بحرية). ومن الممكن ايضاً التركيز على الصواريخ المتوسّطة وإجبار قاذفات العدو على التزام الارتفاعات العالية. ويجوز أيضاً تصميم نظام دفاعٍ بعيد المدى يكون مقفلاً وهامداً أغلب النهار، ولا يُفتح – في حالة الحرب – إلا لدقائق في اليوم، فتُفاجأ طائرات العدو ويُسقَط بعضها قبل أن يُقفَل الرادار وتُخبّأ البطاريات الصاروخية. حين نفهم هذه الاحتمالات وتعددها، نعرف كيف أنّ التخلي عن أي مفهوم للدفاع الجوي في تسليح الجيش اللبناني وخلوّ الصفقات والهبات الخارجية من الوسائط الدفاعية هو ليس نتيجة ظروف قاهرة أو بسبب محدودية الموارد، بل هو خيارٌ سياسي - تحرص عليه الدول «الصديقة» - بإبقاء سماء لبنان مفتوحة أمام العدوّ. وهذا ليس إلّا مثالاً على حدود أي «استراتيجية دفاعية» عن لبنان تصممها لنا إسرائيل وحلفاؤها.

حالة التكنولوجيا اليوم

على الرغم من التطور الكبير الذي دخل على الطائرات المقاتلة وأنظمتها الوقائية في السنوات الأخيرة، إلا أن التقدم في مجال الدفاع الجوي قد جرى بالوتيرة نفسها، بل إن هناك رابطاً مباشراً بين الاثنين، إذ إنّ كل كشفٍ جديد في مجال الطيران العسكري يستثمر أيضاً في الدفاع الجوي، وهو ما يدفع بعض الخبراء إلى التأكيد أنه، نظرياً، يبقى المدافع صاحب الأفضلية في حال تساوي الموارد.
على سبيل المثال، إنّ الرادار الذي يميّز النظام الروسي الشديد الفعالية، بوك أم-2، ما هو في الأساس إلا نسخة أرضية عن رادارات «تيخوميروف» الحديثة التي طوّرت من أجل المقاتلات الروسية ميغ-29 وسو-27، مع فارق أنّ الرادار الأرضي لا يحتاج لأن يكون في صغر وخفّة وزن الرادار المحمول جواً (وهي الشروط التي تجعل رادارات المقاتلات مرتفعة الثمن ومعقدة تكنولوجياً).
المعادلة ذاتها تنطبق على صواريخ الدفاع الجوّي، فإنّ كلّ التطوّرات التي دخلت على صواريخ الجو-جو القصيرة المدى قد استثمرت أيضاً في مجال الصواريخ الحرارية المضادة للطائرات. يعتبر الجيل الجديد من صواريخ الاشتباك الجوي القريب (مثل «سايدوايندر اكس» ونظرائه في أوروبا وروسيا) سلاحاً نوعيّاً لا يردّ، حتى إن الطيارين يرددون أنّه، إن أطبق السايدوايندر الجديد عليك، فإنك لا تملك فرصة للإفلات، فلا توجد طائرة في العالم تقدر على مجاراة هذه الصواريخ الرشيقة في المناورة، وقد أصبح نظام البحث والتوجيه متطوّراً إلى درجة تجعل تضليله مسألة بالغة الصعوبة.
هذه الميزات دخلت بدورها إلى الجيل الجديد من الصواريخ المحمولة على الكتف، كالسام-24 والميسترال وغيرها. في الماضي، كان الرأس الباحث في نظام سام-7 الشهير لا يرى فعلياً الّا نقطة حمراء، تمثل الموجة الحرارية التي تصدر عن نفاث محرك الطائرة والمنطقة المحيطة به، وكلّ ما يستطيعه الصاروخ هو توجيه نفسه صوب هذه النقطة. لهذه الأسباب كانت التقنية غير فعالة إلى حد بعيد، فمن يوجّه السام-7 لا يمكنه ضرب الطائرة إلا وهو في مواجهة ذيلها، أي وهي تطير مبتعدةً عنه، ومداه الفعال لا يتجاوز الكيلومتر، ومن السهل جداً تضليل رأسه الباحث بوسائط حرارية، أو حتى إذا ما دخل قرص الشمس في مجال الرؤية، فالصاروخ لن يتمكن من التمييز بين مصادر حرارية مختلفة.
منذ الثمانينيات، اختلف الوضع كثيراً، فصارت الصواريخ المحمولة على الكتف تملك رؤوساً باحثة متقدّمة، تقدر على تمييز أطياف حرارية مختلفة، ولم تعد المشاعل التي تطلقها الطائرات قادرة على حرفها عن هدفها. ومع تقدّم تكنولوجيا الكاميرات الحرارية، ستصبح الصواريخ «ترى» الطائرة/ الهدف على شكل بصمة حرارية، والكمبيوتر يحتسب الزاوية الأمثل للاعتراض، ما يزيد من إمكانية القتل إلى حدّ بعيد.
