«يا شعب فلسطين إنّ طريقكم إلى الحرية هو طريق المقاومة والانتفاضة... أنتم يمكنكم أن تفرضوا على الصهاينة أن يعودوا من حيث أتوا»... السيد حسن نصر الله
ما يجري في فلسطين المحتلة، اليوم، لا يأتي نتيجة صدفة، ولا احتجاجاً على تغيير سلطة، أو مطالبة بحقوق وبتسوية معيشة السكان، كما ينظر إليه البعض. ما يقوم به الشعب الفلسطيني، إنما يأتي نتاج تراكم في فكر التحرّر من الاحتلال الصهيوني، الذي يحتل فلسطين ويعبث في تاريخها الثقافي والحضاري.

لقد سئم الشعب الفلسطيني الاحتلال واغتصابه لفلسطين، وسئم هذا الشعب من صمت المجتمع الدولي، وصمت بعض الأنظمة العربية، ومشاهدتها لما يجري من دون أن يرفّ لها جفن، لذلك فإنّ تحرّك الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي يأتي نتيجة وعي بضرورة دحر الاحتلال، وحقّهم بتقرير مصيرهم، كغيرهم من الشعوب التي تمّ استعمارها بعد اتفاقية سايكس بيكو.
ما يحصل في القدس المحتلة، وغيرها من مناطق فلسطين المحتلة، من عمليات بطولية، سواء عبر المقاومة، أو عبر عمليات الدهس والمواجهات مع قوات الاحتلال الصهيوني، لا ينبئ بانتفاضة ثالثة فقط، إنما ينبئ بتطور حالة الغضب الفلسطيني، وتراكم خوف الشعب على المقدسات، وتحويل الأراضي الفلسطينية إلى شعلة تنتصر على الإرهاب الإسرائيلي، وتجبره على التراجع عن ادعاءاته، ولاحقاً اندحاره عن فلسطين.

أولاً: حق تقرير المصير قاعدة آمرة في القانون الدولي

يعتبر حق تقرير المصير من المبادئ الأساسية في القانون الدولي، باعتباره حقاً مضموناً لكلّ الشعوب على أساس المساواة بين الناس، لذلك كانت هناك صلة، قوية ومباشرة، بين مفهوم حق تقرير المصير بكل أشكاله، وبين مفهوم حقوق الإنسان، كفرد أو جماعة عرقية أو ثقافية.
حق تقرير المصير حق ثابت في ميثاق وقرارات الأمم المتحدة، حيث تنص الفقرة (2) من المادة الأولى على «إنماء العلاقات الودية بين الأمم، على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكلّ منها تقرير مصيرها». بالإضافة إلى المادة (55) من الفصل التاسع، الخاص بالتعاون الدولي والاقتصادي والاجتماعي، إذ يعتبر هذا المبدأ في المادة الخامسة والخمسين أساساً لخلق شروط الاستقرار والرفاه اللازمين لعلاقات الصداقة والسلام بين الأمم.
ما يحصل في القدس لا ينبئ بانتفاضة ثالثة فقط، إنما ينبئ بتطور حالة الغضب الفلسطيني


حق تقرير المصير، لا يتحقق من خلال الوسائل السلمية فقط، فقد أتاحت الأمم المتحدة الكفاح المسلّح

لقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 16 كانون أول 1952، القرار رقم (673) والذي اعتبرت بمقتضاه حق الشعوب في تقرير مصيرها شرطاً ضرورياَ للتمتع بالحقوق الأساسية جميعها. ويعتبر القرار «1514» الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، من أهم قرارات الجمعية العامة، فهو تميز بأهمية خاصة من حيث أنه اتخذ محوراً استندت إليه قرارات الأمم المتحدة اللاحقة كافة، والخاصة بحق تقرير المصير، وقد نصّ على حق الشعوب، من دون تمييز، في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وقامت الجمعية العامّة بجمع كل القرارات التي سبق أن اتخذتها، بصدد تقرير المصير، في قرار واحد محاولةً إيضاحها، وذلك في القرار رقم (2625) الذي اتخذته بالإجماع عام 1970، والذي تضمّن القرار الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
كذلك أكّدت الجمعية العامة في القرار رقم (2787) الصادر في 12 كانون أول 1972، حقّ الشعوب في تقرير المصير والحرية والاستقلال بكل الوسائل المتاحة، هذا الحق تأكّد أيضاً في العهد الدولي، الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك في العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ تؤكد المادّة الأولى من العهدين أنّ «جميع الشعوب تملك حق تقرير مصيرها». وعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة وأكدت في قرارها رقم (61/295)، المؤرخ في 13 أيلول/سبتمبر 2007 أنه «للشعوب الأصلية الحق في تقرير المصير».
إلى جانب تأكيد الجمعية العامة للأمم المتحدة حق تقرير المصير، اعترف مجلس الأمن به في القرارات (183 / 1963 و 218 / 1965). كما تمّ التأكيد على المبدأ في قرارات محكمة العدل الدولية، بآرائها الاستشارية، مثل فتواها المؤرخة في 21 حزيران 1971 في ما يتعلق بوجود جنوب أفريقيا في ناميبيا. وهذا الحق يعتبر قاعدة آمرة يمنع خرقها.

