يستغرب البعض قلّة الاكتراث (النسبية) للجمهور العربي حيال فضيحة تعذيب الـ «سي اي اي» التي كشف عنها تقرير لمجلس الشيوخ؛ مع أن الأمر يعنيهم بشكلٍ خاصّ، وجرائم التعذيب ارتكبتها المخابرات الاميركية حصراً ضدّ العرب والمسلمين.هنا، يوجد تماثل على مستوى معيّن بين قضية التعذيب الأخيرة وواقعة تجسس وكالة الأمن القومي على مواطني العالم، والتي كشفتها وثائق ادوارد سنودن هذا العام. في الحالتين، لم تصب «الفضيحة» الجمهور العربي بالدهشة لأنها، ببساطة، لم تكشف له امراً كان يجهله. كلّ عربيّ يفترض بداهةً أنّ مخابرات اميركا لن تتورّع عن «اختراق خصوصيته»، وانها تراقب بالفعل حساباته وبريده؛ كما أنّ كل انسان ينتمي الى بلدٍ غزته اميركا يعرف جيداً انّه، ان اعتقله الجيش الاميركي، فلن يلقى الا الضرب والاهانة والتعذيب.
شعور «الاستفظاع» (outrage) في هكذا حالات هو، بمعنى ما، خاصية غربية؛ اذ انّه يعتمد على نظرة الى العالم تفترض أنّ قوىً كأميركا صادقة في ادّعاءاتها الانسانوية، وأنّ خلف الحروب الأميركية وعمل المخابرات يوجد نظام قانوني اخلاقي ما. هذه العقلية هي التي تصاب بالجزع والصدمة حين تكتشف ما جرى في ابو غريب، أو انّ المخابرات – بمعاونة الشركات الكبرى – تتجسس على الناس.
على المستوى الشعبي، تظهر الاستطلاعات أن أغلبية واضحة من الاميركيين تؤيد التعذيب اذا مورس على مسلمين «ارهابيين» سمر البشرة. وقد قامت الثقافة الشعبية اصلاً بتحضير الجمهور لتقبّل التعذيب وتبريره عبر البرامج التلفزيونية والاعلام، وتصويره على انّه «خيار اخير»، يستخلص معلومات لا غنى عنها حين تكون حياة الآلاف على المحك (من أبرز خلاصات تقرير مجلس الشيوخ ان التعذيب لم يثمر، في اية حالة، معلومات حيوية وماسة).
هكذا، ينقسم التيار السائد في اميركا الى جزئين، الأوّل «يميني» يصرّ على أن «اميركا رائعة، نحن رائعون» (كما ردد مذيعو «فوكس الاخبارية» تعليقاً على النبأ) وأن التعذيب مبرّر واخلاقي؛ فيما يُصدم الثاني، «الليبرالي»، بأن تكون «اميركا الرائعة» ارتكبت هكذا أفعال تتناقض مع طبيعتها وقيمها. المشترك بين الطرفين هو في رفضهما التنازل عن هذه الصورة المثالية، والاعتراف بأن افعال الـ «سي اي اي» هي نتيجة لطبيعة النظام، ووجه بسيط من أوجه العنف الذي يمارسه يوميا حول العالم وداخل اميركا نفسها (الكثير من ممارسات «ابو غريب» هي تقليد مطابق لاساليب اذلال المساجين ــــ وجلّهم من الأقليات ــــ في سجون اميركا).
لهذه الأسباب، وفي مثالٍ على فعالية الهيمنة الليبرالية، نجد انّه في الغرب، على عكس بلادنا، جرى استقبال فضيحة التعذيب الأخيرة بمنطق «الاستفظاع»، فيحتل الحدث واجهات الاعلام، ويسيل حبر كثير، ثمّ ينسى الجميع الأمر ولا ينتج أي تغيير في الواقع والسياسات. لا غرابة هنا في أن يتلقى العرب الخبر بفتور. بل هم لا يتوقعون أقلّ من ذلك، فأميركا ليست «رائعة» في عيون ضحاياها.
2 تعليق
التعليقات
-
في أمريكا يموت على يد ارهابفي أمريكا يموت على يد ارهاب الأمريكيين أنفسهم على بعضهم كإطلاقات النار المتكررة في المدارس والجامعات الأمريكية أكثر بكثير مما يموت من الإرهاب المستورد ،، تصرف الكثير من الأموال على برامج السي آي إي والتجسس على المسلمين الإرهابيين المحتملين وأكثر منها على حروب أمريكا الخارجية لدرء الإرهاب القادم إليها من الشرق في حين هو في عقر دارها دون أي اهتمام بلغة الأرقام !! أمريكا تعرف ماتريد وماتفعل ، حكومة وشعبا ، فليست الشعوب على دين ملوكها فقط في بلداننا بل في الغرب " الديمقراطي جدا !" من قاد حرب العراق الأولى انتخب مرة ثانية !! وفي بلد الديمقراطيات الكبرى لايمكن تبرئة الشعوب من ممارسات حكامهم ، ويسوّقون لنا أن الشعب الأمريكي مغيّب بسبب إعلامه المضلل لهم !! هل نقتنع بأكبر قوى العالم أن شعبها بهذا الغباء ؟! كل القصة بالمثل القائل " طعمي التم بتستحي العين " هم يقبضون ثمن غبائهم رفاهية يصبح الغباء معها غير ذي أهمية وماهم ياأم أن يقتلون من هم بعيدون عنهم آلاف الأميال !!!
-
حكم القويالقوي يفعل ما يشاء في هذه المنظومة الفاسدة. اما الضعيف، فشعاره ظالم واحد خير من الف ظالم. شيء مخزي. رحم الله شهداء قالوا "نموت واقفين ولا نركع". أساطير هؤلاء. مع الشكر