ساذج من يفترض أن سورية وشعبها بغالبيته الإسلامية السنية يقبلان بديلاً عن العروبة والعربية التي تتجسد بتحالف الشام مع مصر. خاطئ ومرتكب من أخذ الثورة السورية وشعبها وفصائلها الى الحاضنة التركية، ليُعزز أوهام رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، بعثمانية درست وذهبت أدراج رياح الماضي. أحمق من ربط الثورة ومشروعها بالخيار القطري أو السعودي الخليجي على إيقاع المصالح الاميركية الاوروبية وتوازناتها الدولية. بلا عقل ولا قلب من افترض وتصرف أن الثورة السورية يمكن ان تنتصر عبر فبركة تشكيلات سياسية كالمجالس والائتلافات الطائرة في أجواء النصب والثراء، وعبر تصنيع حكومات في فنادق سبع نجوم وأخواتها في باريس أو لندن او إسطنبول والدوحة.
بلا دين وفاقد للذاكرة من تورط وورط غيره، مفترضاً أن تسييس الإسلام وتسليحه والاستجارة بالغرب الاستعماري والمهادنة مع الكيان الصهيوني يمكن أن تعطيه فرصة التمكن من حكم سورية باعتبارها بوابة للهيمنة على العرب والمسلمين.
أربع سنوات من العسف والتدمير والحرب الأهلية واحتراب فصائل المعارضة ومموليها وأسيادها، لم تنتج إلا الخراب والتهجير والويلات، فأطلقت صعود الدواعش في صيغة الخلافة، سيان مع جبهة النصرة أو بقايا الجيش الحر والجبهة الاسلامية وباقي أشكالها. أربع سنوات يجب أن تكون كافية ليفهم من عنده بقايا عقل وبعض ضمير، أن سورية شيء مختلف، كانت وما زالت وستبقى، لا تؤخذ عنوة ولا بمؤامرات خارجية ولا عبر استجلاب المسلحين من أربع رياح الارض. ولا بعقد تحالفات إقليمية ودولية وبالظواهر العتيقة الخارجة من قبور التاريخ القديم بعقيدتها وممارساتها.
عابث من يفترض أنه قادر على أخذ سورية من بوابة الطوائف والمذاهب والعصبيات، بما في ذلك من يفترض أن إيران وحزب الله وعصائب أهل الحق وأخواتها قادرة على أخذ سورية وتأمينها في وجه الآخرين. والتحكم في دورها ومكانتها في تاريخ الأمة وفي صعود وهبوط الأمم بتامين وشراء الولاءات والتدخل والتحكم في مفاصل الدولة والعبث بالبيئة الاجتماعية وبوحدتها التنوعية والعبث ببعض قواعدها الحياتية بإحياء عاشوراء بطريقة تستفز الشعائر الدينية والطائفية للآخرين فيها.
عابث وقاصر من قرر أو توهم أن سورية ومؤسساتها ووحدتها وبناءها يمكن أن تتأمن عبر شركات الأمن الخاصة وعبر ميليشيات الطوائف والمذاهب والأشخاص والعائلات والعشائر، او بتغليب بعضها على بعض قسراً وعنوة. فلكل خطأ في سورية نهايات، مهما كانت مبررات وشروط وذرائع وإشكال البدايات، وتبقى سيدة الازمان والجغرافية والحيوية الانسانية كما كانت مع الديانات والأنبياء والإمبراطوريات فاتحة ذراعيها لكل جديد قابل للحياة في تربتها، ومقاومة لا تستكين لمن يزرع في جسدها زرعا لا يناسبها.
اما بعد، فالمحسوم ان الحلول لن تنتج في طهران حتى لو بدأت تستخدم عناصر قوتها في استضعاف دمشق لتغيير خياراتها ومصادرة تاريخها وعروبتها.