ثانياً: حق تقرير المصير للفلسطينيين

ما يقوم به الفلسطينيون، ينبع من حقهم في تقرير المصير، الذي ينصّ عليه القانون الدولي، هذا الحق الذي ارتبط وبشكل أساسي بالاستعمار والاحتلال الخارجي، ويعبر عنه في القانون الدولي، بأنه «حقّ ثابت»، أي يتمتع بالقوة الآمرة.
وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني في 6 تموز 1921، بناء على نظام الانتداب الذي أوجدته معاهدات الصلح لعام 1919، ونصّت عليه المادة (22) من عهد عصبة الأمم. إلا أنّ الانتداب البريطاني في فلسطين، لم يراع في مضمونه حقوق الشعب الفلسطيني، وما نصّ عليه ميثاق عصبة الأمم، وصك الانتداب، بل تحوّل إلى مساعدة وتمكين للحركة الصهيونية من احتلال فلسطين من خلال وعد بلفور المشؤوم في عام 1917.
قبل عام 1948، لم يتحرك المجتمع الدولي فعلياً لإنصاف الشعب الفلسطيني، بل وقف إلى جانب الصهاينة الذين احتلوا فلسطين، وعاثوا فيها فساداً، وبدأوا بالعمل على تهويد القدس، وقد صدر القرار (181) بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني1947، والذي بدل أن يطالب بالحق الفلسطيني، قسّم فلسطين إلى دولتين، واعترف بـ«إسرائيل» كدولة إلى جانب دولة فلسطين.
إنّ للشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره، ودحر الاحتلال الصهيوني، وقد أكّد ذلك العديد من القرارات الدولية، منها قرار الجمعية العامة رقم (2535) الذي اعترفت صراحة فيه بالشعب الفلسطيني وحقوقه «غير القابلة للتصرف»، وكذلك قرار الجمعية العامة (2628) الذي أكدت فيه ضرورة انسحاب الصهاينة من الأراضي التي احتلوها عام 1967 مع مراعاة حق اللاجئين في العودة. كذلك هناك قرار الجمعية العامة رقم (2649) الذي يقوم على إدانة إنكار حق تقرير المصير للشعب فلسطين، وقرار الجمعية العامه رقم (2672) الاعتراف لشعب فلسطين بحق تقرير المصير، وكذلك قرار الجمعية رقم (2993) الصادر في كانون أول 1972 والذي أكدت فيه «عمق قلقها لعدم السماح للشعب الفلسطيني التمتع في حقوقه غير قابلة للتصرف».
إضافة إلى قرارات الجمعية العامة، هناك العديد من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، منها القرار رقم (237) قرار رقم (242) والقرار رقم (338)، وغيرها العديد من القرارات التي أكدت الحق الفلسطيني.
لكن الحق في تقرير المصير، لا يتحقق من خلال الوسائل السلمية فقط، فقد أتاحت الأمم المتحدة الكفاح المسلّح من أجل استعادة الأراضي والاستقلال ودحر الاحتلال، والقضية الفلسطينية اليوم بأمسّ الحاجة إلى الدّعم من قبل كل أحرار العالم، حتى يتكلل النضال والمقاومة الفلسطينية بالنجاح، ويتم تحرير فلسطين، كل فلسطين من نهرها إلى بحرها.
إن الحالة الفلسطينية اليوم هي حالة تحرّر، ولكن لا بد من دعم المسعى الذي يبذله الفلسطينيون لتحرير فلسطين. ويجب التعويل على كل الوسائل لدعم هذا المسعى، ولا بدّ من الاستناد إلى ما تقدّم من قرارات دوليّة، لأن حق تقرير المصير ثابت لا يتغير.
* كاتب لبناني