لا يجب أن يخدعنا وقف اطلاق النار وانطلاق العملية السياسية في اوكرانيا، فالحرب لم تنتهِ في أذهان أحد، والسياسة ليست الا إشغالاً للوقت. المعارك مستمرّة بالفعل وقد سقط، منذ اعلان «الهدنة» في ايلول الماضي، أكثر من ألف قتيلٍ في النزاع في الشرق، والجميع يتحضّر للجولة المقبلة.
الولايات المتحدة، مع انها تنفي رسمياً تزويد الحكومة الأوكرانية بالسلاح، الا انّها تحاول دعم الجيش الاوكراني عبر قنوات الـ «ناتو» المختلفة، من ليتوانيا الى كندا، ويوشك الكونغرس الأميركي على تمرير قانونين يجيزان الدعم العسكري للحكومة الأوكرانية، فيما طالب الرئيس الموالي للغرب، بوروشينكو، حلفاءه في واشنطن بالمزيد من السلاح، شاكياً من أنّ «البطّانيات والمناظير الليلية لا تكفي للانتصار في حرب».
في الوقت نفسه، تعزّز القوى الموالية لروسيا تنظيمها وسيطرتها في الشرق الأوكراني، حتى صار لـ «جمهورية نوفوروسيا» جيشٌ شعبيّ حقيقي، تمتدّ شبكاته من القرم جنوباً الى خاركيف، ويزرع – بحسب قادته – خلايا نائمة حتى في الأقاليم الغربية، في انتظار تجدّد الحرب. استغلّت «القوات العسكرية الموحدة لنوفوروسيا» فترة الهدنة لإنشاء بنية عسكرية فعّالة، تتركّز قيادتها في جمهورية القرم، ولها مراكز في الداخل الروسي، وتقدر على ادارة معركة منسّقة على طول الشرق الأوكراني. يقول خبير عسكري روسي بعد استعراض استعدادات «المقاومة الشعبية» أنّ مواطني اوكرانيا الروس لن يضطرّوا مجدّداً الى مواجهة «الفاشيست»، كما جرى في سيباستوبول، وهم عزّل.
أيّ استطلاعٍ للرأي في اوكرانيا يشير بوضوح الى أنّ الحلّ السياسي لم يعد ممكناً. مواطنو الشرق الأوكراني لا يريدون، ببساطة، أن يتعايشوا مع الرئاسة الانقلابية، وهم لا يولون كبير اهتمامٍ للانتخابات والحكومة الجديدة. في الوقت ذاته، ينشغل سياسيو كييف بتعميق رهانهم على الغرب، وتعيين حكومة فيها ثلاثة أجانب (أُعطوا الجنسية الأوكرانية على عجل)، فيما الساحة السياسية في الغرب مقسومة بين الأوليغارشيين و – على المستوى الشعبي – أحزاب أقصى اليمين، «سفوبودا» و»القطاع اليميني»، اللذين استبدلا أحزاب المعارضة التقليدية وصار محازبوهما يقودون القتال على الجبهات الى جانب الجيش الحكومي الهزيل.
الحرب مستمرّة، وهي أكبر من أوكرانيا، بل تؤشّر الى خطوط تماس جديدة، ملتهبة، تضع الغرب والشرق على خطّ تصادم؛ ومع تأكيد فرنسا انّها لن تسلّم حاملات «ميسترال» التي اشترتها روسيا الى موسكو، تنتهي آخر آمال سنوات التسعينيات في علاقة «طبيعية» بين روسيا والغرب، والمواجهة تبدأ في الدونباس.