لا يمكن شرح أهميّة هذه التطورات بالنسبة إلى بلدٍ كلبنان إلّا من خلال المنظور المقارن. في أوائل الثمانينيات، احتفت المنشورات العسكرية بدخول جيل جديدٍ من منظومات الدفاع الجوي «المصغّرة»، كالكروتال والسام-8 إلى الخدمة. بالنسبة إلى الخبراء العسكريين، كان فتحاً جديداً أن تصير هناك عربات شبه مستقلة، تحمل رادارها وصواريخها وغرفة القيادة معاً، فتقدر على رصد الطائرات العدوة والاشتباك معها من دون حاجة إلى وسائط خارجية ورادارات مستقلة. كان المدى الفعال للنماذج الأولية من هذه الأنظمة لا يتجاوز 3-5 كيلومترات، وهو اليوم المدى الذي يغطّيه صاروخٌ حديث محمول على الكتف. مع فارق أنّ هذه الصواريخ يمكن إخفاؤها تحت أي شجرة أو غطاء، ومن السهل نشر مئات الأفراد الذين يحملونها في منطقة الاشتباك، ومن شبه المستحيل أن تتمكن الطائرات العدوة من رصدها وتدميرها.
كمثال عملي، هناك نظام سويدي من إنتاج شركة «بوفور» اسمه Rbs-70، هو بحجم منصة صواريخ مضادة للدبابات، ولا يحتاج إلى أكثر من فردٍ واحدٍ لتشغيله. النظام يوجّه لايزرياً، بمعنى أن كلّ ما على المستخدم فعله هو أن يبقي علامة التوجيه على الطائرة الهدف، والصاروخ سيركب على الشعاع اللايزري أوتوماتيكياً من دون أن تتمكن الطائرة من رصده أو التشويش عليه أو، في أغلب الحالات، أن تعرف اصلاً أنّها تتعرض للاستهداف. النظام موجودٌ منذ الثمانينيات، وقد جرى تحديثه باستمرار، وأضيف إليه أخيراً صاروخٌ جديد أكثر كفاءة («بولايد»)، يملك صاعقاً تقاربياً حديثاً ومدىً يفوق 8 كيلومترات، أي إن أكثر الطائرات من دون طيار – إضافة إلى الحوامات والمقاتلات على ارتفاع منخفض – لن تتمكن من العمل في وجوده. ونظراً إلى الحجم الجغرافي للبنان، فإنّ عدداً بسيطاً من بطاريات هذا النظام – أو ما يعادله – يقدر على حماية كامل الجنوب اللبناني، إضافة إلى بيروت وقمم الجبال، وبكلفة لا تتجاوز ملايين الدولارات.
امّا «أحفاد» السام-8 والـ«كروتال»، أي الأنظمة الصغيرة المستقلّة التي تركّب على عربات مدولبة أو مجنزرة، فقد أصبحت تعمل على مديات تفوق الأربعين كيلومتراً وتطاول ارتفاعات شاهقة، أي إنّ كلّ الطائرات الحديثة تقع في متناولها. تكنولوجيا الدفاع الجوي في العقود الأخيرة سخّرت من أجل تصغير حجم الأسلحة، وجعلها متحرّكة ومنقولة بالكاملة، ما يسمح بالتخلي عن المواقع الثابتة التي كانت تميّز بطاريات الدفاع الجوي في الماضي. الحركية والليونة صارت صفات لا غنى عنها لأي نظامٍ حديث كالـ«اس-300»، الذي تقوم كل عناصره على فكرة التنقل الدائم، وإمكانية التشغيل خلال دقائق، ومن ثمّ طيّ الرادارات والبطاريات ونقلها من جديد قبل أن تصل إليها النيران المعادية. بالمناسبة، إنّ ثمن أكثر الأنظمة الروسية تقدّماً (الـ«اس-300» ومشتقاته) يظلّ أقلّ بكثير من كلفة طائرات الـ«ميغ-29» التي أصرّ وزير الدفاع السابق على استقدامها إلى لبنان – ونظامٌ واحد متطور من هذه الفئة بمقدوره تغطية لبنان بأكمله وخلق مشاكل حقيقية لسلاح الجو الإسرائيلي؛ في حين أن أسطول الـ«ميغ»، ولو كان بالعشرات، سيدمّر بسهولة، في الجو أو على الأرض، خلال الساعات الأولى للحرب.