وكذا لن تصير موسكو بيئة الحلول والحوارات ولن يصير رأسها على طبق من ذهب يدفع ثمنا لصفقات النووي الايراني ولا الخروج من مأزق الاقتصاد وضبط حرب اسعار النفط والمساومة على اوكرانيا وشرق اوروبا...
فسورية وهي تقاتل وتتقاتل تثق بنفسها وتعتز بكونها قلب العروبة النابض ومولدة الجديد ونقطة توازن الاستراتيجيات العالمية على حد وصف فوستر دالاس لها في خمسينيات القرن المنصرم، وان نسي المتحاربون والمتحاورون والواهمون بأنهم القابضون على نواصيها فحقائق الواقع وتحولاته تطرق بقبضة التاريخ والجغرافية على الرؤوس الخامدة لتوقظها، وعلى الحامية لتصب الماء البارد عليها.
فدمشق التي اعجزت الغزاة على انواعهم واشكالهم ومصادرهم، وطوّعت العواصي وعلّمتهم حرفتها ولغتها صارت بعد نهر الدماء ومطحنة الدمار اعرف واقدر على التعليم من جديدها وقولها.
هنا كان الزمان، وكانت المدنية والحرف والحرفة وهنا التهبت القومية عروبة، وصنع مجد المقاومة وتشهد ميسلون على انها تستشهد ولا تستسلم، تعقلن الاوهام ولا تتوهم تغير اتجاهات الريح ولا يتغير ريحها المعطر بالياسمين.
تتحفز اليوم لتقول للجميع تباً لكم لقد تآمرتم كثيراً ونجحتم بالتدمير والتهجير والقتل واشعال الحرائق واطلاق العفاريت من قماقمها، فصارت نجاحاتكم وبالا عليكم ويعود الخنجر المسموم الذي ارسلتم بصيغة ارهابيين ومسلحين يهدد نحوركم.
وتزف اشارات لإنباء فيها الواقع اصدق من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب، شام لم تلقي الراية ولا استسلمت يوماً، ولا تعودت تكريس الماضي واستعادته على ما كان مهما قيل ومهما صار.
دأبها ان تصمد رافعة الراية وتستفز مصر وعروبتها وتؤمن لها طريق العودة الى التاريخ والجغرافية وعندها يصير للعربية العصرية جناحان لتحلق بهما من جديد.
دمشق تصفع الجميع، من فيها ومن معها ومن لها ومن عليها بأنها قاب قوسين من تغيير اتجاهات التطورات السياسية، تلاقي مصر في عودتها بفاعلية لافتة عبر تحالفاتها وخياراتها السيادية والمستقلة، فهل يتعلقن اردوغان وصحبه؟ هل تتعقل ايران وتحرر من وهم تغريب الشام عن حقائقها وقيمها؟0
هل تدرك روسيا ان حلول ازماتها مع الغرب وتطويعه لا ولن تكون عبر التفكير بالتضحية بسورية وبقاء دولتها؟ هل يدرك اصحاب النظام والدولة بان الحل القابل للحياة لن يكون إلا عربياً يحفظ لسوريا خاصياتها ومكانتها وطبيعتها مشروطاً بان يتغيروا ويغيروا ما كان بهم وما كانوا يفعلون؟
هل يدرك من تنطح لقيادة الثورة الشعبية فاغتصبها، أو اغتصبت من بين يديه لتنتج زعامات الشوارع وعصابات السلاح ومخلفات الماضي المندثر وجماعات البيع والشراء والثراء على حساب الاطفال والعجائز والشيوخ المتحولين الى لاجئين يباعون في اسواق انقرة وعمان للنخاسة؟
هل يتعقل الجميع فينسجمون مع طبيعة سورية ويحصدون من صمودها الاسطوري لتعود مصر وهي عائدة؟
لمن لا يعرف ولمن لا يريد أن يعرف، هوى دمشق مصري، وعين مصر على دمشق، ورايتهما لا تقوم لما قائمة ما لم تنعقد الاكف وتتساند الاكتاف وقد دنت ساعتها.
* الأمين العام لحركة الرديف السوري