الحرب تكتيك

في الدفاع الجوي، أكثر من أي مجال آخر، تنطبق مقولة أن «قيمة السلاح هي في كيفية استعماله». لا يوجد «كتيّب إرشادات» يشرح كيفية عمل الدفاع الجوي، بل إنّ استعمال الأنظمة الدفاعية بحسب كتيب الإرشادات ما هو إلا انتحارٌ محض، فأنظمة الحماية في الطائرات وتكتيكات إسكات الرادارات تعتمد على فكرة أن يخطئ المدافع ويسلك الطريق الكلاسيكي. أن تفتح الرادار دائماً، مثلاً، هو أمرٌ يوازي الإعلان عن موقعك وتعريضه للتدمير؛ ومنذ أيام حرب فييتنام، صارت الطائرات المقاتلة مجهّزة بمعدّات تنذر الطيّار ما إن تلامس طائرته أشعة الرادار، وتعطيه الموقع الدقيق للرادار المعادي إن أطبق عليه، وترصد حتى قناة التواصل بين بطارية الـ«سام» والصاروخ (الـ«داتالينك»).
بالمقابل، نشأت عقيدة الدفاع الجوي الجديدة على تجنّب الوسائط المضادة، والارتجال في المبارزة الجوية حتى تنال من عدوّك من دون أن يعرف موقعك، وأن تضيّق قدر الإمكان نافذة المناورة والرد لديه. خلال حرب الخليج عام 1991، اكتشف العراقيّون سريعاً أنّ سلاح الجو الأميركي صار محصّناً ضد التكنولوجيا السوفياتية القديمة، وأنّ استعمال الصواريخ التي تحتاج إلى إطباقٍ راداري مستمر حتى توجّه نفسها إلى طائرة العدو يعطي الطائرة الفرصة لكي تشوّش على البث الراداري، مسببة ضياع الصاروخ، فيما توجّه، في الوقت نفسه، صاروخاً مضادّاً للرادار إلى مصدر البثّ (فحالة الإطباق تعطي صواريخ «هارم» طريقاً مباشراً إلى الرادار المعادي). هكذا، صار العراقيون أوّل من استخدم أسلوب إطلاق الصواريخ من دون توجيه، ومن ثمّ فتح الرادار والقيام بالإطباق قبل ثوانٍ من وصول الصاروخ إلى هدفه، ما يختصر فترة الإطباق إلى ثوانٍ قليلة لا تمكّن الطيّار من المناورة ورد الفعل؛ فكانت النتيجة إسقاط عددٍ من الطائرات الأميركية باستعمال هذه الوسائل غير المألوفة.
منذ أيام حرب الخليج، تبحّر الرّوس وغيرهم في مجال تضليل الدفاعات المعادية، وربط الرادارات المختلفة ضمن شبكة يسند بعضها بعضاً، خاصّة مع تطوّر الاتصالات الحديثة وتكنولوجيا نقل المعلومات، فتقوم بطارية الصواريخ باستعمال المعلومات التي تصلها من رادار الكشف (البعيد جغرافياً) وتوجّه الصاروخ إلى منطقة الاشتباك من دون استعمال الرادار القتالي. والجيل الجديد من الصواريخ المضادة للطائرات صار «نشط التوجيه»، بمعنى أنّ رأس الصاروخ يحوي راداراً صغيراً يشغّل حين يصير في منطقة الهدف ويتوجّه أوتوماتيكياً إلى طائرة العدو، من دون أن يجري الرادار الأرضي، في أي مرحلة، إطباقاً ينذر الطيار إلى الخطر الذي يدنو منه.
بهذا المعنى، لا يقتصر الدفاع الجوي على حيازة التكنولوجيا والأنظمة اللازمة، بل هو يعتمد أساساً على الكيفية التي تستخدم بها هذه الوسائل، وعلى تطوير خطط قتالية لا يعرفها العدو ولا يتوقّعها. إذا صارت هناك نيّة جدية لبناء دفاع جوّي في لبنان، مثلاً، فإنّ هذا يجب أن يسبقه زرع مئات الهوائيات الصغيرة (والرخيصة) في قفار الجنوب وبراريه، وأن تشغّل بشكل دائم ـ في أيام السلم ـ لبثّ موجة تشابه الموجة الرادارية، حتى يعتاد الطيار الإسرائيلي تلقّي إنذار بالملاحقة قبل أن يدخل السماء اللبنانية، وأن يأتي الإنذار من عدد كبير من المصادر، بما يمنع تمييز رادار المراقبة الحقيقي عن هوائيات التضليل.
هذه الوسائل، وغيرها، هي ما يحدد فعالية الدفاع الجوي اليوم؛ والحاجة هنا لا تقتصر على تكنولوجيا مناسبة أو معدّات حديثة، بل هي تقوم، أوّلاً وأساساً، على طواقم خبيرة ومبدعة وتعرف أن لا شيء في الحرب مستحيل ما دام المقاوم يفكّر ويستعمل ما لديه من مقدرات ويستنبط الحلول. يمكن أن تصير سماء لبنان منيعة، وأن تُجبر القيادة الإسرائيلية على التفكير عشر مرات قبل أن ترسل طائراتها إلى أجوائنا، لكنّ هذا يستلزم عقلية مختلفة وإرادة صلبة، وهو ما لن «تهبنا» إياه مساعدات أميركا والسعودية.
* من أسرة «الأخبار»